تسجيل الدخول

الزبرقان بن بدر التميمي

التفاصيل الزِّبْرِقان بن بَدْر بن امرئ القيس التيمي السعديّ، وقيل: التميميّ، وقيل: إن اسمه الحصين بن بدر، وإنما سمي الزّبرقان لحُسْنه، شبِّه بالقمر، لأن القمر يقال له: الزّبرقان‏‏؛ قال الأصمعيّ: الزّبرقان القمر، والزَّبرقان الرجل الخفيف اللّحية، وقد قيل: إن اسمه القمر بن بدر، وقيل: بل سُمّي الزّبرقان، لأنه لبس عمامةً مزبرقة بالزعفران، والله أعلم‏.
أخرجه أبو عمر، وذكره أبو موسى إلا أنه أسقط من نسبه امرئ القيس، والصواب إثباته، ويكنى أبا عَيّاش، وقيل: أبا شَذْرَة، وقيل: أَبا سدرة، وكان يقال للزبرقان: قَمَرُ نجد، لجماله، وكان ممن يدخل مكة متعممًا لحسنه، وكان ينزل أرض بني تميم ببادية البصرة، وكان ينزل البصرة كثيرًا، ووفد على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، وكان أحدَ ساداتهم، ومنهم: قيس بن عاصم المِنْقَري، وعمرو بن الأهتم، وعطارد بن حاجب، وغيرهم، فأسلموا، وأجازهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم، وذلك سنة تسع، وسأل النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عَمْرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر، فقال: مطاع في أدْنَية، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره؛ قال الزبرقان: واللّه لقد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال، قال عمرو: إنك لزَمِرُ المروءة، ضيق العَطَن، أحمق الأب، لئيم الخال، ثم قال: يا رسول الله، لقد صدقتُ فيهما جميعًا، أرضانى فقلت بأحسن ما أعلم فيه، وأسخطني فقلت بأسوأ ما أعلم فيه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا"(*)أخرجه أبو داود في السنن 2/ 721 ـــ 722 كتاب الأدب باب ما جاء في الشعر حديث رقم 5011، 5012 وأحمد في المسند 1/ 269، 303، وابن حبان في صحيحه حديث رقم 2009 والحاكم في المستدرك 3/ 613.، وَذكر أبو عمر: أن وفْد بني تميم، أتَوْا بخطيبهم وشاعرهم، ونادَوْا من وراءِ الحجُرات: أَن اخْرُج إلينا يا محمّد، فأنزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ...}‏ [الحُجْرات‏: 4، 5]‏ الآية، وكانت حجراته صلّى الله عليه وآله وسلّم تسعًا، كلُّها من شعر مغلقة من خشب العَرْعَر، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم، وخطب خطيبُهم مُفتخرًا، فلما سكت أمرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثابت بن قيس بن شماس أنْ يخْطُبَ بمعنى ما خطب به خطيبُهم، فخطب ثابت بن قيس فأحسن، ثم قام شاعرهم، وهو الزّبرقان بن بدر فقال:
نَحْنُ
المُلُوكَ
فَلَا
حَيٌّ
يُقَارِبُنَا فِينَا العَلَاءُ وَفِينَا تُنْصَبُ البيعُ
وَنَحْنُ نُطْعِمُهُمْ فِي القَحْطِ مَا أَكَلُوا مِن العَبِيطِ إِذَا لَمْ يُؤْنَسِ القَزَعُ
وَنَنْحَرُ
الكُومَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا للِنَّازِلِينَ إِذَا مَا أُنْزِلُوا
شَبِعُوا
تِلْكَ
المَكَارِمُ
حُزْنَاهَا
مُقَارَعَةً إِذَا الكِرَمُ عَلَى أَمْثَالِهَا اقْتَرَعُوا
ثم جلس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لحسّان بن ثابت: "قم"، فقام، وقال:
إِنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ
وَإِخْوَتَهُمْ قَدْ
بَيَّنُوا
سُنَّةً
لِلنَّاسِ
تُتَّبَعُ
يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ
كَانَتْ سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الإِلَهِ وَبِالأَمْرِ
الَّذِي
شَرَعُوا
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا
عَدُوَّهُمُ أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ
مِنْهُمْ
غَيْرُ مُحْدَثَةٍ إِنَّ
الخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا
البِدَعُ
لَوْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ فَكُلُّ سَبْقٍ
لِادَْنَى
سَبْقِهِمْ
تَبَعُ
لَا يَرْقَعُ النَّاسُ مَا
أَوْهَتْ أَكُفُّهُمُ عِنْدَ الدِّفَاعِ
وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
وَلَا يَضِنُّونَ
عَنْ
جَارٍ
بِفَضْلِهِمُ وَلَا يَمَسُّهُمُ
فِي
مَطْمَعٍ
طَبَعُ
أَعِفُّةٌ
ذُكِرَتْ
لِلنَّاسِ
عِفَّتُهُمْ لَا
يَبْخَلُونَ
وَلَا
يُرْدِيهُمُ طَمَعُ
خُذْ مِنْهُمُ مَا أَتَوْا عَفْوًا إِذَا عَطَفُوا وَلَا
يَكُنْ هَمُّكَ الأَمْرَ الَّذِي مَنَعُوا
فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ شَرًّا
يُخَاضُ إِلَيْهِ الصَّابُ وَالسَّلُعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ
اللَّهِ
شِيْعَتُهُمْ إِذَا
تَفَرَّقَتِ
الأَهْوَاءُ
وَالشِّيَعُ
فقال التميميون عند ذلك: وربِّكم إنّ خطيبَ القوم أخطَبُ من خطيبنا، وإنَّ شاعرَهم أشعر من شاعرنا، وما أنتصفنا ولا قاربْنَا(*).
