تسجيل الدخول


عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي

يكنى أبا أمية. سيّد بني جُمَح، لما رجع كلّ المشركين إلى مكة بعد بدر، أقبل عُمير بن وهب حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر، فقال صفوان: قَبَّحَ الله العيشَ بعد قَتْلى بَدْر، قال: أجل، والله ما في العيش خَيْرٌ بعدهم، ولولا دَيـْنٌ عليّ لا أجد له قضاءً؛ وعيالٌ لا أدعُ لهم شيئًا، لرحلْتُ إلى محمد، فقتلته إن ملأتُ عيني منه؛ فإنّ لي عنده علة أعتلّ بها عليه؛ أقول: قدمت من أجل ابني هذا الأسير، ففرح صفوان، وقال له: عَلَيَّ دينُك، وعيالُك أسوة عيالي في النفقة، لا يسعني شيء فأَعجز عنهم. فاتفقا، وحمله صفوان وجَهَّزه، وأمر بسيف عُمير فصُقِل ووُضِع فيه السم، وقال عمير لصفوان: اكتم خَبَري أيامًا. وقدم عُمير المدينة، فنزل بباب المسجد، وعقل راحلته، وأخذ السيفَ وعمد إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فنظر إليه عُمر وهو في نَفَرٍ من الأنصار، ففزِع ودخل إلى رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لا تأمنه على شيء. فقال: "أَدْخِلْهُ عَلَيَّ" ـــ وفي رواية: فلما قدم المدينة وجد عمرَ على الباب فجره من ثيابه، ودخل به على النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وقال‏: يا رسول الله، هذا عُمير بن وهب شيطان من شياطين قريش، ما جاء إلا ليَفْتك بك‏.‏ فقال‏: ‏"‏أَرْسِلْه يَا عُمَرُ". فأرسله ـــ فخرج عمر فأمر أصحابَه أن يدخلوا إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ويحترسوا من عُمير. وأقبل عُمر وعمير حتى دخلا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ومع عُمير سيْفُه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعمر: "تَأَخَّرْ عَنْهُ". فلما دنا عُمير قال: أنعموا صباحًا ـــ وهي تحيةُ الجاهلية؛ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قَدْ أَكْرَمَنا اللهُ عَنْ تَحِيَّتِكَ، وَجَعَلَ تَحِيَّتَنَا تَحِيَّةَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَهُوَ السَّلامُ". فقال عمير: إن عهدك بها لحديث. فقال: "مَا أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ؟" قال: قدمتُ على أَسيري عندكم، تفادونا في أَسْرانا؛ فإنكم العشيرة والأهل. فقال: "مَا بال السَّيف فِي عُنُقِكَ"؟ فقال: قبحها الله من سيوفٍ! وهل أغنَتْ عنا شيئًا؟ إنما نسيته في عنُقي حين نزلْتُ. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اصْدقْنِي، مَا أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ"؟ قال: ما قدمت إلا في طلب أسيري. قال: "فَمَاذَا شَرطْتَ لِصَفْوَانَ فِي الحَجَرِ"؟ ففزع عُمير، وقال: ماذا شرطتُ له؟ قال:"تحمَّلْتَ لَهُ بِقَتْلِي عَلَى أَنْ يَعُولَ أَوْلَادَكَ وَيَقْضِيَ دَيْنَكَ، واللهُ حَائِلٌ بِيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ". فقال عمير: أشهد أنكَ رسولُ الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، كنَّا يا رسولَ الله نكذّبك بالوحي وبما يأتيك من السماء، وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر كما قلت، لم يطلع عليه أحَدٌ، فأخبركَ الله به، فالحمدُ لله الذي ساقني هذا المساق ـــ وفي رواية: فضمّه النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم إليه، وكلمه، وأخبره بما جرى بينه وبين صفوان؛ فأسلم وشهد شهادة الحق ـــ ففرح به المسلمون، وقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اجْلِسْ يَا عُمَيْرُ نُوَاسِكَ". وقال لأصحابه: "عَلِّمُوا أَخَاكُم الْقُرْآنَ". وَأَطْلَقَ له أسيره. فقال عمير: ائذن لي يا رسول الله، فألحق بقريش، فأَدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل اللهَ أن يهديهم. فأذن له فلحق بمكة. وجعل صفوان يقول لقريش: أَبْشِرُوا بفَتْحٍ ينسيكم وقعة بَدْر. وجعل يسأل كلَّ راكب قدم من المدينة: هل كان بها من حَدَث؟ حتى قدم عليهم رجل، فقال لهم: قد أسلم عُمير، فلعنه المشركون، وقال صفوان: لله عَلَيّ ألَّا أكلمه أبدًا، ولا أنفعه بشيء. ثم قدم عمير، فدعاهم إلى الإسلام ونصحهم بجهده، فأسلم بسببه بشَرٌ كثير. ولما قدم عمير بن وهب مكّة بعد أن أسلم نزل بأهله، لم يقف بصفوان بن أُميّة، فأَظهر الإسلام، ودعا إليه، فبلغ ذلك صفوان، فقال: قد عرفْتُ حين لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد ارتكس وصبأ، فلا أكلمه أبدًا، ولا أنفعه ولا عِياله بنافعة، فوقف عليه عُمير وهو في الحِجْر، وناداه، فأعرض عنه، فقال له عمير: أنت سيِّدٌ من سادتنا، أرأيت الذي كُنَّا عليه من عبادة حجر والذّبح له! أهذا دِين! أشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمّدًا عبده ورسوله، فلم يُجْبه صَفْوان بكلمة. وروى عكرمة أنّ عمير بن وهب خرج يوم بدر، فوقع في القَتْلى فأخذ الذي جرحه السيف، فوضعه في بطنه حتى سمع صَريف السيف في الحَصَى حتى ظنّ أنّه قد قتله. فلمّا وجد عُمير بَرْدَ الليل أفاقَ إفاقةً، فجعل يحبو حتى خرج من بين القَتْلى، فرجع إلى مكّة، فبرأ منه. وكان له قَدْرٌ وشرف في قريش، وشهد بَدْرًا كافرًا، وهو القائل لقريش يومئذ في الأنصار: إني أرى وجوهًا كوجوهِ الحيّات، لا يموتون ظمأ أو يَقْتلون منا أعدادهم، فلا تتعرّضوا لهم بهذه الوجوه التي كأنها المصابيح، فقالوا له: دَعْ هذا عنك، وحرش بين القوم، فكان أَول مَنْ رَمَىَ بنفسه عن فرسه بين أصحابِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأنشب الحرب. وشهد عمير أُحُدًا مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وشهد ما بعدها، وشهد الفتح. ولعمير ذِكْر في تَبُوك مع أبي خيثمة السالمي الذي كان تأخَّر ثم لحقهم، فترافق مع عمير ببعض الطريق، فلما دنا مِنَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لعُمير: إنك امرؤ جَرِيء، وإني أعرف حُبَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لهم، وإني امرؤ مُذْنب، تأخَّر عني حتى أخلُو به، فتأخر عنه عُمير. وعمير هو أحَدُ الأربعة الذين أمَدَّ بهم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه عَمْرو بن العاص بمصر؛ وهم‏: الزّبير بن العوّام، وعمير بن وهب الجُمَحيّ، وخارجة بن حُذافة، وبُسر بن أرطاة. وقيل‏: المقداد موضع بسر‏. وقيل: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسط أيضًا لعمير بن وهب رِدَاءَه، وقال:‏ ‏"‏الْخَالُ وَالِدٌ" ولا يصح إسناده، وبَسْط الرّداء لوهب بن عمير أكثر وأشهر. وعاش عمير إلى صَدْر من خلافة عثمان رضي الله عنه.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال