عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي
عامر بن شَراحيل بن عَبْدٍ الشّعْبي، من حِمْيَر وعِداده في هَمْدان:
قالوا: ويكنى أبا عمرو، وقال الشعبي: وُلدتُ سنة جَلولاء، وكان ضئيلًا نَحيفًا وكان وُلد هو وأخ له تَوْأمًا في بطن، فقيل له: يا أبا عمرو، ما لنا نراك ضئيلًا؟ قال: إني زُوحِمْتُ في الرحم.
قال الحسن بن صالح عن أبيه: رأيتُ على الشعبي عمامة بيضاء قد أرخى طرفها ولم يردّها، قال عمر بن شَبيب المسْلي: قال لي أبي: رأيتُ على الشعبي ملحفة حمراء شديدة الحمرة، وقال الليث: رأيتُ الشعبي وما أدري ملحفته أشدّ حمرة أو لحيته، وقال الأسود بن شيبان: رأيت الشعبي بالكوفة عليه درّاعة حمراء، ليس عليه رداء، وعليه عمامة حمراء قد تعجّز بها من ثياب اليمن، الدرّاعة والعمامة، ورأيته وهو يومئذٍ قاضٍ بالكوفة وهو يقضي في المسجد. وقال عمرو بن الهَيْثَم: قلتُ لمعرّف بن واصل: كان الشعبي يخضب؟ قال: بالحنّاء. قال أبو أُميّة الزّيّات: رأيتُ على الشعبيّ مِطْرَف خزٍّ أصفر. قال عُرْوَة البزّاز أبو عبد الله: رأيتُ على عامر مطرف خزّ أخضر. وقال ابن عون: رأيت على الشعبي قلنسوة خزّ خضراء. وكان للشعبي مِطْرَفًا خَزّ يلبسهما مختلفًا ألوانهما. وقال داود بن أبي هند: أنّ الشعبي كان يلبس المعصفر. وروي عن عبد الله بن نُمير أنه قال: رأيتُ على الشعبي إزارًا أصفر. وقال إسحاق في حديثه: قلتُ مُشْبَعَة؟ قال: نعم. وقال عيسى بن عبد الرحمن: رأيتُ على الشعبي إزارا مفتولًا. وقال عبيد بن عبد الملك: رأيتُ الشعبي جالسًا على جلد أسد. وقال صالح بن أبي شُعيب العُكْلي: سألتُ عامرًا عن لُبس الفِراء، وعليه مُسْتَقَة فراء، قلت: ما ترى في لبسها؟ قال: حسن ليس به بأس، كانوا يرون أنّ دباغها طهورها. وقال يونس بن أبي إسحاق: رأيتُ الشعبي يصلّي في مستقة. وقال بن أبي هند العبسي: لقيتُ الشعبي في يوم عيد فِطْر أو أضحى وعليه برد عَدني. وروي عن مجالد أنه قال: قدم علينا الشعبي وعليه قباء سَمّور كان يصلّي فيه، وكان يصلّي في جلود الثعالب. وقال الحجّاج بن محمّد: سمعتُ شُعْبة يقول: سألتُ أبا إسحاق قلت: أنت أكبر أم الشعبي؟ قال: الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين، قال شعبة: وقد رأى أبو إسحاق عليًّا وكان يصفه لنا عظيم البطن أجلح.
قال مكحول: ما رأيتُ أحدًا أعلم بسنّة ماضية من الشعبي. وقال الشعبي: إذا عظمت الحلقة فإنّما هو نداء أو نجاء. وروى أبو كِبْران عن الشعبي، قال: أرسلني الحجّاج إلى رُتْبيل فأجازني وقال لي: ما هذا الصّبْغ؟ إنّما الشعر أبيض وأسود، قلت: سنّة. وقال طارق بن عبد الرحمن: دخلتُ على الشعبي أعوده من مرض كان به فقام يصلّي في قميص وإزار وليس عليه رداء. وروى تميم بن مالك عن الشعبيّ أنه كان لا يقوم من مجلسه حتى يقول: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، وأشهد أنّ الدين كما شَرَعَ، وأشهد أنّ الإسلام كما وَصَفَ، وأشهد أنّ الكتابَ كما أُنْزِلَ، وأنّ القول كما حَدَّث،َ وأشهدُ أنّ الله هو الحَقّ المُبين، فإذا ذهب ينهض قال: ذكَرَ الله محمّدًا منّا بالسلام.
قال ابن عون: قال رجل عند الشعبي: قال الله، فقال الشعبي: وما عليك أن لا تقول قال الله؟ وقال أبو بكر بن شُعيب بن الحَبْحَاب: سمعتُ عامرًا الشعبي، وقال له أبي: ما لإزارك مسترخيًا يا أبا عمرو؟ ــ وعلى الشعبي إزار كتّان مورّد ــ فقال الشعبي: ليس ها هنا شيء يحمله، وضرب بيده إلى أليته، فقال له أبي: كم تُراه أتى لك يا أبا عمرو؟ فأجابه الشعبي فقال:
نفسي تشَكّي إليّ الموْتَ مُزْحِفَةً وقَد حمَلتكِ سبعًا
بعد سبعينا
إنْ تُحْدِثي أملًا يا نَفْسُ
كاذبـةً إنّ
الثّلاثَ
يُوَفّيـنَ
الثّمـانِينَا
قال أبو بكر بن شُعيب: وكان ابن سبعٍ وسبعين سنة وهو يقرض الشعر. وقال عبد الله بن إدريس: سمعتُ ليثًا يذكر عن الشعبيّ أنه قال: أقمتُ بالمدينة مع عبد الله بن عمر ثمانية أشهر أو عشرة أشهر. وذكر محمّد بن سعد سبب مقامه بالمدينة؛ أنّه خاف من المختار، فهرب منه إلى المدينة، فأقام بها. وقال الشعبي: تعلّمْتُ الحساب من الحارث الأعور. وقال أيضًا: ما كتبتُ سوداء في بيضاء قطّ، وما حدّثني أحد بحديث فأحببت أن يُعيده عليّ. قال المغيرة: كان الشعبي يؤبّدنا يجيء بالأوابد ما كذا وكذا. وقال سفيان: أخبرني من سمع الشعبي يقول: ليتني انفلتّ من عملي كفافًا لا عليّ ولا لي. وقال محمّد بن جُحادة: أنّ عامرًا الشعبي سُئل عن شيء فلم يكن عنده فيه شيء، فقيل له: قل برأيك، قال: وما تصنع برَأيي؟ بُل على رأيي.
قال ابن عون: كان الشعبي يحدّث بالحديث بالمعاني. وروى الحسن بن عُقْبة أبي كِبْران المُرادي عن الشعبي، قال: اكتبوا ما سمعتم مني ولو في الجدار. وذكر عبد الله بن أبي السّفَر عن الشعبي: ما أنا بعالم ولا أترك عالمًا، وإنّ أبا حصين لرجل صالح. وقال أبو شهاب: عن آدم أنّ رجلًا سأل إبراهيم عن مسألة، فقال: لا أدري، فمرّ عليه عامر الشعبي، فقال للرجل: سَلْ ذاك الشيخ، ثمّ ارجع فأخبرني، فرجع إليه قال: قال: لا أدري، قال إبراهيم: هذا والله الفقه. قال الصّلْت بن بِهْرام: ما رأيتُ رجلًا بلغ مبلغ الشعبي أكثر يقول: لا أدري منه. قال عمرو بن سعيد: قلتُ للشعبي: حديثًا حَدَّثتَنِيه اختُلِج منّي، قال: ما هو؟ قلت: لا أدري، قال: لعلّه كذا، قلت: لا، قال: لعلّه كذا، قلت: لا، قال: لعلّه:
هَنيئًا مَريئًا غيرَ داءٍ مُخَامِرٍ لعَزّةَ من أعراضِنا ما اسْتحَلّتِ
وروى صالح بن صالح الهمداني أن الشعبي وقف على قوم وهم ينالون منه ولا يرونه، فلمّا سمع كلامهم قال لهم:
هَنيئًا مَريئًا غيرَ داءٍ مُخامِرٍ لعَزّةَ من أعراضِنا ما اسْتحَلّتِ
وقال صالح بن مسلم: كنتُ مع الشعبيّ ويدي في يده، أو يده في يدي، فانتهينا إلى المسجد فإذا حمّاد في المسجد وحوله أصحابه ولهم ضَوْضاة وأصوات، فقال: والله لقد بغّض إليّ هؤلاء هذا المسجد حتى تركوه أبغضَ إليّ من كُناسة داري، معاشر الصعافقة، فانصاع راجعًا ورجعنا. وروى عبد الله بن أبي السّفر عن الشعبي أنه قال: لقد أتى عليّ زمانٌ وما من مجلس أحَبّ إليّ أن أجلس فيه من هذا المسجد فلَكناسة اليوم أجلس عليها أحَبّ إليّ من أن أجلس في هذا المسجد، وقال: وكان يقول إذا مرّ عليهم: ما يقول هؤلاء الصعافقة؟ أو قال: بنو اسْتِها ــ شكّ قبيصة ــ ما قالوا لك برَأيهم فبُلْ عليه وما حدّثوك عن أصحاب محمّد صَلَّى الله عليه وسلم فخُذْ به.
قال أبو حنيفة: رأيت الشعبي يلبس الخزّ ويجالس الشعراء، فسألته عن مسألة فقال: ما يقول فيها بنو استها، يعني الموالي. وقال الشعبي: لوددتُ أنّ عطائي في بولِ حمارٍ، كم مَنْ قد قاده عطاؤه إلى النار! قال عطيّة السراج: مررتُ مع الشعبي على مسجدٍ من مساجد جُهينة فقال: أشهدُ على كذا وكذا من أهل هذا المسجد من أصحاب النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثلاثمائة يشربون نبيذ الدنان في العرائس. وقال أبو إسرائيل: رأيت الشعبي يقضي في الزاوية التي عند باب الفيل. وقال أبو أسامة: قدّمْت إلى الشعبي غريمًا لي عليه دراهم، فقال: لئن لم تُعْطِهِ أو جاء بك مرّة أخرى لأحبسنّك ولو كنتَ ابن عبد الحميد؛ وقال محمد بن سعد: وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب والي عمر بن عبد العزيز على العراق فولّى عامرًا الشعبيّ قضاء الكوفة.
رأى عامرٌ عليَّ بن أبي طالب ووصفه، وروى عن: أبي هُريرة، وابن عمر، وابن عبّاس، وعَديّ بن حاتم، وسَمُرة بن جُنْدُب، وعَمرو بن حُريث، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، والمغيرة بن شعبة، والبَرَاء بن عَازِب، وزيد بن أرقم، وابن أبي أوْفَى، وجابر بن سَمُرة، وأبي جُحَيْفة، وأنس بن مالك، وعِمران بن حُصين، وبُريدة الأسلمي، وجَرير بن عبد الله، والأشعث بن قيس، وأبي موسى الأشعري، والحسن بن عليّ، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والنعمان بن بَشِير، وجابر بن عبد الله، ووهب بن خَنْبَش الطائي، وحُبْشي بن جُنادة السّلولي، وعامر بن شَهْر، ومحمّد بن صَيّفي، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعُروة البارقي، وفاطمة بنت قيس، وعبد الرحمن بن أَبْزى، وعلقمة بن قيس، وفَرْوة بن نوفل الأشجعي، وعبد الرحمن بن أبي لَيْلى، والحارث الأعور، وزُهير بن القَين، وعوف بن عامر، والأسود بن يزيد، وسعيد بن ذي لَعْوة، وأبي سلَمة بن عبد الرحمن، وأبي ثابت أيمن الّذي روى عن يَعْلى بن مرّة.
قال عيسى بن أبي عزّة: مكثتُ مع عامر بخُراسان عشرة أشهر لا يزيد على ركعتين. وقال محمّد بن سعد: وكان له ديوان، وكان يغزو عليه، وكان شيعيًّا فرأى منهم أمورًا، وسمع كلامهم وإفراطهم، فترك رأيهم وكان يعيّبهم. وقال الشعبي: لو كانت الشيعة من الطير كانوا رَخَمًا ولو كانوا من الدوابّ كانوا حميرًا. وقال أيضًا: أحِبّ صالح المؤمنين وصالح بني هاشم، ولا تكن شيعيًّا، وارْجُ ما لم تعلم، ولا تكن مُرِجئًا، واعلم أن الحسنة من الله والسيئة من نفسك، ولا تكن قدريًّا، وأحبِبْ من رأيته يعمل بالخير وإن كان أخرم سِنْديًّا.
قال محمد بن سعد: قال أصحابنا: وكان الشعبي فيمن خرج مع القُرّاء على الحجّاج، وشهد دير الجَماجم، وكان فيمن أفلت فاختفى زمانًا، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم: أن يكلّم فيه الحجّاج، فأرسل إليه: إني والله ما أجْتَريء على ذلك، ولكن تحيّن جلوسَه للعامّة، ثمّ ادْخُلْ عليه حتى تمثل بين يديه وتتكلّم بعذرك وأقرّ بذنبك، واستشهدْني على ما أحببتَ أشْهد لك، ففعل الشعبي، فلم يشعر الحجّاج إلاّ وهو قائم بين يديه، فقال له الحجاج: الشعبي؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، قال: ألم أقدم البلدَ وعطاؤك كذا وكذا فزِدْتُك في عطائك ولا يُزاد مثلك؟ قال: بلى، أصلح الله الأمير، قال: ألم آمرْ أن تؤمّ قومك ولا يؤمّ مثلك؟ قال: بلى، أصلح الله الأمير، قال: ألم أعرّفك على قومك ولا يعرَّف مثلُك؟ قال: بلى، أصلح الله الأمير، قال: ألم أوفِدْك على أمير المؤمنين ولا يوفَد مثلك؟ قال: بلى، أصلح الله الأمير، قال: فما أخرجك مع عدوّ الرحمن؟ قال: أصلح الله الأمير، خبطتنا فتنةٌ فما كنّا فيها بأبرار أتقياء ولا فجّار أقوياء، وقد كتبتُ إلى يزيد بن أبي مُسلم أُعْلِمه ندامتي على ما فرط منيّ ومعرفتي بالحقّ الذي خرجتُ منه وسألته أن يُخْبر بذلك الأمير ويأخذ لي منه أمانًا فلم يفعل، فالتفت الحجّاج إلى يزيد فقال: أكذلك يا يزيد؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، قال: فما منعك أن تخبرني بكتابه؟ قال: الشُغل الذي كان فيه الأمير، فقال الحجّاج: أولًا؛ انصرف، فانصرف الشعبي إلى منزله آمنًا.
قال يحيَى بن طلحة: توفّي الشعبي بالكوفة سنة خمسٍ ومائة وهو ابن سبعٍ وسبعين سنة. وقيل: توفّي الشعبي سنة أربعٍ ومائة. وقال محمّد بن سعد، وغيره: توفّي سنة ثلاثٍ ومائة هو وأبو بُرْدة بن أبي موسى في جمعة. قال عاصم: أخبرتُ الحسنَ بموت الشعبي فقال: رحمه الله، إن كان من الإسلام لَبِمَكان، قال عاصم: وتوفّي الشعبي فجأة.