1 من 1
عتبة بن غزوان بن جابر:
عتبة بن غَزْوان بن جابر، ويقال عتبة بن غَزْوَان بن الحارث بن جابر بن وهب بن نُسيب بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار المازنيّ. حليف لبني نوفل بن عبد الله بن قصيّ يُكْنَى أبا عبد الله. وقيل: أبا غَزْوَان. كان إسلامُه بعد ستَّةِ رجال، فهو سابع سبعة في إسلامه. وقد قال ذلك في خطبته بالبصرة: ولقد رأيتني مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سابع سبعة، ما لنا طعام إلا وَرَق الشّجر، حتى قرحَتْ أشداقُنا. هاجر في أرضِ الحبشة وهو ابنُ أربعين سنة، ثم قدم على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو بمكّة، وأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع الْمِقْدَاد بن عمرو، ثم شهد بَدْرًا والمشاهدَ كلّها، وكان يوم قدم المدينة ابن أربعين سنة، وكان أوّل من نزل البَصْرة من المسلمين، وهو الذي اختطّها، وقال له عمر ـــ لما بعثه إِليها: يا عُتْبَة؛ إني أُريد أَنْ أوجِّهك لتقاتلَ بلد الحيرة، لعلَّ الله سبحانه يفتحها عليَكم، فسِرْ على بركة الله تعالى ويُمْنِه، واتَّق الله ما استطعت. واعلم أنك ستأتي حَوْمة العدوّ. وأرجو أن يعينَك الله عليهم، ويكفيكهم. وقد كتبْتُ إلى العلاء بن الحضرميّ أَنْ يمدّك بعرفجة بن هرثمة، وهو ذو مجاهدة للعدو، وذُو مكايدة شديدة، فشاوِرْه، وادْعُ إلى الله عزّ وجلّ؛ فمَنْ أجابك فاقْبَلْ منه، ومَنْ أبى فالْجِزْية عن يَدٍ مذلةٍ وصغار، وإلّا فالسَّيفُ في غير هَوَادة، واستَنْفِرْ مَنْ مَرَرَْت به من العرب، وحُثَّهم على الجهاد، وكابد العدوَّ، واتّق الله ربّك.
فافتتح عتبة بن غَزْوان الأبلّة، ثم اختطَّ مسجد البصرة، وأمر محجن بن الأدرع، فاختط مسجد البصرة الأعظم، وبناه بالقصب، ثم خرج عتبة حاجًّا، وخلف مجاشع بن مسعود، وأمره أن يسير إلى الفُرات، وأمر المغيرة بن شعبة أنْ يصلِّي بالنّاس، فلم ينصرف عتبة من سفره ذلك في حجّته حتى مات، فأقرَّ عمر المغيرة بن شعبة على البصرة.
وكان عتبة بن غَزْوان قد استعفى عمر عن ولايتها، فأبى أن يُعفيه، فقال: اللهم لا تردّني إليها، فسقط عن راحلته، فمات سنة سبع عشرة، وهو منصرفٌ من مكّة إلى البصرة، بموضع يقال له معدن بني سُلَيم ـــ قاله ابنُ سعد ويقال: بل مات بالرَّبَذَة سنة سبع عشرة ـــ قاله المدائنيّ. وقيل: بل مات عُتْبَة بن غَزْوان سنة خمس عشرة وهو ابنُ سبع وخمسين سنة بالمدينة.
وكان رجلًا طوالًا. وقيل: إنه مات في العام الذي اختطّ فيه البصرة، وذلك في سنة أربع عشرة، وسِنُّه ما ذكرنا، وأمَّا قول من قال: إنه مات بِمَرْو ـــ فليس بشي، والله أعلم الصّحيح من هذه الأقوال.
والخطبة التي خطبها عتبة بن غزوان محفوظةٌ عند العلماء، مرويَّةٌ مشهورة من طرق، منها ما حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: حدّثنا محمد بن مسرور العسّال بالقيْرَوان، قال: حدّثنا أحمد بن معتب، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن المروزيّ، قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن هلال، عن خالد بن عمير العدويّ، قال: خطبنا عُتْبة بن غزوان، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإنّ الدّنيا قد آذَنَتْ بصَرْم، وولّت حَذّاء، وإنما بقي منها صُبابة كصُبابة الإناء، وأنتم منتقلون عنها إِلى دار لا زَوالَ لها، فانتقلوا منها بخير ما بحضرتكم؛ فإنه ذكر لنا أنّ الحجَر يُلْقى من شفير جَهَنَّم، فيهوي سبعين عامًا لا يُدرك لها قعرًا، والله لتملأن، فعجبتم، ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين عامًا، وليأتينَّ عليها يوم، وللباب كَظِيظ من الزَّحام. ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ما لنا طعام إلا وَرَق الشّجر، حتى تقرَّحَتْ أشداقُنا؛ فالتقطت بردة فاشتققتها بيني وبين سَعْد بن مالك، فأتزرت ببعضها وأَتزر ببعضها، فما أصبح اليوم منَّا واحد إلّا وهو أمير على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أنْ أكونَ في نفسي عظيمًا وعند النّاس صغيرًا، فإنها لم تكن نبوّة إلا تناسخت، حتى تكون عاقبتها ملكًا، وستبلون الأمراء، أو قال: ستجرّبون الأمراء بَعْدِي.
(< جـ3/ص 146>)