الدفاع عن النبي
روى عكرمة، عن عليٍّ قال: لما تخلى الناسُ عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومَ أُحدٍ نظرت في القتلى فلم أَر رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم فقلت: والله ما كان ليفرَّ وما أَراه في القتلى، ولكن الله غَضِب علينا بما صنعنا فَرَفَعَ نبيه، فما فيّ خير من أَن أَقاتل حتى أُقتل، فكسرت جَفن سيفي، ثم حملت على القوم فأَفرجوا لي، فإِذا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بينهم.
وروى محمّد بن عمر قال: وكان عليّ ممّن ثَبَتَ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أُحُدٍ حين انهزم النّاس، وبايعه على الموت.
العلم
وروى أبو الطُّفيل قال: شهدْتُ عليًّا يخطب، وهو يقول: سَلَوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إِلّا أخبرتكم، وسَلُوني عن كتاب الله، فوالله ما مِنْ آية إلا وأنا أعلم أبليْلٍ نزلت أم بنهار، أم في سَهْل أم في جبل. وروى عبد الرّحمن بن أذنية الغنويّ، عن أبيه أذينة بن مسلمة، قال: أتيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فسألته: من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليًّا فسله، فذكر الحديث... وفيه قال عمر: ما أجد لك إلا ما قال عليّ. وسأل شريح بن هانئ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن المسح على الخفيّن، فقالت: إيت عليًّا فسَلْه.
وقال سعيد بن المسيّب: كان عمر يتعوَّذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وقال في المجنونة التي أمر برَجْمها، وفي التي وضعت لستّة أشهر، فأراد عمر رَجْمها، فقال له عليّ: إِنّ الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا...} [الأحقاف: 15] الحديث، وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون... الحديث، فكان عمر يقول: لولا عَليّ لهلك عُمَر.
وقال زِر بن حبيش: جلس رجلان يتغدّيان، مع أحدهما خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مرَّ بهما رجلٌ فسلّم، فقالا: اجلس للغداء، فجلس، وأكل معهما، واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرّجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خذا هذا عوضًا ممّا أكلت لكما، ونِلْتُه من طعامكما، فتنازعا، وقال صاحب الخمسة الأرغفة: لي خمسة دراهم، ولك ثلاث، فقال صاحب الثّلاثة الأرغفة: لا أَرْضَى إِلا أن تكون الدّراهم بيننا نصفين، وارتفعا إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقصَّا عليه قصَّتهما، فقال لصاحب الثّلاثة الأرغفة: قد عرض عليك صاحبُك ما عرض، وخبزُه أكثر من خُبْزِك، فارْضَ بثلاثة، فقال: لا والله، لا رضيت منه إلا بمرِّ الحقّ، فقال عليّ رضي الله عنه: ليسَ لك في مُر الحق إلا درهم واحد وله سبعة، فقال الرّجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين! وهو يعرض عليَّ ثلاثة فلم أرض، وأشرْتَ عليَّ بأخذها فلم أرْضَ، وتقول لي الآن: إنه لا يجب في مُرّ الحقّ إلا درهم واحد، فقال له عليّ: عرض عليك صاحبُك أن تأخذ الثلاثة صُلْحًا فقلتَ: لم أرض إلا بمُرّ الحقّ، ولا يجب لك بمرّ الحقّ إلا واحد. فقال له الرّجل: فعرّفني بالوجه في مُرّ الحقّ حتى أقبله، فقال علي رضي الله عنه: أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرون ثلثًا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا يعلم الأكثر منكم أكلًا، ولا الأقل، فتُحمِلون في أكلكم على السّواء! قال: بلى، قال: فأكلت أَنْتَ ثمانية أثلاث، وإنما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاثٍ، وله خمسة عشر ثلثًا، أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة، وأكل لك واحدًا من تسعة، فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته، فقال له الرّجل: رضيت الآن.
الخوف
روى الحرمازي، عن رجل من همدان، قال: قال معاوية لضرار الصُّدائي: يا ضرار، صِفْ لي عليًّا، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنَّه، قال: أما إذْ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المَدى، شديد القُوى، يقول فَصْلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطِقُ الحِكْمَةُ من نواحيه، ويستوحش من الدّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غَزير العَبْرة، طويل الفِكْرَة، يُعجِبُه من اللبّاس ما قصُر، ومن الطّعام ما خَشُن، وكان فينا كأحَدِنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويُنْبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله ــ مع تقريبه إيانا، وقُرْبه مِنّا ــ لا نكاد نكلَمه هَيْبَةً له، يعظِّمُ أهل الدّين، ويُقرِّبُ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيفُ من عَدْله، وأشهد أنه لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى اللّيل سُدُولَه، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته، يتململُ تَمَلْمُل السّليم ــ أي المريض ــ ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري، ألِي تعرّضْت أمْ إليّ تشوَّفتِ! هيهات هيهات! قد باينْتُك ثلاثًا لا رجْعَةَ فيها، فعُمْرُك قصير، وخطَرك قليل، آهٍ من قلَّةِ الزَّاد، وبُعد السفر، ووَحْشَةِ الطّريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزْنُك عليه يا ضِرَار؟ قال: حُزْن من ذُبح ولدها وهو في حِجْرها.
الانفاق في سبيل الله
روى ابن عباس في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} قال: نزلت في علي بن أَبي طالب، كان عنده أَربعة دراهم، فأَنفق بالليل واحدًا، وبالنهار واحدًا، وفي السر واحدًا، وفي العلانية واحدًا.
التضحية
روى ابن إِسحاق قال: أَقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ـــ يعني بعد أَن هاجر أَصحابه إِلى المدينة ـــ ينتظر مجيءَ جبريل عليه السلام، وأَمره له أَن يخرج من مكة بإِذن الله له في الهجرة إِلى المدينة، حتى إِذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي، وأَرادوا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما أَرادوا، أَتاه جبريل عليه السلام وأَمره أَن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيْه، فدعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم علي بن أَبي طالب فأَمره أَن يبيت على فراشه، ويَتَسجَّى ببُرد له أَخضر، ففعل، ثم خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه.
قال ابن إِسحاق: وتتابع الناس في الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من الناس، ولم يفتن في دينه علي بن أَبي طالب، وذلك أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَخره بمكة، وأَمره أَن ينامَ على فراشه وأَجلَّه ثلاثًا، وأَمره أَن يؤدي إِلى كل ذي حق حقه ففعل، ثم لحق برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
روى أبو رافع في هجرة النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: وخلفه النبي صَلَّى الله عليه وسلم ـــ يعني خَلَف عليًا ـــ يخرج إِليه بأَهله، وأَمره أَن يؤدي عنه أَمانته، ووصايا من كان يوصي إِليه، وما كان يؤتَمَن عليه من مال، فأَدّى عليٌّ أَمانته كلها، وأَمره أَن يضطَّجع على فراشه ليلة خرج، وقال: "إِنَّ قُرَيْشًا لَمْ يَفْقِدُونِي مَا رَأَوْكَ"، فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إِلى فراشِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم فيرون عليه عليًا، فيظنونه النبي صَلَّى الله عليه وسلم، حتى أَذا أَصبحوا رأَوا عليه عليًا، فقالوا: لو خرج محمد لخرج بعليٍّ معه، فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي حين رأَوا عليًا، وأَمر النبي صَلَّى الله عليه وسلم عليًا أَن يلحقه بالمدينة، فخرج علي في طلبه بعدما أَخرج إِليه أَهله يمشي الليل، ويكمُن النهار، حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قدومُه قال: "ادعوا لي عليًا"، قيل: يا رسول الله، لا يقدر أَن يمشي، فأَتاه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآه اعتنَقَهُ وَبَكى، رَحْمَةً لِمَا بِقَدَمَيْهِ مِنَ الْوَرَمِ، وَكَانَتَا تَقْطِرَانِ دَمًا، فَتَفَلَ الْنَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم فِي يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا رِجْلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْعَافِيَةِ فَلَمْ يَشْتَكِهِمَا حَتَّى اسْتَشْهَدَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ(*).
التواضع
ذكر ابن سعد في كتاب "الطبقات الكبير" أن أبا الحسن عليّا نزل الكوفة في الرحبة التي يُقال لها رحبة عليّ في أخصاص كانت فيها، ولم ينزل القصر الذي كانت تنزله الولاة قبله.
وروى الحرمازي، عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصُّدائي: يا ضرار، صِفْ لي عليًّا، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنَّه، قال: أما إذْ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المَدى، شديد القُوى، يقول فَصْلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطِقُ الحِكْمَةُ من نواحيه، ويستوحش من الدّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غَزير العَبْرة، طويل الفِكْرَة، يُعجِبُه من اللبّاس ما قصُر، ومن الطّعام ما خَشُن، وكان فينا كأحَدِنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويُنْبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله ــ مع تقريبه إيانا وقُرْبه مِنّا ــ لا نكاد نكلَمه هَيْبَةً له، يعظِّمُ أهل الدّين، ويُقرِّبُ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييئس الضعيفُ من عَدْله، وأشهد أنه لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى اللّيل سُدُولَه، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته، يتململُ تَمَلْمُل السّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري، ألِي تعرّضْت أمْ إليّ تشوَّفتِ! هيهات هيهات! قد باينْتُك ثلاثًا لا رجْعَةَ فيها، فعُمْرُك قصير، وخطَرك قليل، آهٍ من قلَّةِ الزَّاد، وبُعد السفر، ووَحْشَةِ الطّريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزْنُك عليه يا ضِرَار؟ قال: حُزْن من ذُبح ولدها وهو في حِجْرها.
العبادة
روى الحرمازي، عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصُّدائي: يا ضرار، صِفْ لي عليًّا، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنَّه، قال: أما إذْ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المَدى، شديد القُوى، يقول فَصْلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطِقُ الحِكْمَةُ من نواحيه، ويستوحش من الدّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غَزير العَبْرة، طويل الفِكْرَة، يُعجِبُه من اللبّاس ما قصُر، ومن الطّعام ما خَشُن، وكان فينا كأحَدِنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويُنْبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله ــ مع تقريبه إيانا، وقُرْبه مِنّا ــ لا نكاد نكلَمه هَيْبَةً له، يعظِّمُ أهلَ الدّين، ويُقرِّبُ المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله، ولا ييئس الضعيفُ من عَدْله، وأشهد أنه لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى اللّيل سُدُولَه، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته، يتململُ تَمَلْمُل السّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري، ألِي تعرّضْت أمْ إليّ تشوَّفتِ! هيهات هيهات! قد باينْتُك ثلاثًا لا رجْعَةَ فيها، فعُمْرُك قصير، وخطَرك قليل، آهٍ من قلَّةِ الزَّاد، وبُعد السفر، ووَحْشَةِ الطّريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزْنُك عليه يا ضِرَار؟ قال: حُزْن من ذُبح ولدها وهو في حِجْرها.
الزهد
روى محمد بن كعب القُرَظِي قال: سمعت عليّ بن أَبي طالب يقول: لقد رأَيتني وإِني لأَربط الحجر على بطني من الجوع، وإِن صدقتي لتبلغ اليوم أَربعة آلاف دينار، وفي رواية شريك قال: أَربعين أَلف دينار؛ ولم يرد أن هذا المال زكاة ماله، وإِنما كان هذا المال هو زكاة دخْلِ الوقوف التي جعلها صدقة، فإِن أَمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه لم يَدَّخر مالًا؛ ودليله ما ذُكر من كلام ابنه الحسن رضي الله عنهما في مقتله أَنه لم يترك إِلا ستمائة درهم، اشترى بها خادمًا، وفي رواية أخرى قال: لم يترك أبي إِلَّا ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه، كان يعدها لخادم يشتريها لأهله.
وروى سفيان قال: ما بنى عليٌّ لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإِن كان ليؤتي بجبوته من المدينة في جراب.
وروى مسعر، عن أَبي بحر، عن شيخ لهم قال: رأَيت على عَلِيٍّ رضي الله عنه إِزارًا غليظًا، قال: اشتريته بخمسة دراهم، فمن أَربحني فيه درهمًا بعته، ورأَيت معه دراهم مصرورة، فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.
وقال أَبو النوار بيَّاع الكرابيس: أَتاني علي بن أَبي طالب ومعه غلام له، فاشترى مني قميصَيْ كرابيس، فقال لغلامه: اختر أَيَّهما شئت، فأَخذ أَحدهما، وأَخذ عليٌّ الآخر، فلبسه، ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي، فقطعه وكفه، ولبسه وذهب.
وروى أبجر بن جُرموز، عن أبيه قال: رأيت عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج من الكوفة وعليه قِطْريتان متزرًا بالواحدة، مترديًا بالأخرى، وإزاره إلى نصف الساق، وهو يطوف في الأسواق، ومعه دِرّة، يأمرهم بتقوى الله، وصِدْق الحديث، وحُسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان.
