1 من 2
إبراهيم ابن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم آخرَ. ذكر عليّ بن الحسين بن الجنيد الرّازي في تاريخه، وهو جزء لطيف ـــ أن خديجة ولدت للنبي صَلَّى الله عليه وسلم بناته الأربع، ثم ولدت من بعد البنات: القاسم، والطّاهر، وإبراهيم، والطّيب، فذهبت الغلمة وهم مُرْضَعُون؛ ولم يذكر مارية القبطية. وقال في قصتها: ولدت إبراهيم ومات صغيرًا. وهذا لم يره لغيره، ولم يذكر مارية وما له منها، ولم يكن ما ذكره غلطًا مَحْضًا بل يكون انتقل ذهْنُه فظنَّ أن الأولاد كلهم من خديجة، وغفل عن مارية.
(< جـ1/ص 321>)
2 من 2
إبراهيم ابن سيد البشر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. أُمُّه مارية القِبطية، ولدته في ذي الحجة سنة ثمان.
قال مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ. ومات سنة عشر، جزم به الواقديّ، وقال: يوم الثلاثاء لعَشْرٍ خلون من شهر ربيع الأول.
وقالت عَائِشَةُ: عاش ثمانية عشر شهرًا. وقال محمد بن المؤمّل: بلغ سبعة عشر شهرًا وثمانية أيام. وأخرج ابن منده، من طريق ابن لَهِيعة، عن عقيل ويَزِيد بن أبي حبيب، كلاهما عن ابن شهاب، عن أنس: لما وُلد إبراهيم من مارية جاريته كان يَقعُ في نفس النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، حتى أتاه جبريل عليه السّلام، فقال: "السّلَامُ عَلَيْكَ يَا أبَا إِبْرَاهِيمَ"؛(*) هذا حديث غريبٌ مِنْ حديثِ الزهريّ.
وقال أَحْمَدُ في مسنده: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سَعْد، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوَة، عن عائشةَ، قالت: لقد تُوفِّي إبراهيمَ ابن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ابنُ ثمانية عشر شهرًا، فلم يصلّ عليه.(*) إسناده حسن، ورواه البَزَّارُ وأَبُو يَعْلَى، وصحّحه ابْنُ حَزْمٍ، لكن قال أحمد في رواية حنبل عنه: حديث منكر.
وقال الخَطَّابِيُّ: حديثُ عائشة أحسنُ اتصالًا من الرواية التي فيها أنه صلى عليه، قال: ولكن هي أولى.
وقال ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: حديثُ عائشة لا يصح. ثم قال: وقد يحتمل أن يكونَ معناه لم يصلّ عليه في جماعة، أو أمر أصحابه فصّلوا عليه ولم يحضرهم.
وروى ابْنُ مَاجَه من حديث ابن عباس، قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إِنّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ، فَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَلَوْ عَاشَ لَأعْتَقْتُ أَخْوَالَهُ مِنَ القَبَطِ، وَمَا اسْتُرِقَّ قِبْطِيُّ"(*) أخرجه ابن ماجة في السنن 1 / 484 كتاب الجنائز (6) باب (27) حديث رقم 1511، وأحمد 4/ 289، وابن ماجة 1/484.
وفي سنده أَبُو شَيْبَة الواسطيّ إبراهيم بن عثمان، وهو ضَعِيفٌ.
وأخرجه ابْنُ مَنْدَه من هذا الوَجْه، ووقع لنا من طريقه بعلوّ. وقال: غريب.
وروى ابْنُ سَعْدٍ، وأَبُو يَعْلَى من طريق عطاء بن عجلان، وهو ضعيف، عن أنس ـــ أنَّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم صلّى على ابنِه إبراهيم وكبَّر عليه أرْبعًا(*) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 5/431 وأورده الهيثمي في الزوائد 3/38.
وروى البَزَّارُ من طريق أبي نَضرة، عن أبي سعيد ـــ مثله، وفيه عبد الرحمن بن مالك ابن معقل ـــ وهو ضعيف.
وروى أَحْمَدُ من طريق جابر الجعفي ـــ أحَد الضعفاء، عن الشعبي، عن البَراء. قال: قد صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم. ومات وهو ابن ستة عشر شَهْرًا(*)، ورواه ابن أبي شَيَبَةَ في مصنَّفه، فلم يذكر البراء، وكذا عبد الرزاق.
