تسجيل الدخول


حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي

حمزة بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، لقّبه النبي صَلَّى الله عليه وسلم أسد الله، وقيل: ليث الله، وسماه سَيِّدَ الشهداء.
وُلِدَ ــ رضي الله عنه ــ قبل النبي صَلَّى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع، قال ابن إسحاق: كان حمزة أَخا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الرّضاعة أرضعتهما ثويبة ــ قال عنها أبو عمر: لم تُدْرِك الإسلام، روى سعيد بن المسيّب قال: قال عليّ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ألا تتزوّج ابنة عمّك؛ ابنة حمزة فإنّها، أجمل ــ وقيل: أحسن ــ فتاة في قريش، فقال: "يا عليّ أما علمتَ أنّ حمزة أخي من الرّضاعة وأنّ الله حرّم من الرّضاع ما حرّم من النّسب؟"(*). واختلف في أعمام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقيل: عشرة، وقيل: اثنا عشر، وقيل غير ذلك، وهم: أبو طالب واسْمُه عبد مناف، والحارث ــ وكان أكبرَ ولد عبد المطّلب ــ والزّبير، وعبد الكعبة، وحمزة، والعبّاس، والمقوم، وحَجْل واسمه المغيرة، وضرار، وقُثْم، وأبو لهب واسمُه عَبْد العزّى، والغَيْداق، فهؤلاء اثنا عشر رجلًا، كلُّهم بنو عبد المطّلب، وعبد الله أبو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثالث عشر، ولم يختلفوا أنّه لم يُسْلم منهم إلّا حمزة، والعبّاس، وأما أبو لهب، وأبو طالب فأدْرَكا الإسلام ولم يسلما، وكان عبد الله أبو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأبو طالب، والزّبير، وعبد الكعبة، وأم حكيم، وأميّة، وأرْوَى، وبرّة، وعاتكة بنات عبد المطّلب لأبٍ وأم؛ أمّهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ، وكان حمزة، وصفيّة، والمقوم، وحَجْل لأبٍ وأم؛ أمُّهم هالة بنت وهيب بن عبد مناف، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب أم النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وكان العبّاس، وضرّار، وقُثم لأب وأم؛ أمُّهم نُتَيلة بنت جَناب بن كليب، من النّمر بن قاسط، وقيل: بل هي نُتَيلة بنت جندب بن عَمْرو، وأمُّ الحارث صفية بنت جنيدب بن حجير، لا شقيقَ له منهم، وقيل: أمّ الحارث سمراء بنت جنيدب بن جُنْدب، وأمّ أبي لهب لبّى بنت هاجر، من خُزَاعة.
كان لحمزة ــ رضي الله عنه ــ من الولد: يَعْلَى، وبه كان يُكنى، وعامر؛ وأمّهما بنت الملّة بن مالك بن عُبادة، من الأنصار، من الأوس، وعُمارة بن حمزة، وقد كان يُكنى به أيضًا؛ وأمّه خولة بنت قيس بن قَهْد الأنصاريّة، من بني ثعلبة بن مالك بن النجّار، وأُمامة بنت حمزة؛ وأُمّها سلمى بنت عُميس، أخت أسماء بنت عُميس الخثعمية، وأُمامة التي اختصم فيها عليّ، وجعفر، وزيد بن حارثة، وأراد كلّ واحد منهم أن تكون عنده فقضى بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لجعفر من أجل أنّ خالتها أسماءَ بنت عُميس كانت عنده(*)، وزوّجها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سَلَمَةَ بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقال: "هل جُزِيتَ سَلَمَةُ" فهلك قبل أن يجمعها إليه(*). وقد كان ليعلى بن حمزة أولاد هم: عُمارة، والفضل، والزبير، وعقيل، ومحمّد، درجوا فلم يبق لحمزة بن عبد المطّلب ولد ولا عقب.
كان ــ رضي الله عنه ــ رجلًا ليس بالطويل ولا بالقصير، وأَسْلم في السّنة الثّانية من المبعث، وقيل: بل كان إسلام حمزة بعد دخول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دارَ الأرْقم في السّنة السّادسة من مَبْعَثه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان سبب إسلامه ما ورد عن محمد بن إسحاق أنه قال: إن أبا جهل اعترض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فآذاه وشتمه، وقال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومولاة لعبد اللّه بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة، فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب ــ رضي الله عنه ــ أن أقبل متوشحًا قوسه راجعًا من قَنَصٍ له، وكان صاحب قَنَص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركًا على دين قومِه، فلما مر بالمولاة، وقد قام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فرجع إلى بيته، فقالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لَقِيَ ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفًا، وجده ها هنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزَة الغضبُ لما أراد الله تعالى به من كرامته، فخرج سريعًا لا يقف على أحد، كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، معدًا لأبي جَهْلٍ أن يَقَعَ به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسًا في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة شجه شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نَراك يا حمزة إلا قد صبأت، فقال حمزة: وما يمنعني، وقد استبان لي منه ذلك؟ أنا أشهد أنه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأن الذي يقول الحقُّ، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين، قال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا، وتم حمزة على إسلامه، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه، وقال عِمْران بن مَنّاح: لما هاجر حمزة بن عبد المطّلب إلى المدينة نزل على كلثوم بن الهِدْم، وقيل: نزل على سَعْد بن خَيْثَمَة.
شهد حمزة ــ رضي الله عنه ــ بَدْرًا، وأَبْلَى فيها بلاءً حسنًا مشهورًا، وقيل: إنه قتَل عتبة بن ربيعة مبارزة يوم بَدْر؛ كذا قال موسى بن عقبة، وقيل: بل قتل شيبة بن ربيعة مُبارزة؛ قاله ابن إسحاق وغيره، وقتل يومئذ طعيمة بن عديّ أخا المطعم بن عديّ، وقَتَل يومئذ أيضًا سَباعًا الخزاعيّ، وقيل: بل قتله يوم أُحُد قبل أن يُقْتل، وشهِدَ أُحُدًا بعد بَدْر، وروى حارثة بن مضرّب، عن عليّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم بدر: "يا عليّ نادِ لي حمزة"، وكان أقربهم إلى المشركين(*)، وقيل: كان قتل من المشركين قبل أن يقتل واحدًا وثلاثين نفسًا منهم: سباع الخزاعي، قال له حمزة: هلم إلي يا ابن مقطعة البُظُور، وكانت أمه ختانة، فقتله.
كان حمزة ــ رضي الله عنه ــ أسَنَّ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأربع سنين، وقال ابن عبد البر: "وهذا لا يصحُّ عندي، لأنّ الحديثَ الثّابتَ أن حمزة، وعبد الله بن عبد الأسد، أرضعتهما ثويْبَة مع رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلَّا أن تكون أرضعتهما في زمانين"، وقيل: كان حمزَةُ أسنَّ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بسنتين، وروى عمّار بن أبي عمّار أنّ حمزة بن عبد المطّلب سأل النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أن يُريَه جبريل في صورته، فقال: "إنّك لا تستطيع أن تراه"، قال: بلى، قال: "فاقعد مكانك"، قال فنزل جبريل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا بالبيت فقال: "ارفع طَرْفَك فانْظُرْ"، فنظر فإذا قدماه مثل الزبرجد الأخضر فخر مغشيًّا عليه(*)، وقال عبد الله بن محمّد بن عمر: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين حمزة بن عبد المطّلب، وزيد بن حارثة، وإليه أوصى حمزة بن عبد المطّلب يوم أُحُد حين حضر القتالُ(*)، وقال ابن إسحاق: وبعضُ النّاس يزعمون أنَّ رايةَ حمزة أول رايةٍ عقدها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقيل: أول لواءٍ عقده رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لحمزة بن عبد المطّلب، بعثه سريّةً في ثلاثين راكبًا حتى بلغوا قريبًا من سِيف البحر، يعترضُ لعير قريش وهي منحدرة إلى مكّة قد جاءت من الشأم وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة راكب، فانصرف ولم يكن بينهم قتال(*)، قال محمّد بن عمر: كان حمزة مُعْلِمًا يوم بدر بريشة نَعامة، وقال: وحمل حمزة لواء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في غزوة بني قينقاع ولم يكن الرايات يومئذ، وقال المدائنيّ: أول سريّة بعثها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع حمزة بن عبد المطّلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سِيْفِ البحري من أرض جهينة، وخالفه ابن إسحاق فجعلها لعبيدة بن الحارث، وروى أبو الضّحى في قول الله جلّ ثناؤه: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [سورة آل عمران: 169]، قال: نزلت في قتلى أُحُد، ونزل فيهم: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [سورة آل عمران: 140]، قال: قُتِلَ يومئذ سبعون من المسلمين أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطّلب، ومُصْعب بن عُمير أخو بني عبد الدّار، والشمّاس بن عثمان المخزوميّ، وعبد الله بن جحش الأسديّ، وسائرهم من الأنصار، وروى قيس بن عُبَاد، قال: سمعت أبا ذَرّ يُقسم قسما: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [سورة الحج: 19] إِنها نزلت في هؤلاء الرّهط الستة يوم بدر: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وروى حمزة بن عبد المطلب، عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "الْزَمُوا هَذَا الدُّعَاءَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمْ وَرِضْوَانِكَ الأَكْبرِ..." أورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث 3217، 3837، الطبراني في الكبير 3/ 166الحديث(*).
شهِدَ حمزة أُحُدًا بعد بَدْر، وقُتل يومئذ شهيدًا، قتله وحشيّ بن حرب الحبشيّ، مولى جُبير بن عديّ على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة، وكان يوم قُتل ابن تسع وخمسين سنةً، وقال عُمير بن إسحاق: كان حمزة يقاتل بين يَدَيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم أُحد بسَيْفَيْن، فقال قائل: أي أسد! فبينا هو كذلك إذ عثر عَثرة فوقع منها على ظهْره، فانكشف الدرْعُ عن بَطنِه، فطعنه وحْشي الحبشيّ بحَرْبة، أو قال: برمح، فأنفذه، وكان قد مُثّل به وبأصحابه يومئذ، فقد روى كثير بن زيد، عن حنطب: لمّا كان يوم أُحُد جعلَتْ هند بنت عتبة والنّساء معها يجدَعن أنوف المسلمين، ويَبْقَرْنَ بطونهم، ويقطَعْنَ الآذان إلا حنظلة، فإنّ أباه كان من المشركين، وبَقرَتْ هند عن بطن حمزة فأَخْرَجت كبده، وجعلت تَلوك كبده، ثم لفظتْه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لَوْ دَخَلَ بَطْنَهَا لَمْ تَدْخُلِ النَّارَ"، ولم يمثَّل بأحدٍ ما مُثِّلَ بحمزة، قطعت هِنْد كبده، وجدعَتْ أنفه، وقطعت أذنيْه، وبقرتْ بطنه، فلما رأى النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ما صُنع بحمزة ــ ولم يرَ منظرًا كان أوْجَع لقلبه منه ــ قال: "رَحِمَكَ اللَّهُ أَيْ عَمّ، فَلَقَدْ كُنْتَ وَصُولًا للرَّحِمِ، فعُولًا لِلْخَيْرَاتِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنِي اللَّهُ بِالْقَوْمِ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ"، قال: فما برح حتى نَزلت: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}‏ [النحل: 126]، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "بَلْ نَصْبِرُ"، وكفَّر عن يمينه(*)، وروى جابر بن عبد الله قال: لما رأى النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حمزة قتيلًا بكى، فلما رأى ما مثَّل به شهق(*)، ورُوِي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاء"(*)، ورُوي: "خَيْرُ الشُّهَدَاء، وَلَوْلَا أَنْ تجِدَ صَفِيَّةَ لَتَرَكْتُ دَفْنَهُ حَتَّى يُحْشرَ في بُطُونِ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ"(*)أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 199. والمتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 33260.، وكُفّن حمزة في بُرْدة، فجعلوا إذا خَمّرُوا بها رأسه بَدَتْ قدَماه، وإذا خمّروا بها رجليه تنكشفُ عن وجهه، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "غطوا وجهه!" وجَعَل على رجليه الحَرْمَلَ(*)، وروى أبو أسيد الساعدي قال: رفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: "ما يُبكيكم؟" قيل: يا رسول الله لا نجد لعمّك اليوم ثوبًا واحدًا يسعه، فقال: "إنّه يأتي على النّاس زمانٌ يخرجون إلى الأرياف فيُصيبون فيها مطعمًا وملبسًا ومركبًا، أو قال: "مراكب فيكتبون إلى أهلهم: هلمّوا إلينا فإنّكم بأرضٍ جَرَديّة، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يَصْبِرُ على لأوائِها وشِدّتِها أحدٌ إلاّ كُنْتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة"، وكان حمزة ــ رضي الله عنه ــ أول من صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليه ذلك اليوم من الشهداء، وكبّر عليه أربعًا، ثم جُمع إليه الشهداء فكلّما أُتِيَ بشهِيد وُضع إلى جنب حمزة فصلّى عليه وعلى الشهيد حتى صلّى عليه سبعين مرّة(*)، وقال محمّد بن عمر: دُفن حمزة بن عبد المطّلب، وعبد الله بن جَحْش في قبر واحد، وحمزة خالُ عبد الله، وقال محمّد بن عمر: ونزل في قبر حمزة: أبو بكر، وعمر، وعليّ، والزّبير، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم جالس على حُفْرته، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رأيت الملائكة تغسل حمزة" لأنّه كان جُنُبًا ذلك اليوم(*)، وروى ابن عبّاس قال: لما قُتِل حمزةُ يوم أُحُد أقبلت صفيّةُ تطلبه لا تدري ما صَنَعَ، فَلَقِيَتْ عَلِيًّا والزّبير، فقال عليّ للزّبير: اذكر لأمّك، قال الزّبير: لا بل اذكر أنت لعَمّتِك، قالت: ما فَعَل حمزةُ؟ فأرياها أنّهما لا يدريان، فجاء النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "إني أخاف على عقلها"، قال: فوضع يده على صدرها، ودعا لها فاسترجعت وبكت، وسمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم البكاء في بني عبد الأشهل على قَتلاهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكيَ له" فسمع ذلك سعد بن معاذ فرجع إلى نساء بني عبد الأشهل فساقهنّ إلى باب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فبكين على حمزة، فسمع ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فدعا لهنّ وردّهنّ فلم تبك امرأةٌ من الأنصار بعد ذلك إلى اليوم على ميت إلا بَدَأتْ بالبكاء على حمزة ثمّ بكت على ميّتها(*)، وفي رواية عن زهير بن محمّد فدعا لهن فقال: "بارك الله عليكنّ وعلى أولادكنّ وعلى أولاد أولادكنّ"، وفي رواية عبد العزيز بن محمّد: "رحمكنّ الله ورحم أولادكنّ وأولاد أولادكن"، وروى ابن المنكَدر قال: أقبل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من أُحُد، فمرّ على بني عبد الأشْهل، ونساء الأنصار يبكين على هلكاهُنّ يَنْدُبونهم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لكنّ حمزة لا بواكي له"، قال فدخل رجال من الأنصار على نسائهم، فقالوا: حوّلوا بكاءكنّ ونَدْبكنّ على حمزة، فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فَطال قيامُه يستمع، ثمّ انصرف فقام على المنبر من الغد فَنَهَى عن النياحة كأشدّ ما نَهَى عن شيء قطّّ، وقال: "كلّ نادبةٍ كاذبة إلّا نادبة حمزة"(*)، وفي رواية: أمر الأنصار نساءهم فبكوا عليه، فجاءت امرأةٌ واضعة يدها على رأسها تَرِنّ، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فعلتِ فعلَ الشيطان حين أُهبط إلى الأرض وضع يده على رأسه يَرِنّ، وإنّه ليسَ منّا من حَلَقَ ولا من خَرَقَ ولا من سَلَقَ"(*)، وفي رواية أبي جعفر قال: كانت فاطمة تأتي قبر حمزةَ فتَرُمّه وتُصلِحُه‏ُ، وقد أنشد أبو زيد، عن عمر بن شبة لكعب بن مالك ــ يرثي حمزة ــ وقال ابن إسحاق هي لعبد الله بن رواحة:
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا العَوِيلُ
عَلَى أَسَدِ الإِلَهِ
غَدَاةَ
قَالُوا لِحَمْزَةَ
ذَاكُمُ
الرَّجُلُ القَتِيلُ
أُصِيبَ المُسْلِمُونَ
بِهِ
جَمِيعًا هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ
أَبَا يَعْلَى، لَكَ الأَرْكَانُ
هُدَّتْ وَأَنْتَ
المَاجِدُ
البَرُّ الوَصُولُ
عَلَيْكَ سَلَامُ رَبِّكَ فِي جِنَانٍ يُخَالِطُهَا نَعِيمٌ
لَا
يَزُولُ
أَلَا يَا هَاشِمَ
الأَخْيَارِ
صَبْرًا فَكُلُّ
فَعَالِكُمْ
حَسَنٌ جَمِيلُ
رَسُولُ
اللَّهِ
مُصْطَبِرٌ
كَرِيمٌ بِأَمْرِ
اللَّهِ
يَنْطِقُ
إِذْ
يَقُولُ
أَلَا مَنْ
مُبْلِغٌ
عَنِّي
لُؤَيًّا فَبَعْدَ
اليَوْمِ
دَائِلَةٌ
تَدُولُ
وَقَبْلَ اليَوْمِ مَا عَرَفُوا
وَذَاقُوا وَقَائِعَنَا
بِهَا
يُشْفَى
الغَلِيلُ
نَسِيتُمْ
ضَرْبَنَا
بِقَلِيبِ
بَدْرٍ غَدَاةَ
أَتَاكُمُ
المَوْتُ
العَجِيلُ
غَدَاةَ ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا عَلَيْهِ
الطَّيْرُ
حَائِمَةً
تَجُولُ
وَعُتْبَةُ وَابْنَةُ
خَرَّا
جَمِيعًا وَشَيْبَةُ عَضَّهُ
السَّيْفُ
الصَّقِيلُ
أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي
شَمَاتًا بِحَمْزَةَ إِنَّ عِزَّكُمُ
ذَلِيلُ
أَلَا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلِّي فَأَنْتِ الوَالِهُ
العَبْرَى
الهَبُولُ
وروى جابر بن عبد الله قال: لما أراد معاويةُ أن يُجْريَ عيْنَه التي بأُحُد كتبوا إليه: إنّا لا نستطيع أن نُجْريها إلا على قبور الشهداء، قال فكتب: انْبُشوهم، قال فرأيْتُهُم يُحمَلون على أعناق الرّجال كأنّهم قوم نيام، وأصابت المسحاةُ طرف رِجْل حمزة بن عبد المطّلب فانبعثت دمًا.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال