تسجيل الدخول

المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب

التفاصيل أبو سفيان؛ واسمه: المغيرة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشمي:
هو ابنُ عم النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وقيل: هو أَخو أَبي سفيان ابن الحارث. وقال أبو عمر: قيل: إِن أَبا سفيان بن الحارث اسمه المغيرة. ولا يصح، والصحيح أَنه أَخوه. وقد ذكره ابن الكلبي، والزبير بن بكار وغيرهما فقالوا: اسم أَبي سفيان المغيرة، وهو الشاعر، وهذا يؤيد ما قاله ابن منده، وأَبو نُعَيم من أَنَّ المغيرةَ اسمُ أَبي سفيان، لا اسمُ أَخ له. وذكره الدارقطني في كتاب "الإخوة". وكنيته أَبو سفيان، وبها اشتهر، وقيل: كنيته أَبو عبد الملك. وأمّه غزيّة بنت قيس بن طَريف، من ولد فهر بن مالك بن النّضر.
وكان لأبي سفيان بن الحارث من الولد: جعفر؛ وأمُّه جُمانة بنت أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم، وأبو الهيّاج؛ واسمه: عبد الله، وجُمانة، وحفصة، ويقال: حَميدة؛ وأمّهم فغمة بنت همّام بن الأفقم، ويقال: إنّ أمّ حفصة؛ جُمانة بنت أبي طالب، وعاتكة؛ وأمّها أمّ عمرو بنت المقوّم بن عبد المطّلب بن هاشم، وأميّة؛ وأمّها أمّ ولد، ويقال: بل أمّها أمّ أبي الهيّاج، وأمّ كلثوم وهي لأمّ ولد. وقد انقرض ولد أبي سفيان بن الحارث، فلم يبق منهم أحد.
ووقع عند البَغَوِِيُّ في ترجمته أنه أخرج عن عاصم الأعور قال: أول مَنْ بايع تحت الشجرة أبو سفيان بن الحارث، ولم يُصِبْ في ذلك، فقد أخرجه غيره من هذا الوجه، فقال: أبو سنان بن وهب، وهو الصواب، وهو المستفيض عند أهل المغازي كلّهم، واسم أبي سنان عبد الله. وأتى أبو سفيان بن الحارث النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وابنُه جعفر بن أبي سفيان مُعْتَمَّين، فلمّا انتهيا إليه قالا: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَسْفِروا تُعْرَفوا" قال: فانتسبوا له، وكشفوا عن وجوههم وقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنـّك رسول الله، فقال رسول الله: "أيّ مطْرَدٍ طردتَني يا أبا سفيان"، أو "متى طردتَني يا أبا سفيان؟" قال: لا تثريب يا رسول الله، قال: "لا تثريب يا أبا سفيان"، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب: "بَصّر ابنَ عمّك الوضوءَ والسّنّة ورُحْ به إليّ"، قال فراح به إلى رسول الله فصَلَّى معه، فأمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، فنادى في الناس: ألا إنّ اللهَ ورسولَه قد رضيا عن أبي سفيان فارْضَوْا عنه. وقال ابن عباس: مر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عام الفتح ــ وذكره ــ قال: وكان أَبو سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أَبي أُمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بثنية العُقَاب ــ بين مكة والمدينة ــ فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أُم سلمة فيهما وقالت: يا رسول الله، ابن عمك وابن عمتك وصهرك! فقال: "لاَ حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَما ابن عمي فَهَتَك عرضي، وأَما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال بمكة ما قال"، فلما خرج الخبر إِليهما بذلك ومع أَبي سفيان ابن له، فقال: والله لَيَأْذَنَنَّ لنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَو لآخذَنَّ بيد ابني هذا، ثمّ لَنَذْهبَنَّ في الأَرض حتى نموت عطشًا وجوعًا، فلما بلغ ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رَقَّ لهما، فدخلا عليه، فأَنشده أَبو سفيان قوله في إِسلامه، واعتذاره مما كان مضى، فقال:
لَعَمْرُكَ
إِنِّي
يَوْمَ
أَحْمِلُ
رَايَةً لِتَغْلِبَ
خَيْلُ الَّلاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَـكَالِمُظْلِمِ
الحَيْرَانِ أَظْلَمَ
لَيلُهُ فَهَذَا أَوَانِي حِيْنَ أُهْدَى فَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيرُ نَفْسِي وَدَلَّنِي عَلَى الله مَنْ طَرَّدتُ كُـلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُ وَأَنأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّد وَأُدْعَى ــ وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ ــ مِنْ مُحَمَّدِ
وهي أَطول من هذا(*)، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بل نحن طردناكم". وروى عبد الله بن الحارث بن نوفل أنّ أبا سفيان بن الحارث كان يشبَّه بالنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وأنـّه كان أتى الشأمَ فكان إذا رُئي قيل: هذا ابن عمّ ذلك الصابي؛ لـِشَبَههِ به وهو يشير لذلك بالبيت الأخير:
أَصُدُ وَأَنأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّد وَأُدْعَى ــ وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ ــ مِنْ مُحَمَّدِ
يعني لشبهه به.
