تسجيل الدخول


عبد العزيز بن الأصم المؤذن

ويقال: الأكثر في اسمه عمرو، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، ومنهم مَنْ قال: عمرو بن زائدة؛ لم يَذْكر قَيْسًا، وكان اسمه الحصين فسمَّاه النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم عَبْدَ الله، وأكثر أهل الحديث يقول: اسم ابن أم مكتوم عمرو ابن أم مكتوم. وهو ابنُ خالِ خديجة أم المؤمنين، وكان ضرير البَصَر، وأسلم ابن أمّ مكتوم بمكّة قديمًا، وكان من المهاجرين الأولين؛ قدم المدينة قبل أنْ يُهاجِرَ النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقيل: بل بعده، بعد وَقْعَةِ بدر بيسير. وروي عن البراء: أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مُصْعَب بن عمير، وابن أمّ مكتوم فجعلا يُقْرِئانِ الناسَ القُرْآن. وحدّث أنس بن مالك: أنّ عبد الله ابن أمّ مكتوم يوم القادسيّة كانت معه راية له سَوْداء وعليه دِرْعٌ له. وقال أبو ظلال: كنتُ عند أنس بن مالك فقال: متى ذهبَتْ عَيْنُك؟ قال: ذهَبتْ وأنا صغير فقال أنس: إنّ جبرائيل أتَى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وعنده ابن أمّ مكتوم فقال: "متى ذهب بَصَرُك؟" قال: وأنا غلام، فقال: "قال الله تبارك وتعالى: إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلاّ الجنّة". وَرَوَى هشام بن عُروة، عن أبيه، عن ابن أمّ مكتوم: أنّه كان مؤذّنًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو أعمى. وقال الحجّاج: حدّثني شيخ من أهل المدينة، عن بعض مُؤَذِّني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: كان بلال يؤذّن، ويُقيم ابن أمّ مكتوم، وربّما أذّن ابن أمّ مكتوم، وأقام بلال. وَرَوَى سالم بن عبد الله بن عمر: أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يُنادِي ابن أمّ مكتوم". قال: وكان ابن أمّ مكتوم رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. وَرُوِيَ عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنّ منزلي شاسع، وأنا مكفوف البصر، وأنا أسمع الأذان، قال: "فإن سمعتَ الأذانَ فأجِبْ ولو زَحْفًا" أو قال: "ولو حَبْوًا". وروي أن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كان جالسًا مع رجال من قريش فيهم عُتْبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم: "أليس حسنًا أن جئتُ بكذا وكذا؟"، فيقولون: بلى، والدماء، فجاء ابن أمّ مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله عن شيء فأعرض عنه، فأنزل الله تعالى: }عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى{ [سورة عبس: 1ـ2] يعني: ابن أمّ مكتوم}: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى {[سورة عبس: 5] يعني: عُتْبة وأصحابه، }فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى {[سورة عبس 6، 7، 8، 9، 10]، يعني: ابن أمّ مكتوم، فلما نزلت هذه الآية دعاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأكرمه. وقال عبد الله بن مَعْقِل: نزل ابن أمّ مكتوم على يهوديّة بالمدينة عمّة رجلٍ من الأنصار، فكانت تُرْفِقُه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها، فضربها، فقتلها، فرُفعَ إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ فقال: أما والله يا رسول الله إن كانت لَتُرْفِقُني ولكنّها آذَتْني في الله ورسوله فضربتُها فقتلتها، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أبعدها الله تعالى فقد أبْطَلَتْ دَمَها". ورُوِيَ عن زيد بن ثابت قال: كنتُ إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَغَشِيته السّكينَةُ فوقَعَتْ فَخِذُه على فخذي فما وجدتُ شيئًا أثقل من فخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ سُرِّيَ عنه فقال لي: "اكتُبْ يا زيد فكتبتُ في كَتِفٍ: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فقام عمرو ابن أمّ مكتوم، وكان أعمى، لما سمعَ فضيلةَ المجاهدين فقال: يا رسول الله، فكيف بمَن لا يستطيع الجهاد؟ فما انقضى كلامُه حتى غشيَتْ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم السكينةُ فوقعتْ فخذه على فخذي فوجدتُ من ثِقَلِها ما وجدتُ المَرّة الأولى ثمّ سُرِّيَ عنه فقال: "اقْرَأ يا زيد" فقَرَأتُ}: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{، فقال: "اكتُبْ: }غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ {قال زيد: أنزلها الله وَحْدَها فكأنّي أنظر إلى مُلْحَقِها عند صَدْع الكَتِفِ. وكان بعد ذلك يغزو فيقول: ادفعوا إليّ اللواءَ فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفِرّ، وأقيموني بين الصفّين. رَوَى ابن أم مكتوم عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وحديثُه في كتب السنن، وَرَوَى عنه عبد الله بن شداد بن الهاد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو رزِين الأسدي، وآخرون، وَرَوَى أَبو البَخْتري الطائي عن ابن أُم مكتوم قال: خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد ما ارتفعت الشمس وناس عند الحجرات، فقال:"يَا أَهْلَ الْحُجُرَاتِ، سُعِّرَتِ النَّارُ، وَجَاءَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيْلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْرًا" . استخلفه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على المدينة ثلاثة عشرة مرّة في غزواته، منها: غزوة الأَبواء، وبُوَاط، وذُو العُشَيرة، وخروجه إِلى جهينة في طلب كرز بن جابر، وفي غزوة السويق، وغطفان، وأُحد، وحمراء الأَسد، ونَجران، وذات الرّقاع، واستخلفه حين سار إِلى بدر، ثمّ ردَّ إِليها أَبا لبابة واستخلفه عليها، واستخلف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم أَيضًا في مسيره إِلى حجّة الوداع، وقيل: استخلفه على المدينة مرّتين. قال جابر: سألتُ عامرًا: أيَؤمّ الأعمى القومَ؟ فقال: استخلف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عمرو ابن أمّ مكتوم. واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى بني النضير وإلى الخندق وإلى بني قُريظة وفي غزوة بني لحْيان وغزوة الغابة وفي غزوة ذي قَرَد وفي عُمْرة الحُديبية، وقيل: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة يصلّي بالنّاس في عامّة غزواته؛ قال الشّعْبيّ: غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة ما منها غزوة إلاّ يستخلف ابنَ أمّ مكتوم على المدينة، وكان يصلّي بهم وهو أعمى. وخرج ابن أم مكتوم إلى القادسية، فشهد القتال؛ واستُشْهِد هناك؛ وكان معه اللواء حينئذ، وقيل: أنه رجع إلى المدينة بعد القادسية فمات بها.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال