تخريج الأحاديث


عن محمد بن كعب القُرَظِيّ أن عبد الله ذا البِجَادَيْنِ كان امْرَأً من مُزَينة فوقع في قلبهِ حبُّ رسولِ الله، صَلَّى الله عليه وسلم وحب الإيمان، فتوجه إلى النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، فذهبت أمّه إلى قومِهَا فقالت: إن عبد الله قد توجه نحو محمدٍ، فَاتَّبَعُوه فَرَدُّوهُ، فقالت أمّهُ: خذُوا ثيابَهُ فإنَّهُ أشدُّ الناسِ حياءً، وإنكم إن أخذتم ثيابه لم يبرح، فأخذوا ثيابَهُ وجردُوه فقعد في البيتٍ فأبى أن يأكل ويشرب حتى يلحق بمحمدٍ، فلمّا رأته أمُّه لا يأكل ولا يشرب أَتَتْ قَوْمَهَا فَأَخْبَرَتْهم أنه قد حَلَف ألاّ يأكل وَيشربَ حتى يلحق بمحمدٍ، فأعطُوهُ ثيابَه فإني أخافُ أن يموت فَأَبَوْا، فأخذت بِجَادَها فقطعتهُ قطعتين ثم زَرَّرت أَحَدَهُما فَأَزَّرَتهُ ووضعت الآخر على رأسه وقالت: اذهب. فذهب تَرفعُه أرض وتُخْفِضه أخرى حتى قَدِم المدينة فقرأ القرآنَ وَفَقِهَ في الدين، فكان يأوِي هو وأصحابهُ إلى ظل بيت امرأةٍ من الأنصار تصنعُ لهم طعامهم وتهيِّىء لهم أمرهم: فقال له أصحابه ذات يومٍ لَوْ تَزَوَّجْتَ فُلاَنَةَ؟ فبلغ ذلك المرأةَ فقالت: ما لكم هِجِّيرَي إلاّ ذكري! لتُمْسِكُنَّ عن ذكرى أو لا يؤويكم ظلُّ بيتي.

فبلغ ذلك أبا بكرٍ فأتاها فقال: يا فلانة، ألم يبلغني أن عبد اللِّه خَطَبَكِ؟ فتزوجيه فإنّهُ في حسب من قومه وقد قرأ القرآن وفَقِه في الدين. وأتاها عمر فقال لها مثل ذلك، فبلغ ذاك النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، وكان عبد الله إذا طلعت الشمس قام يُصلي ما شاء الله أن يُصلِّى ثم يمر بالنبي، صَلَّى الله عليه وسلم، فيُسلم عليه ثم يذهبُ إلى رَحْلِهِ، فصلى ذات يومٍ فََمَرَّ بالنبيّ، صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "يا عبد الله، ألم يَبلغُني أنك تذكر فلانةَ؟" قال: بلى، قال: "فإني قد زَوَّجْتُكُهَا"، فأتى أصحابه فقال: إن رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قد زَوَّجَنِيها، فجاءَ نِسْوَةٌ من الأنصار فذهبن بها فهيّأنها وَصَنَعنها وصَنَعْنَ لها بُردةً وصنعن لها وِسَادَةً من أدم وقدحًا وشيئًا من طعام، فَزَفَفْنَهَا عِشاءً، فقام يُصَلّي فلم يَعْرض لها حتى أَذَّنَ بلالٌ بالفجر، فلما أَذَّنَ بلالٌ ذهب النِّسْوةُ إلى أزواجهنّ فقلن: والله ما لعبد الله فيها من حاجة، ما عرض لها ولا أرادها وَلاَ قربها! فصلى عبد الله مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، صلاة الفجر فلما طلعت الشمس قام يصلي نحوًا ممّا كان يُصلي، فمرّ بالنبي، صَلَّى الله عليه وسلم، فسلم عليه فقال له رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "أَمَا لَكَ في أَهْلِك حاجَةٌ؟" قال: بلى، رأيتُ نِعمةً مِنْ نِعَمِ اللِّه امرأةً جميلةً وفراشًا وطعامًا فلم أجد شيئًا أتقرّبُ بهِ إلى الله إِلاّ سِلاَحي، ولم أكن لأُوثر بِسِلاَحِي على الله ورسوله أحدًا، فلم أجد إلا أن أصَلّي وهذا وجهي إلى أَهْلِي يا رسول الله، فذهب إلى أهله فَأَصَابَ منها فَتَلَقت بجاريةٍ، فأصابتهُ جِرَاحَةٌ يوم خَيْبَر فأوصى إني لم أكن أعطيتُ امرأتي شيئًا فأعطوها مِنْ نصيبي مِنْ خَيْبَر، فمات.

قال ابن مسعود: وأصابنا جوعٌ شديدٌ فخرجت ذات ليلة فرأيت نُوَيْرَةً تَبِصُّ فقلتُ: لَأَدْنُوَنّ منها لعلي أصيب عندها طعامّا، قال: فدنوت فإذا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، في القَبْر يَحْفر يناولُ أبا بَكر وعُمَرَ الترابَ، وإذا عبد الله مُسَجًّى عليه ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، يحفرُ ويناوِلُهُما الترابَ، فلما دفنوه قال: اللهم إنّي راضٍ عنهُ فارض عنه - مرتين أو ثلاثًا.

قال: فَشَبَّت الجاريةُ وجاء بنو عمه يُخَاصِمُونَ امرأتَه في ابنتهِ، فقضَى بها رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، لِلْعُمُومَة: فقالت أمّها: يا رسول الله تَدْفَع ابنةَ عبد الله إلى الأعراب! ألا تُخَيِّرَها؟ فَخَيِّرها يا رسولَ الله، قال: "نعم"، فذهبت بها فجعلت تعلمها فقالت لها: إذا قال لك غدًا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، اخْتَارِي، فقولي: أختارُ اللهَ ورسولَهُ ودارَ الهجرة، فلم تزل تُعلِّمها حتى لَقِنَتْ.

قال: فجاءت بها من الغد فقالت: يا رسول الله، ها هي ذِه فَخَيِّرها، فقال: "اختاري يا بُنَيَّة"، فقالت: أختار الله ورسُولَهُ ودارَ الهجرةِ والإيمان، فَقَضَى بها لأمّها. ثم جاءوا بها إلى أبي بكرٍ فقضى بها لهم. فأُخْبِرَ أَنّ رسولَ الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قضى بها لأمها، فردَّها لأمها. ثم أَتَوا عُمر فقضى بها لهم، فقيل لعمر: إنّ رسولَ الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قد قضى بها لأمّها فقال: لقد هممت أني أفعل بكم وأفعل تغفلتموني! وقد كان رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قَضَى بها لأمها، فقضى بها لأمها. قال عفان وقد قال حمّاد أيضًا: دع هذا على رأسك تستظل به من الشمس.



هذا الحديث لم نجد له تخريجا في الكتب التسعة