وحضر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الفَتح، وشهد معه حنينًا فأَبلى فيها بلاء حسنًا. وقال جابر بن عبد الله الأَنصاري: فخرج مالك بن عوف النَّضْري بمن معه إِلى حنين، فسبق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إليه، فأَعدُّوا، وتَهَيئوا في مضايق الوادي وأَحنائه، وأقبل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَصحابه، وانحط بهم الوادي في عَمَاية الصبح، فلما انحطَّ الناسُ ثارت في وجوههم الخيل، فشدت عليهم، فانكفأ الناس منهزمين، وركبت الإِبل بعضُها بعضًا، فلما رأَى رسولُ الله أَمرَ الناس، ومعه رهط من أَهل بيته، ورهط من المهاجرين، والعباس آخذ بحَكَمَة البغلة البيضاء وقد شَجَرها، وثبت معه من أَهل بيته: علي بن أَبي طالب، وأَبو سفيان بن الحارث، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وغيرهم، وثبت معه من المهاجرين: أَبو بكر، وعمر، فثبتوا حتى عاد الناسُ. وروى أبو إسحاق عن البراء وسأله: يا أبا عُمارة، أوَلّيْتُم يومَ حُنَين؟ فقال البراء وأنا أسمع: أشهد أنّ نبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم لم ُيوَلّ يومئذٍ، كان يقود أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب بَغْلَتَهُ فلمّا غشيه المشركون نزل فجعل يقول:
أنـا النبيّ لا كـَذِبْ أنا ابـن عبد المُطّلـبْ
قال: فما رُئيَ من الناس أحد يومئذٍ كان أشدّ منه(*)، وعلى أبي سفيان يومئذٍ مُقَطّعة برود، وعمامة برود، وقد شدّ وَسَطَه ببُرْد وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فلمّا انْجلَتِ الغبْرَةُ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَن هذا؟" قال: أخوك أبو سفيان، قال: "أخي إِيهًا الله إذًا" وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "أبو سفيان أخي وخير أهلي وقد أعقبني الله من حمزة أبا سفيان بن الحارث"، فكان يقال لأبي سفيان بعد ذلك: أسد الله وأسد الرسول. وكان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم يُحِبُّه، وشهد له بالجّنة وكان يقول‏:‏ ‏"‏أرجو أن تكونَ خلفًا من حمزة‏"(*). وهو معدودٌ في فضلاء الصْحابة. وروى هشام بن عروة، عن أبيه قال:‏ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏: ‏"‏َأُبو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَوْ سَيِّدُ فِتْيَانِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"‏‏(*) أخرجه الحاكم في المستدرك 3/255..‏ وقال أبو سفيان بن الحارث في يوم حُنين أشعارًا كثيرةً تركناها لكثرتها، وكان ممّا قال:
لقد عَلِمَتْ أفناءُ كَعْبٍ وعامِرٍ غَداةَ حُنَينٍ حينَ عَمّ التّضَعضُعُ
بأنّي أخو الهَيْجَاءِ أرْكَبُ حَدّها أمامَ رَسولِ اللهِ لا أتـَتَـعْـتـَعُ
رَجاءَ
ثـَوابِ اللهِ واللهُ واسعٌ إلَـيْه تَعالى كُلُّ أمْرٍ سَيَرْجِـعُ
قالوا: وأطعم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبا سفيان بن الحارث بخَيْبَرَ مائة وسقٍ كلّ سنةٍ(*).
