تسجيل الدخول


حنظلة بن أبي عامر

حنظلة بن أبي عامر الرّاهب الأنصاريّ الأوْسي الكلبي، وهو حنظلة الغَسِيل، من بني عمرو بن عوف:
وأمّه الربابُ بنت مالك بن عَمرو، وعن عمارَةَ بن خُزيمةَ بن ثابت عن أبيه قال: ما كان في الأوس، والخزرج رجلٌ أوصفَ لمحمد صَلَّى الله عليه وسلم من أبي عامر، كان يألَفُ يَهُودَ ويسألهم عن الدين فَيُخْبِرُونَهُ بصفةِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأنّ هذه دارُ هجرته، ثم خرج إلى يهود تَيماء، فخبَّروه مثل ذلك، ثم خرج إلى الشام، فسأل النصارى فأخبروه بصفته فرجع وهو يقول: أنا على الحَنِيفِيَّةِ فأقام مُترهبًا، ولبس المُسُوحَ، وزعم أنه على دين إبراهيم يتَوكّفُ خُروج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فلما قَدِمَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة، حَسَدَ وبَغَى ونافق وقال: يا محمدُ أنتَ تخلط الحَنيفيّةَ بغيرها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أتَيتُ بها بيضاء نَقِيّةً، أَبِنْ ما كان يُخبرك الأحبارُ من صِفَتِي؟" قال: لَستَ بالذي وَصفُوا لي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كذبتَ"، فقال: ما كذَبتُ، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الكاذبُ أماتَهُ الله طريدًا وحيدًا"، فقال: آمين، ثم خرج إلى مكة فكان مع قريش يبَتُع دِينَهُم، وتَرك الترهُّبَ، ثم حضر أُحدًا معهم كافرًا، ثم انصرف معهم إلى مكة، فلما كان الفَتحُ ورأى أنّ الإسلامَ قد ضَربَ بِجرَانِه ونَفَى الله الكفرَ وأهلَه، خرج هاربًا إلى قَيصر، فمات هناك طريدًا، فَقَضَى قيصَرُ بميراثه لكنانةَ بن عَبدِ يالِيل، وقال: أنتَ وهو من أهل المَدر(*)، وعن هشام بن عُروةَ عن أبيه أن حنظلةَ بن أبي عامر الراهِبَ، قال: يا رسولَ الله أقتُل أبي؟ قال: "لا تقتُلْ أباك"(*)، وكانت وفاة أبي عامر الرّاهب عند هرقل في سنة تسعٍ، وقيل: في سنة عَشر من الهجرة.
وكان لحنظلةَ من الوَلَدِ: عبدُ الله؛ قُتِلَ يوم الحَرَّة؛ وأمُّه جميلة بنت عبد الله بن أبَيّ بن سَلُول، من بَلحُبْلَي، وعن أنس قال: افتخرت الأوس، والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة: حنظلة، ومنا الذي حمته الدَّبْر: عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت، فقال الخزرجيون: منا أربعة نفر قرأُوا القرآن، على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لم يقرأه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل؛ يعني بقوله: لم يقرأه غيرهم أي أحد من الأوس، وأما من غير الأوس فقد قرأه علي بن أبي طالب، وعبد اللّه بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، ــ رضي الله عنهم ــ وحنظلة من سادات المسلمين وفضلائهم، وهو المعروف بغسِيل الملائكة، وإنما قيل له ذلك لما روي عن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ صَاحِبَكُمْ لِتُغَسِّلُهُ المَلَائِكَةُ"؛ يعني حنظلة؛ فسألوا أهله: ما شأنه؟ فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جُنُب حين سمع الهائعة فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ المَلَائِكَةُ، وَكَفَى بِهَذَا شَرَفًا وَمِنْزِلَةً عِنْدَ الله تَعَالَى"(*) أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 204، وأبو نعيم في الحلية 1/
357 والبيهقي في دلال النبوة 3/246 وذكره ابن حجر في تلخيص الحبير 2/ 118.
