تسجيل الدخول

فتح حصون خيبر

وأول حصن هاجمه المسلمون من هذه الحصون الثمانية: هو حصن ناعم؛ وكان خط الدفاع الأول لليهود، لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي، الذي كان يعد بألف.
خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم قائدهم مرحب، الذي خرج إلى ميدان القتال ودعا إلى المبارزة، يخطر بسيفه، وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع فقال:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فهوى كل منهما بسيفه على الآخر، فوقع سيف مرحب في ترس (أي: درع) عامر، وحاول عامر أن يضربه في ساقه، وكان سيفه قصيرا، وتناول به ساق اليهودي ليضربه، فارتد طرف سيفه، فأصاب عين ركبته فمات منه، وقال فيه النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "إن له لأجرين"، وجمع بين إصبعيه، "إنه لجاهد مجاهد، قلَّ عربي مشى بها مثله".
ويبدو أن مرحبا دعا بعد ذلك إلى المبارزة مرة أخرى، وجعل يرتجز بقوله:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب


إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له علي بن أبي طالب وراح يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
الحيدرة، والليث معناها: الأسد، والسندرة: كيل كبير. فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
ولما دنا علي رضي الله عنه من حصونهم، اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال: من أنت، فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي: علوتم وما أنزل على موسى.
ثم خرج ياسر أخو مرحب وهو يقول: من يبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمه: يا رسول الله، يقتل ابني! فقال: "بل ابنك يقتله"، فقتله الزبير.
ودار القتال المرير أيامًا حول حصن ناعم، قتل فيه عدة من أشراف اليهود وشجعانهم، فانهارت لذلك مقاومة اليهود، وعجزوا عن صد هجوم المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصعب، واقتحم المسلمون حصن ناعم.
وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث دعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة.
فقد حدث أن بني سهم من قبيلة أسلم أتوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فقال: "اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاما وودكا"، الودك: الدسم، فلم تغرب شمس ذلك اليوم حتى فتح الله عز وجل على المسلمين حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعامًا وودكًا منه، وكان بنو أسلم في مقدمة الصفوف المهاجمة.
وبعد فتح حصن ناعم والصعب، تحول اليهود من كل حصون النطاة إلى قلعة الزبير؛ وهو حصن منيع، لا تقدر عليه الخيل والرجال، لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الحصار، وأقام محاصرًا ثلاثة أيام، فجاء رجل من اليهود، وقال: يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا ما بالوا (أي: ما اهتموا)؛ إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك (أي: ظهروا لك). فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قُتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وبعد فتح قلعة الزبير انتقل باقي اليهود إلى قلعة أبي، وتحصنوا فيها، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود، واحد بعد الآخر، بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين؛ وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة، سماك بن خرشة الأنصاري، صاحب العصابة الحمراء، وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار، آخر حصن في الشطر الأول من خيبر.
كان حصن النزار أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل، ولذلك كانوا قد جعلوا في هذه القلعة الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوهم من القلاع الأربع السابقة.
وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلًا للاقتحام فيه، أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين، لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة.
وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صَلَّى الله عليه وسلم بنصب آلات المنجنيق (أي: قاذفات الحجارة)، وراح المسلمون يقذفون الحصن بالقذائف، فأوقعوا الخلل في جدرانه، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن، انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخرى، بل فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم.
وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النطاة والشق، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة، أخرى إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر.
ولما فتح ناحية النطاة والشق، تحول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى النصف الثاني المعروف بالكتيبة. في الوقت الذي دخل فيه يهود تلك الناحية حصونهم، ودخل معهم كل من كان انهزم من النطاة والشق، وتحصنوا جميعا أشد التحصن.
فلما أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى ناحية الكتيبة فرض على أهلها حصارًا، دام أربعة عشر يومًا، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى هَمَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الصلح.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال