تسجيل الدخول

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من نقض بني قريظة للعهد

وصل خبرُ نقض بني قريظة للعهد إلى رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم وإلى المسلمين فبادر إلى تحقيقه، حتى يستجلي موقف قريظة، فيواجهه بما يجب من الوجهة العسكرية، وبعث لتحقيق الخبر: سعدَ بن معاذٍ، وسعدَ بن عبادة، وعبدَ الله بن رواحة، وخواتَ بن جُبير، وقال: "انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه (أي تكلموا بكلام فيه رمز، وكانت تلك الكلمة عُضَل والقَّارة): ولا تَفِتُّوا في أعضاد الناس (أي لا تضعفوا عزائمهم): وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس".
فخرجوا حتى آتوهم؛ فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، فقد نالوا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقالوا: مَن رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلا فيه حِدَّة، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى (أي أكثر) من المشاتمة، ثم أقبل سعدٌ، وسعدٌ، ومن معهما إلى رسول الله، فسلموا عليه ثم قالوا: عُضَل والقَّارة، أي: كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ـــ خبيب وأصحابه ـــ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين!".
وقد كان أحرج موقف يقفه المسلمون، فلم يكن يحول بينهم وبين قريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف، بينما كان أمامهم جيش عَرمرم لم يكونوا يستطيعون الانصراف عنه، وكانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من هؤلاء الغادرين في غير منعة وحفظ، وصاروا كما يقول الله تعالى: {وَإِذ زَّاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الآية: 11،10،33]. ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قالوا: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، حتى قال أحدهم في ملأ من رجال قومه: إن بيوتَنَا عورة من العدو، فَأْذَن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا فإنها خارج المدينة، وحتى همت بنو سلمة بالفشل، وفي هؤلاء أنزل الله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةً مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يَّرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}[الآية: 33: 12،13].
أما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فتقنع بثوبه حين أتاه غدر قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، حتى اشتد على الناس البلاء، ثم غلبته روح الأمل فنهض يقول: "الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره"، ثم أخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن، وكجزء من هذه الخطة كان يبعث الحَرَس إلى المدينة لئلا يؤتى الأولاد والنساء على غِرَّة.
ولكنْ كان لابد من إقدام حاسم يفضي إلي تخاذل الأحزاب، وتحقيقا لهذا الهدف بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن، وإلى الحارث بن عوف المري ـــ وهما قائدا غطفان ـــ وكلمهما أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجَرَى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب، فلما أراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن ينفذ الاتفاق بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ قال: "بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد وكالبوكم (أي تجمعوا عليكم) من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما"، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى (أي إكراما لضيف) أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بينا وبينهم، قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: فأنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة؛ فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا (أي ليفعلوا ما شاءوا).
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال