1 من 2
ز ـــ جَرْوَل بن أوس، هو الحطيئة الشّاعر العَبْسي. يأتي في الحاء المهملة.
(< جـ1/ص 633>)
2 من 2
الحطيئة الشاعر: اسمه جَرْوَل بن أَوْس بن مالك بن جؤيّة بن مخزوم بن مالك بن غالب ابن قُطيْعَة بن عَبْس العبسي الشّاعر المشهور يكنى أبا مُليكة.
قال أَبُو الفَرَجِ الأَصْبَهَانِيُّ: كان من فحولِ الشعراء ومُقَدميهم وفصائحهم، وكان يتصرَّف في جميع فنون الشعر من مَدْح وهجاء وفخر ونسب. ويجيد في جميع ذلك، وكان ذا شَرّ وسفَهٍ. وكان إذا غضب على قبيلة انتمى إلى أخرى؛ زعم مرة أنه ابن عَمْرو بن عَلْقمة منْ بني الحارث بن سَدُوس. وانتمى مرة إلى ذُهْل بن ثعلبة، وأخرى إلى بني عوف ابن عمرو؛ وله في ذلك أخبار مع كل قبيلة وأشعار مذكورة في ديوانه.
وكان كثِيرَ الهجاء حتى هجا أباه وأمه وأخاه وزوجته ونفسه.
وهو مخضرم؛ أدرك الجاهليَّة والإسلام، وكان أسلم في عهد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ثم ارتدّ، ثم أسر وعاد إلى الإسلام، وكان يلقب الحطيئة لقصره.
وقال حماد الراوية: لقّب الحطيئة لأنه ضرط ضَرْطة بين قوم فقيل له: ما هذا؟ قال: إنما هي حَطْأة؛ فلقّب الحطيئة.
وقال الأَصْمَعِيُّ: كان مُلْحِفًا شديد البخل. وما تشاء أن تقول: في شعر شاعر عيب إلا وجدته إلا الحطيئة، فقلما تجد ذلك في شعره، وكذا قال أبو عبيدة نحوه.
وقد تقدمت قصتُه مع الزبرقان بن بَدْر في ترجمة بَغيض بن عامر بن شماس [[روى أَبُو الفَرَجِ الَأصْبَهَانِيُّ، من طريق أبي عبد الله بن الأعرابي، وأبي عبيدة، ويونس ابن حبيب وغيرهم من أهل الأخبار ـــ أنّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ولّى الزّبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بَهْدَلة بن عَوْف بن كعب صدقاتِ بني تميم، ثم أَقرَّه أبو بكر على عمله، ثم قدم على عُمر بصدقات قومه فلقيه الحطيئَة الشاعر بقَرْ قَرى ومعه ابناه أَوْس، وسَوَادة، وبناتُه، وامرأَته، فعرفه الزّبْرقان، فقال: أين تريد؟ قال: العراق؛ لأصادف مَنْ يكفيني عيالي وأُصْفيه مَدْحي. فقال: لقد لقيته، قال: مَنْ؟ قال: أنا. قال: مَنْ أنت؟ قال: الزّبْرَقان بن بَدْر، فسِرْ إلى أُمِّ بدرة، وهي بنت صعصعة بن ناجية عمة الفرزدق، وهي امرأة الزّبرقان، بكتابي.
فسار إليها، فبلغ ذلك بَغيض بن عامر وإخوته وبني عمه منهم بَغِيض بن شَمَّاس. وعلقمة بن هَوْذة، وشَمَّاس بن لأي، والمخَبَّل وغيرهم، وكانوا ينازعون الزبرقان بن بدر الرياسةَ، وكانت بين الزبرقان وبين علقمة مهاجاة فدسُّوا إلى أم بدرة أن الزبرقان يريد أن يتزوج بنت الحطيئة، ولذلك أمرك أن تكرميه، فجفته أم بدرة؛ فأرسل بَغِيض وأهلُه إلى الحطيئة أن ائتنا، فنحن أحسَنُ لك جوارًا من الزبرقان، وأطمعوه ووعدوه، فتحوّل إليهم.
