تسجيل الدخول

هم الجيش المكي بالرجوع ووقوع الانشقاق فيه

لما أجمع جيش المشركين على المسير، ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك ــ سيد بني كنانة ــ فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.
وحينئذ خرجوا من ديارهم، كما قال الله: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 47] وأقبلوا كما قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بحدهم وحديدهم، يحادون الله ويحادون رسوله"، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لاجتراء هؤلاء على قوافلهم.
تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان، ثم قديد، ثم الجحفة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا.
ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة قائلا: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا.
لكن على رغم أبي جهل أشار الأخنس بن شريق بالرجوع فعصوه، فرجع هو وبنو زهرة ــ وكان حليفًا لهم ورئيسًا عليهم في هذا النفير ــ فلم يشهد بدرًا زهري واحد، وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل، وبعد بدر حمدت بنو زهرة رأيه، فلم يزل فيهم مطاعًا معظمًا.
وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع.
فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة حتى نزل قريبًا من بدر، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادي بدر.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال