تسجيل الدخول


عياض بن غنم الفهري

وقيل: عِيَاض بن زهير بن أبي شداد القرشي الفهري، أَبو سعد، وقيل: أَبو سعيد. وكانت عنده أُمّ الحَكَم بنت أَبِي سفيان بن حرب، فلما نزل القرآنُ: }وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ {[سورة الممتحنة: 10] يعني: من غير أهل الكتاب، طَلَّق عِياضُ بن غَنْم الفِهْرِي أُمَّ الحكم بنت أبي سفيان يومئذٍ، أَسلم قبل الحديبية وشهدها، وكان بالشام، مع ابن عمه أَبي عبيدة بن الجراح، ولما تُوفِّي أبو عبيدة استخلف عياض بن غَنْم ، فأقرّه عمر وقال:‏ ما أنا بمبدّل أميرًا أمَّرَهُ أبو عبيدة، ورزقه كل يوم دينارًا وشاة، فلم يزل واليًا لعمر على حمص حتى مات بالشام سنة عشرين، وهو ابن ستين سنة، وهو الذي فتح بلاد الجزيرة، وصالحه أَهلها، وهو أَوّل من أَجاز الدَّرْبَ في قول الزبير، وكان صالحًا فاضلًا سَمْحًا، وكان يسمى "زاد الركب"، يطعم الناس زاده، فإِذا نفذ نحر لهم جَمَله. ولمَّا وَلِيَ عياضُ بن غَنْم قدِمَ عليه نفرٌ من أهل بيته يطلبون صِلَتَه ومعروفه، فلقيهم بالبِشر وأنزلهم وأكرمهم، فأقاموا أيامًا، ثمّ كلَّموه في الصِّلَة وأخبروه بما تَكلَّفوا من السفر إليه رجاءَ معروفِه، فَأَعْطَى كلَّ رجلٍ منهم عشرةَ دنانير، وكانوا خمسةً، فَرَدُّوها وتَسَخَّطُوا ونالوا مِنْه، فقال: أيّ بني عمّ، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقّكم وَلاَ بُعْدَ شُقَّتِكم، ولكن والله ما خَلَصتُ إلى ما وصلتُكم به إِلاّ ببيع خادمي وبيعِ ما لا غِنَى بي عنه، فاعذروني، قالوا: والله ما عذركَ الله، إنك وَالِي نصف الشام وتُعطى الرجل منا ما جُهدهُ أن يبلغَهُ إلى أهله، قال: فتأمروني أَسرِق مالَ الله! لَأَنْ أُشَقَّ بالمنشار وأُبْرى كما يُبْرى السَّفَن أحبُّ إِلَيّ مِنْ أخون فَلْسًا، أو أتعدَّى فأحملَ على مسلم ظُلْمًا أو على مُعاهدٍ! قالوا: قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك، فولِّنا أعمالًا من أعمالك نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الناسُ إليك، ونُصِيبُ مما يُصِيبون من المنفعة، فأنت تعرفُ حَالَنَا وَأَنَّا ليس نعدو ما جعلتَ لنا، قال: والله إني أعرفكم بالفضل والخير، ولكنْ يبلغُ عمرَ بن الخطاب أَنِّي ولَّيتُ نفرًا من قومي فيلومني في ذلك، ولستُ أحتمِلُ أن يلومني في قليلٍ ولا كثير، قالوا: فقد وَلاَّكَ أبو عبيده بن الجَرّاح وأنت منه في القرابة بحيث أنت، فأنفذ ذلك عمر، ولو ولَّيتنا فبلغ عمر أنفذَهُ، فقال عياضٌ إني لست عند عمر بن الخطاب كَأَبِي عُبَيْدة بن الجَرّاح، وإنما أنفذَ عمرُ عهدي على عملٍ لقول أَبِي عُبيدة فِيّ وقد كنتُ مستورًا عند أبي عبيدة فقال فِيّ، ولو علم ما أعلم من نفسي ما ذكر ذلك عَنِّي، فانصرف القوم لاَئمين لعياض بن غَنْم. وروى شريح بن عبيد، عن جُبَير بن نفير قال: جلد عياض بن غَنْم صاحب دار حِين فُتِحت، فأَغلظ له هشام بن حكيم القولَ حتى غضِب عياض، ثم مكث ليالي، فأَتاه هشام فاعتذر إِليه، ثم قال هشام لعياض: أَلم تسمع رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ الْنَّاسِ عَذَابًا أَشَدَّهُمْ لِلْنَّاسِ عَذَابًا فِي الْدُّنْيَا"؟! فقال عياض: قد سمعنا ما سمعتَ، ورأَينا ما رأَيتَ، أَو لم تسمع رسول اللّه صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانِ عَامَّةٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَخْلُ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ" وإِنك يا هشام لأنت الجَرِيءُ إِذ تجترئُ على سلطان الله، فهلا خشيت أَن يقتلك السلطان، فتكون قتيل سلطان الله؟ وروى شهر بن حوشب، عن عياض بن غنم قال: سَمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِيْنَ يَوْمًا، فَإِنْ مَاتَ فَإِلَى الْنَّارِ، وَإِنْ تَابَ قَبِلَ الله مِنْهُ، وَإِنْ شَرِبَهَا الْثَّانِيَةَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنْ مَاتَ فَإِلَى الْنَّارِ وَإِنْ تَابَ قَبِلَ الله مِنْهُ، وَإِنْ شَرِبَهَا الْثَّالِثَةَ أَوْ الْرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يَسْقِيْهُ مِنْ رَدْغَةِ الْخَبَالِ" فقيل: يا رسول الله، وما رَدْغَة الخبال؟ قال: "عُصَارَةُ أَهْلِ الْنَّارِ". ولم يزل عياض واليًا لعمر بن الخطّاب على حمص حتّى مات بالشام سنة عشرين في خلافة عمر وهو ابن ستّين سنة، ومات وما له مالٌ ولا عليه دَيْنٌ لأحَدٍ، وقيل: مات بالمدينة سنة عشرين.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال