أبان بن سعيد بن العاص بن أمية
أمه هند بنت المغيرة بن عبد الله، وقيل: صفية بنت المغيرة؛ عمة خالد بن الوليد بن المغيرة، يجتمع هو ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في عبد مناف.
قال عبد الله بن عَمْرو بن سعيد بن العاص: كان خالد بن سعيد وعَمروُ بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى أرض الحبشة، وأقام غيرهما من ولد أبي أُحَيْحَةَ سعيد بن العاص على ما هم عليه ولم يُسْلِموا، حتى كان نَفِيرُ بدرٍ، فلم يتخلف منهم أَحَدٌ خرجوا جميعًا في النفير إلى بَدْرٍ، فَقُتِل العاصُ بن سعيد عَلَى كُفْرِه، قتله عليّ بن أبي طالب، وعُبَيْدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام، وأفلت أبان بن سعيد، فجعل خالد وعَمْرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان: نُذِكركَ الله أن تموت على ما مات عليه أبوك، وعَلَى ما قُتِل عليه أخواك، فيغضب من ذلك ويقول: لا أُفارِق دين آبائي أبدًا، وأقام أبان بن سعيد على ما كان عليه بمكةَ على دين الشرك، حتى قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الحُدَيْبِية وبعث عثمانَ بنَ عفان إلى أهل مكة، فتلقَّاه أبان بن سعيد فأجاره حتى بلّغ رسالةَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم،وقال في ذلك شعرا:
أَسْبِلْ وَأَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ أَحَدًا بَنُو سَعِيدٍ أَعِزَّةُ الحَـرَمِ
وكانت هدنة الحديبية، وأقبل خالدٌ وعمرٌو ابنا سعيد بن العاص من أرض الحبشة في السَّفِينَتَيْن، وكانا آخر من خرج منها، ومع خالد وعَمْرو أهلُهما وأولادُهما، فلما كان بالشُّعَيْبَة أرسلا إلى أخيهما أبان بن سعيد وهو بمكة رسولًا وكَتَبا إليه: يدعوانه إلى اللهِ وحدَهُ وإلى الإسلام فأجابهما، وخرج في إثرهما حتى وافاهما بالمدينة مُسْلِمًا، ثم خرجوا جميعًا حتى قدموا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بخيبر سنة سبع من الهجرة، فأسلم أبان بين الحديبية وخيبر، وكانت الحديبية في ذي القعدة من سنة ست، وكانت غزوة خيبر في المحرم سنة سبع.
وقيل أسلم قبل خيبر وشهدها، وهو الصحيح؛ لأنه قد ثبت عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص في سرية من المدينة، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بها، وكان سبب إسلامه أنه خرج تاجرًا إلى الشام، فلقي راهبًا فسأله عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: إني رجل من قريش، وإن رجلًا منا خرج فينا يزعم أنه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أرسله مثل ما أرسل موسى وعيسى، فقال ما اسم صاحِبِكُمْ؟ قال: محمد، قال الراهب: إني أصفه لك، فذكر صفة النبي صَلَّى الله عليه وسلم وسنه ونسبه، فقال أبان: هو كذلك، فقال الراهب: والله، ليظهرنَّ على العرب، ثم ليظهرنَّ على الأرْضِ، وقال لأبان: اقرأ على الرجل الصالح السلام، فلما عاد إلى مكة سأل عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يقل عنه وعن أصحابه كما كان يقول، وكان ذلك قبيل الحديبية، ثم إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سار إلى الحديبية، فلما عاد عنها تبعه أبان فأسلم وحسن إسلامه.
كان أبان أحد من تخلف عن بيعة أبي بكر لينظر ما يصنع بنو هاشم، فلما بايعوه بايع، ولما صدر الناس من الحج سنة تسع، بَعَثَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أبان بن سعيد بن العاص إلى البحرين عاملًا عليها، فسأله أبان أن يُحَالِفَ عَبْدَ القَيس فأذن له في ذلك، وقال يا رسول الله: اعهد إِلَىَّ عهدًا في صَدَقاتِهم وجِزْيَتِهم وما تَجَرُوا به، فأمَرَهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن يأخذ من المسلمين ربع العشر مما تجروا به، ومن كل حَالمٍ من يهودي أو نصراني أو مجوسيّ دينارًا الذكر والأنثى، وكتب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى مجوس هَجَر يعرض عليهم الإسلام، فإن أَبَوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم، وكتب له صدقات الإبل والبقر والغنم على فرضها وَسُنَّتها كتابًا منشورًا مختومًا في أسفله.
قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جَهم: خرج أبان بن سعيد بن العاص بلوَاء معقودٍ أبيض وراية سوداء يحمل لواءَه رافع مولى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما أشرف على البحرين تَلَقَّته عبدُ القيس حتى قَدِمَ عَلَى المنذر بن سَاوَى بالبحرين، واستقبله المنذر بن سَاوَى على ليلةٍ من منزله معه ثلاثمائة من قومه، فاعتنقا ورحَّب به، وسأل عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأَحْفَى المسألَة فأخبره أبان بذكر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إياه، وأنه قد شَفَّعهُ في قومه، وأقام أبان بن سعيد بالبحرين يأخذ صدقات المسلمين وجزية معاهديهم، وكتب إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يخبره بما اجتمع عنده من المال، فبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين فحمل ذلك المال.
ولما تُوفي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث أبو بكر أبان بن سعيد إلى اليمن، فكلّمه فيروز في دمِ داذويه الذي قتله قَيْس بن مكشوح، فقال أبان لقيس: أقتلْتَ رجلًا مسلمًا! فأنكر قيس أن يكونَ داذويه مسلمًا، وأنه إنما قتله، بأَبيه وعمّه؛ فخطب أبان فقال: إنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد وضع كلَّ دمٍ كان في الجاهلية؛ فمن أحدث في الإسلام حدَثًا أخذناه به؛ ثم قال أبان لقيس: الحَقْ بأمير المؤمنين عمر، وأنا أكتب لك أني قضيْتُ بينكما، فكتب إلى عُمر بذلك فأَمضاه.
اختلف في وقْتِ وفاةِ أَبان بن سعيد، فقيل قُتِلَ أَبان وعمرو ابنا سعيد بن العاص يوم اليَرْمُوك، وكانت اليرْمُوك يوم الاثنين لخمسٍ مضين من رَجَب سنة خمسة عشرة في خلافة عُمَر رضي الله عنه، وقال موسى بن عُقبة، وعمر بن عبد العزيز: قُتل أَبان بن سعيد يوم إجنادِين سنة ثلاث عشرة، وقيل: إنه قتل يوم مَرْج الصُّفَّرِ، وكانت وقعة إجنادِين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه قبل وفاةِ أبي بكر رضي الله عنه بدون شهر، ووقْعَة مَرْج الصُّفْر في صَدْرِ خلافة عُمَر سنة أربع عشرة، وكان الأمير يوم مَرْج الصُّفَّر خالدَ بن الوليد، وكان بإجنادِين أُمراء أَربعة: أَبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أَبي سفيان، وشُرحبيل ابن حسنة، كلٌّ على جُنْده. وقيل: إن عمرو بن العاص كان عليهم يومئذ.