تخريج الأحاديث


فلما قدم وفد تميم كان معهم، فلما قدموا المدينة قال الأقرع بن حابس، حين نادى: يا محمد، إن حمدي زين، وإن ذمي شين، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ذَلِكُمُ الله سُبْحَانَهُ". وَقِيلَ: بَلِ الوَفْدُ كُلُّهُمْ نَادَوْا بِذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وَقَالَ: "ذَلِكُمُ الله، فَمَا تُرِيدُونَ؟" قَالُوا: نَحْنُ نَاسٌ مِنْ تَمِيمٍ جِئْنَا بِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا لِنُشَاعِرَكَ وَنُفَاخِرَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْنَا وَلَا بِالفَخَارِ أُمِرْنًا، وَلَكِنْ هَاتُوا"، فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَاِبسِ لِشَابٍّ مِنْهُمْ: قُمْ يَا فُلَانُ فَاذْكُرْ فَضْلَكَ وَقَوْمَكَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَنَا خَيْرَ خَلْقِهِ، وَآتانَا أَمْوَالًا نَفْعَلُ فِيهَا مَا نَشَاءُ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، أَكْثَرُهُمْ عَدَدًا، وَأَكْثَرُهُمْ سِلَاحًا، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْنَا قَوْلَنَا فَلْيَأْتِ بِقَوْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلَنَا، وَبِفِعَالُ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ فَعَالِنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم لِثَابِتٍ بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ خَطِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم: "قُمْ فَأَجِبُهُ"، فَقَامَ ثَابِتٌ فَقَالَ: الحَمْدُ لله أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا المُهَاجِرِينَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا، وَأَعْظَمُ النَّاسِ أَحْلَامًا، فَأَجَابُوهْ، وَالحَمْدُ لله الَّذي جَعَلْنَا أَنْصَارَهُ وَوُزَرَاءَ رَسُولِهِ، وَعَزًّا لِدِينِهِ، فَنَحْنُ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِله إِلَّا الله، فَمَنْ قَالَهَا مَنَعَ مِنَّا نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَمنْ أَبَاهَا قَاتَلْنَاهُ وَكَانَ رَغْمُهُ فِي الله تَعَالَى عَلَيْنا هَيِّنًا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ الله لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ فَقَالَ الزَّبَرْقَانُ بْنُ بَدْرٍ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: يَا فُلَانُ، قُمْ فَقُلْ أَبْيَاتًا تَذْكُرُ فِيهَا فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ فَقَالَ: [الطويل]

نَحْـنُ الكِـــــرَامُ فـَــــلَا حَيّ يُعَـادِلُنـَا نَحْنُ الرُّؤُوسُ وَفِينَا يُقْسَمُ الـرُّبُعُ

وَنُطْعِمُ النَّاسَ عِنْـــدَ المَحْلِ كُلَّـهُمُ مِنَ السّدِيفِ إِذَا لَمْ يُؤْنِسِ القَـزعُ

إِذَا أَبَيْـنا فَـلَا يَأْبَـى لَنَـا أَحَــــــــــدٌ إِنَّـا كَذَلِكَ عِنْدَ الفَــخْرِ نَرْتَـفِــــــعُ

فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "عَلَيَّ بِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ"، فَحَضَرَ، وَقَالَ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَبْعَثُوا إِلَى هَذَا العَوْدِ، وَالعَوْدُ: الجَمَلُ المُسِنُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قُمْ فَأَجِبْهُ" فَقَالَ: أَسْمِعْنِي مَا قُلْتَ، فَأَسْمَعَهُ، فَقَالَ حَسَّانُ [الطويل]

نَصَـرْنَا رَسُـــول الله وَالــــدِّينَ عنْـــــوَةً عَلَى رَغْـــمِ عَاتٍ مِنْ مَعَدِّ وَحَاضِـــرِ

بِضَـــرْبٍ كَإِيِـزَاغِ المَخَـــاضِ مُشَاشَـــهُ وَطَعْنٍ كَأَفْــــــوَاهِ اللِّقَــــاحِ الصَّـــــــوَادِرِ

