تسجيل الدخول

استفزازات قريش ضد المسلمين بعد الهجرة واتصالهم بعبد الله بن أبي

قد علمنا ما أتى به كفارُ مكة من التنكيلاتِ والويلاتِ ضد المسلمين، وما فعلوا بهم عند الهجرة، وصبرُ المسلمين عليهم، إلا أنهم لم يكونوا ليفيقوا من غيهم، ويمتنعوا عن عدوانهم، بل زادهم غيظًا أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمنًا ومقرًا بالمدينة، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي ابن سلول، وكان إذ ذاك مشركًا، بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة، فكتبوا إليه وإلى أصحابه المشركين يقولون لهم في كلماتٍ باتة: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنَّه أو لتخرجنَّه، أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتليكم، ونستبيح نساءكم.
وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة، وقد كان يحقد على النبي صَلَّى الله عليه وسلم لأنه يرى أنه استلبه مُلكه، يقول عبد الرحمن بن كعب: فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صَلَّى الله عليه وسلم لقيهم، فقال: "لقد بلغ وعيدُ قريشٍ منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم"، فلما سمعوا ذلك من النبي صَلَّى الله عليه وسلم تفرقوا.
وامتنع عبد الله بن أبي ابن سلول عن إرادة القتال عند ذلك؛ لمّا رأى خورًا أو رشدًا في أصحابه، ولكن يبدو أنه كان متواطئًا مع قريش، فكان لا يجد فرصةً إلا وينتهزها لإيقاع الشر بين المسلمين والمشركين، وكان يضم معه اليهود؛ ليعينوه على ذلك، ولكن تلك هي حكمةُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم التي كانت تطفئ نار شرهم حينًا بعد حين.
ثم إن سعدَ بن معاذٍ انطلق إلى مكة معتمرا، فنزل على أميةَ بن خلف بمكة، فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبًا من لقفٍ النهار، فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: "كيف أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصبأة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما"، فقال له سعد ــ ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنّك ما هو أشد منه، طريقك إلى أهل المدينة.
ثم أرسلت قريش إلى المسلمين تقول لهم: لا يغرنّكم أنكم أفلتّمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم، ولم يكن هذا كله وعيدًا مجردًا، فقد تأكد عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهرًا، أو في حرسٍ من الصحابة، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة ــ رضي الله تعالى عنها ــ قالت: سهر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة، فقال: "ليت رجلا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة"، قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاحٍ، فقال: "من هذا"؟ قال: سعدُ بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما جاء بك"؟ فقال: وقع في نفسي خوفٌ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ثم نام.
ولم تكن هذه الحراسةُ مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمرًا مستمرًا، فقد روي عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يُحرس ليلًا، حتى نزل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، فأخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال: "يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل".
ولم يكن الخطر مقتصرًا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بل على المسلمين كافة، فقد روى أبي بن كعبٍ، قال: لما قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوسٍ واحدة، وكانوا لا يبتون إلا بالسلاح ولا يُصبحون إلا فيه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال