تسجيل الدخول


سعد بن أبي وقاص

سَعْد بن مَالِك، وهو سعد بن أَبي وقاص، واسم أَبي وقاص: مالك بن وُهَيب، وقيل: ابن أُهيب القرشي الزهري.
أَخرجه ابن منده، وأَبو نعيم. أُمّه حَمْنَةُ بنت سفيان بن أُميّة، بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية، وقيل: حمنة بنت أَبي سفيان بن أُمية. قال جابر: أَقبل سعد، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ"(*)أخرجه الترمذي في السنن 5/ 607 كتاب المناقب (50) باب مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (27)حديث رقم 3752 والطبراني في الكبير 1/ 107، والحاكم في المستدرك 3/ 352، 498.؛ وإِنما قال هذا لأَن سعدًا زهْري، وأَم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زُهْرية، وهو ابن عمها، فإِنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف، يجتمعان في عبد مناف، وأَهل الأَم أَخوال.
كان لسعد بن أبي وقّاص من الولد: إسحاق الأكبر، وبه كان يكنى، دَرَجَ، وأمّ الحَكَمِ الكبرى؛ وأمّهما ابنة شِهاب بن عبد الله بن الحارث، وعُمَرُ قَتَلَهُ المُخْتَارُ، ومحمّد بن سعد قتله الحجّاج يومَ دير الجماجم، وحَفْصَةُ، وأمّ القاسم، وأمّ كلثوم؛ وأمهم ماوِيّة بنت قَيْس بن مَعْدِيكَرِبَ، من كِنْدَةَ، وعامر، وإسحاق الأَصغر، وإسماعيل، وأمّ عمران؛ وأمّهم أمّ عامر بنت عمرو بن عمرو، من بَهْراءَ، وإبراهيم، وموسى، وأمّ الحكم الصغرى، وأمّ عمرو، وهند، وأمّ الزّبير، وأمّ موسى؛ وأمّهم زَبَدُ، ويزعم بنوها أنّها ابنة الحارث بن يَعْمُرَ بن شراحيل، أصيبت سباءً، وعبد الله بن سعد؛ وأمّه سلمى، من بني تغلب بن وائل، ومُصْعَبُ بن سعد؛ وأمّه خَوْلَةُ بنت عمرو بن أوس، وعبد الله الأصغر، وبُجَيْر واسمه عبد الرّحَمن، وحَميدة؛ وأمّهم أمّ هلال بنت ربيع بن مُرَيّ، وعُمير بن سعد الأكبر، هلك قبل أبيه، وحَمْنَةُ؛ وأمّهما أمّ حكيم بنت قارض، من بني كنانة حُلفاءِ بني زُهرة، وعُمير الأصغر، وعمر، وعمران، وأمّ عمرو، وأمّ أيّوب، وأمّ إسحاق؛ وأمّهم سَلْمى بنت خَصَفَة بن ثَقْفِ، من تيم اللاّت بن ثعلبة بن عُكابة، وصالح بن سعد كان نزل الحِيرَةَ لشَرٍّ وقع بينه وبين أخيه عمر بن سعد، ونزلها وَلَدُهُ، ثمّ نزلوا رأسَ العين، وأمّه طيّبَةُ بنت عامر بن عُتْبة، من النّمر بن قاسط، وعثمان، ورملة؛ وأمّهما أمّ حُجير، وعَمْرَة، وهي العمياء تزوّجها سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف؛ وأمّها امرأة من سَبي العرب، وعائشة بنت سعد.
كان سعد آدم طويلًا، أَفطس، وكان قد ذهب بصره. قالت عائشة بنت سعد: كان أبي رجلًا قصيرًا، دحداحًا، غليظًا، ذا هامةٍ، شَثْنَ الأصابع، أشعر، وكان يخضب بالسواد. قال وهب بن كيسان: رأيتُ سعد بن أبي وقّاص يلبس الخزّ. قال عمرو بن ميمون: أمّنا سعدٌ في مُسْتُقَة. كان سعد من أحدّ الناس بصرًا؛ فرأى ذات يوم شيئًا يزول، فقال لمن معه: ترون شيئًا؟ قالوا: نرى شيئًا كالطائر، قال: أرى راكبًا على بعير، ثم جاء بعد قليل عم سعد على بُخْتي، فقال سعد: اللهم إنا نعوذ بك من شَرِّ ما جاء به.
أَسلم بعد أَربعة، وقيل: كان سابعَ سبعة في الإسلام أسلم بعد ستة، ووقع في "صحيح البخاري" عنه أنه قال: لقد مكثت سبعة أيام وإني لثالث الإسلام. روى عامر بن سعد عن أبيه قال: ما أسْلَمَ رجلٌ قبلي إلاّ رجلٌ أسلم في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد أتَى عَلَيّ يومٌ وإني لَثُلُثُ الإسلام. روت عنه ابنته عائشة أَنه قال: رأَيت في المنام، قبل أَن أُسلم، كأَني في ظلمة لا أَبصر شيئًا إِذ أَضاءَ لي قَمَر، فاتَّبعته، فكأَني أَنظر إِلى من سبقني إِلى ذلك القمر، فأَنظر إِلى زيد بن حارثة، وإِلى علي بن أَبي طالب، وإِلى أَبي بكر، وكأَني أَسأَلهم: متى انتهيتم إِلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يدعو إِلى الإِسلام مسْتخفيًّا، فلقيته في شِعْب أَجْيَاد، وقد صلَّى العصر، فأَسلمت، فما تَقَدَّمني أَحد إِلا هم. وروى داود ابن أَبي هند، عن سعد بن أَبي وقاص قال: نزلت هذه الآية فيَّ: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان/ 15]؛ كنت رجلًا بَرًّا بأَمي، فلما أَسلمتُ قالتْ: يا سعد، ما هذا الدين الذي أَحدثت؟ لتدعن دينك هذا أَو لا آكل ولا أَشرب حتى أَموت؛ فتعير بي، قلتُ: لا تفعلي يا أُمَّه، فإِني لا أَدع ديني، فمكَثَتْ يومًا وليلة لا تأَكل، فأَصبحتْ وقد جَهِدتْ، فقلت: واللّه لو كانت لك أَلف نفس، فخَرَجَت نَفْسًا نَفْسًا، ما تركت ديني هذا لشَيْءٍ، فلما رأَت ذلك أَكلتْ وشربت، فأَنزل اللّه هذه الآية. روى الواقديّ بسنده عن سعد، قال:‏ ‏أسلمتُ وأنا ابنُ تسع عشرة سنة‏. قالت عائشة بنت سعد: سمعتُ أبي يقول: أسلمتُ وأنا ابن سبع عشرة سنة. قال سعد: لقد أسلمتُ يومَ أسلمتُ وما فَرَضَ الله الصّلوات.
قال ابنه عامر: كان سعد آخر المهاجرين موتًا. لما هاجر سعد، وعُمير ابنا أبي وقّاص من مكّة إلى المدينة نزلا في منزل لأخيهما عُتْبة بن أبي وقّاص كان بناه في بني عمرو بن عوف وحائطٍ له، وكان عُتْبَة أصاب دمًا بمكّة فهرب فنزل في بني عمرو بن عوف وذلك قبل بُعاث. قال عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة: منزل سعد بن أبي وقّاص بالمدينة خِطّةٌ من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
قال ابن إِسحاق: كان أَصحابُ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم إِذا صلوا ذهبوا إِلى الشعاب فاستَخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أَبي وقاص في نَفَرٍ من أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في شِعْب من شعاب مكة، إِذ ظهر عليهم نفر من المشركين، فناكروهم، وعابوا عليهم دينهم حتى قاتلوهم، فاقتتلوا، فضرب سعدُ رجلًا من المشركين بلَحْيِ جمل فَشَجَّه، فكان أَول دم أُهَريق في الإِسلام. وهو أولُ من رَمى بسهم في سبيل الله، وذلك في سريّة عبيدة بن الحارث، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو، وعُتبة بن غزوان، وكان مع حمزة بن عبد المطّلب في سريّته التي بعثهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليها. قال قيس بن أبي حازم: سمعتُ سعدًا يقول: لقد كنّا نغزو مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وما لنا طعامٌ نَأكله إلاّ وَرَقَ الحُبْلَةِ، وهذا السَّمُرُ، حتّى إنّ أحدنا لَيَضَعُ كما تضع الشاه ما له خِلْطٌ، ثمَّ أصبحت بنو أسد يَعْزِرونَني عن الدين، لقد خبتُ إذًا وَضَلّ عَمَلِي. قال داود بن الحُصين: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقّاص في سريّة إلى الخرّار فخرج في عشرين راكبًا يعترض لعير قريش فلم يلق أحدًا. وقاتل يوم بدرٍ قتال الفارس في الرجال، وقال سعد: لقد شهدتُ بدرًا وما في وجهي غير شعرة واحدة أمَسّها، ثمّ أكثر الله لي بعدُ من اللّحي، يعني: أولادًا كثيرًا. وشهد سعد أُحُدًا، وثبت يومَها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين ولّى النّاس، وشهد الخندق، والحديبية، وخيبر، وفتح مكّة، وكانت معه يومئذٍ إحدى رايات المهاجرين الثلاث، وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وكان أحَد الفُرْسان الشّجعان من قريش الذين كانوا يحرسون رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم في مغازيه، وكان مجابَ الدّعوة مشهورًا بذلك، تُخَاف دُعوتُه وتُرجى، لا يُشكُّ في إجابتها، وذلك أن رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال فيه:‏ ‏"‏ اللَّهُم سَددْ سَهمْه، وَأَجبْ دَعْوَتَهُ‏"(*) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 500 وعبد الرزاق في المصنف 20423 وأبو نعيم في الحلية 1 / 93، 10 / 325 وانظر كنز العمال 36644، 37105. قال الزهري: رمى سعد يوم أُحد أَلف سهم. قال عليّ بن أبي طالب: ما سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَفْدي أحدًا بأبويه إلاّ سعدًا؛ فإنّي سمعته يقول يوم أُحُدٍ: "ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أبي وأمّي"(*). وروت عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد بن أبي وقّاص أنّه قال:
ألا هَلَ أتى رسولَ اللهِ أنّي حَمَيْتُ صِحابتي بصُدورِ نَبْلي
أذودُ بهـا عَـدُوَّهُمُ ذيــــادًا بكُـــلّ حُزُونَةٍ وَبكُــــلّ سَهْــلِ
فما يَعْتَـدّ رامٍ مـن مَعَــــــــدٍّ بسَهْـمٍ مَـــــعْ رَسولِ الله قَبْـــــلي
واستعمل عمر بن الخطاب سَعْدًا على الجيوش الذي سَيَّرهم لقتال الفرس، فكان سعدُ أَميرًا للجيش الذي هزم الفرس بالقادسية، وبِجَلَولاء؛ أَرسل بعض الذين عنده فقاتلوا الفرس بجلولاء فهزموهم، وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق، وهو الذي كوَّفَ الكوفة، ولقى الأعاجم، وفتح اللَّهُ على يده أكثرَ بلاد فارس. روى حكيم بن الديلمي أن سعدًا كان يُسبّح بالحُصِيّ. وروى مُصْعَب بن سعد، عن سعد أنّه كان إذا أراد أن يأكل الثّوم بدا ــ يعني: خرج إلى البادية. وكان سعدٌ يقول: ما أزعُمُ أني بقميصي هذا أحَقّ مني بالخلافة، قد جاهدتُ إذ أنا أعرفُ الجهاد، ولا أبْخَعُ نفسي إنْ كان رجلٌ خيرًا منّي، لا أُقَاتِلُ حتى تأتوني بسيفٍ له عينان، ولسان، وشفتان فيقول: هذا مؤمنٌ، وهذا كافرٌ. قال يحيَى بن الحُصَين: سمعتُ الحيّ يتحدّثون أنّ أبي قال لسعد: ما يَمْنَعُكَ من القتال؟ قال: حتّى تجيئوني بسيفٍ يعْرِفُ الموْمن من الكافر.
نزل سعد الكوفة، وخطّها خططًا لقبائل العرب، وابتنى بها دارًا، ووليها لعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، ثم عُزل عنها، ووليها بعده الوليد بن عُقْبة بن أبي مُعيط، ورجع سعد إلى المدينة. قال محمّد بن عمر: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين سعد بن أبي وقّاص ومُصْعَب بن عُمير(*). قال سعد بن إبراهيم وعبد الواحد بن أبي عون: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين سعد بن أبي وقّاص وسعد بن مُعاذ(*). وهو أَحد الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالجنة، وأَحد العشرة سادات الصحابة، وأَحد الستة أَصحاب الشورى، الذين أَخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض. قَالَ أبُو الْعَباسِ السَّرَّاجُ في "تاريخه": عن جرير أنه مَرّ بعمر، فسأله عن سعد بن أبي وقاص، فقال: تركته في ولايته أكرم الناس مقدرة، وأقلهم قسوة؛ هو لهم كالأم البرة، يجمع لهم كما تجمع الذرة، أشد الناس عن الباس، وأحب قريش إلى الناس. قال أَبو المِنْهال: سأَل عمر بن الخطاب عَمْرو بن مَعْدِ يكرب عن خبر سعد بن أَبي وقاص فقال: متواضع في خِبائه، عَرَبِي في نَمِرته، أَسد في تاموره، يعدل في القضية، ويَقْسِم بالسَّويَّة، ويُبْعِد في السرية، ويعطف علينا عطف الأُم البرَّة، وينقل إِلينا حقنا نقل الذَّرَّة. قال عامر بن سعد بن أَبي وقاص: قلت لأَبي: يا أَبة، إِني أَراك تصنع بهذا الحيّ من الأَنصار شيئًا ما تصنعه بغيرهم، فقال: أَي بني، هل تجد في نفسك من ذلك شيئًا؟ قال: لا، ولكن أَعجب من صنيعك! قال ِإني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ"(*) أخرج مسلم في الصحيح 1/ 85 كتاب الإيمان (1) باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه... (33) حديث رقم (129/ 75)والترمذي في السنن حديث رقم (3900)وأحمد في المسند 4/ 292.. قَالَ إبْرَاهِيمُ بن المُنْذِرِ: كان هو وطلحة والزبير وعلي عِذَار عام واحد، أي كان سنهم واحدًا. وفي "مجابيّ الدّعوة" لابن أبي الدنيا من طريق جرير، عن مغيرة، عن أبيه، قال: كانت امرأة قامتها قامة صبي، فقالوا: هذه ابنة سعد غمست يدها في طهورها، فقال: قطع الله يديك؛ فما شبَّت بعد. أخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في "تاريخه" بسند جَيّد عن أبي إسحاق، قال: كان أشد أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أربعة: عمر، وعلي، والزبير، وسعد(*). قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: قال سعد: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فنزعْتُ له بسهم، فأُصيبتْ جبهتُه، فوقع وانكشفت عورته، فضحك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*)، وسمى الواقديُّ الرجلَ في روايته: حبان بن العَرِقَة؛ وزاد أنه رمَى بسهم فأصاب ذَيْلَ أم أيمن، وكانت جاءت تسقي الجرحى، فضحك منها، فدفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لسعد سهمًا، فوقع السهم في نَحْر حبان، فوقع مستلقيًا، وبدت عَوْرته، فضحك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: "اسْتَعَاذَ لَهَا سَعْدٌ"(*).
روى سعد، عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَحاديث كثيرة، وروى عن أبي بكر، وعمر، وروى عن سعد بنوه: إبراهيم، وعامر، ومصعب، وعمر، ومحمد، وعائشة؛ ومن الصحابة: عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن سمرة، والسائب بن يزيد، وعائشة؛ ومن كبار التابعين: سعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وإِبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة، والأحنف، وزياد بن جبير، وآخرون. وروى سعيد بن المسيّب، عن سعد قال: قلت: يا رسول الله، من أنا؟ قال: "أنت سعد بن مالك بن وُهَيْب بن عبد مناف بن زهرة، مَنْ قال غيرَ ذلك فعليه لعنةُ الله"(*). وروى زياد بن جبير، عن سعد قال: لما بايع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم النساء، قامت امرأَة، فقالت: يا رسول الله، ما يحل لنا من أَموال أَزواجنا وأَولادنا؟ قال: "الرُّطُبُ تَأْكُلِينَهُ وَتُهْدِينَهُ" (*)أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 585 والحاكم 4/ 134، وأبو داود في السنن (1686) وذكره الهندي في الكنز (4811).. وقال أَبو نعيم: قد روى يحيى الحمَّاني هذا الحديث في "مُسْند سعد بن أَبي وقاص"، وذكره الثوري، عن سعد، وقال السائب بن يزيد: إنّه صَحِبَ سعدَ بن أبي وقّاص من المدينة إلى مكّة فما سمعتُه يحدّث عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا حتّى رجع. قال شعبة: أخبرنا سعدٌ عن خالته أنّهم دخلوا على سعد بن أبي وقّاص، فسُئِلَ عن شيءٍ فاستعجم، فقال: إنّي أخاف أن أحدّثكم واحدًا، فتزيدوا عليه المائة.
وفي "مسند أبي يعلى"، من طريق شريك بن أبي نمر، أخي بني عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه حين رأى اختلافَ أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وتفرقهم اشترى أرضًا ميتة، ثم خرج، واعتزل فيها بأهله على ما قال. وقَالَ الزُّبَيْرُ: هو الذي تولَّى الكوفة، واعتزل الفتنة، وجاءه ابن أخيه هاشم بن عتبة، فقال: هاهنا مائة ألف سيف يرونك أحقّ بهذا الأمر، فقال: أريد منها سيفًا واحدًا إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئًا، وإذا ضربت به الكافر قطع. رامه ابنُه عمر بن سعد أنْ يدعو لنفسه بعد قَتْل عثمان فأبى، وكذلك رامَه أيضًا ابن أخيه هاشم بن عتبة، فلما أبى عليه صار هاشم إلى عليّ رضي الله عنه، وكان سعَدْ ممن قعد، ولزم بيتَه في الفتنة، وأمر أهلَه ألَّا يخبروه من أخبار النَّاس بشيء حتى تجتمع الأمةِ على إمامٍ، فطمع فيه معاوية، وفي عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، فكتب إليهم في نَثْرٍ، ونظم يَدْعُوهم إلى عَوْنه على الطّلب بدَم عثمان: إنهم لا يكفَّرُون ما أتوه من قتله، وخذلانه إلا ذلك، وإن قاتله وخاذله سواء، فأجابه كلّ واحد منهم يرد عليه ما جاء به من ذلك، ويُنْكر مقالته، ويعرِّفه بأنه ليس بأهلٍ لما يطلب، وكان في جواب سعد بن أَبي وقّاص له:
مُعَـــاوِيُ دَاؤُكَ الـــدَّاءُ العَيَـــاءُ وَلَيْسَ لِمـَا تَجِــــيءُ بِــــهِ دَوَاءُ
أَيَـــدْعُونِـــي أَبُـو حَسَـنٍ عَلِـــيٌّ فَلَـــمْ أَرْدُدْ عَلَيــــهِ مَـا
يَشَـاءُ
وَقُلْتُ لَهُ اعْطِنِي سَيْفًا بَصِيـرًا تَمِيـــزُ بِـهِ العَــــدَاوَةُ وَالـوَلَاءُ
فَـإِنَّ الشــَّـرَّ أَصْغـــــــَـرُهُ كَبِيـــرٌ وَإِنَّ الظــّهْرَ تُثْقِــــــلُهُ الدِّمَـــاءُ
أَتَطْمَــعُ فِي الـَّـذِي أَعْيَــا عَلِيـًّـا عَلَى مَا قَدْ طَمِـعْتَ بِهِ العَفَاءُ
لَيَــومٌ مِنْـــهُ خَيـرٌ مِنْـــكَ حَيـًّـــا وَمَيْتًـــا أَنْـــتَ لِلْمَـــرْءِ
الفـِـدَاءُ
فَـأَمَّــا أَمْــــرُ عُثْمَــــانٍ فَدَعـــْـهُ فَــــإِنَّ الَّـــــرأْيَ أَذْهَبَـــهُ البـــلَاءُ
قال أَبو عمر:‏ سُئل عليّ رضي الله عنه عن الذين قعدوا عن بَيْعتِه، ونصْرَته، والقيام معه، فقال:‏ أُولئك قوم خَذَلُوا الحقَّ، ولم ينصروا الباطل.
حدّث حماد بن سلمة، عن زياد بن جبير أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعث سعدًا على السعاية.. وذكر الحديث. وكان أميرًا على الكوفة، فشكاه أهلُها، ورمَوْه بالباطل، فدعا على الذي واجهه بالكذب عليه دعوةً ظهرَتْ فيه إجابتها، والخبرُ بذلك مشهورٌ، وعزله عُمر في سنة إحدى وعشرين حين شكاه أهلُ الكوفة، وقاسَمَه عمر ماله‏، وولّى عمّار بن ياسر الصّلاة، وعبد الله بن مسعود بيتَ المال، وعثمان بن حُنيف مساحة الأرض، وأعاد سعدًا على الكوفة ثانية، ثم عزله وولّى جُبير بن مُطعم، ثم عزله قبل أن يخرج إليها، وولّى المغيرة بن شعبة، فلم يزَلْ عليها حتى قُتِل عمر رضي الله عنه، فأقرّه عثمان يسيرًا ثم عزله، وولّى سعدًا، ثم عزله، وولّى الوليد بن عقبة، وقد قيل:‏ إن عمر لما أراد أن يُعيد سعدًا على الكوفة أبى عليه، وقال‏:‏ أتأمرني أن أعود إلى قومٍ يزعمون أني لا أُحْسِنُ أن أُصلّي‏!‏ فتركه،‏ فلما طُعن عمر جعله أحدَ أهل الشّورى، وقال:‏ إنْ وليها سَعْدٌ فذاك، وإلّا فليستَعِنْ به الوالي، فإني لم أعزله عن عَجْز، ولا خيانة.
كان سعد آخر العشرة موتًا؛ قال أَبو نعيم:‏ مات سعد بن أَبي وقّاص سنة ثمان وخمسين‏.‏ وقال الزّبير، والحسن بن عثمان، وعمرو بن علي الفلاس: تُوفِّي سعد بن أَبي وقّاص سنة أَربع وخمسين، وهو ابن بِضْعٍ وسبعين سنةً. وقال الفلاس: وهو ابنُ أَربع وسبعين سنة. قال محمّد بن سعد: قد سمعتُ غير محمّد بن عمر ممّن قد حمل العِلْم ورواه يقول: مات سعد سنة خمسين، فالله أعلم.‏ وذكر أَبو زُرْعة، عن أَحمد بن حنبل قال:‏ تُوفِّي سعد بن أَبيّ وقاص وهو ابنُ ثلاث وثمانين سنة في إمارة معاوية بعد حجّته الأخرى. لما حضرَتْه الوفاةُ دعا بخلَق جبةٍ له من صوف، فقال: كفّنوني فيها، فإنّي كنت لقيتُ المشركين فيها يوم بَدْر وهي عليّ، وإنما كنت أَخبؤها لذلك، ولمّا تُوفّي أرْسَلَ أزْواجُ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنْ يَمُرّوا بجنازته في المسجد، ففعلوا فوُقِف به على حُجَرهنّ فَصَلَّيْنَ عليه، وخُرِجَ به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهنّ أنّ النّاس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يُدْخَلُ بها المسجد، فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرعَ النّاسَ إلى أن يعيبوا ما لا علمَ لهم به، عابوا علينا أن يُمَرّ بجنازةٍ في المسجد، وما صلّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على سُهَيل بن بيضاء إلاّ في جوف المسجد. قال صالح بن يزيد مولى الأسود: كنت عند سعيد بن المسيّب فمر عليه عليّ بن حُسين فقال: أين صُلّي على سعد بن أبي وقّاص؟ قال: شُقّ به المسجد إلى أزواج النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ أرْسَلْنَ إليهم: إنّا لا نستطيع أن نَخْرُجَ إليه نُصَلّي عليه، فدخَلوا به، فقاموا به على رءُوسهنّ؛ فصَلّيْنَ عليه. قالت عائشة بنت سعد: أرسل سعد بن أبي وقّاص إلى مروان بن الحكم بزكاة عين ماله خمسة آلاف درهم، وترك سعدٌ يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفَ درهم، ومات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، فحُمِل إلى المدينة على رقاب الرجال، وصلّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة، وذلك في سنة خمسٍ وخمسين، وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة. ودُفن سعد بن أبي وقّاص بالمدينة. روى محمّد بن عبد الله ابن أخي ابن شهاب أنّه سأل ابن شهاب هل يُكْرَهُ أن يُحْمَلَ الميّتُ من أرض إلى أرض؟ قال: فقد حُمل سعد بن أبي وقّاص من العقيق إلى المدينة. ولما خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى حُنين، ورجع من الجِعِرّانَة معتمرًا دخل على سعد، فوجده مريضًا، قال سعد: فوضع يده بين ثَدْيَيّ فوجدتُ بَرْدَها على فؤادي، ثمّ قال: "إنّك رجل مَفْئُود فأتِِ الحارثَ بن كَلَدَةَ أخا ثقيف، فإنّه رجل يتطبّب، فمُرْه فَلْيَأخُذْ سبْعَ تَمَرَاتٍ منْ عَجْوَةِ المدينة فَلْيَجَأْهُنّ بنوَاهنّ ثمّ ليَلُدّكَ بهنّ"، وقال سعد للنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: أتَكْرَهُ أن يموتَ الرّجلُ في الأرض التي هاجر منها؟ قال: "نعم"، فقال: يا رسول الله، لقد خشيتُ أن أموت بالأرض التي هاجرتُ منها كما مات سعدُ بْنُ خَوْلَةَ، فادْعُ الله أن يشْفِيَني، فقال: "اللّهُمّ اشْفِ سعدًا، اللّهمّ اشْفِ سعدًا، اللّهمّ اشْفِ سعدًا!" فقال: يا رسول الله، إنّ لي مالًا كثيرًا، وليس لي وارثٌ إلا ابنةٌ، أفَأُوصي بمالي كلّه؟ وفي رواية أخرى قال: يا رسول الله، إنّ لي مالًا، وإنّي أُورَثُ كَلالةً أفأُوصي بمالي أو أتصدّق به؟ قال: "لا"، قال: أفأُوصي بثلثيه؟ قال: "لا"، قال: أفأُوصي بنصفه؟ قال: "لا"، قال: أفأُوصي بثلثه؟ قال: "الثلثِ والثلثُ كثير، إنّ نفقتك من مالك لك صَدَقَةٌ، وإنّ نفقتك على عيالك لك صدقة، وإنّ نفقتك على أهلك لك صدقة، وإنّك أنْ تَدَعَ أهْلَك بعَيْش، أو قال بخَيْر، خيرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ يتكفّفون النّاس"، وفي رواية أخرى قال: "إنّكَ أنْ تَتْرُك وَلَدَك أغنياءَ خيرٌ من أن تتركهم عالَةً يتكفّفون النّاس، إنّك لن تنفق نفقةً إلاّ أُجِرْتَ عليها حتى اللّقْمَة تجعلها في فِي امرأتك، ولعلّك أنْ تُخَلّفَ حتّى ينْتَفعَ بك أقوامٌ ويُضرّ بك آخرون، اللّهمّ أمْضِ لأصحابي هجْرَتَهم، ولا تَرُدّهم على أعقابهم، لكنّ البائس سعد بن خَوْلَةَ"؛ يَرْثي له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنْ مات بمكّة، وقال لعمرو بن القاريّ: "إنْ مات سعدٌ بعدي فهاهنا ادْفِنْه نحو طريق المدينة"، وأشار بيده هكذا. قال مُصْعَب بن سعد: كان رأس أبي في حُجْري وهو يقْضي، فَدَمَعَتْ عينايَ، فنظَر إليّ فقال: ما يبكيك أيْ بُنَيّ؟ فقلت: لمكانك، وما أرى بك، قال: فلا تَبْكِ عليّ؛ فإنّ الله لا يعذّبني أبدًا، وإنّي من أهل الجنّة، إنّ الله يَدينُ المؤمنين بحَسَنَاتهم ما عملوا لله، وأمّا الكُفّار فيُخَفِّفُ عنهم بحسناتهم، فإذا نَفِدَتْ قال: ليطلُبْ كلُّّ عامل ثواب عَمَله ممّن عَمِلَ لَهُ.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال