تسجيل الدخول

رجوع المسلمين وهزيمة ساحقة للعدو

نزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فاستنصر ربه قائلا: "اللهم أنزل نصرك".
وأمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عمه العباس ــ وكان جهير الصوت ــ أن ينادي الصحابة، قال العباس: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ ــ السمرة: الشجرة التي بايع المسلمون تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية ــ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك.
ويذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر عليه، فيأخذ درعه وسيفه، ويقفز عن بعيره ويخلي سبيله، فيتجه ناحية الصوت، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا.
وصرفت الدعوة إلى الأنصار: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأخرى، واقتتل الفريقان قتالا شديدًا، ونظر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى ساحة القتال عندئذ فقال: "الآن حمي الوطيس" ــ أي: المعركة.
ثم أخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبضة من تراب الأرض، فرمى بها في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه تراب من تلك القبضة، فلم يزل حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا ــ حد كليل: لا يقطع، وهو كناية عن ضعف المشركين.
وما هي إلا ساعات قلائل ــ بعد رمي القبضة ــ حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وقتل من ثقيف وحدهم نحو السبعين، وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح ونساء.
وهذا هو التطور الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) [التوبة: 25 ــ 26].
عن عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة وهى حازمة وسطها ببرد لها ــ أي: رداء ــ وإنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها الجمل ــ أي: يغلبها ــ فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته مع الخطام ــ الخزام حلقة من جلد أو غيره تجعل في أنف البعير ليعلق فيه الخطام أي اللجام ــ فقال لها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أم سليم؟" قالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل ــ أي: مستحقون ــ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أو يكفي الله يا أم سليم؟" قال: ومعها خنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به ــ أي: شققت بطنه به ــ يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول الرميصاء؟! ــ والرميصاء كنية أم سليم رضي الله عنها.
ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صَلَّى الله عليه وسلم إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فتناوش الفريقان القتال قليلا، ثم انهزم جيش المشركين، وفي هذه المناوشة قُتل القائد أبو عامر الأشعري.
وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة، فأدركت شيخهم دريد بن الصمة، فقتله ربيعة بن رفيع.
وأما معظم فلول المشركين الذين لجأوا إلى الطائف؛ فتوجه إليهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بنفسه بعد أن جمع الغنائم.
والتفت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ــ وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان حسن الإسلام حين أسلم ــ وهو آخذ بثغر بغلته فقال: "من هذا؟" قال: أنا ابن أمك يا رسول الله.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال