حكيم بن جبلة العبدي
حُكيْم، وقيل: حَكِيم بن جَبلة، وقيل: ابن جبل بن حصن العشبدي:
ذكره ابن عبد البرّ؛ وقال: "أدرك النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا أعلَمُ له عنه روايةً، ولا خبرًا يدلُّ على سماعهِ منه، ولا رؤْيةٌ له، وكان رجلًا صالحًا له دِينٌ، مطاعًا في قَوْمِهِ"، وهو الذي بعثه عثمانُ إلى السّند فنزلها، ثم قدم على عثمان فسأله عنها، فقال: ماؤها وشل، ولصُّها بطل، وسَهْلها جَبَل، إن كثر الجُنْد بها جاعوا، وإن قلُّوا بها ضاعُوا، فلم يوجه عثمان إليها أحدًا حتى قُتل.
وكان حكيم بن جَبَلة هذا ممن يَعيب عثمانَ من أَجْل عبد الله بن عامر وغيره من عماله، ولما قدم الزّبيرُ، وطلحة، وعائشة رضي الله عنهم البصرة، وعليها عُثمان بن حنيف واليًا لعلي رضي الله عنه، بعث عثمان بن حنيف حكيمَ بن جبلة العبديّ في سبعمائة من عَبْد القيس، وبكر بن وائل، فلقي طلحة، والزبير بالزّابوقة قُرْب البصرة، فقاتلهم قتالًا شديدًا، فقُتل رحمه الله، قتله رجلٌ من بني حَدَّان؛ هذه روايةٌ في قَتْل حكيم بن جَبَلة، وقد روي أنه لما غدر ابنُ الزّبير بعثمان بن حنيف بعد الصُّلْح الذي كان عقده عثمان بن حنيف مع طلحة والزّبير أتاه ابنُ الزّبير ليلًا في القَصْر، فقتل نحو أَربعين رجلًا من الزّط على باب القَصْر، وفتح بيتَ المال، وأخذ عثمان بن حُنيف فصنع به ما قد ذكرْتُه في غير هذا الموضع، وذلك قبل قدوم عليّ رضي الله عنه، فبلغ ما صنع ابنُ الزّبير بعثمان بن حنيف حكيمَ بن جبلة، فخرج في سبعمائة من ربيعه فقاتلهم حتى أخرجهم من القصر، ثم كرُّوا عليه فقاتلهم حتى قُطَعْت رجْله، ثم قاتل ورِجْله مقطوعة حتى ضربه سُحَيم الحدّاني العنق فقطع عُنُقه، واستدار رأسه في جِلدة عُنقه حتى سقط وجهْهُ على قفاه، وقال أبو عبيدة: قطعت رجلُ حكيم بن جبلة يوم الجمل، فأخذها ثم زحف إلى الذي قطعها فلم يزل يضربه بَها حتى قتله، وقال:
يَا نَفْسُ
لَنْ تُرَاعِي رَعَاكِ
خَيْرُ رَاعِي
إِنْ قُطِعَتْ كُرَاعِي إِنَّ
مَعِي
ذِرَاعِي
قال أبو عبيدة: وليس يُعْرف في جاهليّة ولا إسلام أحدٌ فعل مِثْل فعله، وقال أبو عمر رضي الله عنه: كذا قال أبو عبيدة، قُطعت رِجله يوم الجمَل، وهذا منه على المقاربة؛ لأنه قبْل يوم الجمل بأيام، ولم يكن عليُّ رضي الله عنه لحق حينئذ، وقد عرض لمعاذ بن عَمْرو بن الجموح يوم بَدْر في قطْع يده من السّاعد قريبٌ من هذا، وذكر المدائنيّ عن شيوخه عن أبي نَضْرَة العبْديّ، وابن شهاب الزّهريّ، وأبي بكر الهذليّ، وعامر بن حفص، وبعضهم يزيد على بعضٍ: أنّ عثمان بن حُنيف لما كتب الكِتاب بالصّلح بينه وبين الزُّبير، وطلحة، وعائشة أن يكفُّوا عن الحرب، ويبقى هو في دار الإمارة خليفة لعليّ على حالهِ حتى يقدم عليُّ رضي الله عنه فيرون رأيه، قال عثمان بن حُنيف لأصحابه: ارجعوا وضَعُوا سِلاحكم، فلما كان بعد أيّام جاء عبدُ الله بن الزّبير في ليلةٍ ذات ريح وظُلْمَةٍ وبَرْد شديد، ومعه جماعة من عسكرهم، فطرقوا عثمان بن حُنَيف في دار الإمارة فأخذوه، ثم انتهوا به إلى بيْت المال فوجدوا أناسًا من الزُّطّ يحرسُونه، فقتلوا منهم أربعين رَجلًا، وأرسلوا بما فعلوه من أخْذِ عثمان، وأَخْذ ما في بيت المال إلى عائشة يستشيرونها في عثمان، وكان الرّسول إليها أبان بن عثمان، فقالتْ عائشة: اقتُلوا عثمان بن حُنيف، فقالت لها امرأة: نشادتك الله يا أمّ المؤمنين في عثمان بن حُنيف، وصُحْبَته لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! فقالت: ردُّوا أبانًا، فردُّوه، فقالت: احبسوه ولا تقتلوه، فقال أبان: لو أعلمُ أنك ردَدْتني لهذا لم أرْجع، وجاء فأَخبرهم، فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضْربوه وانتفُوا شعْرَ لحيته، فضربوه أربعين سَوْطًا ونتفُوا شعْر لحيته وحاجبه وأشفار عينه، فلما كانت الليلة التي أُخذ فيها عثمان بن حُنيف غدَا عبد الله بن الزّبير إلى الزابوقة، ومدينة الرّزْق وفيها طعامٌ يَرزقونه النّاس، فأراد أن يرزقه أصحابه، وبلغ حكيم بن جبلة ما صُنع بعثمان بن حنيف فقال: لست أخاه إنْ لم أَنْصره، فجاء في سبعمائة من عبد القيس، وبكر بن وائل، وأكثرهم عبد القيس، فأتى ابْن الزّبير في مدينة الرّزْق، فقال: مالك يا حكيم؟ قال: تريد أنْ نُرْزق من هذا الطّعام، وأن تُخلوا عثمان بن حُنيف فيقيم في دار الإمارة على ما كنتم كتَبتُم بينكم وبينه حتى يقدم على عليّ ما تراضيتم عليه، وأيمُ الله لو أجِدُ أعونًا عليكم ما رضيْتُ بهذا منكم حتى أقتلكم بمن قتلْتُمْ، ولقد أصبحْتُم وإنَّ دماءكم لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أَمَا تخافون الله؟ بم تستحلُّون الدّماء؟ قالوا: بدم عثمان، قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان أو حَضروا قَتْلَه، أَما تخافونَ الله؟ فقال ابنُ الزّبير: لا نرزقكم من هذا الطعام، ولا نخَلِّي عثمان حتى نخلع عليًّا، فقال حكيم: اللهم اشْهَد، اللهم اشهد، وقال لأصحابه: إني لسْتُ في شكّ من قتال هؤلاء، فمَنْ كان في شكّ فلينصرف، فقاتلهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وضرب رجلٌ ساقَ حكيم فقطعها، فأخذ حكيم السّاقَ فرماه بها فأصاب عُنُقه، فصرعه ووقَذَه، ثم حجل إليه فقتله، وقُتل يومئذ سبعون رجلًا من عبد القيس.
وكان عثمان بعثه إلى السّند ثم نزل البَصْرَة؛ وقُتِل بها يوم الجمل.