فضل آل البيت
فضلُ آلِ البيتِ:
اختلف أهل العلم في تحديد: من هم آل البيت؟
قال عطاء، وعكرمة، وابن عباس: هم زوجاته صَلَّى الله عليه وسلم خاصة، لا رجل معهن، وذهبت فرقة منهم أبو سعيد الخدري، وجماعة من التابعين منهم: مجاهد، وقتادة، والزمخشري، والكلبي أنهم: علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، وذهب فريق منهم: الفخر الرازي، والقسطلاني، وآخرون إلى أنهم: أولاده، وأزواجه صَلَّى الله عليه وسلم، والحسن، والحسين، وعلي منهم؛ لمعاشرته فاطمة وملازمته النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم.
وقال السيوطي: هؤلاء هم الأشراف حقيقة في سائر الأعصار وهو ما عليه الجمهور، وهو معنى رواية مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أما بعد... أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك بينكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به"، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي" قالها ثلاثًا، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: آل علىّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس رضي الله عنهم.
وهذا القول الأخير هو الراجح في تحديد آل بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وهم: "آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس رضي الله عنهم"، وجاء الثناء على آل البيت جملة في القرآن وفي حديث المصطفى صَلَّى الله عليه وسلم.
فضل آل البيت في القرآن الكريم:
من ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
جاء في تفسير الطبري: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيرا، روى سعيد عن قتادة في قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء وخصهم برحمة منه.
وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قال: الرجس ههنا: الشيطان وسوى ذلك من الرجس: الشرك، وقال شهاب الدين الآلوسي في تفسيره: الرجس في الأصل الشيء القذر وأريد به هنا عند كثير الذنب مجازًا، وقال السدي: الإثم، وقال الزجاج: الفسق وقال ابن زيد: الشيطان، وقال الحسن: الشرك، وقيل: الشك، وقيل: البخل والطمع، وقيل: الأهواء والبدع، وقيل: إن الرجس يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسة وعلى النقائص، والمراد به هنا ما يعم كل ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال من الضعف، وأل فيه للجنس أو للاستغراق، والمراد بـ التطهير قيل التحلية بالتقوى، والمعنى على ما قيل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الذنوب والمعاصي فيما نهاكم، ويحليكم بالتقوى تحلية بليغة فيما أمركم، وجوز أن يراد به الصون، والمعنى: إنما يريد سبحانه ليذهب عنكم الرجس، ويصونكم من المعاصي صونًا بليغًا فيما أمر ونهى جل شأنه.
وأخرج الحكيم الترمذي، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي معًا في "الدلائل" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إن الله تعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسمًا"؛ فذلك قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ} [الواقعة: 41] فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثًا فجعلني في خيرها ثلثًا فذلك قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 8 ــ 10] فأنا من السابقين وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتًا فجعلني في خيرها بيتًا فذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب".
ويقول تعالى: {قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلا المَوَدَّةَ فِي الْقُربَى} [الشورى: 23]، وروي عن ابن عباس، أنه قال: {قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلا المَوَدَّةَ فِي الْقُربَى} يعني: محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قال لقريش: لا أسألكم من أموالكم شيئًا، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم؛ فإنكم قومي وأحقّ من أطاعني وأجابني، وروى طاوس عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله تعالى: {إِلا المَوَدَّةَ فِي الْقُربَى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عَجِلتَ؛ إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
فضل آل البيت في السنة المطهرة:
ومما جاء من ثناء النبي صَلَّى الله عليه وسلم على آل البيت في حديثه: ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي". قال الترمذي: حسن غريب. وصحَّحه الألباني.
وروى شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجعلت لهم خزيرة فأكلوا وناموا وغطى عليهم عباءة أو قطيفة ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا"، وروى الإمام أحمد عن عطية الطفاوي عن أبيه قال: إن أم سلمة رضي الله عنها حدثته قالت: "بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في بيتي يوما إذ قالت الخادم: إن فاطمة وعليًا رضي الله عنهما بالسدة، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قومي فتنحي عن أهل بيتي" فقمت فتنحيت في البيت قريبًا، فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين رضي الله عنهم وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبَّلهما، واعتنق عليًا رضي الله عنه بإحدى يديه، وفاطمة رضي الله عنها باليد الأخرى، وقبَّل: فاطمة، وقبل، عليا، وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال: "اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي"، فقلت: وأنا يا رسول الله؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وأنت".