، وكان من الفضلاء وأهل النِّيّة، و قد آخَى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بين حنظلة بن أبي عامر، وشمّاس بن عثمان بن الشَّريد المخزومي، قال محمد بن عُمر: وكان حنظلةُ بن أبي عامر تَزوّج جَمِيلَةَ بنتَ عبد الله بن أُبيّ بن سَلول، فأُدخِلَت عليه في الليلة التي في صَبيحتها كان قتالُ أُحد، وكان قد استأذن رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يبيتَ عندها فَأَذِن له، فلما صَلّى الصبح غدا يُريدُ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم بأُحد، ولَزِمته جميلةُ فعاد فأجنَبَ منها ثم أراد الخروجَ، وقد أرسَلتْ قَبلَ ذلك إلى أربعة من قَومِها فأشهَدَتهم أنه قد دخل بها، فقِيل لها بَعْدُ: لِمَ أشهدتِ عليه؟ قالت: رأيت: كأنّ السماءَ فُرِجَتْ له فَدَخَلَ فيها ثم أطبِقَتْ عليه، فقلتُ: هذه الشهادةُ! فأشهدتْ عليه أنه قد دخل بها وتَعلق بعبد الله بن حنظلة، ثم تزوجها ثابتُ بن قيس بن شماس بَعد، فتَلدُ محمدَ بن ثابت بن قيس بن شماس.
وأخذ حنظلةُ بن أبي عامر سلاحَه فلحق برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بأُحُدٍ وهو يُسَوِّي الصفوفَ، فلما انكشف المشركون اعترض حنظلةُ بن أبي عامر لأبي سفيان ابن حرب فَضَرَبَ عُرْقُوب فرسهِ فاكتَسعَتِ الفرسُ، ويقَعُ أبو سفيانَ إلى الأرضَ، فجعل يَصيحَ: يا معشرَ قريشٍ، أنا أبو سفيانَ بن حرب! وحنظلةُ يريد ذَبْحَه بالسيف، فأسمع الصوت رجالًا لا يلتفتون إليه من الهزيمة حتى عاينه الأسودُ بن شَعُوب، فَحَمَلَ عَلَى حَنْظَلَةَ بالرمح فأنفذه، فمشى حنظلةُ إليه بالرمح وقد أثبته، ثم ضربه الثانيةَ فقتله، وهرب أبو سفيان يَعدُو عَلَى قدميه، فلحق ببعض قريش، فنزل عن صدر فرسه ورَدِف وراءَ أبي سفيان، ولما قُتل حنظلةُ، مرّ عليه أبوه، وهو إلى جنب حمزةَ بن عبد المطلب، وعبدِ الله بن جَحش، فقال: إن كنتُ لأُحذِّرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع، والله إن كنتَ لبَرًّا بالوالد، شريفَ الخُلق في حياتك، وإنّ مماتَك لمع سراة أصحابك وأشرافهم، وإن جزى الله هذا القتيلَ ــ لحمزةَ ــ خيرًا، أو أحدًا من أصحاب محمد، فجزاكَ الله خيرًا، ثم نادَى: يا معشَرَ قريش، حنظلةُ لا يُمَثَّل به فإنه وإن كان قد خالفَني وخالفَكم، فلم يَأْلُ لنفسه فيما يَرى خيرًا، فَمُثِّل بالناس وتُرِك فلم يُمثَّل به. وكانت هند بنت عُتبة أول من مَثَّلَ بأصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ولما قُتِل حنظلةُ بن أبي عامر، نادَى أبو سفيان بن حرب، حَنْظَلَةُ بحنظلةَ، يعني قتلنا حنظلةَ بن أبي عامر بحنظلةَ بن أبي سفيان، وكان قُتل يوم بدر كافرًا، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إني رأيتُ الملائكة تُغَسِّل حنظلةَ بن أبي عامر بين السماء والأرض بماءِ المُزْن في صِحَافِ الفضَّة"، قال أبو أُسَيد السَّاعِديّ: فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسُه يقطُر ماءً، فرجعتُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبرتُه، فأرسلَ إلى امرأتِه فسألها، فأخبرتْه أنه خرج وهو جُنبٌ فَوَلَدُه يُقال لهم: بنو غَسِيل الملائكة(*).
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال