الفرق بين الكرامة والمعجزة والأحوال الشيطانية
الفرقُ بين الكرامةِ، والمعجزةِ، والأحوالِ الشيطانية:
المعجزة هي: الأمر الخارق للعادة على يد مدعي النبوة، المقرون بالتحدي، وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وهي تدل على صدق من ظهرت على يديه، وشرط تسميتها معجزة أن تظهر على يد مدعي الرسالة على وفق دعواه.
وأما الكرامة فهي: أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي، تأييدًا له، أو إعانة، أو تثبيتًا، أو نصرًا للدين.
وأما الأحوال الشيطانية فهي: أمر خارق للعادة يظهر على يد مُشَعْوِذ أو كاهن أو ساحر.
فالكرامة هي الخارق للعادة، فإن كانت على يد نبي فهي معجزة، مثل معجزة القرآن، فالإنس والجن عجزوا عن أن يأتوا بمثله، وهي أعظم المعجزات، ومثل معجزة عصا موسى عليه السلام، والتسع آيات، ومثل إحياء الموتى لعيسى ابن مريم عليه السلام، وإن جرت الخارقة على يد رجل صالح فهي كرامة من الله أجراها على يده، وليس من عنده، مثل ما حصل لأصحاب الكهف، وما حصل لمريم {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37]، فكان يأتيها رزقها وهي تتعبّد لله، ولم تخرج من المحراب، وكذلك ما حصل من كرامات لهذه الأمة، وقد ذكر شيخ الإسلام طرفًا منها في كتابه "الفرقان"، وأما إذا جرى الخارق على يد كاهن، أو ساحر فهذا خارق شيطاني، يجري على يده من أجل الابتلاء والامتحان، فقد يطير في الهواء، ويمشي على الماء، ويعمل أعمالًا خارقة للعادة، وهي من أعمال الشياطين.
والضابط: أننا ننظر إلى عمله، فإن كان موافقًا للإسلام، فما يجري على يده فهو كرامة، وإلا فهو من خِدمة الشياطين له.
وهناك فروق متعددة بين كرامات الأولياء، وما يشبهها من الأحوال الشيطانية منها:
أن كرامات الأولياء سببها الإيمان، والتقوى، أما الأحوال الشيطانية فسببها ما نهى الله عنه، ورسوله.
ومنها أن الأحوال الشيطانية تبطل أو تضعف إذا ذكر الله، وتوحيده، وقرئت قوارع القرآن لا سيما آية الكرسي، فإنها تبطل عامة هذه الخوارق الشيطانية، وأما آيات الأنبياء، والأولياء، فتقوى بذكر الله، وتوحيده.
ومنها أن ما تأتي به السحرة والكهان وكل مخالف للرسل تمكن معارضته بمثله وأقوى منه، أما كرامات الصالحين فلا تعارض لا بمثلها، ولا بأقوى منها.
ومنها أن ما يأتي به السحرة، والكهان مقصوده الكفر، والفسوق، والعصيان، أما كرامات الصالحين فمقصودها عبادة الله، وتصديق رسله، فهي آيات، ودلائل، وبراهين متعاضدة على مطلوب واحد.
جاء في كتاب"شبهات حول السنة" لعبد الرزاق عفيفي: العادات: هي السنن الكونية، وخوارقها: ما يخالف نظامها، وهي ثلاثة أنواع: الأول: المعجزة؛ على يد النبي صَلَّى الله عليه وسلم تأييدًا له وتحديا لقومه.
الثاني: الكرامة؛ على يد الولي تأييدًا له وإكراما لمتابعته للنبي صَلَّى الله عليه وسلم.
الثالث: السحر؛ على يد الساحر المشعوذ فتنة وابتلاءَ.
جاء في كتاب"نهاية الإقدام في علم الكلام" للشهرستاني: واعلم أن كل كرامة تظهر على يد ولي فهي بعينها معجزة لنبي إذا كان الولي في معاملاته تابعًا لذلك النبي وكل ما يظهر في حقه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته فلا تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات، بل هي مؤيدة لها دالة عليها راجعة عنها وعائدة إليها.
جاء في كتاب"الوجيز في عقيدة السلف الصالح"لعبد الله بن عبد الحميد الأثري: ولأَهل السُّنَة والجماعة ضوابط شرعية في تصديق الكرامات، وليس كل أَمرٍ خارق للعادة يكون كرامة؛ بل قد يكون استدراجا أَو يدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأَعمال السحرة والشياطين والدجالين، والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة: فالكرامة: من الله، وسببها الطاعة، وهي مختصة بأهل الاستقامة: قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34]، والشعوذة: من الشيطان، وسببها الأَعمال الكفرية، والمعاصي، وهي مختصة بأهل الضلال: قال الله تعالى: {وَإِِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وأَهلُ السُّنةِ والجماعة يصدقون بأن في الدنيا سحرا وسحرة، قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} [يونس: 80]، وقال: {وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116]، وقال: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]؛ إلا أنهم لا يضرون أحدا إلا بإذن الله، قال تعالى: {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ} [البقرة: 102]، ومن اعتقد بأن السحر يضر، أَو ينفع بغير إذن الله؛ فقد كفر، ومن اعتقد إِباحته وجب قتله؛ لأَنَّ المسلمين أَجمعوا على تحريمه، والساحر يستتاب؛ فإِن تاب وإلّا ضُربت عنقه.