قال أبو عمر: وولَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقاتِ قومه، فأدّاها في الردّة إلى أبي بكر فأقره ثم إلى عمر؛ وأنشد له وَثيمة في الردّة في وَفائه بأداء الزكاة، وتعرض قيس بن عاصم بأذواد الرسول:
وَفَيْت بِأَذوَادِ الرَّسُولِ وَقَدْ أَتَتْ سُعَاةٌ فَلَمْ يَرْدُدْ بَعِيرًا مخرفا
ويقول في أخرى:
مَنْ مُبْلِغٌ قَيْسًا وَخِنْدِفَ أَنَّهُ عَزْمُ الإِلَه لَنَا وَأَمْرُ مُحَمَّدِ
وله في ذلك قصةٌ مع قَيْس بن عاصم ذكرها أبو الفرج في ترجمة قَيْس، وعاش الزِّبْرِقان إلى خلافة معاوية، وذكره المُرَادِيُّ فيمن عمي من الأشراف، وذكر الجاحظ في كتاب "البيان": أن الزبرقان دخل على زياد وقد كفَّ بصره، فسلّم خفيفًا، فأدناه زياد، وأجلسه معه، وقال: يا أبا عبّاس، إن القوم يضحكون مِن جفائك، فقال: وإن ضحكوا، والله إن رجلًا إلا يودّ أني أبوه لغيَّة أو لرشْدَة، وذكر الكَوْكَبِيّ: أنه وفد على عبد الملك، وقاد إليه خمسة وعشرين فرسًا، ونسب كل فرس إلى آبائه وأمهاته، وحلف على كل فرس منها يمينًا غير التي حلف بها على غيرها، فقال عبد الملك: عجبي من اختلاف أيمانه أشدُّ من عجبي بمعرفته بأنساب الخيل. وفي الزّبرقان يقول رجلٌ من النمر بن قاسط ــ وقيل: إنه الحطيئة، والأول أصحّ ــ‏ في كلمةٍ يمدحُ بها الزّبرقان وأهلَه:
تَقُولُ
حَلِيلَتي
لَمَّا
الْتَقَيْنَا سَتُدْرِكُنَـا بَنُو القِرْمِ الهِجَانِ
سَيُدْرِكُنَا بَنُو القَمَرِ بْنِ بَدْرِ سِـرَاجُ اللَّيلِ لِلشَّمْسِ الحَصَانِ
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُوَ إِنَّ أَنْدَى لِصَـوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ
دَاعِيَانِ
فَمَنْ يَكُ سَائِلًا
عَنِّي فَإِنِّي أَنَا
النمِريُّ جارُ
الزَّبْرَقَانِ
وفي إقبال الزّبرقان إِلى عُمر بصدقات قومه لقيه الحطيئة وهو سائرٌ ببنيه وأهله إلى العراق فرارًا من السَّنَةِ وطلبًا للعيش، فأمره الزَّبرقان أَن يقصد داره، وأعطاه أمارة يكونُ بها ضيفًا له حتى يلحق به، ففعل الحطيئة، ثم هجاه بعد ذلك بقوله:
دَعِ المَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لبُغْيَتَهَا وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي
فشكاه الزبرقان إلى عمر، فسأَل عمر حسّان بن ثابت عن قوله هذا، فقضى أنه هَجْوٌ له وضعة منه، فأَلقاه عمر بن الخطّاب لذلك في مطمورة حتى شفَع له عبدُ الرَّحمن بن عوف والزَّبير، فأطلقه بعد أن أخذ عليه العهد، وأوعده ألّا يعود لهجاء أحدٍ أبدًا، وقصتُه هذه مشهورةٌ عند أهل الأخبار ورُواة الأشعار.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال