تسجيل الدخول


قيس بن المكشوح المرادي

قيس بن المكشوح، أبو شداد:
اختلف في اسم المكشوح، فقيل هبيرة بن هلال، وهو الأكثر، وقال أَبو عمر:‏ عبد يغوث بن هبيرة بن هلال بن الحارث البجلي، حليف مراد، وعِدَادُه فيهم، وقال أَبُو مُوسَى فِي "الذيل": قيس بن عبد يغوث بن مكشوح؛ ولم يزد، وينبغي أن يكتب ابن مكشوح بألف، فإنه لقب لأبيه لا اسم جده، وقال ابنُ الكلبي: قيس بن المكشوح، واسمه هُبيرة بن عبد يغوث بن الغُزَيِّل، من مراد صُلبيَّة، وقال أَبو عمر: إِنما قيل له المكشوح لأَنه كوِي، وقيل: لأَنه ضرب على كَشْحِه، وقيل: لأنه كشح بالنار ـ أي كوي على كشحه، وكان سيد مراد، وابنه قيس كان فارس مذحج، وهو الذي قتل الأسود العنسي الذي تنبأ فسمته مضر: قيس غدر، فقال: لست غُدَر ولكني حَتفُ مُضَر.
هو ابْنُ أختِ عمرو بن معد يكرب، وكان يناقضه في الجاهليّة،‏ وكانا في الإسلام متباغضين، وهو القائل لعمرو بن معد يكرب:
فَـلَوْ لَاقَيْتَنِي لَاقَيـْتَ قِرْنـًـا وَوَ دَّعْـتَ الحَبـــَائـِبَ بِالسَّلَامِ
لَعَلَّكَ مَوْعِدِي بِبَنِي زُبَيدٍ وَمَا قَامَعــْتَ م ـِنْ تـِلـْكَ اللِّئامِ
وَمِثْلُكَ قَدْ قَرَنْتُ لَهُ يَدَيــْـه إِلَى اللَّحْيَيْنِ يَمْشِـي فِي الخِطَامِ
قال خُزَيمة بن ثابت: قال عمرو بن مَعْدِيكرب لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يا قيس، أنت سيد قومك اليوم، وقد ذكر لنا أن رجلًا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيًا كما يقول فإنه لم يخف علينا، إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك، علمنا علمه، فإنه إن سبق إليه رجل من قومك سادنا وترأَّسَ علينا وكُنا له أذْنابًا، فأبَى عليه قيس وسَفَّه رأيه، فركب عمرو بن معديكرب في عشرة من قومه حتى قدم المدينة فأسلم، ثم انصرف إلى بلاده، فلما بلغ قيس بن مكشوح خروج عمرو، أوعدَ عمرًا وتحطم عليه وقال: خالَفني وترك رأيي: فقال عمرو في ذلك شعرًا:
أمرتكَ يـوم ذي
صَنْعَا ء أمْرًا بَادِيًا رَشَدُهْ
أَمَرْتُـكَ
باتقَــاء
اللــ ـهِ والمعروف تَأْتَقِدُهْ
خرجتَ من المني مثل الـ حُمَيِّــر عاره وَتِـــدُه
وجعل عمرو يقول قد خبرتك يا قيس إنك ستكون ذنبًا تابعًا لفروة بن مسيك، وجعل فروة يطلب قيس بن مكشوح كل الطلب حتى هرب من بلاده وأسلم بعد ذلك، ولما ظهر العنسي خافه قيس على نفسه، فجعل يأتيه ويسلم عليه ويرصد له في نفسه ما يريد، ولا يبوح به إلى أحد، حتى دخل عليه وقد دق فيروز بن الديلمي عنقه وجعل وجهه في قفاه وقتله، فَحَزَّ قيسٌ رأسه ورَمَى به إلى أصحابه، ثم خاف من قوم العنسي، فعدا على داذويه فقتله ليرضيهم بذلك، وكان داذويه فيمن حضر قتل العنسي أيضًا،فكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية: أن ابعث إليّ بقيس في وَثَاق، فبعث به إليه، فكلّمه عمر في قتله وقال: اقتله بالرجل الصالح ـ يعني داذويه ـ فإن هذا لص عادٍ، فجعل قيس يحلف ما قتله، فأحلفه أبو بكر خمسين يمينًا عند منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ما قتله ولا علم له قاتلًا، ثم عفا عنه، فكان عمر يقول: لولا ما كان من عفو أبي بكر عنك لقتلتك بداذويه، فيقول قيس: يا أمير المؤمنين، أشعرتني، ما يسمع هذا منك أحد إلا اجترأ عليّ وأنا بريء من قتله، فكان عمر يكفّ بعد عن ذكره، ويأمر إذا بعثه في الجيوش أن يشاوَر ولا يجعل إليه عقد أمر، ويقول: إن له علمًا بالحرب وهو غير مأمون فهذا حديثه.
