1 من 2
جَرير بن عبد الله
البَجَلي ويكنى أبا عمرو. أسلم في السنة التي قُبض فيها النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ووجّهه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى ذي الخَلَصَة فهدمه ونزل الكوفة بعد ذلك وابتنى بها دارًا في بَجيلة، وتوفّي بالسراة في ولاية الضّحّاك بن قيس على الكوفة. وكانت ولاية الضّحّاك سنتين ونصفًا بعد زياد بن أبي سفيان.
(< جـ8/ص 145>)
2 من 2
جرير بن عبد الله بن جابر
وجابر هو الشليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جُشَم بن
عُوَيْف بن خُزَيْمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نَذِير بن قَسْر بن عَبْقَر بن أَنمار.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: قدم جرير بن عبد الله البجلي المدينة في شهر رمضان سنة عشر، فنزل على فروة بن عمرو البياضي، ثم جاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فسلّم عليه ومعه قومه، فساءله رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عما وراءه، فقال: يا رسول الله، قد أظهرَ الله الإسلام، وهدمت القبائل أصنامها التي كانت تعبد، وأظهرت الأذان في مساجدهم وساحاتهم.(*)
قال: أخبرنا الفضل بن دُكَين ويحيى بن عباد قالا: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق قال: حدّثنا المُغِيرَة بن شُبَيل بن عوف عن جرير بن عبد الله قال: لما دنوتُ من المدينة أنختُ راحلتي، ثم حَلَلْتُ عَيْبَتي ولبست حُلتي، فدخلتُ على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وعلى المسلمين، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يخطب، فسلّمتُ عليه فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: هل ذكر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من أمري شيئًا؟ قال: نعم، ذكَرك فأحَسن الذكر: بينا هو صَلَّى الله عليه وسلم، يخطب آنفًا إذ عرض له في خطبته فقال: "إنه سيدخل عليكم من هذا الفَجّ ـــ أو من هذا الباب ـــ الآن من خير ذيِ يَمَن، ألا وأن على وجهه مِسْحَة مَلَك". قال جرير: فحمدتُ الله تعالى على ما أبلاني.(*)
قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم من هذا الفج من خَيْر ذِي يَمَن، عليه مِسْحَةُ مَلَك"، فإذا جرير قد طلع.(*)
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا أبو شهاب قال: أخبرني إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يطلع من هذا الوادي أو الفج مِنْ خَيْر ذِي يَمَن بين عينيه مِسْحَة مَلَك"، فطلع جرير.(*)
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي وائل عن جرير قال: قلت: يا رسول الله، بايعني واشترط عليّ فأنت أعلم، فَبَسَطَ يده فبايعته فقال: "لا تُشْرِك بالله شيئًا وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتنصح المسلم وتفارق المشرك".(*)
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا زهير قال: حدّثنا عبد الملك بن عمير عن جرير بن عبد الله قال: بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على الإسلام، واشترط عليَّ النصح للمسلمين، فأنا لهم ناصح أجمعين.(*)
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدّثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم بن بَهْدَلة عن أبي وائل عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قلت: يا رسول الله، اشترط عليَّ، قال: "تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتصلي المكتوبة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الكافر".(*)
قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل الأسدي عن يونس يعني أبا عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زُرعة بن عَمرو بن جرير قال جرير: بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم فكان إذا اشترى الشيء فكان أعجب إليه من ثمنه قال لصاحبه: تعلمن والله أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك. كأنه يريد الوفاء بذلك.(*)
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: حدّثنا إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال: بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.(*)
قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: حدّثنا زائدة بن قدامة عن زياد بن علاقة عن جرير بن عبد الله قال: قلتُ: يا رسول الله، أُبايعك على الإسلام، قال: "والنُّصح لكل مسلم".(*)
قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: أخبرنا أبو عوانة عن زياد بن علاقة عن جرير بن عبد الله قال: بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على النُّصح لكل مسلم، فوالله إني لَنَاصح لكم أجمعين.(*)
قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ومسلم بن إبراهيم قالا: حدّثنا الأسود بن شيبان قال: حدّثنا زياد بن سلم بن زياد بن أبي سفيان قال: حدّثني إبراهيم بن جرير عن أبيه قال: بايعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على النصح لكل مسلم.(*)
قال: أخبرنا حماد بن مَسْعَدَة عن ابن عجلان عن عون عن عبد الله قال: كان جرير إذا أقام سلعة، بَصَّر عُيُوبَها، ثم خَيَّرَه ثم قال: إن شئت فخذ وإن شئتَ فاترك. فقيل له: يرحمك الله، إنك إذا فعلتَ هذا لم ينفذ لك بيع. قال: إنا بايعنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على النصيحة لأهل الإسلام.(*)
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: حدّثنا إسرائيل بن يونس عن زياد بن علاقة عن جرير قال: بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاشترط عليّ النصح لكل مسلم.(*)
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال: ما حَجَبَنِي النبي صَلَّى الله عليه وسلم، عنه منذ أسلمت، ولا رآني قط إلا تبسّم.(*)
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: لما قدم جرير إلى المدينة وأسلم، مكثَ أيامًا يغدو ويروح في أصحابه على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فيسلمون ثم يقومون، حتى يشير إليهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن اجلسوا ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومًا لجرير: "ما فعل ذو الخَلَصَة؟" قال: هو على حاله، قال: "قد بقي، والله مريح منه إن شاء الله".
ثم بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، جريرًا إلى هدم ذي الخلصة، وعقد له لواءً، فخرج في قومه وهم زهاء مائتين، فما أطال الغيبة حتى رجع، فقال: "هدمته؟" فقال: نعم والذي بعثك بالحق، وأخذتُ ما عليه، وأحرقته بالنار، فتركته كما يسوء من يهوى هَوَاه، وما صَدَّنا عنه أحد: وذلك أنا لما أشرفنا عليه أصلتنا السيوف فما ذَبَّنَا أحدٌ ولا حَالَ دونه.(*)
قال محمد بن عمر: قال عبد الحميد بن جعفر: فذكرتُ ذلك لرجل من ولد جرير بن عبد الله فقال: كنتُ أسمع من أبي وغيره أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال يومًا لجرير: "يا جرير، ألا تريحني من ذي الخلصة؟" قلت: بَلَى! والله يا رسول الله، فهو مما كنت أحب وأتمنى أن لا يهدمه غيري. قال: "فاخرج إليه في قومك حتى تهدمه إن شاء الله".
قال جرير: فذكرتُ بُعْدَ البلد، وإن خرجتُ على الإبل أبطأتُ، قلت ليس يشبه جرائد الخيل، وكنت لا فروسة لي، قد خبرت نفسي: ما ركبتُ فرسًا إلا صَرَعني فأكون منه ضمنًا، فتركتُ ركوب الخيل حتى كان الحي يمازحوني بذلك ويقولون: اركب الحمار والبعير، فذكرتُ ذلك لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فضربَ في صدري حتى رأيتُ أثر أصابعه في صدري، ثم قال: "اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا".
قال جرير: فقمتُ من عنده، والذي بَعثه بالحق ولكأني غير الذي كنت أعرف من نفسي، عمدتُ إلى فرس لرجل من أصحابي شَموس فركبته، ثم انطلقت عليه أشوره، فذل تحتي حتى كأنه شاة، فحمدتُ الله، ونفرتُ في خمسين ومائة رجل من أحمس، وكانوا أصحاب خَيل في الجاهلية، إنما يغيرون عليها ويُغار عليهم، فَقَلَّ ما أُصيب لهم نَهب إلا تخلصوه لنَجَابة خيلهم وفرسيتهم، وقَلَّ ما أصابوا نهبًا فأُدْرِكوا حتى يدخلوا مَأْمَنهُم.
قال جرير: فانتهيتُ إلى ذي الخلصة فإذا قومٌ ممسكون بالشرك يقولون: أنتم تقدرون عليها؟ قال: فقلتُ: سَتَرَوْنَ إن شاء الله. فأتناول قَبسًا من نار، وصِحْتُ بأصحابي يحملون الحشيش اليابس وهو حولنا ركام، ثم أضرمته عليه حتى صار الصنم مجردًا من كل ما كان عليه مثل الجَمَل الجَرب قد هُنِئ بالقَطِرَان.
قال: وبَعَثْتُ بشيرًا إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، يقال له أبو أَرْطَاة واسمه حسين ابن ربيعة فقلت له: أجِدَّ السَّيْرَ حتى تقدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فتخبره بهدمها، قال: فركب فأغذّ السّير حتى قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجعل يخبره والنبي صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "أفهدمتموها؟" فجعل يقول: نعم والذي بعثك بالحق، ما جئتك حتى تركتها كأنها جَمَلٌ أجْرَب.(*)
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني مَروان بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قَيْس بن أبي حازم: أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، برّك يومئذ على خَيْل أحمس ورجالها، يعني حيث قدم من هدم ذي الخلصة، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعثه.(*)
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني يحيى بن سعيد بن دينار عن أبي وَجْزَة السعدي قال: خرَج جرير في جريدة خيل، فَسَلَكَ بطن قناة، ثم سلك على صفينة وحاذة، ثم أخذَ على الفلق حتى انتهى إلى ذي الخلصة فهدمها، ثم بعثَ البشير إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأطاعَ له من هناك وأسلموا وأقروا بالإسلام، ثم أقبل حتى إذا كان ببطن مسحل هجم على صِرْم من بني عامر فأغار عليهم، وَجَد الرجال خلوفًا فأخذ ما ظهر له وما خفّ، ثم رجع وهو على جرائد الخيل حتى قدم على النبي صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة.(*)
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح ويزيد بن هارون وعبد الله بن نمير ويَعْلَى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله: أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، قال له: "ألا تريحني من ذي الخلصة؟" ـــ بيت لخثعم كان يُعْبَد في الجاهلية يسمى كَعبة اليمانية.(*)
قال وكيع وعبد الله بن نمير في حديثهما: فخرجتُ إليه في خمسين ومائة راكب، وقال يزيد بن هارون: فنفرت في تسعين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل.
وقالوا جميعًا في الحديث: فَحَرَّقْنَاه حتى تركناه كالجَمَل الأجْرَب، قال: ثم بعث جرير إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم، رجلًا يقال له أبو أَرْطَاة فبشَّره بذلك، فلما جاءه قال: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ما أتيتك حتى صار كالجَمَل الأجْرَب، قال: فَبَرَّكَ عَلَى أحمس على خيلها ورجالها خمس مرات.
قال: قلت: يا رسول الله إني رجلٌ لا أثبتُ على الخيل. قال: فوضعَ يده على صدري حتى وجدتُ بَرْدَها، وقال: "اللهم ثَبِّتْهُ واجعله هادِيًا مَهْديًا". قال يزيد: مهتديًا.
قال: أخبرنا شهاب بن عباد قال: حدّثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيْس بن أبي حازم قال: بعثَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، جريرًا إلى اليمن وفيها رجل يَضربُ بالأزْلاَم، قال: فقيل له: هذا رسولُ رسولِ الله إليك، لئن أخذكَ ليقتلنك، قال: فبينا جرير يسير إذا وقف على رأسه فقال: والله لتكسرنهن وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أو لأقتلنك. قال: فكسرهن وشهد.(*)
قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير الحميدي وعلي بن عبد الله بن جعفر قالا: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا إسماعيل قال: أخبرنا قيس قال: شهدتُ الأشعثَ وجريرًا حضرا جنازة، فقدَّم الأشعثُ جريرًا، ثم التفت إلى الناس فقال: إني ارتددتُ وإنه لم يرتد.
قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير الحميدي قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا إسماعيل قال: سمعتُ قيسًا يقول: سمعتُ جرير بن عبد الله يقول يوم القادسية: أي قوم، إليّ، إليّ، أنا جرير. قال قيْس وكنا يوم القادسية رُبع الناس، وساق المشركون ثمانية عشر فيلًا فوجهوا إلينا منها ستة عشر وإلى الناس فيلين.
قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا شُعبة عن مغيرة عن الشعبي: أن عمر كان في بيتٍ ومعه جرير بن عبد الله، فوجدَ عمر ريحًا فقال: عزمتُ على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو يَتَوَضّأ القوم جميعًا؟ فقال عمر: رحمك الله، نعم السيد كنتَ في الجاهلية، ونِعم السيد أنت في الإسلام.
قال: أخبرنا الفَضْل بن دُكَين قال: حدّثنا أبان بن عبد الله قال: حدّثني إبراهيم بن جرير عن أبيه قال: بعث إليّ عليٌّ ابن عباس والأشعثَ بن قيس، قال فأتياني وأنا بقرقيسيا فقالا: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويخبرك أنه نعم ما أراك الله من مفارقتك معاوية، وإني أنزلك منزلة نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم، الذي أنزلكها، فقال لهما جرير: إن نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعثني إلى اليمن أُقاتلهم وأدعوهم إلى الإسلام فإذا قالوا: لا إله إلا الله حرمت أموالهم ودماؤهم، ولا أُقاتِل رجلًا يقول لا إله إلا الله أبدًا، فرجعا على ذلك.(*)
قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير قال: حدّثنا إسماعيل عن قيس قال: قال جرير فيما يعظ قومه: والله لَوَدِدْتُ أني لم أكُن بنيتُ فيها شيئًا قط.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وهشام أبو الوليد الطيالسي قالا: حدّثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير قال: حدّثني إبراهيم بن جرير: أن عمر بن الخطاب قال: إن جريرًا يوسُفُ هذه الأمة، يعني حُسْنَه. زاد هشام أبو الوليد قال: وكان يمر وعليه ثوبان مُوَرَّدَان ومُمَشَّقان، وكان يخضب لحيته بالزعفران من الليل فيخرج مثل لون التبن.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد قال: حدّثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير: ذكر أنه رأى جرير بن عبد الله أصفَر اللحية عليه ثوبان ممصَّران، فسألتُ عن خضاب لحيته فذكروا أنه يخضبها بِوَرْس وزَعْفَران ثم يغسلها بعد فتكون على مثل لون التبن.
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدّثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك ابن عمير قال: رأيتُ جريرًا يخضب لحيته بالصُّفْرة.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: أُعْطِيَ يوسفُ وأُمُّه ثلثَ الحُسْنِ.
قال: أخبرنا يحيى بن عباد قال: حدّثنا المسعودي عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة قال: ضُرِبَ بَعْث على أهل الكوفة، فكتب معاوية إلى جرير بن عبد الله: إني قد وضعت الجُعْلَ عنك وعن وَلَدك، فكتب إليه جرير: إني بايعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، على الإسلام فأخذ بيدي يشترط عليّ النصح لكل مسلم، فإن تنشط لهذا البعث تخرج فيه، وإلا أعطينا من أموالنا ما يتقوى به المُنْطَلِق.(*)
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: كان سعيد بن المسيّب لا يرى الصحابة إلا من أقام مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سنة أو سنتين، أو غزا معه غزوة أو غزوتين.
قال محمد بن عمر: ورأيت أهل العلم يقولون غير ذلك، ويذكرون جرير بن عبد الله وإسلامه قبل وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بخمسة أشهر أو نحوها، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سَرية إلى ذي الخَلَصة فَهَدَمها، وأوفى معه حجة الوادع، وروى عنه أحاديث، وصحبه إلى أن قبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وقالوا: كل مَنْ رأى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقد أدركَ الحلم فأسْلَم وعقَل أمر الدين وَرَضِيَه فهو عندنا ممن صَحِبَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ولو ساعةً من نهار، ولكن أصحابه على مَنَازلهم وطَبَقَاتهم وتَقَدّمهم في الإسلام، فيوصف كل رجل منهم بما أدرك من أمر النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وبما سمعه منه، فيرجع ذلك إلى صُحبته على قَدْر منازلهم من ذلك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا شيبان عن جابر عن عامر عن البَرَاء بن عازب قال: كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره أن يسير إلى العراق، فكتب إليه خالد إن معي قومًا قد رقوا، وكان في أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ما أعلمتك من القتل والجراح فأمدني بجند، فقال عمر: يا خليفة رسول الله، هذا جرير بن عبد الله البجلي فأمده به في قومه. فأمدَّه أبو بكر وخرج في أربعمائة من قومه، حتى إذا كانوا قريبًا من اليمامة لقيهم مسير خالد من اليمامة إلى الحيرة، فعارضه جرير، فأدركه حين نزل على الماء، فنزل معه.
قال: فلم يزل جرير مع خالد مقامه بأرض العراق حتى خرج خالد إلى الشام، وبعث خالد جرير بن عبد الله وهو مقيم بالحيرة إلى قرية بالسواد يقال لها بانقيا، فلما اقتحم الفرات للعبور ناداه دهقانها صلوبا: لا تعبر أنا أعبر إليك. فعبر إليه فأعطاه الجزية، صالَحه على ألف درهم وطَيْلَسان، ثم شهد جرير يوم جسر أبي عُبيد، فلما قُتل أبو عُبيد وأهل الجسر نجا المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله بمن بقي من الناس.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني ربيعة بن عثمان ومعمر مولى ابن قسيط عن سعيد بن أبي صالح قال: لما انتهى إلى عمر مصاب أهل الجسر وقدم عليه جرير بن عبد الله من أُلَّيْس في ركب من بجيلة، فكلّمهم عمر فقال: إنكم قد علمتم ما كان من المصيبة فاخرجوا إليهم. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، قومي لهم عدد كثر وهم متفرقون في العرب. فقال: فاخرجوا وأنا أخرج معكم، مَنْ كان منكم في قبائل العرب فأخرجوا من القبائل.
وقال له جرير: اجعل لي من السواد جعلًا إن ظفرت به. فجعل له ربع السواد بعد الخمس، فانتدب معه أربعة آلاف من بجيلة والنخع وغير ذلك من أفناء العرب وذلك في سنة أربع عشرة.
وأقبل جرير حتى بلغ الكوفة، فلما دنا من المثنى بن حارثة الشيباني كتب إليه: أن أَقْبِلْ إِلَيّ، فإنما أنت مَدَدٌ لي، فكتب إليه جرير: إني لستُ بفاعل إلا أن يأمرني أمير المؤمنين، فأنت أمير وأنا أمير. فسار جرير، وقد بعث ملكُ الزَّارَة قائدَه مِهْران في جَمْعٍ من فارس لقتال المسلمين، فأقبل حتى قطع الفرات إلى جرير، فالتقوا بالنُّخَيْلَة فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فَبَارَزَ مِهْران جَريرًا، فقتله جرير، وأخذ سَلَبه وقلنسوة كانت عليه.
وانهزمت الفُرس حتى جاءوا المدائن، وفتح جرير بعض السواد، وسار جرير حتى لقي الحاجب بقس الناطف فقاتله فهزمه، واجتمعت الأعاجم، وبعثوا إلى الكور فاجتمعوا إلى المدائن فاستُعْمِل عليهم رستم، فلما بلغ ذلك جريرًا وأنه لا يدان له بهم، كتب إلى عمر يخبره بجمعهم فكتب إليه عمر: جاءك ما لا يدان لك به، فالحق بالمثنى بن حارثة، وكتب عمر إلى المثنى بن حارثة أن انضم إلى جرير، وأقبل أنس بن مدرك الخثعمي في خمسمائة من حَيّة فنزلوا مع جرير النُّخَيلة.
