عقبة بن نافع الفهري
عُقْبَةُ بنَ نافِع، وقيل: عقبة بن رافع بن عبد القيس القرشي الفِهْري، أمير المغرب لمعاوية ويزيد.
أَخرجه ابن عبد البر، وابن منده، وأبو نعيم. أمه من لخم، وكان عقبة ابن خالة عَمْرو بن العاص، وقيل: كان أَخا عمْرو بن العاص، وقيل: كان عمرو بن العاص خال عقبة، وكان أبوه، وهبار بن الأسود ممن نخس بزينب بنت النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم لما توَّجهت إلى المدينة، وروي أنهما اللذان عنى صَلَّى الله عليه وآله وسلم بقوله إن لقيتموهما فحرقوهما، ومات أبوه قبيل الفتح.
وَلَدَ عقبةُ بن نافع: عِيَاضًا وأبا عبيدة وعبدَ الرحمن وعَمْرًا لأمهات أولاد، وأَمَةَ الله وأُمَّ نافع؛ وأمهما بنت عُمَيْرة بن مَوْهَبَة مِنْ بني سَهْم بن عَمْرو، ومن ولد عقبة بمصر والشام وإفريقية بقيةٌ، وقيل: إنَّ عقبة ولد على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولا تصحُّ له صحبة، وقيل: إنه كان مستجاب الدّعوة، وهو الذي اختط القيروان، وذلك في زمن معاوية، فالقيروان اليوم حيث اختطَّها عقبة بن نافع، وكان معاوية بن حُديج قد اختطَّ القيروان بموضع يُدعى اليوم بالقرن، فنهض إليه عقبة فلم يعجبه، فركب بالنّاس إلى موضع القيروان اليوم، وكان واديًا كثير الأشجار، غَيْضَة، مأوى للوحوش والحيّات، واختط القيروان في ذلك الموضع، فأمر بقطع ذلك وحرقه، فاختطّ القيروان، وأمر النّاس بالبنيان، وكانت خلافته ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وشهد فتح مصر واختطّ بها.
وروى عمارة بن سعد، عن عقبة بن نافع الفِهْري وكان قد استشهد بإفريقية، أنه أوصى ولده فقال: لا تقبلوا الحديثَ عن رسولِ الله إلا من ثقة، وإن لبستم العباء، ولا تكتبوا ما يشغلكم عن القرآن، وروى يَزيد بن أَبِي حَبِيب، عن أَبِي الخير قال: لما فتح المسلمون مصرَ بعث عَمْرو بن العاص إلى القرى حولها الخيلَ تطؤهم، فبعث عقبةَ بن نافع بن عبد قيس، وكان نافع أخا العاص بن وائل لأمه، فدخلت خيولهم أرض النُّوبَة غزاة، غزوا كصوائف الروم، فلقي المسلمون من النوبة قتالًا شديدًا، لقد لاقوهم أول يوم، فرشقوهم بالنّبل، فلقد جرح منهم عامتهم، وانصرفوا بجراحات كثيرة، وَحَدق مفقية سموهم يومئذ رُماة الحَدَق، فلم يزالوا على ذلك حتى وُلِّي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، ولاه عثمان، فسألوه الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا على غير جزية، على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون طعامًا مثل ذلك. قال محمد بن عمر: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يخبره أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري، وأنه بلغ زَوِيلَة وأن ما بين زويلة وبرقة سِلْمٌ كلهم، قد أطاع مسلمهم بالصدقة، ومعاهدهم بالجزية، وبلغ عمرو بن العاص طرابلس ففتحها، فكتب إلى عمر: إِن بينها وبين إفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن للمسلمين في دخولها فعل، فإن المسلمين قد اجْتَرءُوا عليهم وعلى بلادهم وعرفوا قتالهم، وليس عدوًّا كلُّ شوكة منهم، وإِفريقية عين مال المغرب، فيوسع الله بما فيها على المسلمين. فكتب إليه عمر: ولو فتحت إِفريقية ما قامت بوال مقتصدٍ لا جند معه، ثم لا آمن أن يقتلوه، فإن شحنتها بالرجال كلفت حمل مال مصر أو عامته إليها، لا أدخلها جندًا للمسلمين أبدًا، وسيرى الوالي بعدي رأيه، فلما ولي عثمان رضي الله عنه أغزى الناس إفريقية، وأمرهم أن يلحقوا بعبد الله بن سعد وأمر عبد الله بن سعد أن يسير بمن معه، وَمَنْ أمده بهم عثمان بن عفان إلى إِفريقية، فخرج بالناس حتى نزل بقربها، فصالحه بطريقُها على صلح يخرجه له، فقبل ذلك منه، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان وجه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري إلى إِفريقية غازيًا في عشرة آلاف من المسلمين، فافتتحها واختط قَيْروانها، وقد كان موضعه غَيْضة لا تُرام من السباع والحيات وغير ذلك من الدواب، فدعا الله عليها، فلم يبقَ منها شيء مما كان فيها من السباع وغير ذلك إلا خَرج منها هاربًا بإذن الله، حتى إِن كانت السباع وغيرها لَتَحمل أولادها.
روى موسى بن عُلَيّ بن رَبَاح عن أبيه قال: نادى عقبة بن نافع: إنا نازلون فاظعنوا، قال: فرئين يخرجن من جِحَرَتِهِنّ هوارب، قال محمد بن عمر: فقلت لموسى بن علي: إِنه يقال إِن بإِفريقية عقارب تقتل، قال: بناحية منها، قَلَّمَا لدغت إنسانًا إلا خيف عليه منها، وربما عافاه الله، قلتُ لموسى: أرأيت بناء إِفريقية اليوم؟ هذا الواصل المجتمع، مَنْ أَوَّل مَنْ بناه حتى بني إليه؟، قال: أول من ابتنى بها عقبة بن نافع وَمَنْ كان معه الدورَ والمساكنَ وأقام بها.
وقال رجل من جند مصر: قدمنا مع عقبة بن نافع إِفريقية، وهو أول الناس اختطها وَقطَّعها للناس مساكن ودورًا، وبنى مسجدها وأقمنا معه حتى عزل عنها، وهو خير وال، وخير أمير، وولّى معاوية بن أبي سفيان حين عزل عقبة بن نافع مسلمةَ بن مُخَلَّد الأنصاري، ولاّه مصر وإِفريقية وعزل معاوية بن حُدَيْج الكندي عن مصر، فَوَجَّهَ مَسْلَمَةُ بن مُخَلَّد إلى إِفريقية دينارًا أبا المهاجر، مولى له، وعزل عقبة بن نافع، فقيل لِمَسْلَمةَ بن مُخَلَّد: لو أقررتَ عقبة بن نافع عليها، فإن له جرأة وفضلًا، وهو الذي اخْتَطّها وبنى مسجدها، فقال مَسْلَمَة: إن أبا المهاجر كما ترى، إنما هو كأحدنا، صبر علينا في غير ولاية ولا كبير نيل، فنحن نحب أن نكافئه ونصطنعه، فوجهه إلى إِفريقية، فلما قدم دينار أبو المهاجر إِفريقية كره أن ينزل في الموضع الذي اختط عقبة بن نافع، فمضى حتى خَلفَه بميلين، ثم نزل موضعًا يقال له أيت كروان فابتناهُ ونزله، وخرج عقبة بن نافع منصرفًا إلى المشرق حنقًا على أبي المهاجر، وكان أساء عزله، فدعا الله أن يمكنه منه، وبلغ ذلك أبا المهاجر فلم يزل خائفًا منه منذ بلغته دعوته عليه، فقدم عقبة بن نافع على معاوية فقال: الله! إني فتحت البلاد ودانت لي، وبنيت المنازل، وبنيت مسجد الجماعة، وسكّنتُ الرجال، ثم أرسلتَ عبدَ الأنصار فَأَسَاءَ عَزْلي! فاعتذر إليه معاوية وقال: قد عرفت مكان مَسْلَمَة من الإِمَام المظلوم رحمه الله، وتقديمه إياه على مَنْ سواه، ثم قيامه بعد ذلك بدمه، وبذل مُهْجة نفسه محتسبًا صابرًا مع مَن أطاعه من قومه ومواليه، وقد رددتك على عملك واليًا.
وفي رواية: لما وَلَّى مَسْلمَةُ بن مُخَلَّد أبا المهاجر إِفريقية، أوصاه بتقوى الله، وأن يسير بسيرة حسنة، وأن يعزل صحبه أحسن العزل فإن أهل بلده يحسنون القول فيه، فخالفه أبو المهاجر، فأساء عزله، فمر عقبة بن نافع عَلَى مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّد، فركب إليه مسلمة يقسم له بالله لقد خالفه ما صنع، ولقد أوصيته بك خاصة، ولم يوله معاوية، ولكنه أقام حتى مات معاوية فولاه يزيد بعد ذلك، فقدم عقبة بن نافع على يزيد بن معاوية بعد موت معاوية، فرده واليًا على إِفريقية سنة اثنتين وستين، فخرج عقبة بن نافع سريعًا بحنقه على أبي المهاجر، حتى قدم إفريقية، فأوثق أبا المهاجر في وثاق شديد وأساء عزله، ثم غزا بأبي المهاجر إلى السُّوس الأدنى، وهو في حديد، وهو خلف طَلنْجَة فيما بين قيلة مدينتها التي تسمى وَلِيلَى والمغرب، وأهل السوس، إذ ذاك أثبته، وَجَوَّل في بلادهم، لا يعرض له أحد، ولا يقاتله، ثم انصرف راجعًا إلى إِفريقية، فلما دنا من ثغرها أَمَرَ أصحابَه، وأذن لهم فتفرقوا عنه وبقي في عدة قليلة، فأخذ تَهُوَذةَ وهي ثغر من ثغور إِفريقية ومُتياسرًا عن طبنة ثغر الزاب فيما بين طُبْنَةَ والمشرق، وتَهُوذَة من مدينة قيروان إِفريقية على مسيرة ثمانية أيام، فلما انتهى عقبة بن نافع إلى تهودة، عَرَضَ له كُسَيْلَةُ بن لَمْزَم الأوربي في جميع كثير من البربر والروم، وكان قد بلغه افتراق الناس عن عقبة بن نافع وقلة مَنْ معه، وجمع لذلك جمعًا، فالتقوا، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فقتل عقبة بن نافع شهيدًا رحمه الله، وقتل مَنْ كان معه، وقتل أبو المهاجر، وهو موثق في الحديد، واشتعلت إِفريقية حربًا، ثم سار كُسَيْلة ومَنْ معه حتى نزلوا قُونِيَة الموضع الذي كان عقبة بن نافع اختط، فأقام بها ومَنْ معه، وقهر مَنْ قرب منها بآب قايش وما يليه، وجعل يبعث أصحابه في كل وجه، إلى أن توفي يزيد بن معاوية.
وقيل: ولّاه عمرو بن العاص إفريقية وهو على مصر، فانتهى إلى لَوَاتة ومزاتة، فأطاعوا ثم كفروا، فغزاهم من سنته، فقتل وسبى، وذلك في سنة إحدى وأربعين، وافتتح في سنة اثنتين وأربعين غدَامِس فقتل وسبى، وافتتح في سنة ثلاث وأربعين كور السّودان، وافتتح وَدَّان وهي من حيز برقة من بلاد إفريقية، وافتتح عامة بلاد البربر، وقال خليفة بن خياط: وفي سنة خمسين اختط "عقبة" القيروانَ، وأَقام بها ثلاث سنين، وقُتل عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين، بعد أَن غزا "السُّوس الأَقْصَى"، قتله كَسِيلة بن لَمْرم، وقتل معه أَبا المُهَاجِر دينارًا، وكان "كسيلة" نصرانيًّا، ثم قُتِل "كسيلة" في ذلك العام أَو في العام الذي يليه، قتله زُهَيْر بن قَيْس البَلَوِي.
وفي رواية: عن ابن لهيعة، قال: قدم عقبة بن نافع على عثمان بفتح إفريقية، بعثه عبد الله بن سَعْد بن أبي سرح. ومن طريق بُحَيْر بن ذاخر، قال: كنْتُ عند عبد الله بن عمرو، فدخل عليه عقبة بن نافع، فقال: ما أقدمك؟ فإني كنْتُ أعلم أنك تحبُّ الإمارة. فقال: إن يزيد بن معاوية عقد لي على جَيْشٍ إلى إفريقية، فقال: إياك أن تكون لعبة لأهل مصر؛ فاني لم أَزْل اسمَعُ أنه سيخرج رجلٌ من قريش في هذا الوجه فيهلك، قال: فقدم فقُتِل هو وأصحابه، وذلك سنة ثلاث وستين، قَتلهم البرابرة.