تسجيل الدخول

غزوة حنين

جاء فتح مكة عقب ضربة خاطفة دهش لها العرب، وبوغتت القبائل المجاورة بالأمر الواقع الذي لم يكن يمكن لها أن تدفعه، ولذلك لم تمتنع عن الاستسلام إلا بعض القبائل الشرسة القوية المتغطرسة، وفي مقدمتها بطون هوازن وثقيف، واجتمعت إليها قبائل نصر وجشم وسعد بن بكر وناس من بني هلال ــ وكلها من قيس عيلان ــ رأت هذه البطون من نفسها عزًا وأنفة أن تقابل هذا الانتصار بالخضوع، فاجتمعت إلى مالك بن عوف النصري، وقررت المسير إلى حرب المسلمين.
ولما أجمع القائد العام ــ مالك بن عوف ــ المسير إلى حرب المسلمين ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فسار حتى نزل بأوطاس، فاجتمع إليه الناس، وفيهم دريد بن الصمة ــ وهو شيخ كبير ــ ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب، وكان شجاعًا مجربًا، قال دريد: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس ــ الحزن: المرتفع من الأرض، والضرس: الذي فيه حجارة محددة ــ ولا سهل دهس ــ أي: لين كثير التراب ــ مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصبي وثغاء الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فدعا مالكًا وسأله عما حمله على ذلك، فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم سأل عن بعض البطون والرؤساء، ثم قال: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن ــ المقصود جماعتهم ــ إلى نحور الخيل شيئا ــ النحور: الرقاب، والمعنى إنك تقدمهم إلى الهلاك ــ ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم، ثم الق الصباة ــ كانوا يسمون المسلمين بذلك لأنهم خرجوا عن الوثنية ــ على متون الخيل ــ أي: ظهورها ــ فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ــ المقصود إن هزمت حدث ذلك وقد صنت أهلك ومالك.
ولكن مالكًا ــ القائد العام ــ رفض هذا الطلب قائلا: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك، والله لتطيعني هوازن أو لأتكأن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون للشيخ فيها ذكر أو رأي، فقالوا: أطعناك، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني.
وجاءت إلى مالك جواسيس كان قد بعثهم للاستكشاف عن المسلمين، وجاءت هذه الجواسيس وقد أصابهم الرعب، قال: ويلكم ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق ــ هي التي في لونها بياض وسواد ــ والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال