تسجيل الدخول


عبد الله بن مسعود الهذلي

كان يكنى عبد الله بن مسعود أبا عبد الرّحمن. وكان عبدُ الله رجلًا خفيفَ اللحم، نحيفًا، قصيرًا أشدّ الأدمة، وكان لا يُغَيّرُ الشيب، وكان من أجود النّاس ثوبًا، أبيض، من أطيب النّاس ريحًا. وكان يُعرفُ بالليل بريح الطّيب. كان عبد الله سادس مَنْ أسلم. وكان أسلم قبل دخول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان سبب إسلامه ما ابن مسعود، قائلا: ‏كنْت أرْعَى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمرَّ بي رسولُ الله صَلّى الله عليه وسلم فقال لي: "يَا غُلَامُ، هَلْ مِنْ لَبَنٍ"؟‏ فقلت‏: نعم، ولكنني مؤتمن.‏ قال: ‏‏"‏فَهَلْ مِنْ شَاةٍ حَائِلٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ"؟‏، فأتيتُه بشاةٍ فمسح ضَرْعَها، فنزل لبنٌ فحلبه في إناءٍ وشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: "اقْلصْ" فَقَلَص، ثم أتيتُه بعد هذا فقلت‏: يارسول الله، علّمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: ‏"‏يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِنَّك عَلِيمٌ مُعَلَّمٌ‏" . كان أَول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عبدَ اللّه بن مسعود، اجتمع يومًا أَصحابُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سَمِعت قُرَيْش هذا القرآنَ يُجْهَرُ لَهَا به قَطّ، فمن رجلٌ يُسْمِعُهم؟ فقال عبد اللّه بن مسعود: أَنَا، فقالوا: إِنا نخشاهم عليك، إِنما نريد رجلًا له عشيرةٌ تمنعه من القوم إِن أَرادوه! فقال: دَعُونِي، فإِن الله سيمنعني، فغدا عبد اللّه حتى أَتى المقام في الضحَى وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ، فقال رافعًا صوته: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنُ (1)عَلَّمَ الْقُرْءَانَ}، فاستقبلها فقرأَ بها، فتأَملوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أُم عبد؟ ثم قالوا: إِنه ليتلو بعض ما جاءَ به محمد! فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاءَ الله أَن يبلغ ثم انصرف إِلى أَصحابه وقد أَثَّروا بوجهه فقالوا: هذا الذي خشينا عليك! فقال: ما كان أَعداءُ الله قط أَهونَ عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم غَادَيْتُهم بمثلها غدًا؟ قالوا: حَسْبُك، قد أَسمعتهم ما يكرهون. هاجر الهجرتين جميعًا: الأولى إلى أرض الحبشة، والهجرة الثّانية من مكة إلى المدينة. صلى القبلتين، وشهد بدرًا، وأُحدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وشهد اليرموك بعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وهو الذي أَجهز على أَبي جهل، وضرب عنقه بعد أن أثبته ابنا عفراء، وشهد له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالجنة، روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال:‏ أَتيت النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يوم بَدْر، فقلت: يا رسول الله، إني قتلت أبا جهل. ‏قال: "‏بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لأَنْتَ قَتْلْتَهُ‏"‏؟! قلت‏: ‏نعم؛ فاستخفّه الفرح؛ ثم قال: "انْطَلِقْ فَأَرِنيهِ‏". ‏قال:‏ فانطلقت معه حتى قمتُ به على رأْسه. فقال: "‏الْحَمْدُ ِللَّهِ الّذِي أَخْزَاكَ هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِه الُأمَّةِ، جُرُّوه إلى القَلِيب‏". قال: ‏وقد كنت ضربتْهُ بسيفي فلم يعمل فيه، فأخذت سيفَه فضربته به حتى قتلته، فنفّلَّني رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم سيفه‏. مناقبه: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏"‏رَضِيتُ لأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، وَسَخِطتُ ِلأمَّتي ِمَا سَخِطَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْد‏"‏‏. وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ‏‏"‏اهْدَوْا هَدْيَ عَمَّارِ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ". وروى مسروق، عن عبد الله بن عمر، يقول: سمعْتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: ‏"‏خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ‏: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ‏"، فبدأ به‏، "وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ‏"‏‏ . قال علي: قال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لَرِجْلُ عَبْدِ الله أثْقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ أحُدٍ". ، وقال تميم بن حرام: جالستُ أصحابَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما رأيتُ أحدًا أزهدَ في الدنيا ولا أرْغَبَ في الآخرة، ولا أحبَّ إليّ أن أكون في صلاحه من ابن مسعود. وكان عبد الله يستر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ويمشي معه في الأرض وَحْشًا. وكان رضي الله عنه يلبس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، نعْلَيْهِ ثمّ يمشي أمامه بالعصا حتَى إذا أتى مَجْلِسَهُ نَزَعَ نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن يقوم ألبَسَه نعليه ثمّ مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحُجْرَة قبل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وكان عبد الله يشَبّه بالنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في هَدْيه ودَلّه وسَمْتِه، وعن حبّة بن جُوين قال: كنّا عند عليّ فذكرنا بعض قول عبد الله وأثنى القوم عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأينا رجلًا كان أحسن خُلْقًا ولا أرفق تعليمًا ولا أحسن مجالسةً ولا أشدّ وَرَعًا من عبد الله بن مسعود، فقال عليّ: نَشَدْتُكُم الله، إنّه لَصِدْقٌ من قلوبكم؟ قالوا: نعم، فقال: اللهمّ إني أُشْهِدُكَ، اللهمّ إني أقول فيه مثل ما قالوا أو أفضلَ، قَرَأ القُرآنَ فأحَلّ حَلالَهُ وحَرّمَ حَرَامَه، فَقيهٌ في الدّين، عالم بالسنّة. روى عبد الله عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وقال رضي الله عنه: ما أُنزلت سورةٌ إلاّ وأنا أعلمُ فيما نزلت، ولو أعلم أنّ أحدًا أعلمُ مني بكتاب الله تَبلغه الإبلُ أو المطايا لأتَيْتُه. وقال أخذتُ من فِي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بضْعًا وسبعين سورة. وروى أبو الضّحَى، عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اقرأ عليّ"، فقلت: كيف أقرأ عليك وعليك أُنزلَ؟ قال: "إنّي أُحِبّ! وقال وهب في حديثه: إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري!" قال: فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغتُ}: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلآءِ شَهِيدًا{[سورة النساء: 41]، فقال لي: "حسْبُك!"، فنظرتُ إليه وقد اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: "مَنْ سَرّه أن يقرأ القرآن غَضًّا كما نزل فَلْيَقْرَأهُ قَراءةَ ابن أمّ عبد".ثم قعد يسأل، فجعل النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "‏سَلْ تُعْطَهُ‏"، وقال فيما سأل: اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفد، ومرافقة نبيك محمدًا في أعلى جنة الخلد، فأتى عمر عبد الله بن مسعود يُبشّرُه، فوجد أبا بكر خارجًا قد سبقه، فقال: إن فعلت فقد كنت سبَّاقًا للخير. سيَّره عمرُ بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ إِلى الكوفة ليعلمهم أمورَ دِينهم، وكتب إِلى أَهل الكوفة: إِني قد بعثت عمارَ بن ياسرٍ أَميرًا، وعبد اللّه بن مسعود مُعلِّمًا ووزيرًا، وهما من النُّجَبَاءِ من أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من أَهل بدر، فاقتدُوا بهما، وأَطيعوا واسمعوا قَوْلَهُما، وقد آثرتكم بعبد اللّه على نفسي"، ثم أمَّرَهُ عثمان على الكوفة. وفاته: مرض عبد اللّه، فعاده عثمان بن عفان، فقال: ما تشكي؟ قال: ذنوبي! قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: أَلا آمُرُ لك بطبيب؟ قال: الطبيبُ أَمْرَضَنِي. قال: أَلاَ آمرُ لك بعطاءٍ؟ قال: لا حاجة لي فيه. قال: يكون لبناتك. قال أَتخشَى على بناتي الفقر، إِني أَمرت بناتي أْن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إِني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ قَرَأَ الْوَاقِعَةَ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا". مات عبد الله بن مسعود بالمدينة ودُفن بالبقيع، وصلّى على عبد الله بن مسعود عَمّارُ بن ياسر، وقال قائل: صلّى عليه عثمان بن عفّان، ويقال: لما مات ابنُ مسعود نُعي إلى أبي الدّرداء، فقال: ما ترك بعد مثله.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال