تسجيل الدخول


سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن...

سُهَيْل بن عَمْرو بن عَبْد شَمْس القرشي العامري، خطيب قُريش:
يُكنى أَبا يزيد، وأُمه حُبيَّ بنت قيس بن ضَبِيس الخُزَاعِيَّة، وَلَد سُهَيْلُ بن عمرو: عبدَ الله وكان من المهاجرين الأولين وقد شهد بَدْرًا، وأبا جَندل لا بقية له، وقد صحب النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعتبةَ، وأُمَّ كلثوم وَلَدَتْ لأَبِي سَبْرَة بن أَبِي رُهْم بن عبد العُزّى العامري؛ وأمهم فَاخِتة بنت عامر بن نَوْفل، وهندًا وَلَدَتْ لحفص بن عبد بن زَمْعَة، ثم خَلَف عليها عثمان بن عَتّاب بن أَسِيد، ثم خَلَف عليها عبد الله بن عامر بن كُرَيز، فولدت له، ثم خلف عليها الحسَن بن علي بن أبي طالب؛ وأمها الحَنْفَاء بنت أَبِي جهل بن هِشام، وَسَهْلَةَ بنت سُهَيل، لَهَا محمد بن أَبِي حُذَيْفَةَ بن عتبة، وَلَهَا سَلِيطُ بنُ عبد الله بن الأسود، ثم خَلَف عليها شمّاخ بن سعيد بن قانف، فولدت له ولها أيضًا سلام بن عبد الرحمن بن عَوْف؛ وأمها فاطمة بنت عبد العُزّى بن أَبِي قَيْس.
وكان سهيل بن عمرو بعد أن أسلم كثير الصَّلاة والصَّوم والصَّدقة، وخرج بجماعة أهله إِلّا بنته هندًا إلى الشَّام مُجاهدًا حتى ماتوا كلهم هنالك، فلم يَبْقَ من ولده أحد إلّا ابنته هند وفاختة بنت عتبة بن سُهيل، فقدم بها على عمر، فزوَّجها عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، وكان الحارث قد خرج مع سُهيل، فلم يرجع ممن خرج معهما إِلّا فاختة وعبد الرَّحمن فقال: زوّجوا الشَّريد الشّريدة، ففعلوا، فنشر الله منهما عددًا كثيرًا، وكان سهيلٌ محمودَ الإسلام من حين أسلم، وكان من أشراف قريش ورؤسائهم والمنظور إليه منهم، وشهد مع المشركين بدرًا فأُسِرَ، أسره مالك بن الدُّخْشُم فقال:
أَسـرتُ
سُهَيْلًا
فلم
أَبْتَغِ به غيره من جميع
الأُممْ
وخِنْدَفُ
تعلمُ
أَنَّ
الفتى سُهَيْلًا فتاها إذا تَصْطَلـم
ضربتُ بذي الشفر حتى انْحَنَى وأكرهتُ نَفسي على الأعلم
ويروي على ذي العَلَم وهو أجود
وكان سُهيل أعْلَم الشفة، وكان سُهيل مع مالك بن الدُّخْشم، فلما كانوا بشَنوكة ــ وهي فيما بين السيالة وملل ــ قال سُهيل لمالك: خَلِّ سبيلي للغائط، فقام معه مالك، فقال سُهيل: إني أحتشم، فاستأخِر عني، فاستأخر عنه، ومَضَى سهيل على وجهه وانتزع يده من القِران، فلما أبطأ عَلَى مالك أقبل فصاحَ في الناس، فخرجوا في طلبه، وخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في طلبه وقال: "مَن وجده فليقتله"، فوجده رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قَدْ دَفَنَ نفسه بين سَمُرات، فأمر به فرُبطت يداه إلى عُنقه، ثم قَرَنه إلى راحلته، فلم يركب خطوة حتى وَرَدَ المدينة(*).
وروى عُبَيد الله بن مِقْسَم، عن جابر بن عبد الله قال: لقي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أسامة بن زَيد ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على راحلته القصْواء، فأجلسه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بين يديه وسُهَيل مجنوب ويداه إلى عنقه، فلما نظر إليه أسامة قال: يا رسول الله أبو يَزيد! فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "نعم، هذا الذي كان يُطعم بمكة الخبز"(*)، وروى عبد الله بن أبي بكر بن حَزم، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة قال: قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة وقدم بالأسرى حين قدم بهم وسَوْدَة بنت زَمْعَة عند آل عَفراء في مناحتهم عَلَى عَوْف ومُعَوِّذ، وذلك قبل أن يُضرب الحجاب، فقالت سَوْدَة بنت زَمْعة: فأتينا فقيل لنا: هؤلاء الأسرى قد أُتَي بهم، فخرجت إلى بيتي ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يَزيد مجموعة يداه إلى عنقه في ناحية البيت، فوالله ما ملكت حين رأيته مجموعة يداه إلى عنقه أن قلتُ: أبا يَزيد، أَعطيتم بأيديكم! أَلاَ مُتّم كرامًا؟!، فوالله ما راعني إلا قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من البيت: "أيا سَوْدَة، أعلى الله ورسوله؟!" قلتُ: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق إن ملكت حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلتُ ما قلتُ(*).
وروى محمد بن إسحاق، عن محمد بن عَمْرو بن عطاء قال: لما أُسِرَ سُهَيْل بن عَمْرو قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله انزْغ ثنيتيه يُدلَع لسانُه فلا يقوم عليك خطيبًا أبدًا ــ وكان سهيل أَعْلَم مِنْ شَفَتِه السفلى، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لاَ أُمثِّلُ به فيمثِّل الله بي وإن كنتُ نَبيًّا"، قال: وزاد محمد بن عمر: "ولعله يقوم مقامًا لا تكرهه"(*).
وكان يقال لسهيل: ذو الأنياب، وقدم في فداء سهيل بن عَمْرو: مِكْرَز بن حفص بن الأخْيَف، فانتهى إلى رضاهم فيه أرفع الفداء أربعة آلاف، فقالوا: هات مالنا فقال: نعم، اجعلوا رجلًا مكان رجل، وخلوا سبيله ــ يعني: خذوني مكانه رهنًا حتى يرسل إليكم بفدائه ــ فخلوا سبيل سهيل، وحبسوا مكرز بن حفص، فبعث سهيل بالمال مكانه من مكة، وسهيل بن عمرو هو الذي خرج إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالحديبية، فكلمه عن قريش بما كلمه من إبائهم أن يدخلها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليهم عامه ذلك، واصطلح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وسهيل على القضية التي كتبوها بينهم على أن يرجع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عامه ذلك ولا يدخل مكة عامه ذلك، ويرجع قابل فيدخلها معتمرًا بسلاح المسافر، السيوف في القرب، وعلى الهدنة التي كانت بينهم، فرضيت قريش بما صنع سهيل، وأقام سهيل على دين قومه حتى كان فتح مكة.
وقال سُهَيْل بن عَمْرو: لما دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مكة اقْتَحَمْتُ بيتي، وغلقت عَلَيَّ بابي، وأرسلت إلى ابني عبد الله بن سُهَيْل أن اطلب لي جِوارًا من محمد فإني لا آمن أن أُقْتل، فذهب عبد الله إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أَبِي تُؤَمِّنه؟ قال: "نعم، هو آمِنٌ بأمان الله فليظهر"، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لمن حوله: "من لقي سهيل بن عمرو فَلاَ يُشد النَّظَرَ إليه، فلعَمري إِن سهيلًا له عقل وشرف، وما مثل سُهَيْل جَهل الإسلام"، فخرج عبد الله بن سهيل إلى أبيه فخبره بمقالة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال سهيل: كان والله بَرًّا، صغيرًا، وكبيرًا! فكان سهيل يُقبل ويُدبر آمنًا، وخرج إلى حُنين مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو على شركه، حتى أسلم بالجِعِرّانة، فأعطاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومئذ من غنائم حُنَيْن مائة من الإبل(*) وكتَب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى سُهَيْل بن عمرو "أن أَهْدِ لنا من ماء زمزم ولا تتركنَّه"، قال: فأرسل إليه بمزادتين مَمْلُوءَتَيْن من ماء زمزم، قال ابن أبي حسين: وجعل عليها كُرًّا غوطيًّا(*).
وروى عبد الرحمن بن عَوف، عن أبي عمرو بن عَدِيّ بن الحَمراء الخُزَاعِيّ قال: نظرتُ إلى سُهَيل بن عَمرو يوم جاء نعي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى مكة وقد تقلّد السيف، ثم قال: فَخَطَبنا بخطبة أبي بكر التي خطب بالمدينة كأنه سمعها فقال: يا أيها الناس مَن كان يعبدُ محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبدُ الله فإن الله حي لا يموت، وقد نَعى الله نبيكم إليكم وهو بين أظهركم ونَعَاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد، ألم تعلموا أن الله قال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سورة الزمر: 30]، ثم قال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [سورة آل عمران: 144]، وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [سورة الأنبياء: 35]، ثم تلا: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88] فاتقوا الله واعتصموا بدينكم، وتوكّلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وكلمة الله تامة، وإن الله ناصر مَن نَصَره، ومُعز دينه، وقد جمعكم الله على خيركم، فلما بلَغ عُمر كلام سُهيل بمكة قال: أشهد أن محمدًا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الذي عني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين قال لي: "يقوم مقامًا لا تكرهه"(*).
وروى محمد بن عمر، عن ابن قَمَاذِين قال: لم يكن أحد من كُبراء قريش الذين تأخَّر إسلامهم فأسلَموا يوم فتح مكة، أكثر صلاةً ولا صومًا ولا صَدقة، ولا أَقبلَ على ما يَعنيه من أمر الآخرة، من سُهَيل بن عمرو، حتى إن كان لقد شحب وتغيّر لونه، وكان كثير البكاء رقيقًا عند قراءة القرآن، وهو الذي جاء في الصَّلح يوم الحديبية، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين رآه‏: "قد سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ"(*) أخرجه البخاري 2/177، وأحمد 4/328، والبيهقي في الدلائل 4/105 وفي السنن الكبرى 9/220.، ‏‏وعقد مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الصلّح يومئذٍ، وهو كان متولي ذلك دون سائر قريش، وهو الذي مدحه أمية بن أبي الصَّلت فقال:
أَبَا يَزِيدَ، رَأَيْتَ سَيْبَكَ وَاسِعًا وَسِجَالَ كَفِّكَ يَسْتَهِلُّ وَيُمْطِرُ
وقال فيه ابنُ قيس الرّقيات حين منع خُزاعة من بني بكر بعد الحديبية، وكانوا أخواله، فقال:
مِنْهُمُ ذُو النَّدَى سُهَيلُ بْنُ عَمْرو عُصْبَةُ النَّاسِ حِينَ جَبَّ الوَفَاءُ
حَاطَ
أَخُوَالَهُ
خُزاعَةَ
لَمَّا كَثَّرَتْهُمْ بِمَكَّةَ
الأَحْيَاءُ
وكان المقام الذي قامه في الإسلام الذي قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏‏ لعمر: "دعه فعسى أن يقوم مقامًا تحمده"(*)، فكان مقامه في ذلك أنه لما ماج أهلُ مكة عند وفاةِ النّبي صَلَّى الله عليه وسلم وارتدَّ من ارتدّ من العرب قام سهيل بن عَمْرو خطيبًا، فقال: والله إني أعلم أنّ هذا الدّين سيمتدُّ امتدادَ الشَّمِس في طلوعِها إلى غروبِها، فلا يغرّنكم هذا من أنفسكم ــ يعني أبا سفيان، فإنه ليعلم من هذا الأمرِ ما أعلم‏، ولكنه قد ختم على صدْره حَسَدُ بني هاشم، وأتى في خطبته بمثل ما جاء به أبو بكر الصّديق ــ رضي الله عنه ــ بالمدينة فكان بذلك معنَى قولِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيه لعمر.
وقال الحسن: حضر النّاسُ بابَ عمر بن الخطّاب ــ رضي الله عنه ــ وفيهم سُهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب، وأولئك الشيّوخ من قريش، فخرج آذِنُه، فجعل يأذن لأهل بدر: لصُهَيب، وبلال، وأهل بدر، وكان يحبّهم، وكان قد أوصى بهم، فقال‏‏ أبو سفيان: ما رأيتُ كاليوم قط، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إلينا، فقال‏‏ سهيل بن عمرو ــ قال‏‏ الحسن: ويا له من رجل ما كان أعقله: أيَّها القوم، إني والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دُعِي القومُ ودُعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لَما سَبَقُوكم به من الفضل أشدّ عليكم فوتًا من بابكم هذا الذي تتنافسون فيه، ثم قال: أيّها القوم، إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون، ولا سبيلَ لكم والله إلى ما سبقوكم إليه، فانظروا هذا الجهاد فالزموه، عسى الله عزّ وجل أنْ يَرْزقكم شَهَادَةً، ثم نفض ثوبه وقام ولحق بالشّام، قال الحسن: فصدق، والله لا يجعل الله عبدًا له أسرع إليه كعبدٍ أبطأ عنه.
وذكر الزَّبير عن عمه مصعب، عن نوفل بن عمارة، قال: جاء الحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب، فجلسا وهو بينهما، فجعل المهاجرون الأوَّلون يأتَونَ عمر ــ رضي الله عنه ــ فيقول: ههنا يا سهيل، ههنا يا حارث، فينحيهما عنه، فجعل الأنصارُ يأتونَ فينحيهما عنه كذلك، حتى صار في آخر النَّاس، فلما خرجا من عند عمر قال الحارث بن هشام لسُهيل بن عمرو‏: ألَمْ تر مَا صُنع بنا؟ فقال له‏ سهيل: إنه الرجل لا لَوْمَ عليه، ينبغي أن نرجعَ باللّوم على أنفسنا، دُعِي القومُ فأسرعوا، ودُعينا فأبطأنا، فلما قاموا من عند عمر أتياه، فقالا له: يا أمير المؤمنين، قد رأينا ما فعلْتَ بنا اليوم، وعلمنا أنه أُتِينا من قبل أنفسنا، فهل من شيء نستدرك به ما فاتنا من الفَضْلِ؟ فقال: لا أعلم إِلَّا هذا الوجه، وأشار لهما إلى ثغر الرَّوم، فخرجا إلى الشُّام فماتا بها.