وَسَـلْ أُحُـدًا يَـوْمَ اسْتَقَـلَّتْ شِعــــابهُ بِضَـــرْبٍ لَنَـــا مِـثْــــل اللُّـيُوثِ الخَـوَادِرِ

أَلَسْنَا نَخُوضُ المُوْتَ فِي حَوْمَةِ الوَغَى إِذَا طَابَ وِرْدُ المَـوْتِ بَيْن العَسَـــاكِرِ

ونَضْـرِبُ هَـــــامَ الدَّارِعِيـــنَ ونَنْتَـــمِي إِلَى حَسَبٍ مِنْ جِـذْمِ غَسَّـــانَ قَاهِـرِ

فَأَحْيَاؤُنَا مِنَ خَـيرِ مَنْ وَطِئَ الحَصَى وَأَمْوَاتُنَا مِنْ خَــــــــيْر أَهْـــــلِ المـَقَابِـــــرِ

فَلَـوْلَا حَيَــــــاءُ اللَّه قُـلَـنَـا تَــــكَـرُّمًــــــا عَلَى الـنَّاس بِالخَيْفينْ هَــــلْ مِـــــنْ مُنَافِرِ

فقام الأقرع بن حابس فقال: إني، والله يا محمد، لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، قد قلت شعرًا فأسمعه، قال: هات، فقال: [الطويل]

أَتَيـنْاكَ كَيْمَا يَعْرِفَ الـنَّاسُ فَضْـــلَنَا إِذَا خَـالَفُـونَا عِــــنْـدَ ذِكْـــــرِ المَـــكَـارِمِ

وَأَنَا رُؤُوسُ الـنَّاسُ مِنْ كُلِّ مَعْشَــرٍ وَأَنْ لَـيْسَ في أَرْضِ الحِجَـــــازِ كَـدَارِمِ

فقال رسول الله صَلَّّى الله عليه وسلم: "قم يا حسان فأجبه"، فقال: [الطويل]

بَنِي دَارِمِ لَا تَفْخُـرُوا إِنَّ فَخْرَكُـمْ يَعُودُ وَبالًا عِــنْـدَ ذِكْــــــرِ الـمَكَـــــــارِمِ

هَبِِِِِِلْـتُمْ عَلَََـينْا؟ تَفْخُـرُونَ وَأَنْـتُــمُ لَــنَــا خَــــوَلٌ مِـنْ بَينْ ظِـئْرٍ وَخَــــــــادِمِ

فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لَقَدْ كُنْتَ غَنِيًّا يَا أَخَا بَني دَارِمٍ أنْ يَذْكُرَ مِنْكَ مَا كُنْتَ تَرَى أَنَّ النَّاس قَدْ نَسَوْهُ" ذكره المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 30316؛ فكان قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أشد عليهما من قول حسان.

ثم رجع حسان إلى قوله: [الطويل]

وَأَفْضَلُُُ مَا نِلْتُم وَمِنَ المَجْدِ وَالعُـلَى رِدَافَتُـنَا مِـــــــنْ بَعْـدِ ذِكْـرِ المَكَـارِمِ

فَإِنْ كُنْـتُمُ جئـــــــــتُم لحـقن دمـائكــم وأموالكم أن تُقْسَـمُوا في المقـاســم

فَـلَا تجْعَـــلُوا لله نِــــــــدًّا وَأَسْلِـــــمُوا وَلَا تَفْخَـرُوا عِنْـــــــــدَ النَّبِـيِّ بِـدَارِمِ

وَإِلَّا وَرَبِّ البَــيـْتِ مَــــــالَتْ أكُفُّـــنا عَلَى رُؤْسِكُمْ بِالمُرَهَفَـاتِ الصَّـوارِمِ

فقام الأقرع بن حابس فقال: يا هؤلاء، ما أدري ما هذا الأمر؟ تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أرفع صوتًا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أرفع صوتًا، وأحسن قولًا، ثم دنا إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا"



الكتابالراوي
مسند أحمد الأقرع بن حابس
مسند أحمد الأقرع بن حابس