وأقبل رستم وكان منجمًا، وكان يرى أن العرب قاتلوه ومَنْ معه إن قاتلهم، وكان يريد أن ينفيهم ولا يقاتلهم، فلما دنا من جرير شخص إلى القادسية، وخندق جرير عليه وجعل يطاوله، حتى بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص فقدم فيمن معه من أهل المدينة والشام فشخص إليه جرير فلقيه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن مجالد عن الشعبي قال: بعث عمر سعدًا في أربعة آلاف، وأمره في عهده أن لا يدنوا من العدو حتى يأتيه أمره، وكتب عمر إلى جرير بن عبد الله والمثنى بن حارثة أن يجتمعا إلى سعد.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني ربيعة بن عثمان عن أبان بن صالح قال: بعث عمر مع سعد ستة آلاف، وكتب إلى المثنى وجرير: إني لم أكن لأستعمل أحدًا منكما على رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاجتمعا إلى سعد بن أبي وقاص فهو عاملي عليكما وعلى جندكما، فسار المثنى وجرير حتى قدما عليه بشراف.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني معمر مولى ابن قسيط عن سعيد بن أبي صالح المكي قال: كتب عمر إلى سعد: أن سبّع القبائل عندك أسباعًا، واجعل على كل سُبع رجلًا، فكان أول سبع بجيلة وَحْدَها، عليهم جرير بن عبد الله.
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني ابن أبي سبرة عن موسى عن ميسرة عن طلحة بن عبيد الله بن كَرِيز قال: سمعت عدة من قومي يقولون: كان سعد يبعث الطلائع في الوجه الذي يريد، فيأتونه بالخبر وذلك على عهد عمر إليه، فبعث ليلة من العُذَيب طليعة عليهم جرير بن عبد الله وهم خمسمائة قبل السَّيْلَحِين، فوجد بها جماعة من الناس معهم الشمع والصُّنُوج والطُّبول والمزامير والخمور، فإذا بنت الآزاذيه تهدى إلى ملك الصين، فحَمَلوا عليها فأخذوها وما معها، وأسَروا منهم أسارى، فأتوا بذلك إلى سعد العذيب، فكانت أول غنيمة أصيبت من الفرس.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني منصور بن أبي الأسود عن مجالد عن الشعبي قال: استعمل سعد بن أبي وقاص على الناس يوم القادسية خالد بن عُرْفُطَة، وعلى ميمنته جرير بن عبد الله البجلي، وعلى ميسرته قيس بن مكشوح.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الله بن جعفر قالا: لما فتح الله على المسلمين يوم القادسية قال جرير بن عبد الله:
أَنَا جَرِيرٌ كُنيتي أبو عَمِرْو قد فَتَح الله وَسْعدٌ في القَصِرْ
هكذا كنيته، في رواية محمد بن عمر وغيره من أهل العلم.
قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ومسلم بن إبراهيم عن الأسود بن شيبان عن زياد بن سلم بن زياد عن إبراهيم بن جرير بن عبد الله في حديث رواه عن أبيه أنه كان يكنى أبا عبد الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر عن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله عن أبيه عن جده جرير أن عمر بن الخطاب قال له، والناس يَتَحَامَون العراقَ وقتالَ الأعاجم: سِرْ بقومك، فما غَلَبْتَ غدًا عليه فلك رُبْعُه. فلما جُمِعَت الغنائُم ـــ غنائم جَلُولاء ـــ ادعى جرير أن له ربع ذلك، فكتب سعد إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر: صدق جرير قد قلت ذلك له، فإن شاء أن يكون قاتل هو وقومه على جُعْلٍ فأعطوه جُعْلَه، وإن يكن إنما قاتل لله ولرسوله ولدينه وحسبه فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم.
وكتب عمر بذلك إلى سعد، فلما قدم الكتاب على سعد دعا جريرًا فأخبره ما كتب به إليه عمر، فقال جرير: صدق أمير المؤمنين، لا حاجة لي به، بل أنا رجل من المسلمين، لي ما لهم وعليَّ ما عليهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني قيس بن الربيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: كان عمر قد جعل لبجيلة رُبع السواد ثلاث سنين، فدخل جرير على عمر فقال: يا جرير لولا أني قاسم مسئول لكنت على ما جعلته لك. فرده جرير وأجازه عمر بثمانين دينارًا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة عن ابن أبي عون قال: أرسل عليّ بن أبي طالب جرير بن عبد الله إلى معاوية يعلمه حاله وما يريد ويكلمه، فخرج حتى قدم الشام فنزل على معاوية، ثم قام فحمد الله وأثْنَى عليه وصلَّى على النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، يا معاوية، فإنه قد اجتمع لابن عمك الحَرَمان، والناس لهما تبع، مع أن معه أهل البصرة وأهل الكوفة وأهل مصر وأهل اليمن قد بايعوا، فبايع ابن عمك ولا تخالف ولا تعند عن الحق وما أنت فيمن أنت فيه، فَلاَ تُلَفِّف على أصحابك واصدقهم، وأجلِ لهم الأمر وناصحهم في الحق والدين، وهو معطيك الشام ومصر تكون عليهما ما دمت حيًا على أن تعمل بكتاب الله وسُنة نبيه صلوات الله عليه وسلامه.
وكان عند معاوية يومئذ وجوه أهل الشام ذو الكلاع، وشرحبيل بن السمط، وأبو مسلم الخولاني، ومَسْروق العكي، فتكلّموا بكلام شديد، وردوا أشد الرد، وتهدّدوا معاوية أشد التهدّد إن هو أجاب إلى هذا القول وترك الطلب بدم عثمان. فقال جرير: الله الله في حقن دماء المسلمين، ولمّ شَعثهم وجَمْع أمر الأمة: فإن الأمر قد تقارَب وصلح: قالوا: لا نريد هذا الصلح حتى نقاتل قَتَلَة عثمان، فنحن وُلاته والقائمون بدمه. فقال معاوية: على رِسْلكم أنا معكم على ما تريدون وتقولون ما بقيت أرواحنا. فَجَزَاه القوم خيرًا وكَفّوا عنه.
وخرج جرير حتى قدم على عليّ بن أبي طالب فقال: ما وراءك؟ قال: الشر. أما معاوية فهو يرضى بما يعطى، ولكنه مع قوم لا أمر له معهم، كلهم يقوم بدم عثمان وهم مائة ألف، والقوم مقاتلوك. فقال الأشتر: يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى دينك ودين قومك بهمذان، فقال جرير: أما والله لقد ناصحتك يا أمير المؤمنين وجئتك بالصدق. فلم يزل الأشتر يحمل على جرير عند علي حتى خافه، فهرب جرير وكاتب معاوية، فسار عليّ إلى دار جرير فشعث منها، حتى كلمه أبو مسعود الأنصاري.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني عبد الحميد بن جعفر عن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي عن أبيه قال: لم يكن علي بصاحب حرب ولا قتال ولا سياسة، بعث جريرًا إلى معاوية يعطيه مصر والشام على أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه عليه صلوات الله وسلامه ويبايع لعلي، ففعل، فأبى أصحابه ذلك، وقالوا: لا نفعل أبدًا، فرجع جرير إلى علي يخبره. قال: يقول الأشتر: يا أمير المؤمنين، غشك، مالأ عدوك وكذب، فخاف على نفسه فخرج هاربًا، حتى سار عليٌّ إلى دارنا يهدمها، حتى خرجنا إليه فناشدناه الله، وقلنا دار مشترك لأيتام، فتركها.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدّثنا أَبَان بن عبد الله البجلي قال: حدّثني إبراهيم بن جرير عن أبيه قال: بعث إليّ.
قال محمد بن عمر: فلم يزل جرير معتزلًا لعلي ومعاوية بالجزيرة ونواحيها حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة، وكانت ولايته سنتين ونصف بعد زياد بن أبي سفيان.
(< جـ6/ص 288>)