وكان أبو سفيان شاعرًا، فكان يهجو أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان مباعدًا للإسلام، شديدًا على مَن دخل فيه، وكان أخا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الرضاعة؛ أرضعته حَليمة أيـّامًا، وكان يألـَفُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم وكان له تِرْبـًا، فلمّا بُعِثَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عاداه، وهجاه، وهجا أصحابه، فمكث عشرين سنة عَدُوًّا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولا تخلّف عن مَوْضعٍ تسير فيه قريش لقتال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فلمّا ضرب الإسلامُ بِجِرانِه وذُكِر تحرّك رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى مكّة عام الفتْح ألـْقى الله في قلب أبي سفيان بن الحارث الإسلام، قال أبو سفيان: فجِئتُ إلى زوجتي وولدي فقلت: تَهـَيَّئُوا للخروج؛ فقد أظلّ قدومُ محمّد، فقالوا: قَد آنَ لك أن تُبْصِرَ أن العرب والعجم قد تبعت محمّدًا، وأنت موضع في عداوته، وكنت أوْلى الناس بنُصْرَته، قال: فقلتُ لغلامي مذكور: عَجّلْ عليّ بأبعرة وفرسي، ثمّ خرجنا من مكّة نريد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فسِرْنا حتى نزلنا الأبواء، وقد نزلَتْ مقدّمة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الأبواء تريد مكّة، فخِفْتُ أن أُقْبِل وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد نذر دمي، فتنكّرْتُ وخرجتُ وأخذتُ بيد ابني جعفر، فمشينا على أقدامنا نحوًا من ميل في الغداة التي صبح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيها الأبواء، فتصدّينا له تلْقاءَ وجهه، فأعرض عنّي إلى الناحية الأخرى، فتحوّلتُ إلى ناحية وجهه الأخرى فأعرض عني مرارًا، فأخذني ما قرب وما بعد، وقلتُ: أنا مقتول قبل أن أصِلَ إليه، وأتذكّر بِرّه، وَرحِمَه، وقرابتي به، فتمسّك ذلك مني، وكنت أظنّ أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يفرح بإسلامي، فأسلمتُ وخرجتُ معه على هذا من الحال حتى شهدتُ فتح مكّة وحُنين، فلمّا لقينا العدوّ بحُنين اقتحمتُ عن فرسي وبيدي السيف صلتًا، ولم يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظرُ إليّ فقال العبّاس: يا رسول الله، هذا أخوك وابن عمّك أبو سفيان بن الحارث فارْضَ عنه، قال: "قد فعلتُ، فغفر الله له كلّ عداوة عادانيها"، ثمّ التفت إليّ فقال: "أخي"، لَعَمْري فَقَبّلت رِجْلَه في الركاب(*). وروى سعيد بن المسيّب أنّ أبا سفيان بن الحارث كان يصلّي في الصيف بنصف النهار حتى تُكْرَه الصلاةُ، ثمّ يصلّي من الظهر إلى العصر، فلقيه عليّ ذات يومٍ، وقد انصرف قبل حينه فقال له: ما لك انصرفتَ اليومَ قبل حينك الذي كنتَ تنصرف فيه؟ فقال: أتيتُ عثمانَ بن عفّان، فخطبتُ إليه ابنتَه، فلم يُحِرْ إليّ شيئًا فقعدتُ ساعةً، فلم يُحِرْ إليّ شيئًا، فقال عليّ: أنا أُزوّجك أقرب منها، فزوّجه ابنتَه.
وذكر ابن إسحاق أنّ أبا سفيان بن الحارث بكى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كثيرًا ورثاه فقال:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِيَ لَا يَزُولُ وَلَيل أَخِي المُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
فأَسْعَدَنِي البُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا أُصِيبَ المُسْلِمُـونَ بِهِ قَلِيلُ
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيَبَتُنَا وَجَلَّتْ عَشِيةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا تَكَادُ
بِنَا
جَوَانِبُهَا
تَمِِِِيلُ
فَقَدْنَا
الوَحْي وَالتَّنْزِيل فِينَ يَرُوحُ
بِهِ
وَيَغْدُو
جِبْرَئيِلُ
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيهِ نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ كَادَتْ تَسِيلُ
نَبِيُّ كَانَ
يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا بِمَا يُوحَى إِلَيهِ
وَمَا يَقُولُ
وَيَهْدِينَا
فَلَا
نَخْشَى ضَلَالً عَلَينَا
وَالرَّسُولُ
لَنَا
دَلِيلُ
أَفَاطِمُ إِنْ جَزَعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ
فَقَبْرُ
أَبِيكِ سَيِّدُ
كُلِّ قَبْرٍ وَفِيهِ
سيِّـدُ النَّاسِ الرَّسُولُ
وأبو سفيان بن الحارث هو الذي يقول أيضًا‏:
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيشٌ غَيْرَ فَخْر بِأَنَّا نَحْنُ أَجْوَدُهُمْ حِصَانَا
وَأَكْثَرُهُمْ
دُرُوعًا
سَابِغَاتٍ وأَمْضَاهـُمْ إِذَا طَعنُوا سِنَانا
وَأَدْفَعُهُمْ لَدَى الضِّرَّاءِ عَنْهُمْ وَأَبْيَنُهُمْ
إِذَا نَطَقُوا لِسَانَا
وروى أبو جعبّة البدري أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "أَبُو سُفْيَان خَيْرُ أَهْلِي" ـــ أَوْ "مِنْ خَيْرِ أَهْلِي"(*). وقال ابن دريد وغيره من أهل العلم بالخبَر: إنّ قَوْلَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏كُلّ الصَّيْدِ فِي جَوْف الفَرَا‏"(*) ‏ إِنه أبو سفيان بن الحارث ابن عمّه هذا، وقد قيل‏: إن ذلك كان منه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في أبي سفيان بن حرب، وهو الأكثر، ويقال:‏ إن الذين كانوا يشبَّهُون برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي بن أبي طالب، وقُثَم بن العبّاس بن عبد المطَّلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب، والسّائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطّلب، وكان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب من الشِّعراء المطبوعين.‏ وكان سبق له هجاءٌ في رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإياه عارض حسّان بن ثابت بقوله:‏
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا
سُفْيَانَ
عَنِّي مُغْلَغَلَةً فَقَدْ بَرَحَ الخَفَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ
ثم أسلم أبو سفيان، فحسُنَ إسلامه، فيقال:‏ إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حياءً منه.‏ وقال علي بن أبي طالب لأبي سفيان بن الحارث:‏ ائت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من قِبَل وجهه، فقل له ما قال إخْوَةُ يوسف ليوسف عليه السّلام:‏ ‏{تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف‏: ‏91]‏ فإنه لا يرضى أَنْ يكونَ أحدٌ أحسن قولًا منه، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:‏ ‏{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]، وقَبِل منهما، وأسلما. وكانت داره قريبًا من دار عَقيل بن أبي طالب وهي الدار التي تُدعى دار الكراخي، وهي حديدةُ دارِ عليّ بن أبي طالب، عليه السلام.
وقد أُسند عنه حديثٌ أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "الإخْوَة"، وابْنُ قَانِعٍ من طريق سماك بن حرب: سمعت شيخًا في عسكر مدرك بن المهلب بسجستان يحدِّثُ عن أبي سفيان بن الحارث؛ قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لَا يُقَدِّسُ اللهُ أُمَّة لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ مِنَ القَوِيِّ"(*). وسنده صحيح، لولا هذا الشيخ الذي لم يسم.
وذكر عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ في "أخبار المدينة" عن عبد العزيز بن عمران؛ قال: بلغني أنَّ عقيل بن أبي طالب رأَى أبا سفيان يَجُولُ بين المقابر، فقال: يا ابن عمي، ما لي أراك هنا؟ قال: أطلب مَوْضِعَ قبري، فأدخله داره، وأمر بأن يحفر في قاعها قبرًا، ففعل، فقعد عليه أبو سفيان ساعةً، ثم انصرف، فلم يلبث إلا يومين حتى مات، فدُفن فيه، وحجّ عامًا فحلقه الحلاّق بمنًى، وفي رأسه خراج، فقطعه الحلّاق فمات، فَيَرَوْنَ أنّه شهيد، فكانوا يرجون أنّه من أهل الجنّة. قال أبو إسحاق: لما حضر أبا سفيان الوفاة قال لأهله: لا تبكوا عليّ؛ فإنـّي لم أتَنَطّفْ بخطيئة منذ أسلمت. ومات أبو سفيان بالمدينة بعد أخيه نوفل بن الحارث بأربعة أشهر إلا ثلاث عشرة ليلة. ويقال: بل مات سنة عشرين، وصَلَّى عليه عمر بن الخطّاب، وقُبِرَ في رُكْنِ دار عَقيل بن أبي طالب بالبقيع، وهو الذي وَلِيَ حَفْرَ قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيـّام، ثمّ قال عند ذلك: اللهمّ لا أبقى بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا بعد أخي وأتْبِعْني إيـّاهما، فلم تَغِب الشمس من يومه ذلك حتى توفّي.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال