تخريج الأحاديث


عن عائشة قالت: أَسْلَمَ صفوانُ بن المُعَطّل قَبْل غزوة المُرَيْسِيع وشهد المُرَيْسِيع مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، وكان على ساقة الناس من ورائهم فادَّلج فأصبح عند منزلي الذي أقمت به ألتمس عقدي وقد ذهب الناسُ فأتاني، وكان يراني قبل أن ينزل الحجاب، وأنا متلفعةٌ فأثبتني فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فَخَمّرت وجهي بِملْحَفتي فواللِّه إن كلّمني كلمةً حَتَّى أناخ بعيرهُ. ثم وطِي على يده مُولِّيًا عني، فركبت على رحلة، وانطلق يقود بي حتى جئنا العسكر شَدَّ الضُّحا، فارْتَعَجَ العسكر وقال أصحاب الإفك الذي قالوا - وتولَّى كِبْرَهُ عبدُ الله بن أُبَيّ بن سلول - ولا أشعر من ذلك بشيء، وتكلم ابنُ أُبَيّ في صَفْوان بن المُعَطَّل ورماه بما رماه به.

وذكر جُعَيلَ بنَ سُراقة وجَهجَاهَ، وكانا من فقراء المهاجرين فقال: ومثل هذين يكثران على قومي، وقد أنزلنا محمد في ذروة كِنَانة وعِزِّها! والله، لقد كان جُعَيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فكان اليوم يتكلم. فقال حسان بن ثابت وكان ممن تكلم مع أُبَيَّ:

أَمْسَى الجَلاَلِيبُ قد راعوا وقد كَثُروا وابنُ الفُرَيْعَة أمسى بِبَيْضَة البَلَدِ

فلما نزل عُذْر عائشة وتلا رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، القرآن على الناس وقد كان رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، صَعِدَ المنبر قبل ذلك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "من يعذرني ممن يُؤذيني في أهلي؟ ويقولون لرجل والله ما علمت على ذلك الرجل إلاّ خيرًا, وما كان يدخل بيتًا من بيوتي إلا معي ويقولون عليه غير الحق".

فجاء صَفْوَانُ بن المُعَطّل إلى جُعَيْل بن سُرَاقَة فقال: انطلق بنا نَضْرِبُ حسانَ فوالله ما أراد غيرك وغيري، وَلَنَحن أقرب إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، منه، فَأَبَى جُعَيْل أن يذهب، وقال: لا أفعلُ إلا أن يأمرني به رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، ولا تفعل أنت حتى تُؤامِر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، في ذلك. فَأَبَى صفوان فخرج مُصْلِتًا السيفَ حتى يَضْرب حسان بن ثابت في نادي قومه، فوثبت الأنصار إليه فأوثقوه رباطًا - وكان الذي وَلِي ذلك منهُ ثابت بن قيس بن شَمّاس - وأَسروهُ أَسْرًا قبيحًا فمرَّ بهم عُمارةُ بن حَزم فقال: ما تصنعون؟ أَعَنْ أَمْر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، ورضاه أَمْ أَمْرٍ فعلتموه؟ قالوا: ما علم به رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم. قال: لقد اجترأتَ خلِّ عنهُ! ثم جاء به وبثابتٍ إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، يسوقهما، فأراد ثابت أن ينصرف، فَأَبَى عُمارة حتى جاء إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فقال حسان: يا رسول الله، شَهَرَ عَلَيَّ السيفَ في نادي قومي، ثم ضربني لأَن أموت، ولا أراني إلا ميتًا من جراحتي.

فأقبل رسولُ الله، صَلَّى الله عليه وسلم، عَلَى صفوان فقال له: "وَلِمَ ضَرَبْتَهُ وحملتَ السلاح عليه؟" وَتَغَيَّظ رسولُ الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله آذاني وهَجاني وسفَّه عَلَيَّ وحسدني على الإسلام.

ثم أقبل رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، عَلَى حسان بن ثابت فقال: "أَسَفِهْتَ على قومٍ أَسلموا؟" ثم قال: "احبِسوا صَفوان، فإن ماتَ حسان فاقتلوه به". فخرجوا بصفوان، فبلغ سعدَ بن عُبادة ما صُنِع به. فخرج في قومه من الخزرج حتى أتاهم، فقال: عمدتم إلى رجل من قوم رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، تُؤْذونه وتهجونه بالشِّعر وتشتمونهُ فغضب لِما قيل له، ثم أسرتموهُ أقبح إسارٍ، ورسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، بين أظهركم! قالوا: فإن رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، أمرنا بحبسه وقال: "إن مات صاحبُكم فاقتلوه به": قال سعدٌ: واللِّه إِنَّ أحبَّ إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، لَلْعفو، ولكن رسول الله قد قضى لكم بالحق، وإن رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، لَيُحِبّ أَنْ يُتْرَكَ صفوان واللِّه، لا أبرح حتى يُطْلَق! فقال، حسان: ما كان لي من حَقٍّ فهو لك فَأَبَى ثابت، وأبَى قَوْمُه، فغضب قيس بن سعد غضبًا شديدًا، وقال عجبًا لكم، ما رأيتُ كاليوم! إِنَّ حَسَّانَ قد ترك حَقَّهُ وتَأْبون أَنتم! ما ظننتُ أَنَّ أَحدًا من الخزرج يَرُدّ أبا ثابت في أمرٍ يهواهُ فاستحيا القوم وأَطلقوا صفوان من الوَثائق فذهب بهِ سعدٌ إلى بيتهِ فكساهُ حُلَّةً، ثم خرج صَفوانُ حتى دخل المسجد ليصلى فيه، فرآهُ رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "صفوان؟" قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "مَن كساه؟" قالوا: سعد بن عُبادة، قال: "كساه الله من ثياب الجنة".

ثم كلَّم سعدُ بن عُبادة حَسَّانَ بن ثابت فقال: لا أُكلِّمك أبدًا إن لم تذهب إلى رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فتقول: كلّ حقٍّ هو لي قِبَلَ صَفوان فهوَ لك يا رسول الله، فأقبل حسان بن ثابت في قومه حتى وقف بين يدي رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كل حقٍّ لي قِبَلَ صفوان بن المُعَطَّل فهو لك. فقال: "قد أحسنتَ وقبلتُ ذلك". وأعطاهُ رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، أرضًا براحًا وهي بَيْرَحاء وما حولها وسِيرِين أخت مارية. وأعطاهُ سعد بن عُبادة حائطًا يَجُدّ مالًا كثيرًا عِوَضًا له ممّا عفا عَنْ حقّهِ.



الكتابالراوي
صحيح البخاري عائشة رضي الله عنها
صحيح البخاري عائشة رضي الله عنها
صحيح البخاري عائشة رضي الله عنها
المصدر
صحيح البخاري
التخريج
بالمعنى
رقم الحديث
4381
الكتاب : تفسير القرآن (الرحمن الرحيم) اسمان من الرحمة الرحيم والراحم بمعنى واحد كالعليم والعالم
الباب : (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) إلى قوله (الكاذبون)
الراوي : عائشة رضي الله عنها
التعليق :