وروى مجمع التيميّ أن عليًا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنِس ثم صلّى فيه، رجاء أن يشهد له يوم القيامة.
ورورى عاصم بن كليب، عن أبيه قال: قدم عَلَى عَلِيّ مالٌ من أصبهان، فقسّمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفًا، فقسمه سبع كسر، فجعل على كل جزء كِسْرَة، ثم أقرع بينهم أيُّهم يُعطي أولًا.
وروى معاذ بن العلاء أخو عمرو بن العلاء، عن أبيه، عن جدّه قال: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أصبتُ من فيئكم إلا هذه القارُورة، أهداها إليَّ الدّهقان، ثم نزل إلى بيت المال، ففرَّق كلَّ ما فيه ثم جعل يقول:
أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَـرَّهْ يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّه
وقال عنترة الشيّباني: كان عليٌّ يأخذ في الجزية، والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعَمل يده حتى يأخذ من أهل الإبر الإبر، والمسالّ، والخيوط، والحبال، ثم يقسّمه بين النّاس، وكان لا يدع في بيت المال مالًا يبيت فيه حتى يقسّمه، إلا أن يغلبه فيه شُغل، فيصبح إليه وكان يقول: يا دنيا لا تغرّيني، غَرِّي غيري، وينشد:
هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ وَكُلُّ جَانٍ يَدُه إِلَى فِيهِ
وروى ابن حيان التّيمي، عن أبيه قال: رأيت عليّ بن أبي طالب على المنبر يقول: من يشتري مِنِّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بِعْتُه، فقام إليه رجل فقال: نسلفك ثمن إزار، وقال عبد الرّزّاق: كانت بيده الدّنيا كلّها إلا ما كان من الشّام.
وروى الحرمازي، عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصُّدائي: يا ضرار، صِفْ لي عليًّا، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنَّه، قال: أما إذْ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المَدى، شديد القُوى، يقول فَصْلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطِقُ الحِكْمَةُ من نواحيه، ويستوحش من الدّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غَزير العَبْرة، طويل الفِكْرَة، يُعجِبُه من اللبّاس ما قصُر، ومن الطّعام ما خَشُن، وكان فينا كأحَدِنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويُنْبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله ــ مع تقريبه إيانا وقُرْبه مِنّا ــ لا نكاد نكلَمه هَيْبَةً له، يعظِّمُ أهل الدّين، ويُقرِّبُ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيفُ من عَدْله، وأشهد أنه لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى اللّيل سُدُولَه، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته، يتململُ تَمَلْمُل السّليم ــ أي المريض ــ ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري، ألِي تعرّضْت أمْ إليّ تشوَّفتِ! هيهات هيهات! قد باينْتُك ثلاثًا لا رجْعَةَ فيها، فعُمْرُك قصير، وخطَرك قليل، آهٍ من قلَّةِ الزَّاد، وبُعد السفر، ووَحْشَةِ الطّريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزْنُك عليه يا ضِرَار؟ قال: حُزْن من ذُبح ولدها وهو في حِجْرها.
الورع
روى الحرمازي، عن رجل من همدان، قال: قال معاوية لضرار الصُّدائي: يا ضرار، صِفْ لي عليًّا، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنَّه، قال: أما إذْ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المَدى، شديد القُوى، يقول فَصْلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطِقُ الحِكْمَةُ من نواحيه، ويستوحش من الدّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غَزير العَبْرة، طويل الفِكْرَة، يُعجِبُه من اللبّاس ما قصُر، ومن الطّعام ما خَشُن، وكان فينا كأحَدِنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويُنْبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله ـــ مع تقريبه إيانا وقُرْبه مِنّا ـــ لا نكاد نكلَمه هَيْبَةً له، يعظِّمُ أهل الدّين، ويُقرِّبُ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييئس الضعيفُ من عَدْله، وأشهد أنه لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى اللّيل سُدُولَه، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته، يتململُ تَمَلْمُل السّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري، ألِي تعرّضْت أمْ إليّ تشوَّفتِ! هيهات هيهات! قد باينْتُك ثلاثًا لا رجْعَةَ فيها، فعُمْرُك قصير، وخطَرك قليل، آهٍ من قلَّةِ الزَّاد، وبُعد السفر، ووَحْشَةِ الطّريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزْنُك عليه يا ضِرَار؟ قال: حُزْن من ذُبح ولدها وهو في حِجْرها.