وقد أثنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على جميعهم فُرادى رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فمما جاء من ثنائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على كلٍّ منهم:
أولًا: من فضائل فاطمة رضي الله عنها:
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لفاطمة: "أرأيت حين أكببت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فبكيت ثم ضحكت؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أكببت عليه فأخبرني أني أسرع أهله لحوقا به، وأني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران فضحكتُ. وروى عبد الله بن وهب، عن أم سلمة قالت: دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فاطمة رضي الله عنها بعد الفتح فناجاها فبكت، ثم حدثها فضحكت، قالت أم سلمة: فلم أسألها عن شيء حتى توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سألتها عن بكائها وضحكها فقالت: "أخبرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنه يموت فبكيت، ثم حدثني أني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران، فضحكت".
وروى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، أن فاطمة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أنت أول أهلي لحوقا بي، وأنت رفيقتي في الجنة".
ثانيًا: من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
قال زيد بن أرقم: أول من أسلم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعنه أن قال: أول من صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ علي رضي الله عنه. وروى عبد الرحمن بن سابط، عن سعد قال: كنت جالسا فتنقصوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت: لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقول: "في علي خصال ثلاث" لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعته يقول: "إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"، وسمعته يقول: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، وسمعته يقول: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
وروى عمرو بن ميمونة قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلو بيننا وبين هؤلاء، فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال عمرو: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، فانتدؤا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول: أف وتف؛ وقعوا في رجل له بضع عشر، وفي رواية: له فضائل ليست لأحد؛ وقعوا في رجل قال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله لا يخزيه الله أبدا"، قال: فاستشرف لها من استشرف فقال: "أين ابن أبي طالب؟" قيل: هو في الرحى يطحن، قال: "وما كان أحدكم ليطحن"، فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، فتفل في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فدفعها إليه، وجاء علي بصفية بنت حيي.
قال: وقال لبني عمه: "أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟"، فأبوا، قال: وعلي معهم جالس فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، قال: وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثم نام مكانه، وخرج رسول الله بالناس في غزوة تبوك، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال له نبي الله: "لا"، فبكى علي، فقال له: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي"، وقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وليُّ كل مؤمن بعدي".
قال: وأخبرنا الله عز وجل في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم، فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعده، قال: وقال نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لعمر حين قال عن حاطب بن أبي بلتعة: ايذن لي فأضرب عنقه، قال: "أوَكنت فاعلا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم"، ولا شك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ممن حضر بيعة الرضوان، وغزوة بدر الكبرى. وروى الأعمش عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن علي كرم الله وجهه قال: والله والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
ثالثًا: من فضائل الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم:
روى يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن ابنِ أَبِي نُعمٍ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ"، وروى عِكرِمَة، عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كان حامِلَ الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ونعم الراكب هو". وفي رواية في سنن الترمذي أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان حامل الحسين... الحديث، وروى نُعيم المُجمِر، عن أبي هريرة قال: ما رأيت حسنًا قط إلا فاضت عيناي دموعًا وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خرج يومًا فوجدني في المسجد فأخذ بيدي فانطلقت معه فلم يكلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف بها ونظر ثم انصرف وأنا معه. حتى جئنا المسجد، فجلس واحتبى ثم قال: "أي لكاع ادع لي لُكَعا". قال: فجاء الحسن يشتد فوقع في حجره ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يكفح فمه فَيُدخِلُ فَاهُ في فيه ثم يقول: "اللهم إني أحبه؛ فأحببه وأحبب من يحبه".
وروى عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ عَن البَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبصَرَ حَسَنًا وَحُسَينًا فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وروى عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبِي نُعمٍ أَنَّ رَجُلًا مِن أَهلِ العِرَاقِ سَأَلَ ابنَ عُمَرَ عَن دَمِ البَعُوضِ يُصِيبُ الثَّوبَ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: انظُرُوا إِلَى هَذَا؛ يَسأَلُ عَن دَمِ البَعُوضِ وَقَد قَتَلُوا ابنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ هُمَا رَيحَانَتَايَ مِن الدُّنيَا". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وروى عِكرِمَةُ ابنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِيَاسٌ عَن أَبِيهِ قَالَ: لَقَد قُدتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ بَغلَتَهُ الشَّهبَاءَ حَتَّى أَدخَلتُهُم حُجرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هَذَا قُدَّامَهُ وَهَذَا خَلفَهُ.
وروى ابن عُيَينة، عن أبي موسى، قال: سمعت الحسن، قال: حدثنا أبو بكرة قال: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على المنبر وهو يقبل على الناس مرة وعلى الحسن مرة ويقول: "إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". وزاد سعيد:"على يده بين فئتين من المسلمين"
روى سَعِيدِ بنِ رَاشِدٍ عَن يَعلَى بنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "حُسَينٌ مِنِّي وَأَنَا مِن حُسَينٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَن أَحَبَّ حُسَينًا حُسَينٌ سِبطٌ مِن الأَسبَاطِ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
رابعًا: من فضائل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه:
روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "أَشبَهتَ خَلقِي وَخُلُقِي". وروى الشَّعبِيِّ أَنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابنِ جَعفَرٍ قَالَ: "السَّلَامُ عَلَيكَ يَا ابنَ ذِي الجَنَاحَينِ". وروى سَعِيدٍ المَقبُرِيِّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكثَرَ أَبُو هُرَيرَةَ، وَإِنِّي كُنتُ أَلزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطنِي حَتَّى لَا آكُلُ الخَمِيرَ وَلَا أَلبَسُ الحَبِيرَ وَلَا يَخدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ، وَكُنتُ أُلصِقُ بَطنِي بِالحَصبَاءِ مِن الجُوعِ، وَإِن كُنتُ لَأَستَقرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَي يَنقَلِبَ بِي فَيُطعِمَنِي، وَكَانَ أَخيَرَ النَّاسِ لِلمِسكِينِ جَعفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَنقَلِبُ بِنَا فَيُطعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيتِهِ حَتَّى إِن كَانَ لَيُخرِجُ إِلَينَا العُكَّةَ الَّتِي لَيسَ فِيهَا شَيءٌ فَنَشُقُّهَا فَنَلعَقُ مَا فِيهَا.
وروى عاصم بن عمر بن قتادة قال: وحدّثني عبد الجبّار بن عُمارة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، زاد أحدهما على صاحبه، قال: لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية جاءه الشيطان، فمنّاه الحياة الدنيا وكَرّهَ له الموتَ فقال: الآن حين استُحكِمَ الإيمانُ في قلوب المؤمنين تُمَنّيني الدنيا؟ ثمّ مضى قُدمًا حتى استُشهِدَ فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ودعا له ثمّ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "استغفروا لأخيكم جعفر فإنّه شهيد، وقد دخل الجنّة وهو يطير فيها بجناحَين من ياقوت حَيثُ شاء من الجنّة"، وروى عِكرِمَةَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: مَا احتَذَى النِّعَالَ وَلَا انتَعَلَ وَلَا رَكِبَ المَطَايَا وَلَا رَكِبَ الكُورَ بَعدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَفضَلُ مِن جَعفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وروى الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما أدري بأيهما أنا أفرح؛ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر". صححه الحاكم في "المستدرك" والذهبي في "التلخيص".
خامسًا: من فضائل عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه:
روى عيسى بن عبد الرحمن السلميّ عن أبي إسحاق أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال لعقيل بن أبي طالب: "يا أبا يزيد إني أُحبّك حُبّين؛ حُبًّا لقرابتك وحُبًّا لما كنتُ أعلم من حب عمّي إيّاك".
سادسًا: من فضائل العباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن العباس زضي الله عنهما:
روى البخاري في صحيحه عن ثُمَامَةَ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ أَنَسٍ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا استَسقَى بِالعَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَتَسقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسقِنَا، قَالَ أنس: فَيُسقَونَ.
وروى الترمذي عن عَبدُ المُطَّلِبِ بنُ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ أَنَّ العَبَّاسَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُغضَبًا وَأَنَا عِندَهُ فَقَالَ" "مَا أَغضَبَكَ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا وَلِقُرَيشٍ؛ إِذَا تَلَاقَوا بَينَهُم تَلَاقَوا بِوُجُوهٍ مُبشَرَةٍ وَإِذَا لَقُونَا لَقُونَا بِغَيرِ ذَلِكَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احمَرَّ وَجهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَدخُلُ قَلبَ رَجُلٍ الإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُم لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ"، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَن آذَى عَمِّي فَقَد آذَانِي فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنوُ أَبِيهِ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وروى مَكحُولٍ عَن كُرَيبٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلعَبَّاسِ: "إِذَا كَانَ غَدَاةَ الِاثنَينِ فَأتِنِي أَنتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدعُوَ لَكَ بِدَعوَةٍ يَنفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ" فَغَدَا وَغَدَونَا مَعَهُ وَأَلبَسَنَا كِسَاءً، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغفِر لِلعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنبًا، اللَّهُمَّ احفَظهُ فِي وَلَدِهِ". قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وروى مسلم في صحيحه أن عُبَيدَ اللَّهِ بنَ أَبِي يَزِيدَ حدث عَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى الخَلَاءَ، فَوَضَعتُ لَهُ وَضُوءًا فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: "مَن وَضَعَ هَذَا؟" وفِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ: قَالُوا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكرٍ: قُلتُ: ابنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّههُ"، وروى الترمذي عن عِكرِمَةَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمهُ الحِكمَةَ". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.