فلما جاء الزّبْرَقانُ بلغه الخبر، فركب إليهم؛ فقال لهم: ردُّوا عليّ جاري، فأبوا حتى كاد أن يكون بينهم حَرْب، فحضرهم أهلُ الحيّ، فاصطلحوا على أن يخيّروه؛ فاختار بَغيضًا ورَهْطَه.
ويقال: إن الزّبْرَقان استعدى عليهم عُمر فأمرهم أن يخيّروه؛ قال: فجعل الحطيئة يمدحهم من غير أن يتعرَّض للزبرقان، فلم يزل كذلك حتى أرسل الزبرقان إلى شاعر من النّمر بن قاسط يقال له دِثَار بن شَيْبَان، فهجا بغيضًا وآلَ بيته؛ فلما سمع الحطيئة شِعْرَ دِثَار حمى لجيرانه، فقال أبياته التي منها:
مَـا كَـانَ ذَنْبُ بَغِـيضٍ لَا أَبَا لَكُـمُ فِي بَائِـسٍ جَـاءَ يَحْـدُو آخِـرَ النَّـاسِ
[البسيط]
وهي طويلة، فكان من استعداء الزبرقان عُمر على الحطيئة وحَبْسِه إياه، وكان ما كان.]] <<من ترجمة بغيض بن عامر بن شَمَّاس "الإصابة في تمييز الصحابة".>>.
وقال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عن عمه: قدم الحطيئة المدينة، فأرصدت له قريش العطاء خوفًا من شره، فقام في المسجد فصاح: مَنْ يحملني على نعلين؟
وقال إِسْحَاقُ المُوصِلِيُّ: ما أزعم أنَّ أحدًا من الشعراء بعد زُهير أشعر مِنَ الحطيْئَة.
وروى الزبير أن أعرابيًا وقف على حسّان وهو ينشد، فقال له: كيف تسمع؟
قال: ما أسمع بأسًا؛ قال: فغضب حسّان، فقال له: منْ أنت؟ قال: أبو مليكة.
قال: ما كنت قط أهون عليّ منك حتى اكتنيت بامرأة، فما اسمك؟ قال: الحطيئة، فأطرق حسّان ثم قال: امْضِ بِسَلاَمٍ.
وقال أَبُو عَمْرو بْنُ العَلاَءِ: لم يقل العرب بيتًا أصدق من قول الحطيئة:
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لاَ يَعْدِمْ جَوَازِيَهُ لاَ يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ والنَّاسِ
[البسيط]
وذكر ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في اصْطِنَاعِ المعروف عن الشعبي، قال: كان الحطيئة عند عُمر، فأنشد هذا البيت، فقال كعب: هي والله في التوراة، لا يذهب العرف بين الله وبين خَلْقه.
وذكر محمد بن سلام في طبقات الشعراء أنَّ كعب بن زهير قال عند موته:
فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْدَنا مَنْ يُقِيمُهَا إِذَا مَا ثَوَىَ كَعْبٌ وفوَّزَ جَرْوَلُ
[الطويل]
وقال أَبُو حَاتِمٍ السجسْتَانِيُّ، عَنِ الأَصْمَعِيُّ: لما هجا الحطيئة الزبرقان استعدى عليه عمر، فدعا حسّان بن ثابت، فقال: أتراه هجاه؟ قال: نعم، وسلح عليه؛ فحبسه عمر، فقال وهو محبوس:
مَاذَا تَقُولُ لأَفْرَاخٍ بِذِي مَـرَخٍ زُغْبِ الحَوَاصِل لاَ مَاءٌ وَلاَ شَجَرٌ
أَلْقَيْتَ كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ فَاغْفِرَ عَلَيْكَ سَلاَمُ الله يـَا عُمَــــرُ
[البسيط]
فَبكى عُمَرُ فشفع فيه عمرو بن العاص، فأطلقه.
وعاش الحطيئة إلى خلافة معاوية، وله قصص مع سعيد بن العاص وغيره؛ ثم رأيت ما يدل على تأخّر موته، فروى أبو الفرج من طريق عبد الله بن عياش المنتوف، قال: بينما ابن عباس جالس بعدما كفّ بصره وحَوْله وجوهُ قريش إذ أقبل أعرابيّ فسلم، فذكر قصة طويلة وفيها أنه الحطيئة.
(< جـ2/ص 150>)