فارس مَذْحِج وفد على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وهو الذي قَتَل الأسْود العَنْسي الذي تنبّأ باليمن‏، وذكر الوَاقِدِيُّ بسندٍ له أن عمر قال لفيروز: يا فيروز: إنك ابتلي منك صدق قول، فأخبرني مَنْ قَتل الأسود؟ قال: أنا يا أمير المؤمنين قال: فَمنْ قتل داذويه الفارسي؟ قال: قيس بن مكشوح، ويقال: إن عمر قال له قولًا، فقال: يا أمير المؤمنين؛ ما مشيتُ خَلْف ملك قط إلا حدثتني نفسي بقَتْله، فقال له عمر: أكنتَ فاعلًا؟ قال: لا، قال: لو قلت نعم ضربتُ عنقك: فقال له عبد الرحمن بن عوف: أكنْتَ فاعلًا؟ قال: لا، ولكني أسترهبه بذلك.
كان ممن ارتد عن الإسلام باليمن، وطلب فيروز ليقتله ففرَّ منه إلى خَوْلان، ثم راجع الإسلام، وهاجر، وجزم دُعْبُلٌ بن علي في "طبقات الشعراء" بأن له صحبة، قيل‏: لا صُحْبَةَ له،‏ وقيل:‏ بل لقيس بن مكشوح صحبة باللّقاء والرّواية، وقال ابن عبد البر: لا أعلم له رواية، ومَنْ قال:‏ لا صحبة له يقول:‏ إنه لم يسلم إلا في أيّام أبي بكر، وقيل: في أيّام عمر. وهو أحد الصّحابة الذين شهدوا مع النّعمان بن مقرن فتْح نهاوند.‏ له ذِكْر صالحٌ في الفتوحات بالقادسيّة وغيرها زمنَ عمر وعثمان ـــ رضي الله عنهما ـــ وهو أحَدُ الذين قتلوا الأسود العنسيّ، وهم‏:‏ قيس بن مكشوح، وذادويه، وفَيْرُوز الديّلميّ،‏ وقَتْلُه الأسود العنسيّ يدلُّ على أن إسلامَه كان في مرض النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ ثم قُتل قيس بن مكشوح بصفيّن مع علي ـــ رضي الله عنه ـــ وكان يومئذ صاحب راية بجيلة، وكانت فيه نجدة وبسالة، وكان قيس شجاعًا فارسًا بطلًا شاعرًا
وسار إِلى العراق على مُقَدَّمة سعد بن أَبي وقَّاص، ذكر أنّ سعد بن أبي وقاص في فتوح العراق أمّر قيس بن المكشوح، وكان عمرو بن معد يكرب مِنْ جُنده، فغضب عمرو من ذلك، قال أَبُو عُمَرَ: قُتل بصفّين مع علي، ومن خبره في صفين أنّ بجيلة قالت له‏:‏ يا أبا شداد، خُذْ رايتَنا اليوم فقال:‏ غيري خَيْر لكم‏. قالوا: ما نريد غيرك‏. قال:‏ فوالله لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب التّرس المذهب ـــ قال‏:‏ وعلى رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب يَستُرُ به معاويةَ من الشّمس ـــ فقالوا له:‏ اصنَعْ ما شئت‏،فأَخذ الرّايةَ ثم زحف، فجعل يُطاعنهم حتى انتهى إلى صاحب التّرس ـــ وكان في خيل عظيمة ـــ فاقتتل النّاسُ هنالك قتالًا شديدًا، وكان على خَيْل معاوية عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد فشدّ أبو شداد بسيفه نحو صاحب التّرس فعارضه دونه رومي لمعاوية، فضرب قدم أبي شداد فقطعها، وضربه قيس فقتله، وأشرعت إليه الرّماح، فقُتل رحمة الله تعالى عليه.
قال ابن حجر: وهذا يقوي قَوْل مَنْ زعم أنه بجلي؛ لأن أنمار من بني بجيلة؛ وفرَّق ابن دُريد؛ بين قيس بن المكشوح الذي قتل الأسود العَنْسي، وبين قيس بن مكشوح البجَلي الذي شهد صِفّين؛ وهذا هو الصواب.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال