سعيد بن جبير
سَعِيد بن جُبَيْر:
يُكنى أبا عبد الله، وهو مولى لبني والبة بن الحارث، من بني أسد بن خُزيمة، وروى عبد الله بن نُمير، عن فِطْر قال: رأيتُ سعيد بن جبير أبيض الرأس واللحية، وروى عارم بن الفضل، عن أيّوب قال: كان سعيد بن جبير شديد بياض اللحية، وروى عارم بن الفضل، ومالك بن إسماعيل، عن أيّوب قال: سُئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسِمَة فكرهه وقال: يكسو الله العبدَ النورَ في وجهه ثمّ يُطفئه بالسواد!، وقال إسماعيل بن عبد الملك: رأيتُ على سعيد بن جُبير عمامة بيضاء، وقال أبو شهاب موسى بن نافع: رأيتُ سعيد بن جُبير يصلّي في برنسه لا يُخْرج يديه منه، وقال أبو شهاب موسى بن نافع: رأيتُ سعيد بن جبير يَسْدِل في التطوّع وعليه ملحفةٌ شقّتان ملفّفة، وروى عمر بن ذَرّ قال: سمعتُ أبي يقول إن سعيد بن جبير كان يُحْرِم في الطيلسان المدبّج، قال عمر: وكان أبي يُحْرِم في الطيلسان المدبّج، وقال محمد بن سعد: قالوا: وكان سعيد بن جبَير فيمن خرج من القُرّاء على الحجّاج بن يوسف، وشهد دير الجَماجم، وقال الزّبرقان الأسدي: سألت سعيد بن جبير في الجَماجم فقلتُ له: إني مملوك ومولاي مع الحجّاج، أفتخاف عليّ إن قُتلتُ أن يكون عليّ وزرٌ؟ قال: لا؛ قاتل؛ فإنّ مولاك لو كان ها هنا قاتل بنفسه وبك، وروى شُعْبة، عن سعيد بن جُبير قال: قال لي ابن عبّاس: ممّن أنت؟ قلتُ: من بني أسَد، قال: من عَرَبهم، أو من مواليهم؟ قلت: لا بل من مواليهم، قال: فقُلْ أنا ممّن أنعم الله عليه من بني أسد، وروى يزيد بن هارون، عن سعيد بن جُبير قال: رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة فقال: يا غلام، أو يا غُليّم، إنّه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام فصلّ بعدها ركعتين وأطِل القراءة، قال محمد بن سعد: وقد روى أيضًا سعيد بن جُبير عن ابن عمر، وابن عبّاس وغيرهما، وعن مجاهد قال: قال ابن عبّاس لسعيد بن جُبير: حدّثْ فقال: أُحَدّث وأنت ها هنا؟ فقال: أوَليس من نعمة الله عليك أن تتحدّث وأنا شاهد؛ فإن أصبتَ فذاك، وإن أخطأتَ علّمتُك؟، وروى محمّد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد بن جُبير أنّه كان يسائل ابن عبّاس قبل أن يَعْمى فلم يستطع أن يكتب معه، فلمّا عمي ابن عبّاس كتب، فبلغه ذلك فغضب، وروى يحيَى بن عبّاد، عن سعيد بن جُبير قال: ربّما أتيتُ ابن عبّاس، فكتبتُ في صحيفتي حتى أملأها، وكتبت في نعلي حتى أملأها وكتبت في كفّي، وربّما أتيتُه فلم أكتب حديثًا حتى أرجع؛ لا يسأله أحد عن شيء، وروى عبد الوهّاب بن عطاء، عن مؤذّن بني وداعة قال: دخلتُ على عبد الله بن عباس وهو متَّكئ على مرفقة من حرير، وسعيد بن جُبير عند رجليه وهو يقول له: انْظُرْ كيف تحدِّث عنّي؛ فإنّك قد حفظت عني حديثًا كثيرًا، وروى جعفر بن أبي المغيرة قال: كان ابن عبّاس بعدما عمي إذا أتاه أهلُ الكوفة يسألونه قال: تسألوني وفيكم ابن أمّ دهماء؟! قال يعقوب: يعني: سعيد بن جُبير، وعن أبي حصين قال: سألتُ سعيد بن جُبير قلت: أكلّ ما أسمعك تحدّث سألتَ عنه ابن عباس؟ فقال: لا، كنت أجلس ولا أتكلّم حتى أقوم، فتتحدّثون، فأحفظ، وروى عبد العزيز بن الخطّاب الضّبّي، عن سعيد قال: كنتُ آتي ابن عبّاس فأكتبُ عنه، وروى عبد الله بن مسلم بن هُرْمُز قال: كان سعيد بن جُبير يكره كُتَّاب الحديث، وروى عفّان، عن سعيد بن جُبير قال: كنتُ أسأل ابن عمر في صحيفة ولو علم بها كانت الفَيْصَل بيني وبينه، قال: فسألته عن الإيلاء فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر؟ قال: قلت: نعم ونرضى بقولك ونقنع، قال: يقول في ذلك الأمراء، وروى عفّان بن مسلم، عن سعيد بن جُبير قال: كنّا إذا اختلفنا بالكوفة في شيء كتبتُه عندي حتى ألقى ابن عمر فأسأله عنه، وروى محمّد بن عبد الله الأسدي، وقَبيصة بن عُقْبة، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن فريضة فقال: اْئتِ سعيد بن جُبير فإنّه أعلم بالحساب مني وهو يُفْرِض منها ما أفرض، وروى الفضل بن دُكين، عن سعيد بن جُبير قال: كان نقش خاتمي "عَزّ ربي واقتدر"، فقرأه ابن عمر فنهاني عنه فمحوته، وكتبتُ: "سعيد بن جُبير"، وروى أبو معاوية الضرير، عن مسعود بن مالك قال: قال لي عليّ بن حسين: ما فعل سعيد بن جبير؟ قال: قلت: صالحٌ، قال: ذاك رجل كان يمرّ بنا فنسائله عن الفرائض، وأشياء ممّا ينفعنا الله بها، إنّه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى العراق، وروى مالك بن إسماعيل، عن حبيب قال: كان أصحاب سعيد بن جُبير يعذلونه يحدّث فقال: إني أُحدّثك وأصحابك، أحبّ إليّ من أن أذهب به معي إلى حُفْرتي، وروى قَبيصة بن عُقْبة، عن عطاء بن السائب قال: قال سعيد بن جُبير ما يأتيني أحد يسألني، وروى موسى بن إسماعيل، عن أيّوب قال: حدّث سعيد بن جُبير بحديث، قال فتبعته أستعيده فقال: ليس كلّ حينٍ أُحلَب فأُشرَب، وروى موسى بن إسماعيل، عن عطاء بن السائب قال: أتيتُ سعيد بن جُبير فقال لي: أزَهِدَ الناسُ؟ كان يجيئني إلى هذه الساعة كذا وكذا يسألونني، وقال أبو شهاب: كان سعيد بن جبير يقصّ لنا كل يوم مرّتين بعد صلاة الفجر وبعد العصر، وروى عمرو بن عاصم، عن سعيد بن جُبير أنّ امرأة كتبت إلى ابن عبّاس بعدما ذهب بصره، قال: فدفع الكتاب إلى ابنه فلَبّس، قال: فدفع الصحيفة إليّ فقرأتُها عليه فقال لابنه: ألاّ هذرمتَها كما هذرمها الغلامُ المُضَري، وروى يزيد بن هارون، عن سعيد بن جبير أنّه كان يختم القرآن في كلّ ليلتين، وروى يزيد بن هارون، عن سعيد بن جبير قال: قرأتُ القرآن في ركعة في الكعبة، وروى الفضل بن دُكين، عن وِقَاء قال: كان سعيد بن جبير يجيء فيما بين المغرب والعشاء فيقرأ القرآن في رمضان، وروى الفضل بن دُكين، عن الصعب بن عثمان قال: قال سعيد بن جُبير: ما مضت عليّ ليلتان منذ قُتِل الحُسين إلا أقرأ فيهما القرآن إلا مسافرًا أو مريضًا، وروى عارم بن الفضل، عن سعيد بن جبير قال: إني لأقرأ عامّة حزبي وإنّ الإمام ليخطب يوم الجمعة، وقال أبو شهاب: كان سعيد بن جبير يصلّي بنا في رمضان فكان يرجّع فربّما أعاد الآية مرّتين، وروى عطاء بن السائب قال: قال سعيد بن جبير لرجل: ما الذي أحدثتم بعدي؟ قال: لم نحدث بعدك شيئًا، قال: بلى، الأعمى، وابن الصّيقل يغنّيانكم بالقرآن، وروى سعيد بن عُبيد قال: رأيت سعيد بن جبير يؤمّهم فسمعتُه يردّد هذه الآية: {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ} [سورة غافر: 71]، وقال أبو شهاب: كان سعيد بن جُبير يصلّي بنا العَتَمة في رمضان، ثمّ يرجع فيمكث هُنيهة ثم يرجع فيصلّي بنا ستّ ترويحات، ويوتر بثلاث ويقنت بقدر خمسين آية، وروى يوسف بن الغَرِق، عن سعيد بن جُبير أنّه كان إذا ختم السورةَ في صلاته تطَوّعًا قال: صَدَقَ الصّادقُ البارّ، وروى أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعيد بن جبير قال: لأن أُضْرَب على رأسي أسواطًا أحبّ إليّ من أن أتكلّم والإمام يخطب يوم الجمعة، وروى حبيب بن أبي عَمْرة قال: كلّمتُ سعيد بن جبير بعد مطلع الفجر فلم يكلّمني، وروى قَبيصة بن عقبة قال: حدّثنا سفيان قال: أنبأني من رأى سعيد بن جبير يقبّل ابنه وهو رجل، وروى الحسن بن موسى، عن سعيد بن جُبير أنّه كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهمّ أشبعتَ وَأرْوَيْتَ فَهَنِّنا ورزقتَ فأكثرتَ وأطْيَبْتَ فزِدْنا، وروى كثير بن هشام، عن أبي حمزة مولى يزيد بن المهلّب قال: كنتُ أصلّي إلى جانب سعيد بن جبير، وكان إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [سورة الفاتحة: 7] قال سعيد: "اللهمّ اغفرْ لي آمين"، قال: وكان إذا قال الإمام: "سمع الله لمن حمده" قال سعيد: "اللهمّ ربّنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرضين السبع، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيء بعدُ"، قال: فربّما لم يزل يتكلّم بهذا حتى يهوي إلى السجود فيقول: "الله أكبر"، وروى الوليد بن الأغرّ المكّي، عن سالم ــ يعني الأفطس ــ أنّ سعيد بن جُبير عقّ عن نفسه بعدما كان رجلًا، وروى محمّد بن مُصْعَب القَرْقَساني قال: حدّثنا جَبَلة بن سليمان الوالبي الكوفي قال: رأيت سعيد بن جبير يعتكف في مسجد قومه، وروى مالك بن إسماعيل، عن سعيد بن جُبير أنّه كان لا يَدَعُ أحدًا يغتاب عنده أحدًا، يقول: إن أردتَ ذلك ففي وجهه، وروى سعيد بن عامر، عن ليث أنّ سعيد بن جبير أبصر درّة فلم يأخذها، وروى عبد الملك بن سعيد بن جبير قال: قال أبي: أظْهِرِ اليأسَ ممّا في أيدي الناس؛ فإنّه غناء، وإيّاك وما يُعتذر منه؛ فإنّه لا يُعْتذر من خير، وروى جعفر بن أبي المغيرة قال: رأيتُ سعيد بن جبير اكتحل وهو صائم، قال: ورأيتُ سعيد بن جبير يصلّي في سيف، ليس عليه رداء غيره، وروى إسماعيل بن عبد الملك قال: رأيتُ سعيد بن جُبير يصلّي في الطَّاق ولا يقنتُ في الصبح، قال: وكان يعتمّ ويُرْخي لها طرفًا شبرًا من ورائه، وروى هلال بن خبَّاب قال: رأيتُ سعيد بن جُبير أَهَلَّ من الكوفة، وروى قبيصة بن عقبة، عن سعيد بن جبير قال: رأيته يطوف يمشي على هينته، وروى قبيصة بن عقبة، عن مسلم البَطين قال: قيل لسعيد بن جبير: الشّكر أفضل أم الصّبر؟ قال: الصبر والعافية أحبّ إليّ، وروى هلال بن خبّاب قال: لقيتُ سعيد بن جُبير بمكّة فقلت: من أين هلاكُ الناس؟ قال: من قِبَلِ عُلَمائهِم، وروى محمّد بن عبد الله الأسدي، عن سعيد بن جبير قوله: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [سورة العنكبوت: 56] قال: إذا عُمل فيها بالمعاصي فاخْرجوا، وروى الضحّاك بن مَخْلَد، عن أبي يونس القَوِيّ قال: قلتُ لسعيد بن جُبير: قول الله تبارك وتعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [سورة النساء: 98] قال: كان ناس بمكّة مظلومين، أو قال مقهورين، قال: قلت: لقد جئتك من عند قوم هكذا، يعني زمن الحجّاج، قال: يابن أخ؛ لقد حرصنا وجهدنا وأبَى الله أن يكون إلاّ ما أراد، وقال وِقاء بن إياس: رأيتُ عَزْرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير في كتاب ومعه الدّواة يغيّر، وروى الضّحّاك بن مَخْلَد، عن سعيد بن جُبير أّنه كان يُنْكِر أن يتكفّأ الرجل في صلاته، قال: وما رأيته قطّ يصلّي إلاّ كأنّه وَتِدٌ، وروى سالم بن أبي حفصة قال: لمّا أمر الحجّاج بقتل سعيد بن جبير قال: دعوني أصلّي ركعتين، وروى عبد الملك بن عُمير قال: قال سعيد بن جُبير: لقد رأيتُه يزاحمني عند ابن عبّاس، يعني الحجّاج، وعن أبي الصهباء قال: قال سعيد بن جبير، وذُكر له أنّ الحسن يقول: إنّ التقيّة في الإسلام، فقال سعيد: لا تقيّة في الإسلام، قال: فظننتُ أنّه ابتُلي وأُخذ من قابل، قال محمّد بن سعد: وكان سعيد لما انهزم أصحاب ابن الأشعث من دير الجماجم هرب فلحق بمكّة، وروى محمّد بن سيرين قال: كان سعيد بن جُبير حائنًا، إنّه فعل ما فعل ثمّ أتى مكّة يفتي الناس؟ وروى سليمان بن حرب، عن حفص بن خالد قال: حدّثني من سمع سعيد بن جبير يقول يوم أُخِذَ: وَشَى بي واشٍ في بلد الله الحرام أكِلُه إلى الله، قال محمد بن سعد: وكان الذي أخذ سعيد بن جبير خالد بن عبد الله القَسْري، وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكّة، فبعث به إلى الحجّاج، وروى هشام الدّسْتُوائي قال: رأيتُ سعيد بن جبير يطوف بالبيت مقيّدًا، ورأيتُه دخل الكعبة عاشر عشرة مقيّدين، وروى يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمع خالد بن عبد الله صوت القيود فقال: ما هذا؟ فقيل له: سعيد بن جبير، وطَلْقُ بن حبيب، وأصحابهما يطوفون بالبيت، فقال: اقْطعوا عليهم الطوافَ، وروى هشام أبو الوليد الطيالسي، عن حبيب بن أبي ثابت أنّ سعيد بن جُبير استعمله مَطَرُ بن ناجية في فتنة ابن الأشعث على مأصِري الكوفة على الصدقة والعشور، قال حبيب: فركب وركبتُ معه حتى إذا انتهينا إلى المأصر أتانا رجل كان ينحتُ السّفُن قبل ذلك لمن كان قبله، فدخل السفينة ومعه مِحَسّة، فقال له سعيد بن جبير: إليك إليك، فأخرجه، ثمّ نظر سعيد بن جبير وهو أوّل ما ركب إليه فمن تقدّم له يومئذٍ بيع من أهل الذّمّة فلم يرزِه شيئًا ولم يكن يرى أنّ عليهم عشورًا، ونظر من كان من أهل الإسلام فأخذ منهم صدقة ما كان معهم، وروى الربيع بن أبي صالح قال: دخلتُ على سعيد بن جُبير حين جيء به إلى الحجّاج قال: فبكى رجل من القوم فقال سعيد: ما يُبْكِيك؟ قال: لما أصابك، قال: فلا تَبْكِ، كان في عِلْم الله أن يكون هذا، ثمّ قرأ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [سورة الحديد: 22]، وروى محمّد بن عُبيد قال: سمعتُ شيخًا يذكر أنّه كان جالسًا عند الحجّاج حين أُتي بسعيد بن جُبير وله ضَفْران، فكلّمه ساعة ثمّ قال: يا حرسي انطلقْ به فاضْرِبْ عنقه، فانطلق به فقال: دَعْني أصلّي ركعتين. وتوجّه نحو القبلة. فقال الحجّاج: ما يقول لك؟ قال: قال دَعْني أُصلّي ركعتين، قال: لا إلا إلى المشرق، فقال سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [سورة البقرة: 115] ثمّ مدّ عنقه فضربها، وروى الفضل بن سُويد يحدّث، وكان في حجر الحجّاج وكان أبوه أوصى إلى الحجّاج، قال: بعثني الحجّاج في حاجة فقيل قد جيء بسعيد بن جبير، فرجعتُ لأنظر ما يُصنع به، فقمتُ على رأس الحجّاج، فقال له الحجّاج: يا سعيد ألم أستعملك؟ ألم أشْرِكْك في أمانتي؟ قال: بلى، قال: حتى ظننّا أنّه سيخلّي سبيله، قال: فما حملك على أن خرجت عليّ؟ قال: عُزم عليّ، قال: فطار الحجّاج شقّتين غضبًا، قال: هيه أفرأيتَ لعزيمة عدوّ الرحمن عليك حقًّا ولم ترَ لله ولا لأمير المؤمنين عليك حقًّا؟ اضْربا عنقه، فضُربت عنقه، قال فندر رأسه في قلنسية بيضاء لاطية كانت على رأسه، وروى مالك بن إسماعيل قال: سمعتُ خَلَفَ بن خليفة يذكر عن رجل قال: لما قُتل سعيد بن جبير فندر رأسه هلّل ثلاثًا، مرّةً يُفْصح بها وفي الثنتين يقول مثل ذلك فلا يُفْصِح بها، وروى عليّ بن محمّد، عن أبي اليَقْظَان قال: كان سعيد بن جُبير يقول يوم دير الجماجم وهم يقاتلون: قاتلوهم على جورهم في الحكم وخروجهم من الدين وتجبّرهم على عباد الله وإماتتهم الصلاة واستذلالهم المسلمين، فلمّا انهزم أهلُ دير الجماجم لحق سعيد بن جبير بمكّة؛ فأخذه خالد بن عبد الله فحمله إلى الحجّاج مع إسماعيل بن أوْسَط البَجَلي، وكان كَرِيّهم زيد بن مسروق، أحد بني ضِبَارى بن عُبيد بن ثعلبة، قال: فأدخلَهُ على الحجّاج إسماعيل بن أوسط فقال له: ألم أقدم العراق فأكرمتك؟ وذكر أشياء صنعها به، قال: بلى. قال: فما أخرجك عليّ؟ قال: كانت لابن الأشعث بيعةٌ في عنقي وعزم عليّ، فغضب الحجّاج وقال: رأيتَ لعدوّ الله عزمةً لم ترها لله ولا لأمير المؤمنين ولا لي، والله لا أرفعُ قدمي حتى أقتلك وأُعْجِلك إلى النّار! ائْتوني بسيف رَغِيب فقام مسلم الأعور ومعه سيف حَنَفيّ عريض فضرب عنقه، فكان الحسن يقول: العجب من سعيد بن جبير، قاتَلَ الحجّاج في غير موطن وأمر بقتاله، ثمّ هرب فأتى مكّة فلم يملك نفسه. وقال محمد بن عمر: كان قتلُ سعيد بن جُبير سنة أربعٍ وتسعين وكان يومئذٍ ابن تسع وأربعين سنة، وروى زُهير أبو خَيْثَمَة عن عبد الله بن سعيد بن جبير قال: قُتل سعيد بن جبير وهو ابن تسعٍ وأربعين سنة، وروى إبراهيم أنّ سعيد بن جُبير ذُكر له فقال: ذاك رجل شهّر نفسه، وقال أحدهما: قيل لإبراهيم: قُتل سعيد بن جبير فقال: يرحمه الله ما خلّف مثله، وروى ميمون بن مِهْران قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض رجل إلا يحتاج إلى سعيد.