وروى ابْنُ شَاهِين، من طريق ثابت البُناني، قال: قال سهيل بن عمرو: والله لا أدَعُ موقفًا وقفْتُهُ مع المشركين إلاّ وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقْتُ على المسلمين مثلها، لعل أمْرِي أن يتلو بعضه بعضًا، وروى مولى لسهيل، عن سهيل أنه سمعه يقول: لقد رأيت يوم بَدْر رِجالًا بيضًا على خَيْل بُلْق بين السّماء، والأرض مُعْلَمين، يقاتلون ويأسرون.
وقال الْبُخَارِيُّ: سكن سهيل مكة ثم المدينة، وله ذكر في حديث ابن عمر في الذين دَعا النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عليهم في القنوت، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] وزاد أحمد في روايته: فتابوا كلّهم، وروى حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَويَهِ في كتاب "الأَمَْوالِ"، مِنْ طريق ابن أبي حسين، قال: لما فتح رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم مكّة دخل البيت ثم خرج فوضع يدَه على عضادتي الباب، فقال: "مَاذَا تَقُولُونَ؟" أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 5/58، أورده السيوطي في الدر المنثور 4/ 34 فقال سُهَيْل بن عمرو: نقول خيرًا، ونظنّ خيرًا، أخ كريم وابنُ أخ كريم، وقد قدرت، فقال: "أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُف: لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ"(*) وذكره ابْنُ إِسْحَاقَ فيمن أعطاه النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم مائةً من الإبل من المؤلّفة، ولقد رُئِي سهيل يختلف إلى مُعاذ بن جَبَل يُقْرِئُه القرآن وهو بمكة، حتى خرج مُعاذ من مكة، وحتى قال له ضِرَار بن الخطاب: يا أَبا يزيد: تختلف إلى هذا الخزرجي يقرئك القرآن! ألا يكون اختلافك إلى رجل من قومك من قريش؟ فقال: يا ضرار، هذا الذي صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق، إني لعمري أَخْتَلِف إليه، فقد وضع الإسلام أمر الجاهلية، ورفع الله أقوامًا بالإسلام كانوا في الجاهلية لا يذكرون، فليتنا كنا مع أولئك فَتَقَدّمنا، وإني لأذكر ما قسم الله لي في تَقَدُّم إسلام أهل بيتي، الرجال والنساء ومولاي عُمَيْر بن عوف فأَسرّ به وأحمد الله عليه، وأرجو أن يكون الله نفعني بدعائهم ألا أكون مت على ما مات عليه نظرائي وقتلوا، وقد شهدت مواطن كلها أنا فيها مُعَانِد للحق: يوم بدر ويوم أُحد والخندق، وأنا وُلِّيت أَمْر الكتاب يوم الحديبية، يا ضِرار، إني لأذكر مراجعتي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومئذ، وما كنتُ ألط به من الباطل، فأستحيي من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا بمكة وهو بالمدينة، ولكن ما كان فينا من الشرك أعظم من ذلك، وانظر إلى ابني عبد الله ومولاي عُمير بن عوف قد فرّا مني فصارا في حيز محمد، وما عمي عليَّ يومئذ من الحق لما أنا فيه من الجهالة، وما أراد بهما الله من الخير، ثم قتل ابني عبد الله بن سهيل يوم اليمامة شهيدًا، عزاني به أبو بكر وقال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إن الشهيد ليشفع لسبعين من أهل بيته"، فأنا أرجو أن أكون أول من يشفع له(*)، وروى أبو سعيد بن أبي فَضَالة الأنصاري ــ وكانت له صُحْبة ــ قال: اصطحبتُ أنا وسُهَيل بن عمرو إلى الشام ليالي أغزانا أبو بكر الصديق، فسمعتُ سُهيلًا يقول: سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مقام أحدكم في سبيل الله ساعة خير من عَمَله عُمْرَه في أهله"، قال سهيل: فإنما أرابط حتى أموت، ولا أرجع إلى مكّة، قال: فلم يزل مُقِيمًا بالشّام حتى مات في طاعون عَمَواس، قال ابْنُ أَبِي خَيْثَمَة: مات سهيل بالطاعون سنة ثمان عشرة، ويقال قُتِل باليرموك، وقال خليفة: بمَرْج الصّفُر، والأول أكثر.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال