تسجيل الدخول

أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح

لا شك أن ما فعلته قريش وحلفاؤها من بني بكر كان غدرًا محضا، ونقضًا صريحا للميثاق لم يكن له أي مبرر، ولذلك سرعان ما أحسَّت قريش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلسا استشاريا وقررت أن تبعث قائدها أبا سفيان ممثلا لها؛ ليقوم بتجديد الصلح.
وقد أخبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أصحابه بما ستفعله قريش إزاء غدرتهم، قال: "كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة".
وخرج أبو سفيان حسب ما قررته قريش، فلقي بديل بن ورقاء بعسفان وهو راجع من المدينة إلى مكة، فقال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه أتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: سرت في خزاعة في هذا الساحل، وفي بطن هذا الوادي، قال: أو ما جئت محمدا؟ قال: لا. فلما راح بديل إلى مكة، قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففته، فرأى فيها النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا.
وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج الرسول صَلَّى الله عليه وسلم، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، فقال: والله لقد أصابك بعدي شر.
ثم خرج حتى أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسن غلام يدب بين يديهما، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبا، اشفع لي إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة، فقال: هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس (أي يعلن حماية القرشيين، فيكون التعرض لهم كالتعرض له) فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير الناس، وما يجير أحد على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وحينئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان، فقال لعلي بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني، قال: والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظنه، ولكني لم أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، وانطلق.
ولما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته، فوالله ما رد على شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدو، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم، قد أشار علي بشئ صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمدا؟ قال: لا، قالوا: ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال