تخريج الأحاديث


زارت سُعدى أمّ زيد بن حارثة قومَها وزيد معها، فأغارت خيلٌ لبني القَيْن بن جَسْر في الجاهليّة فمرّوا على أبيات بني مَعْن رَهْط أمّ زيد، فاحتملوا زيدًا إذ هو يومئذ غلام يَفَعَة قد أوْصَفَ، فَوافوا به سوق عُكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه منهم حَكيم بن حِزام بن خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قُصيّ لعمّته خَديجة بنت خُويلد بأربعمائة درهم، فلمّا تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهبته له فقبضه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وقد كان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال: ‏

بَكَيْـتُ علـى زَيـْدٍ ولم أدْرِ ما فَعَـــــــــلْ
أحَيٌّ فيُرْجَـى أمْ أتـى دونـَـــــــه الأجــــــلْ

فـوالله مـا أدري وَإنْ كنتُ سـائـِـــــــــلاً
أغالك سهـل الأرض أم غالـــــك الجبـــــلْ

فياليتَ شعري هل لك الدهرَ رَجعـــةٌ
فحَسْبي من الدنـيا رُجوعـــــــك لي بجــــلْ

تُذكّـرُنـيـــــه الشمسُ عنــــــد طلوعِـــــها
وَتَعْرِضُ ذكــــــراهُ إذا قـــــــارَبَ الطّــــفَـــلْ

وإنْ هَبــّــــت الأرْوَاحُ هيـــّـجْنَ ذكــــــرَه
فيا طولَ مــا حـزْني عليـه ويـــــاوَجَــــــلْ!

سَأُعْمِل نصّ العيس في الأرض جاهدًا
ولا أسْأم التطوافَ أو تســـــأمَ الإبــــــــــــلْ

حَيــــــــاتيَ أوْ تــــــــأتـي عَلَــيّ مَنِـــــــيّتي
وكـلّ امْريءٍ فــــــــانٍ وَإن غــــرّه الأمـــــــلْ

وأُوصي بـــه قيسـًا وعَمــــرًا كِليْهِـــــــما
وأُوصي يزيـدًا ثمّ من بعـــدهـــــم جبــــــلْ

يعني جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أكبر من زيد، ويعني يزيد أخا زيد لأمّه، وهو يزيد ابن كَعب بن شَراحيل، قال فَحَجّ ناسٌ من كلْب فرأوا زَيدًا فعرفهم وعرفوه فقال: بلّغوا أهلي هذه الأبيات فإنّي أعلم أنهم قد جزعوا عليّ، وقال: ‏‏

ألِكْني إلى قَوْمي وإن كنـــتُ نـــــــائيــــًا
بأنّي قطيـنُ البيْـت عنـد المشاعرِ

فَكُفّوا من الوَجد الّذي قد شجاكــمُ
ولا تُعْمِلُوا في الأرض نَصّ الأَبـاعر

فإنّـــي بحمد الله في خَيْــــــر أسْـــــــرَةٍ
كِــــرامِ مَعَـدٍّ كـابــــرًا بعْـدَ كـابِـــــر

قال فانطلق الكلبيّون وأعلموا أباه فقال: ابْني وربّ الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند مَن هو فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفِدائه، وقَدِما مكّة فسألا عن النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، فقيل هو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: يا ابن عبد الله، يا ابن عبد المطّلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيّد قومه، أنتم أهلُ الحَرَم وجيرانُه وعند بيته تَفُكّون العانيَ وتُطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنُنْ علينا وأحْسِن إلينا في فدائه فإنّا سنرفع لك في الفداء. قال: "مَن هو؟" قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "فهلاّ غير ذلك؟" قالوا: ما هو؟ قال:"دَعُوه فخيّروه فإن اختاركم فهو لكما بغير فداءٍ، وإن اختارني فو الله ما أنا بالّذي أختار على مَن اختارني أحدًا"، قالا: قد زدتنا على النَّصَفِ وأحسنتَ، قال فدعاه فقال: "هل تعرف هؤلاء؟" قال: نعم. قال: "مَن هما؟" قال: هذا أبي وهذا عَمّي قال: "فأنا مَنْ قد علمتَ ورأيتَ صُحْبَتي لك فاخْترْني أو اخترهما"، فقال زيد: ما أنا بالّذي أختار عليك أحدًا، أنت منّي بمكان الأب والأم، فقالا: ويْحك يا زيد أتَخْتَار العبوديّة على الحرّيّّة وعلى أبيك وعمّك وأهل بيتك؟ قال: نعم، إني قد رأيتُ من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالّذي أخْتار عليه أحدًا أبدًا. فلمّا رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك أخرَجه إلى الحِجْر فقال: "يا من حَضَرَ، اشهدوا أنّ زَيْدًا ابني أرثُهُ ويرثني"، فلمّا رأى ذلك أبوه وعمّه طابت أنفسهما وانصرفا.

فدُعيَ زيد: ابنُ محمّد حتّى جاء الله بالإسلام.



الكتابالراوي
سنن الترمذي جبلة بن حارثة