جاء في كتاب" الكبائر" للشيخ محمد بن عبد الوهاب: ومن الفرق بين السحر، والمعجزة، والكرامة: أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، أما الكرامة فلا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الجويني الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على يد فاسق، قال القرطبي: السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس. وقد استدل بقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] على أن السحر كفر، ومتعلمه كافر وهو واضح في بعض أنواعه، وهو التعبد للشياطين أو الكواكب، قال النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلَّى الله عليه وسلم من السبع الموبقات. ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر، فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلُّمُهُ وتعليمه فحرام؛ فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كَفَرَ واستُتِيبَ منه، ولا يُقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر، وعن مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان": وبين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة: منها أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى، والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله؛ وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]؛ فالقول على الله بغير علم، والشرك، والظلم، والفواحش قد حرمها الله تعالى، ورسوله؛ فلا تكون سببا لكرامة الله تعالى بالكرامات عليها.
فإذا كانت الكرامة لا تحصل بالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن بل تحصل بما يحبه الشيطان، وبالأمور التي فيها شرك؛ كالاستغاثة بالمخلوقات، أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق، وفعل الفواحش؛ فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية.
ومن هؤلاء من إذا حضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ويخرجه من تلك الدار، ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي، أو ميت سواء كان ذلك الحي مسلما، أو نصرانيا، أو مشركا فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص، أو هو ملك على صورته، وإنما هو شيطان أضله لمَّا أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين، ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له: أنا الخضر، وربما أخبره ببعض الأمور، وأعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغير واحد، ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال: إذا أنا مت فلا تدع أحدا يغسلني فأنا أجيء وأغسل نفسي، فلما مات رآى خادمه شخصا في صورته، فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه، فلما قضى ذلك الداخل غسله ــ أي غسل الميت ــ غاب، وكان ذلك شيطانا، وكان قد أضل الميت وقال: إنك بعد الموت تجيء فتغسل نفسك، فلما مات جاء أيضا في صورته ليغوي الأحياء كما أغوى الميت قبل ذلك، ومنهم من يرى عرشا في الهواء وفوقه نور ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك؛ فإن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره، واستعاذ بالله منه فيزول، ومنهم من يرى أشخاصا في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي، أو صديق، أو شيخ من الصالحين، وقد جرى هذا لغير واحد، ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر؛ إما الصديق رضي الله عنه، أو غيره قد قص شعره، أو حلقه، أو ألبسه طاقيته، أو ثوبه فيصبح وعلى رأسه طاقية وشعره محلوق أو مقصر، وإنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه.
وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة وهم درجات، والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وهم على مذهبهم، والجن فيهم الكافر، والفاسق، والمخطئ؛ فإن كان الإنسي كافرا أو فاسقا أو جاهلا دخلوا معه في الكفر والفسوق والضلال، وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر مثل: الإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن، وغيرهم ومثل: أن يكتب أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة، أو يقلب فاتحة الكتاب، أو سورة الإخلاص، أو آية الكرسي، أو غيرهن، ويكتبهن بنجاسة فيغورون له الماء وينقلونه بسبب ما يرضيهم به من الكفر، وقد يأتونه بما يهواه من امرأة، أو صبي؛ إما في الهواء، وإما مدفوعا ملجأ إليه، إلى أمثال هذه الأمور التي يطول وصفها، والإيمان بها إيمان بالجبت والطاغوت ـ والجبت السحر، والطاغوت الشياطين والأصنام ـ وإن كان الرجل مطيعا لله ورسوله باطنا وظاهرا لم يمكنهم الدخول معه في ذلك أو مسالمته.
ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المتشبهين بهم من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين أحوال عند المشاهد يظنونها كرامات، وهي من الشياطين مثل: أن يضعوا سراويل عند القبر، فيجدونه قد انعقد، أو يوضع عنده مصروع، فيرون شيطانه قد فارقه؛ يفعل الشيطان هذا ليضلهم، وإذا قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا فإن التوحيد يطرد الشيطان، ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال: لا إله إلا الله، فسقط ومثل: أن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج منه إنسان، فيظنه الميت وهو شيطان. وهذا باب واسع لا يتسع له هذا الموضع.
ولما كان الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله صارت الشياطين كثيرا ما تأوي إلى المغارات، والجبال مثل: مغارة الدم التي بجبل قاسيون، وجبل لبنان الذي بساحل الشام، وجبل الفتح بأسوان بمصر، وجبال بالجزيرة، وجبل نهاوند، وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالا من الصالحين من الإنس، ويسمونهم رجال الغيب، وإنما هناك رجال من الجن؛ فالجن رجال كما أن الإنس رجال؛ قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6].
ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجل شعراني جلده يشبه جلد الماعز، فيظن من لا يعرفه أنه إنسي، وإنما هو جني ويقال بكل جبل من هذه الجبال الأربعون الأبدال، وهؤلاء الذين يظن أنهم الأبدال هم جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة.
وهذا باب لا يتسع هذا الموضع لبسطه، وذكر ما نعرفه من ذلك؛ فإنا قد رأينا، وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه في هذا المختصر الذي كُتب لمن سأل أن نذكر له من الكلام على أولياء الله تعالى ما يعرف به جمل ذلك.