تخريج الأحاديث
عن الزبير بن خُبيب قال: أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فتلقاه ركبٌ خَارِجِين من المدينة، فقال: أخبروني عن هذا الرجل. قالوا: الناس فيه ثَلاَثَةٌ، رجل أسلم فَهو معه يقاتل قريشًا والعرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله فبينهم التذابح، ورجل يظهر له الإسلام ويظهر لقريش أنه معهم، قال: ما يسمى هؤلاء القوم، قالوا: يُسَمَّون المنافقين، قال: مَا فِي مَنْ وَصَفْتُم أَحْزم من هؤلاء، اشْهَدُوا أني منهم.
قال: وشهد عُيَيْنة مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، الطائف، فقال: يا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، أئذن لي حتى آتي حِصْن الطائف فأُكلِّمهم. فأَذن له، فجاءهم فقال: أَدْنُو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم. وعرفه أَبُو مِحْجَن فقال: أدنوه. قال: فدنا فدخل عليهم الحصن، فقال: فداكم أبي وأمي! لقد سرّني ما رأيتُ منكم، والله إنْ في العرب أَحَدٌ غيركم! وما لاَقَى محمد مثلكم قط، ولقد ملّ المُقَام فاثبتوا في حِصْنكم، فإنَّ حِصْنَكم حصين، وسلاحكم كَثِير، ونبلكم حاضرة، وطعامكم كثير، وماءكم واتن، لا تخافون قَطْعَه! فلما خرج قالت ثَقِيف لأَبِي مِحْجَن: فإنا كرهنا دخوله علينا وخشينا أن يُخْبر محمدًا بِخَللٍ إن رآه منا أو في حصننا. فقال أبو محجن: أنا كنت أَعْرَف به، ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه، فلما رجع عُيَيْنة إلى النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، قال له: "ما قلت لهم؟" قال: قلت: ادخلوا في الإسلام، فوالله لا يبرح محمد عُقْر داركم حتى تنزلوا، فخذوا لأنفسكم أَمانًا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم، قَيْنُقاع والنَّضِير وقُرَيْظَة وخَيْبَر أهل الحَلْقَة والعُدّة والآطام، فخذّلْتُهم ما استطعت! ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، ساكتٌ، حتى فرغ من حديثه قال له رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "كذبتَ! قلت لهم كذا وكذا!" الذي قال، قال: فقال عُيَيْنة: أستغفر الله! فقال عمر: يا رسول الله، دعني أُقدّمه فأضرب عُنُقه. فقال رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "لا يتحدث الناس أَنِّي أقتل أصحابي"، ويقال إن أبا بكر أغلظ له يومئذ وقال له: وَيْحَك يَا عُيَيْنة! إنما أنت أبدًا مُوضِعٌ في الباطل، كم لنا منك من يومٍ، يوم الخندق ويوم بني قُريظة والنَّضير وخَبير، تُجْلِبُ عَلَيْنا وتقاتلنا بسيفك، ثم أَسلمتَ كما زعمتَ فتحرِّض علينا عدونا! فقال: أستغفر الله يا أبا بكر وأتوب إليه، ولا أَعُودُ أبدًا.
فلما أمر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، عمر فَأَذَّن في الناس بالرحيل، وقال رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم: "إنا قافلون إن شاء الله". فلما اسْتَقَلَّ الناسُ لوجههم نادى سَعِيد بن عُبيد بن أسيد بن عَمْرو بن عِلاج الثَّقَفِيّ فقال: ألا إن الحيَّ مقيم، قال: يقول عُيينة بن حِصن: أجل، والله مَجَدة كِرَامٌ. فقال له عمرو بن العاص: قاتلك الله تمدح قومًا مشركين بالامتناع من رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، وقد جئت تنصره؟! فقال: إني والله ما جئت معكم أقاتل ثقيفًا، ولكني أردت إن افتتح محمّدٌ الطائف أصبت جارية من ثقيف فَأَتَّطِئُها، لعلها تلد لي غلامًا، فإن ثقيفًا قوم مناكير، فأخبر عمرو بن العاص النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، بمقالته فتبسم النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: "هذا الحُمْق المطاع!"
ولما قدم وفد هوازن على رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فرد رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، عليهم السبي، كان عيينة قد أخذ رأسًا منهم نظر إلى عجوز كبيرة فقال: هذه أُمُّ الحَيّ! لعلهم أن يَغْلوا بفدائها، وعسى أن يكون لها في الحي نسب! فجاء ابنها إلى عُيَيْنة فقال: هل لك في مائة من الإبل؟ قال: لا. فرجع عنه فتركه ساعة، وجعلت العجوز تقول لابنها: ما أَرَبُكَ فِيّ بعد مائة ناقة؟ أتركه فما أسرع ما يتركني بغير فداء! فلما سمعها عُيَيْنة قال: ما رأيت كاليوم خُدْعَة! والله ما أنا من هذه إلا في غرور، لاَ جَرَم، والله لأُباعدنَّ أَثركِ منِّي! قال: ثم مر به ابنها فقال عيينة: هل لك فيما دعوتني إليه؟ فقال: لا أَزيدك على خمسين. فقال عُيَيْنة: لا أَفعل، ثم لبث ساعة فمر به وهو مُعرِضٌ عنه، فقال له عيينة: هل لك في الذي بذلتَ لي؟ قال له الفتى: لا أزيدك على خمس وعشرين فريضة، قال عيينة: والله لا أفعل. فلمّا تخوّف عيينةُ أن يتفرَّق الناسُ ويرتحلوا قال: هل إلى ما دعوتَني إليه؟ قال الفتى: هل لك في عشر فرائض؟ قال: لا أفعل. فلما رحل الناس ناداه عُيَيْنة: هل لك إلى ما دعوتني إليه إن شئت؟! قال الفتى: أَرْسِلْها وأَحْمَدُك، قال: لا والله ما لي حاجة بحَمْدِك. فأقبل عيينة على نفسه لائمًا لها يقول: ما رأيت كاليوم امرءًا أنكد. قال الفتى: أنت صنعتَ هذا بنفسك، عَمَدْتَ إلى عجوز كبيرة، والله مَا ثَدْيُها بِنَاهِدٍ، ولاَ بَطْنُها بوالد، وَلاَ فُوهَا بباردٍ، ولا صاحبها بواجد، فأَخَذْتَها من بين من ترى، فقال له عيينة: خذها لا بارك الله لك فيها. قال يقول الفتى: يا عيينة، إن رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، قد كسا السَّبْي فأخطأها من بينهم الكسوة فهل أنت كاسيها ثوبًا؟ قال: لا والله، ما لها ذاك عندي! قال: لا تفعل! فما فارقه حتى أخذ منه شمل ثوب. ثم ولى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص! وشكا عُيَيْنة إلى الأقرع ما لقي، فقال له الأقرع: إنك والله ما أخذتها بِكرًا غَريرة وَلاَ نَصَفًا وَثِيرَة ولا عجوزًا مَيِّلَةً، عمدتَ إلى أحوج شيخ في هَوَازِنَ فسبيتَ امرأته. قال عيينة: هو ذاك.
هذا الحديث لم نجد له تخريجا في الكتب التسعة