وروى البَيْهَقِيُّ في "الدَّلَائلِ" ــــ من طريق سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه ـــ أَنّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم صلَّى على ابنه إبراهيم حين مات.(*)
قال النَّوَوِيُّ: الذي ذهب إليه الجمهور أنه صلّى عليه وكبَّر عليه أربع تكبيرات.
وفي صحيح البُخَارِيِّ أنه عاش سبعة عشر شهرًا أو ثمانية عشر شهرًا على الشكِّ.
وأخرج ابْنُ مَنْدَه، من طريق أبي عامر الأسدي، عن سفيان، عن السُّدِّيِّ، عن أنس، قال: تُوُفِيَّ إبراهيم ابنُ النَّبي صَلَّى الله عليه وسلم، وهو ابن ستة عشر شهرًا، فقال: "ادْفِنُوهُ بِالبَقِيع، فَإِنَّ لهُ مُرْضِعًا تُتِمُّ رَضَاعَهُ فِي الجَنَّةِ"(*) أورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 40454، وأحمد في المسند 4/297، وقال: غريب، لا نعرفه من حديث الثوريّ إلَّا من هذا الوَجْهِ.
قلت: أخرج البُخَارِيُّ من طريق محمد بن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، قلت: لعبد الله بن أبي أوفى: رأيت إبراهيم ابن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أكبر؟ قال: مات صغيرًا، ولو قضى أنْ يكونَ بعد محمد نبيّ عاش ابنه إبراهيم، ولكني لا نبيّ بعده.
وأخرجه أَحْمدُ عن وَكيع، عن إسماعيل: سمعت ابْنَ أبي أَوْفَى يقول: لو كان بعد النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم نبيّ ما مات ابنه إبراهيم.
وروى إِسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ، عن أنس، كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو بَقِيَ لكان نبيًّا، لكن لم يكن ليبقى، فإنَّ نبيكم آخر الأنبياء.
وأخرج ابْنُ مَندَه أيضًا، من طريق إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل بن أبي خالد، قلت لابْنِ أَبِي أَوْفَى: هل رأيت إبراهيم ابن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كان أشبه الناس به، مات وهو صغير.
وقد استنكر ابْنُ عَبْدِ البَرِّ حديثَ أنس، فقال ـــ بعد إيراده في التمهيد: لا أدري ما هذا؟ فقد وَلد نوح عليه السلام غير نبي، ولو لم يلد النبي إلا نبيًّا لكان كل أحد نبيًّا؛ لأنهم من ولد نوح، ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره لما لا يخفى.
وقال النَّوَوِيُّ في ترجمة إبراهيم من تهذيبه: وأما ما رُوي عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا فباطلٌ وجسارة على الكلام على المغيّبَات، ومجازفة وهجوم على عظيم. انتهى.
وهو عجيب مع وُروده عن ثلاثة من الصحابة؛ وكأنه لم يظهر له وَجهْ تأويله فبالغ في إنكاره. وجوابه أنَّ القضيةَ الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا نظنُّ بالصّحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه، والله أعلم.
قال ثَابِت البُنَانِيُّ: قال أنس: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ... " الحديث. أخرجه البخاريّ ومسلم، وفيه قصّة مَوْتِه، وأنه دخل عليه وهو يَجُودُ بنفسه، فجعلَتْ عيناه تذرفان، وفيه: "إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لمحْزُونُونَ"(*) أخرجه البخاري في صحيحه 2/105. والنسائي 4/19 كتاب الجنائز باب 16 حديث رقم 1859. والحاكم في المستدرك 3/412. وابن حبان في صحيحه حديث رقم 1424، وابن أبي شيبة 7/416 وأحمد في المسند 2/110.
ولمسلم من طريق عمرو بن سعيد عن أنس: ما رأيتُ أحدًا أرحم بالعيال من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مُسْترْضَعًا في عَوَالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيأخذه ويقبِّله، فذكر قصةَ موته.(*)
وكانت وفاةُ إبراهيم في ربيع الأول. وقيل: في رمضان: وقيل في ذي الحجة. وهذا الثالث باطل على القول بأنه مات سنة عشر؛ لأن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع إلا إِن كان مات في آخر ذي الحجة. وقد حكى البيهقيّ قولًا بأَنه عاش سبعين يومًا فقط، فعلى هذا يكون مات سنة ثمان والله أعلم.
(< جـ1/ص 318>)