أمية بن الأشكر الجندعي
أمية بن الأسكر، وقيل: ابن الأشكر بن عَبْد الله، وقيل: أمية بن حُرْثان بن الأشكر الكِنَاني الليثي الجندعيّ.
أخرجه ابن عبد البر، وابن منده، وأبو نعيم. وكان الأشكر شريفًا في قومه، وكان له ابنان ففرَّا منه، وكان أحدهما يسمى كلابًا؛ فبكاهما بأشعارٍ لَهُ، وكان شاعرًا؛ فَرَدَّهما عليه عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، وحلف عليهما ألا يفارِقاه أبدًا حتى يموتَ. قال أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيُّ: هاجر كلاب بن أمية بن الأسكر. وروى الزهري، عن عروة بن الزبير، قال: لما هاجر كلاب بن أمية بن الأسكر إلى المدينة في خلافة عمر أقام بها مدة، ثم لقي طلحة والزُّبير فسألهما: أَيُّ الأعمال أفضل؟ قالا: الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، فسأل عمر فأغْزَاهُ. وكان أبوه قد كبر وضعف، فلما طالت غيبة كلاب قال أبوه:
لِمَنْ شَيْخَانِ قَدْ نَشَدَا كِلاَبَا
كِتَابَ اللهِ لَوْ قَبِلَ الكِتَابـَا
أُنَادِيـــــهِ فَيُعْرِضُ فِي إِبـــــَاءٍ
فَلاَ وَأَبَى كِلاَبٌ مَا أَصَابَا
وَإِنّكَ وَالتِمَاسَ الأجْرِ بَعْدِي
كَبَاغِي المََاءِ يَتَّبِعُ السَّرَابَا
ثم أنشد عمر أبياتًا يشكو فيها شدَّةَ شوقه إليه، فبكى وأمر بردّه إليه، وقال: أجل وأبى كلاب ما أصابا. وقال الفاكهيّ في "أخبار مكة": حدثنا ابنُ أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي سعيد الأعور: أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم عليه قادم سأله عن الناس؛ فقدم قادم فسأله من أين؟ قال: من الطَّائِف، قال: فمه؟ قال: رأيت بها شيخًا يقول:
تَرَكْــتَ أَبَاكَ مُرْعَشَةً يَدَاهُ
وَأُمَّك مَا تَسِيغُ لَهَا شَرَابَا
إِذَا نَعَبَ الحَمَامُ بِبَطْنِ وَجٍّ
عَلَى بَيْضَاتِهِ ذَكَرا كِلاَبَا
قال: ومَنْ كلاب؟ قال: ابن الشيخ، كان غازيًا، قال: فكتب عمر فيه فأَقْفله. وأمية هذا حجازيّ، كان يسكن الطائف، وكان لأمية بن الأسكر خبر في حرب الفِجَار، ذكره ابْنُ إِسْحَاقَ في السِّيرةِ الكُبْرَى، قال: فقال ابنُ أبي أسماء بن الضريبة:
نَحْنُ كُنَّا المُلُوكَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ
وَحُمَاةَ الدِّيَارِ عِنْدَ الذِّمَارِ
وَضَرَبْنَا بِهِ كِــــــنَانَةَ ضَـــــرْبًا
حَالَفُوا بَعْدَهُ سَوامَ العِشَارِ
قال: فأجابه أمية بن الأسكر:
أبلغا حمَّة الضَّرِيبـــــــة أنَّا قَدْ قَتَلْنَا سَرَاتَكُمْ فِي الفجَارِ
وَسَقَيْنَاكُمُ المَنِيَّة صِــرْفَا وَذَهَبْنَــــا بِالنَّهْــبِ والأَبْكَـــــارِ
وأنشد له مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ، عن أبي عبيدة، شعرًا آخر في حرب الفِجَار قاله في وهب بن معتب الثقفي:
المَرْءُ وَهْبُ وَهْبُ آلِ مُعَتَّبِ
مَلَّ الغُوَاةَ وَأَنْتَ لَمَّا تَمْـلَلِ
يَسْعَى تَوَقُّدَها بِحَرْكِ وَقُودِهَا
وَإِذَا تَهَيَّأَ صُلْحُ قَوْمِكِ تَأتَلي
وقال أَبُو حَاتِمٍ السّجستَانِيُّ في كتاب "المعَمّرِينَ": عاش أمية بن الأسكر دهرًا طويلًا، وقال يتشوق إِلى ابنه كلاب:
أَعَاذِلَ قَدْ عَذَلْتِ بِغَيْرِ عِــــلْمٍ
وَمَا يُدْرِيكِ وَيْحَكِ مَا أُلاَقِي
فَإِمَّا كُنْتِ عَاذِلَتى فَـــــــــرُدِّي
كِلاَبَا إِذَا تَوجــــــــه لِلْعِرَاقِ
سَأَسْتَعْدِي عَلَى الفَارُوقِ رَبًّا
لَهُ رَفَعَ الحَجِيجُ إِلَى بسَاقِ
إِنِ الفَــــــــارُوقُ لَمْ يَرْدُدْ كِلاَبَا
إِلَى شَيْخَيْنِ هَامُهُمَا زَوَاقي
فبلغ عمر شعره، فكتب إلى سعد يأمره بإقفال كلاب؛ فلما قدم أرسل عُمر إلى أمية، فقال له: أيُّ شيء أحب إليك؟ قال: النظر إلى ابني كلاب، فدعاه له، فلما رآه اعتنقه وبكى بكاء شديدًا، فبكى عمر، وقال: يا كلاب، الزم أباك وأمك ما بقيا.