الزهد
روى أَبو سلمة عن سعد بن أَبي وقاص قال: والله ما كان عمر بأَقدمنا هجرة، وقد عَرَفْتُ بأَيّ شيءَ فَضَلَنَا؛ كان أَزهدنا في الدنيا.
وروى ثابت أَن عمر استسقى، فأُتِي بإِناء من عَسَل فوضعه على كفه، قال: فجعل يقول: "أَشربها فتذهب حلاوتها، و تبقى نقمتها"، قالها ثلاثًا، ثم دفعه إِلى رجل من القوم فشربه(*).
وروى ابن بن مُلَيكة قال: بينما عمر قد وضع بين يديه طعامًا إِذ جاءَ الغلام فقال: هذا عتبة بن فَرْقَد بالباب، قال: وما أَقدم عتبة؟ ائذن له، فلما دخل رأَى بين يدي عمر طعامه خبز، وزيت، قال: اقترب يا عتبة فأَصب من هذا، قال: فذهب يأْكل فإِذا هو طعام جِشَب لا يستطيع أَن يُسِيغه، قال: يا أَمير المؤمنين، هل لك في طعام يقال له: الحُوَّاري؟ قال: ويلك، ويَسَع ذلك المسلمين كلهم؟ قال: لا والله، قال: ويلك يا عُتْبة، أَفأَردت أَن آكل طَيِّبًا في حياتي الدنيا وأَستمتع؟.
وروى أَبو حازم قال: دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته، فقدمت إِليه مَرَقًا باردًا وخبزًا وصَبَّت في المَرَق زيتًا، فقال: أُدْمان في إِناء واحد! لا أَذوقه حتى أَلقى الله عز وجل.
وروى أَنس قال: لقد رأَيت بين كتفي عمر أَربع رِقاع في قميصه.
وروى عبد اللّه بن عامر بن ربيعة قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إِلى مكة، فما ضرب فسطاطًا، ولا خِباءً حتى رجع، وكان إِذا نزل يُلْقى له كساءٌ أَو نِطْع على الشجر، فيستظل به.
وروى يسار بن نُمير قال: ما نخلتُ لعمر الدقيق قطّ إلاّ وأنا له عاصٍ.
وروى أنس بن مالك أنّه رأى عمر أكل صاعًا من تمر بحَشفه.
وروى أنس أيضًا قال: تَقَرْقَرَ بَطْنُ عمر بن الخطّاب وكان يأكل الزيتَ عامَ الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فَنَقَرَ بَطْنَه بإصبعه، قال: تَقَرْقَرْ تقرقرك إنّه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.
وروى عبد العزيز ابن أبي جميلة الأنصاريّ قال: أبْطأ عمر بن الخطّاب جُمْعَةً بالصّلاة فخرج، فلمّا أن صعد المنبر اعتذر إلى الناس فقال: إنّما حَبَسَني قميصي هذا لم يكن لي قميص غيره. كان يخاط له قميص سُنْبلاني لا يجاوز كُمّه رُسْغَ كَفّيْه.
وروى أبو عثمان النهديّ قال: رأيْتُ عمر بن الخطّاب يطوف بالبيت عليه إزارٌ فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهنّ بأديم أحمر.
العبادة
روى سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب يحبُّ الصلاة في كبد الليل ــ يعني: وسط الليل.
وروى أبو سعيد ــ مولى أبي أسيد ــ قال: كان عمر بن الخطاب يَعُسّ المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحدًا إلا أخرجه إلا رجلًا قائمًا يصلي، فمر بنفرٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيهم أبيُّ بن كعب، فقال: من هؤلاء؟ قال أبيُّ: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين، قال: ما خلّفكم بعد الصلاة؟ قال: جلسنا نذكر الله، قال: فجلس معهم، ثمّ قال لأدناهم إليه: خذ، قال: فدعا فاستقرأهم رجلًا رجلًا يدعون حتى انتهى إليَّ وأنا إلى جنبه، فقال: هات فحُصرت، وأخذني من الرعدة أَفْكَلُ، حتى جعل يجد مسّ ذلك مني، فقال: ولو أن تقول: "اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا"، قال: ثمّ أخذ عمر فما كان في القوم أكثر دمعةً، ولا أشد بكاءً منه، ثمّ قال: إيهًا الآن فتفرقوا.
وروى عبد الله بن نيار الأسلمي، عن أبيه قال: لما أجمع عمر على أن يستسقي، ويخرج بالناس، كتب إلى عمّاله أن يخرجوا يومَ كذا وكذا، وأن يتضّرعوا إلى ربهم، ويطلبوا إليه أن يرفع هذا المحل عنهم، قال: وخرج لذلك اليوم عليه بُرْدُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى المصلّى، فخطب الناس، وتضرع، وجعل الناس يُلِحّون، فما كان أكثر دعائه إلا الاستغفار، حتى إذا قرب أن ينصرف رفع يديه مدًّا، وحول رداءه، وجعل اليمين على اليسار، ثمّ اليسار على اليمين، ثمّ مد يديه، وجعل يلح في الدعاء، وبكى عمر بكاءً طويلًا حتى أخْضَلَ.
وروى السائب بن يزيد، عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب يصلي في جوف الليل في مسجد رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم زمان الرمادة، وهو يقول: "اللهم لا تهلكنا بالسّنين، وارفع عنا البلاءَ"؛ يردد هذه الكلمة.
وروى عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول في دعائه الذي يدعو به: "اللهم توفني مع الأبرار، ولا تخلفني في الأشرار، وقني عذاب النار، وألحقني بالأخيار".
وروى زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة زوج النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أنها سمعت أباها يقول: "اللهم ارزقني قتلًا في سبيلك، ووفاةً في بلد نبيك"، قال: قلت: وأنّى ذلك؟ قال: إن الله يأتي بأمره أنى شاء.
وروى يحيى بن أبي جعدة قال: قال عمر بن الخطاب لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبيني لله في التراب، أو أجالس قومًا يلتقطون طيب القول كما يُلتقط طيب الثمّر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله.
وروى المسور بن مخرمة: أن عمر لما طُعن جعل يُغمَى عليه فقيل: إنكم لن تفزعوه بشيءٍ مثل الصلاة إن كانت به حياة؛ فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة قد صُليت فانتبه، فقال: الصلاة هاء الله إذًا ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، قال: فصلّى وإنَّ جرحه ليثعب دمًا.
روى سفيان عن أبي نَهيك عن زياد بن حُدَيْر قال: رأيتُ عمر أكثر النّاس صيامًا وأكثرهم سواكًا.
روى عبد الله بن يونس قال: أخبرنا زهير بن معاوية قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال عمر بن الخطّاب: لو كنتُ أُطيقُ مع الخِلّيفَى لأذّنْتُ.
الورع
قالت الشفاء ابنة عبد الله ـــ ورأت فتيانًا يقصدون في المشي، ويتكلمون رويدًا ـــ فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نُسّاك فقالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقًا.
وروى المِسور بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع.
وروت عائشة قالت: لما وُلي عمر أكل هو وأهله من المال، واحترف في مال نفسه.
وروى ابن عمر قال: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر "عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل" طُنْفُسَةً أراها تكون ذراعًا وشبرًا فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري فأخذها عمر فضرب بها رأسها حتى نغص رأسها، ثمّ قال: عليّ بأبي موسى الأشعري وأتعبوه قال: فأتي به قد أُتْعِبَ وهو يقول: لا تعجل عليّ يا أمير المؤمنين فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثمّ أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها فلا حاجة لنا فيها.
الشهادة
روت حفصة بنت عمر، وزوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنّها سمعت أباها يقول: اللهمّ ارْزُقْني قَتْلًا في سبيلك ووفاة في بلد نبيّك، قالت حفصة: وأنّى ذلك؟ قال عمر: إنّ الله يأتي بأمره أنّى شاء.
الانفاق في سبيل الله
روى الحسن قال: كتب عمرُ بن الخطاب إلى أبي موسى: "أما بعد؛ فأعْلِمْ يوما من السنة لا يبقى في بيت المال درهم، حتى يُكْتَسَحَ اكتساحا حتى يعلم الله أني قد أدّيْتُ إلى كل ذي حق حقه.
قال الحسن: فأخذ صَفْوَها، وترك كَدِرَها حتى ألحقه الله بصاحبيْه.
العلم
روى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رأَيت كأَني أُتيتُ بقَدَح لبن، فشربت منه، وأَعطيت فَضْلي عُمَر بن الخطاب"، فقالوا: ما أَوّلته يا رسول الله؟ قال: "العلم".
الصبر
قال ابن إِسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر قال: لما أَسلم عمر بن الخطاب قال: أَيُّ أَهل مكة أَنقلُ للحديث؟ فقالوا: جميل بن مَعْمَر. فخرج عمر وخرجت وراء أَبي، وأَنا غُلَيِّم أَعقل كُلَّ ما رأَيت، حتى أَتاه فقال: يا جميل هل علمت أَني أَسلمت؟ فوالله ما راجعه الكلام حتى قام يجرّ رداءَه، وخرج عمر يتبعه، وأَنا مع أَبي، حتى إِذا قام على باب مسجد الكعبة، صرخ بأَعلى صوته: يا معشر قريش، إِن عمر قد صبأَ. فقال عمر: كذبت! ولكني أَسلمت. فثاوَرُوه، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم، فطَلَحَ وعرَّشوا على رأْسه قيامًا وهو يقول: "اصنعوا ما بدا لكم، فأَقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا، أَو تركناها لكم".
الخوف
روى عبد الله بن عمر قال: كان عمر بن الخطاب يقول: لو مات جَديٌ بطف الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر.
وروى يحيَى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب كان يُدْخِلُ يده في دَبَرَة البَعير ويقول: إني لخائفٌ أن أُسْأل عَمّا بك.
وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب أخذ تِبْنَةً من الأرض فقال: ليتني كنتُ هذه التبنة، ليتني لم أُخْلَقْ، لَيت أمّي لم تَلِدْني، ليتني لم أكُ شيئًا، ليتني كنتُ نَسْيًا منسيًّا.
وروى عبد الله بن عيسى قال: كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء.
وروى ابن عمر قال: ما رأيت عمر غضب قط، فذُكِرَ الله عنده، أو خُوّفَ، أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن؛ إلا وقف عما كان يريد.
وروى أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب يومًا، وخرجت معه حتى دخل حائطًا، فسمعته يقول وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بَخْ والله بُنَيّ الخطاب لَتَتّقِيَنّ الله أو ليعذبنك.
قال له ابن عمر: ما يمنعك أنْ تقدم عليًّا؟ قال: أكره أن أحملها حيًّا وميتًا.
التواضع
روى الإمام أحمد بسنده، عن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزابٌ على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة، وقد كان ذُبح للعباس فرخان، فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر، فطرح ثيابه، و لبس ثيابًا غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال: والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال عمر للعباس: و أنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صَلَّى الله عليه و سلم، ففعل ذلك العباس.
وصعد عمر بن الخطاب المنبر، وجمع الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: أيها الناس لقد رأيتني وما لي من أكال يأكله الناس إلا أنّ لي خالات من بني مخزوم، فكنت أستعذب لهنّ الماء، فيقبضن لي القبضات من الزبيب، قال: ثمّ نزل عن المنبر فقيل له: ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال إني وجدت في نفسي شيئًا؛ فأردت أن أُطأطئ منها، وقال عمر: أحبّ الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي.
قال: أخبرنا الفضل بن دُكين، أخبرنا سفيان بن عُيينة عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم أنّ عمر كان يَمْسَحُ بنَعْلَيْه ويقول: إنّ مناديل آل عمر نعالهم.