الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم وهو صغير، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أَول رجل سلّ سيفه في سبيلِ الله وقاتل في جميع الغزوات.
حَوَارِيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأُمّه صَفيّةُ بنت عبد المطّلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى أنه وهو صغير: قاتلَ رجلا بمكّة، فكَسَرَ يَدَهُ وضربه ضربًا شديدًا، فمُرّ بالرجل على صفيّة وهو يُحْمَلُ فقالَت: ما شأنه؟ قالوا: قاتلَ الزّبير.
وكان الزّبير بن العوّام رجلًا ليس بالطويل ولا بالقصير، إلى الخفّة ما هو في اللحم، ولحيته خفيفة، أسمرَ اللّون أشعَر ـــ رحمه الله ـــ طويلًا تخطّ رجلاه الأرض إذا ركب.
أسلم صغيرا وكان إسلامه بعد أبي بكر، كان رابعًا أو خامسًا، وهاجر الزّبير إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا، وكان عمه يعلقه في حصير ويدخّن عليه ليرجع إلى الكفر؛ فيقول: لا أكفر أبدًا.
وهو أَول رجل سلّ سيفه في سبيلِ الله، ذلك أَنه نفخت نفخة من الشَّيطان بأنه أُخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأقبل الزّبير يشقّ النّاس بسيفه، والنبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بأعلى مكّة، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا لَكَ يَا زُبَيْرُ"؟ قال: أُخبرتُ أَنك أُخذت، فصلّى عليه، ودعا له ولسيفه.
شهد الزّبير بن العوّام بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتَ معه يوم أُحُد، وبايعه على الموت، وكانت مع الزّبير إحدى رايات المهاجرين الثلاث في غزوة الفتح.
وكان الزّبير بن العوّام يُعْلِمُ بعصابة صفراء، وكان يحدّث أنّ الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بُلْق عليها عمائم صُفْر، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ الملائكة نزلت على سيماء الزّبير"، وقال عُرْوة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسَّيف كنتُ أدخِل أصابعي فيها: ثنتين يوم بَدْرِ، وواحدة يوم اليَرمُوك، كما شهد -رضي الله عنه- فتح مصر.
مناقبه:
قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "مَنْ يأتيني بخبر القوم؟"، فقال الزّبير: أنا، فقال: "من يأتيني بخبر القوم؟" فقال الزّبير: أنا، فقال: "من يأتيني بخبر القوم؟"فقال الزّبير: أنا، فقال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ لكلّ نبيّ حواريًّا وإنّ حواريّي الزّبيرُ".
وعندما أصاب عثمان الرعاف سَنَة الرعاف، حتى تخلف عن الحج، استخلف الزبير بن العوام وقال: أما والذي نفسي بيده إن كان لأخيرهم ــ ما علمت ــ وأحبَّهم إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقد دعا له النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بخير، والله لا يضيع دعاءه.
وروى عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما انتفض حراء قال: "اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيُّ وَصَدِّيقٌ وَشَهِيدٌ". وكان عليه النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، وعبد الرحمن، وسَعْد، وسَعِيد بن زيد، وروى عبد اللّه بن الزبير بن العوام، عن أبيه، قال: لما نزلت: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{[التكاثر: 8] قال الزبير: يا رسول الله، وأي النعيم نُسأل عنه، وإنما هما الأسودان: التمر والماء؟ قال: "أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ" قيل: كان للزبير ألف مملوك، يؤدون إليه الخراج، فما يُدْخِل إلى بيته منها درهمًا واحدًا، كان يتصدق بذلك كله، وقال هشام بن عروة: أوصى إلى الزبير سبعةٌ من أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم منهم: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والمقداد، وابن مسعود، وغيرهم. وكان يحفظ على أولادهم مالهم، وينفق عليهم من ماله، وقال عمر في السّتة أهلِ الشّورى: تُوفِّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو راضٍ عنهم.
ورى عنه ابنه عبد الله أنه قال: ما مني عضو إلا قد جرح مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فَرْجِه.
وثبت عن الزّبير أنه قال: جمع لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَبويه مرتين: يوم أحد، ويوم قريظة. وقال عبد الله بن الزّبير: قلت لأبي يومَ الأحزاب: قد رأيْتُكَ يَاأَبَهْ، تُحْمَلُ على فرس لك أشقر، قال: قد رأيْتَني أيْ بُنَيّ؟ قلت: نعم، قال: فإنّ رسول الله حينئذ جمع لي أبَوَيْهِ يقول: "فِداك أبي وأمي".
وقال أبو إسحاق السّبيعي: سألت مجلسًا فيه أكثر من عشرين رجلًا من أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: مَنْ كان أَكرمَ النّاس على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قالوا: الزّبير، وعليّ بن أَبي طالب، وقال أَبو عمر: كان الزّبير تاجرًا مَجْدُودًا في التّجارة، وقيل له يومًا: بم أدركت في التّجارة ما أدركت؟ فقال: إني لم أشتر عينًا، ولم أردْ ربحًا، والله يباركُ لمن يشاء، وروى عامرَ بن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه قال: قلت للزّبير: ما لي لا أسمعك تُحَدّثُ عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كما يحدّث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه منذُ أسلمتُ ولكني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "مَنْ كَذَبَ عَلَيّ فَلْيَتَبَوّأ مَقْعَدًا من النّار". قال وهب بن جرير في حديثه عن الزّبير: والله ما قال مُتَعَمّدًا وأنْتُم تقولون متعمّدًا.
وفاته:
قال عبد الله بن الزّبير: لمّا وقف الزّبير يومَ الجمل دعاني فقمتُ إلى جنبه فقال: يا بُنيّ إنّهُ لا يُقْتَلُ اليومَ إلاّ ظالمٌ أو مظلومٌ وإني لا أراني إلاّ سأُقتَلُ اليومَ مظلومًا وإنّ من أكْبَرِ همّي لَدَيْنِي، أفَتَري دَيْننا يُبْقي من مالنا شيئًا؟ ثمّ قال: يا بُني بعْ مالنا واقْض ديني وأوْص بالثّلُث فَإن فضل من مالنا من بعد قضاء الدّين شيءٌ فثُلثُه لوَلدك.
وشهد الزبير الجمل مقاتلًا لعلي، فناداه علي ودعاه، فانفرد به وقال له: أتذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فنظر إلي وضحك وضحكتُ فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوَة فقال: "ليس بمُزْهٍ، ولتقاتِلنَّه وأنت له ظالم"، فذكر الزبير ذلك، فانصرف عن القتال، فنزل بوادي السباع، وقام يصلي فأتاه ابن جُرموز فقتله، وجاء بسيفه إلى علي فقال: إن هذا سيف طالما فَرَّج الكُرب عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قال: بَشِّر قاتل ابن صَفِيَّة بالنار، وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من سنة ست وثلاثين، وقيل: إن ابن جرموز استأذن على علي، فلم يأذن له، وقال للآذن: بَشِّرْه بالنار، فقال:
أَتَيْتُ عَلِيًّا بِـرَأْسِ الزُّبَيْـ ـرِ أَرْجُو لَدَيهْ بهِ الزُّلَفَهْ
فَبَشَّرَ بِالنَّارِ إِذْ جِئْتُـهُ فَبِئْسَ البِشَارَةُ وَالتُّحفَهْ
وَسَيَّانَ عِنْديَ قَتْلُ الزُّبَيْــر وَضَرْطَةُ عَنْزٍ بِذِي الجُحْفَـهْ
وكان عمره لما قتل سبعًا وستين سنة، وقيل: ست وستون، ودُفِنَ الزّبير، رحمه الله، بوادي السباع، وجلس عليّ يبكي عليه هو وأصحابه، وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل، وكانت تحت الزّبير بن العوّام، وكان أهل المدينة يقولون: مَنْ أرَادَ الشّهَادَةَ فَلْيَتَزَوّجْ عاتكة بنت زيد، وكانت عند عبد الله بن أبي بكر فقُتل عنها، ثمّ كانت عند عمر بن الخطّاب فقُتل عنها، ثمّ كانت عند الزّبير فقُتل عنها.