عامر بن عبد الله بن عبد القيس العنبري
((عامر بن عبد الله بن عبد القيس العَنْبَريّ)) ((من بني تميم))
((يكنى أبا عَمْرو، ويقال أبا عبد الله))
((قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: حدّثنا أبو هلال قال: حدّثنا محمّد بن سيرين قال: قيل لعامر بن عبد الله ألا تتزوّج؟ قال: ما عندي من نشاط وما عندي من مال فما أغرّ امرأةً مسلمةً.)) ((قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدّثنا حَمّاد بن زيد عن أيـّوب عن أبي قِلابة أنّ رجلًا لقيَ عامر بن عبد قيس فقال له: ما هذا الذي صنعتَ؟ أَلم يقل الله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [سورة الرعد: 38]؟ قال: أفلم يقل الله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56].))
((قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان قال: حدّثنا مالك بن دينار قال: حدّثني من رأى عامر بن عبد قيس دعا بزيت فصبّه في يده، كذا وصف جعفر، ومسح إحداهما على الأخرى ثمّ قال: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [سورة المؤمنون: 20]، قال: فدهن رأسه ولحيته.))
((قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال: حدّثني جدّي الصبّاح بن أبي عبدة العنبريّ قال: حدّثني رجل من الحيّ كان صدوقًا فأُْنـْسيتُ أنا اسمه قال: صحبتُ عامرًا في غزاة فنزلنا بحضرة غَيْضَة فجمع متاعه وطوّل لفرسه وطرح له، قال: ثمّ دخل الغيضة فقلت: لأنظرنّ ما يصنع الليلة، قال: فانتهى إلى رابية فجعل يصلّي حتّى إذا كان في وجه الصبح أقبل في الدّعاء، فكان فيما يدعو به: اللّهمّ سألتك ثلاثًا فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحدةً، اللّهمّ فَأَعْطِنيها حتّى أعبدك كما أحبّ وكما أريد، وانفجر الصبح، قال: فرآني فقال: ألا أراك كنت تراعيني منذ الليلة لهممتُ بك، ورفع صوته عليّ، ولهممتُ وفعلتُ، قلتُ: دع هذا عنك والله لتُحدّثني بهذه الثلاث التي سألتها ربـّك أو لأخبرنّ بما تكره ممّا كنتَ فيه الليلة، قال: ويـْلك لا تفعل! قال: قلت: هو ما أقول لك، فلمّا رآني أني غير مُنتهٍ قال: فلا تحدّث به ما دمتُ حيّا، قال: قلتُ لك الله عليّ بذلك، قال: إني سألتُ ربي أن يذهب عني حبّ النساء، ولم يكن شيء أخْوف عليّ في ديني منهنّ، فوالله ما أُبالي امرأة رأيت أم جدارًا، وسألتُ ربي أن لا أخاف أحدًا غيره فوالله ما أخاف أحدًا غيره، وسألتُ ربي أن يـُذهب عني النوم حتّى أعبده بالليل والنهار كما أريد فمنعني.))
((قال: أخبرنا كَثير بن هشام قال: حدّثنا جعفر بن بُرْقان قال: حدّثنا مَيْمُون بن مِهْران أنّ عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني أن أسألك مالك لا تزوّج النساء؟ قال: ما تَـرَكْـتُهُنَّ وإنـّي لدائب الخطبة، قال: وما لك لا تأكل الجبن؟ قال: إِنـّا بأرض بها مجوس فما شهد شاهدان من المسلمين أنـّه ليس فيه ميتة أكلتُه، قال: وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال: لدى أبوابكم طلاّب الحاجات فادعوهم فاقضوا حوائجهم ودَعُوا من لا حاجة له إليكم. قال: أخبرنا عتّاب بن زياد قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا عبد الرّحمن ابن يزيد بن جابر قال: حدّثني بلال بن سعد أنّ عامر بن عبد قيس وشي به إلى زياد، وقال غيره: إلى ابن عامر، فقال له: إنّ هاهنا رجلًا يقال له ما إبراهيم خير منك فيسكت وقد ترك النساء، فكتب فيه إلى عثمان فكتب أن انفه إلى الشأم على قَتبٍ، فلمّا جاءه الكتاب أرسل إلى عامر فقال: أنت الّذي قيل لك ما إبراهيم خير منك؟ فسكت، قال: أما والله ما سكوتي إلاّ تعجّبًا لوددت أني كنت غُبارًا على قدميه يدخل بي الجنّة، قال: ولِمَ تركت النساء؟ قال: أما والله ما تركتـُهنّ إلاّ أنـّي قد علمت أنـّه متى ما تكن لي امرأة فعسى أن يكون ولد ومتى ما يكون ولد تشعبت الدنيا قلبي فأحببت التخلّي من ذلك، فأجلاه على قتب إلى الشأم. فلمّا قدم أنزله معاوية معه الخضراء وبعث إليه بجارية فأمرها أن تُعْلِمَهُ ما حاله فكان يخرج من السّحَر فلا تراه إلى بعد العَتَمَة ويبعث إليه معاوية بطعامه فلا يعرض لشيء منه ويجيء معه بِكِسَرٍ يجعلها في ماء ثمّ يأكل منها ويشرب من ذلك الماء ثمّ يقوم، فلا يزال ذلك مقامه حتّى يسمع النداء ثمّ يخرج فلا تراه إلى مثلها، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر له حاله، فكتب إليه أن اجعله أوّل داخلٍ وآخر خارج ومُرْ له بعشرة من الرقيق وعشرة من الظَّهْر فلما أتى معاوية الكتاب أرسل إليه فقال: إنّ أمير المؤمنين كتب إليّ أن آمر لك بعشرة من الرقيق، فقال: إنّ عليّ شيطانـًا فقد غَلَبَنِي فكيف أجمع عليّ عشرة! قال: وآمر لك بعشرة من الظَّهر، فقال: إنّ لي لبغلةً واحدةً وإنـّي لمُشْفِقٌ أن يسألني الله عن فضل ظهرها يوم القيامة، قال: وأمرني أن أجعلك أوّل داخلٍ وآخر خارجٍ، قال: لا إرْبَ لي في ذلك. قال: فحدّثنا بلال بن سعد عمّن رآه بأرض الروم على بغلته تلك يركبها عقبةً ويحمل المجاهدين عقبةً، قال: وحدّثنا بلال أنـّه كان إذا فصل غازيـًا وقف يتوسّم الرّفاق فإذا رأى رفقةً تُوَافقه قال: يا هؤلاء إنّي أريد أن أصحبكم على أن تعطُوني من أنفسكم ثلاث خِلال، فيقولون: ما هنّ؟ قال: أكون لكم خادمًا لا ينازعني أحد منكم الخدمة، وأكون مؤذّنـًا لا ينازعني أحد منكم الأذان، وأنفق عليكم بقدر طاقتي، فإذا قالوا نعم انضمّ إليهم، فإن نازعه أحد منهم شيئًا من ذلك رَحَل عنهم إلى غيرهم. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان قال: حدّثنا سعيد الجُرَيري قال: لمّا سُيّر عامر بن عبد الله تبعه إخوانه، فلما كان بظهر المِرْبَد قال: إنـّي داعٍ فأَمِّنوا، فقالوا: هات فقد كنـّا نَسْتَبْطِئُ هذا منك، قال: اللّهمّ من وشى بي وكذب عليّ وأخرجني من مصري وفرق بيني وبين إخواني اللّهمّ أكْثِر ماله وولده وأَصِحَّ جسمه وأطِلْ عمره. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكِلابيّ قال: حدّثنا عبد الملك بن مَعْن النّهْشَليّ قال: حدّثنا نصْر بن حسّان العنبريّ جدّ مُعاذ بن مُعاذ العنبريّ القاضي عن حصين بن أبي الحرّ العنبريّ جدّ عُبيد الله بن الحسن القاضي قال: قدمت الشأم فسألت عن عامر بن عبد قيس قال: فقيل إنـّه يأوي إلى عجوز هاهنا، قال: فأتيتُها فسألتُها فقالت: هو في سفح ذلك الجبل يصلّي فيه اللّيل والنـّهار، فإن أردته فَتَحَيّنْه في وقت فطوره، تعني إفطاره، قال: فأتيته فسلّمت عليه فَسَاءَلَنِي مُسَاءَلة رجلٍ عهده بي بالأمس ولم يسألني عن قومه من مات منهم ومَن بقي، ولم يسمِّني العشاء، قال: فقلت لعامر: لقد رأيت منك عجبًا، قال: وما هو؟ قال: غبتَ عنّا منذ كذا وكذا فَسَاءَلْتَنِي مُسَاءَلَة رجل عهده بي بالأمس قال: قد رأيتك صالحًا فعن أيّ شأنك أسألك؟ قال: ولم تسألني عن قومك من مات منهم ومن بقي وقد علمت مكاني منهم، قال: ما أسألك عن قوم من مات منهم فقد مات ومن لم يمت فسيموت، قال: ولم تسمّني العشاء، قال: قد علمتُ أنـّك كنتَ تأكل طعام الأمراء وفي طعامي هذا خشونة أو جشوبة، قال: فدخلتُ بعد ذلك المسجد فإذا هو جالس إلى كعب وبينهما سِفْرٌ من أسفار التوراة وكعب يقرأ فإذا مرّ على الشيء يعجبه فَسَّرَه له فأتى على شيء كهيئة الراء أو الزاي، قال فقال: يا أبا عبد الله أتدري ما هذا؟ قال: لا، قال: هذه الرشوة أجدها في كتاب الله تطمس البصر وتطبع على القلب. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: لما رأى كعب عامرًا بالشأم قال: مَن هذا؟ قالوا: عامر بن عبد قيس العنبريّ البصريّ قال: فقال كعب: هذا راهب هذه الأمّة. قال: أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: حدّثنا سليمان بن المُغيرة قال: حدّثنا أيـّوب السّخْتياني قال: لمّا سُيّر أولئك الرهط إلى الشأم كان فيهم مَذْعور وعامر بن عبد قيس وصعصعة بن صُوحان، فلمّا عرفوا براءتهم أُمروا بالانصراف فانصرف بعضهم وبقي بعضهم فكان فيمن أقام مَذْعور وعامر وكان فيمن انحاز صعصعة بن صُوحان. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبديّ قال: حدّثنا أبو الوليد الشّيْبانيّ قال: حدّثنا مخلد قال: سمعتُ أنّ واصلًا ذكر أنّ عامرًا غزا مع النـّاس فنزل المسلمون منزلًا وانطلق عامر فنزل في كنيسة وقال لرجل خُذْ لِي بباب الكنيسة: فلا يدخلنّ عليّ أحد، قال: فجاء الرجل فقال: إنّ الأمير يستأذن، فقال: فَأْذَنْ له، فدخل، فلمّا دخل وكان قريبًا قال له عامر: أنشدك الله أذكرك الله أن ترغبني في دنيا أو تزهدني في آخرة. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبديّ قال: حدّثنا سعيد بن عامر عن أسماء بن عُبيد قال: كان عامر العنبريّ في جيش فأصابوا جاريةً مِنْ عظماء [[العدوّ]]، قال: فوُصفَتْ لعامر فقال لأصحابه: هبوها لي فإني رجل من الرجال، ففعلوا وفرحوا بذلك فجاءوا بها فقال: اذهبي فأنت حُرّة لوجه الله، قالوا: ياعامر والله لو شئت أن تَعْتِقَ بها كذا وكذا لأعتقت، قال: أنا أحاسب ربي. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبديّ قال: حدّثنا أسود بن سالم قال: حدّثنا حمّاد ابن زيد عن سعيد الجُريريّ أنّ رجلًا رأى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في المنام فقال: استغفر لي، فقال: يستغفر لك عامر، قال: فأتيتُ عامرًا فحدّثته، قال: فبكى حتّى سمعتُ نَشيجه. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبديّ عن عُبيد الله بن ثور قال: حدّثني سعيد بن زيد عن سعيد الجُريري عن مُضارب بن حَزْن التميميّ قال: قلنا لمعاوية: كيف وجدتم من أوفدنا إليكم من قرّائنا؟ قال: يُثنون ويَتَفَقَّعُون، يدخلون بالكذب ويخرجون بالغشّ، غير رجل واحد فإنـّه رجل نفسه، قلنا: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: عامر بن عبد قيس. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدّثنا سهل بن محمود قال: حدّثنا سفيان عن أبي موسى قال: لمّا أراد عامر الخروج أتى مُطَرّفًا ليسلّم عليه فدقّ الباب، فقال مطرّف للخادم: انظري من هذا! فقالت: عامر، فخرج إليه فسلّم عليه ثمّ انصرف، فلمّا مضى من اللّيل ما مضى رجع فدقّ الباب، فقال مطرّف لخادمه: انظري من هذا! قالت: عامر، فخرج إليه فقال: ما ردّك بأبي أنت وأمّي! قال: والله ما ردّني إلاّ حبّك، فسلّم عليه وودّعه ثمّ ذهب، فلمّا مضى من اللّيل ما مضى رجع فدقّ الباب، فقال مطرّف لخادمه: انظري من هذا! قالت: من هذا؟ قال: عامر فخرج إليه مطرّف فقال له مثل قوله، حتّى فعل ذلك ثلاث مِرَار. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدّثنا بشير بن عمر الزّهْرانيّ قال: حدّثنا همّام عن قتادة أنّ عامر بن عبد الله لمّا حُضِر جعل يبكي فقيل له: ما يُبْكيك؟ فقال: ما أبكي جَزَعًا من الموت ولا حِرْصًا على الدنيا ولكن أبكي على ظَمَأ الهواجر وعلى قيام ليل الشتاء. قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث قال: حدّثنا أبو هلال قال: حدّثنا حُمَيد بن هلال قال: قال عامر: الدنيا أربع خصال: النوم والمال والنساء والطعام، فأمّا اثنتان فقد عَزَفَتْ نفسي عنهما، أمّا المال فلا حاجة لي فيه، وأمّا النساء فوالله ما أُبالي امرأةً رأيتُ أو جدارًا، ولا أجد بدًّا من هذا الطعام والنوم أن أصيب منهما، والله لأضرنّ بهما جهدي! قال: وكان إذا كان اللّيل جعله نهارًا قام وإذا كان النّهار جعله ليلًا صام ونام.)) ((قال: أخبرنا حَمّاد بن مَسْعَدَة قال: حدّثنا ابن عون عن محمّد قال: كان بين عامر بن عبد الله العنبريّ وبين رجل محاورةٌ في شيء، قال: فعيّره عامر بشيء كان في أمّه، فلمّا كان بعد ذلك قال: قيل له ما كنـّا نراك تُحسن هذا! فقال: كم من شيء ترون أنـّي لا أحسنه أنا أعلمكم به. قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: حدّثنا شُعْبة بن الحجّاج عن حَبيب بن الشّهيد قال: سمعت أبا بِشْر يحدّث عن سَهْم بن شَقيق قال: أتيت عامرَ بن عبد الله، قال شعبة: وبعضهم يكره أن يقول عبد قيس، فقعدت على بابه فخرج وقد اغتسل فقلت: إنـّي أرى الغُسْل يُعْجِبُك، قال: ربّما اغتسلتُ، فقال: ما حاجتُك؟ قلت: الحديث، قال: وعهدتني أحبّ الحديث؟)) ((قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا أبو بكر بن عَيّاش عن هشام بن حسّان قال: أراه ذكَرَه عن ابن سيرين قال: خرج عطاؤه، يعني عامر بن عبد قيس، قال: فأمر رجلًا فقسمه، قال: فحسب، قال: فزاد، قال: فقال هذا يزيد، أرى الأمير عرف أيّ شيء تصنع فزادك، قال: فألا ظننتَ به من هو أقدر من الأمير؟ أو قال: أحقّ من الأمير. قال: وقيل له فلانة امرأتك في الجنّة، قال: فذهب في طلبها، فإذا هي وليدة لأعراب سوء ترعى غنمًا لهم فإذا جاءت سبّوها وأغلظوا لها ورموا إليها برغيفين، قال فتذهب بأحدهما إلى أهل بيت فتعطيهم إياه، قال: وإذا أرادت أن تغدو رموا إليها برغيفين، قال: فتذهب بهما إلى أهل بيت فتدفعهما كليهما إليهم، وإذا هي تصوم فتفطر على رغيف، قال: فاتّبعتُها فانتهت إلى مكان صالح فتركت غنمها فيه وقامت تصلّي، فقال: أخبريني ألكِ حاجة؟ قالت: لا، فلمّا أكثر عليها قالت: وددتُ أنّ عندي ثوبين أبيضين يكونان كفني قال: لِمَ يسبّونكِ؟ قالت: إني أرجو في هذا الأجر، قال: فرجع إليهم فقال: لِمَ تسبّون جاريَتكم هذه؟ قالوا: نخاف أن تفسد علينا، قال: وقد جاءت جارية لهم أخرى ليس مثلها لم يسبوها، قال: تبيعونها؟ قالوا: لو أعطيتنا بها كذا وكذا من المال ما بِعْنَاها، قال: فذهب فجاء بثوبين وصادفها حين ماتت فقال: ولَّونيها، قالوا: نعم، فدفنها وصلّى عليها. قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان قال: حدّثني مالك بن دينار قال: حدّثني فلان أنّ عامر بن عبد قيس مرّ في الرحبة فإذا ذمّيّ يـُظْلَم، قال: فألقى عامر رداءه ثمّ قال: لا أرى ذمّة الله تُخْفَر وأنا حَيّ؟ فاستنقذه. قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال: حدّثنا ابن عون عن محمّد قال: أوّل ما عرف مَعْقِل بن يَسَار عامرًا ذكر مكانًا عند الرحبة عند المُكاريين، قال: مرّ على رجل من أهل الذمّة قد أُخذ فكلّمهم فيه فأبوا، فكلّمهم فيه فأبوا، قال: كذبتم والله لا تظلمون ذمّة الله اليوم، أو قال: ذمّة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأنا شاهد، فنزل فتخلصه منهم، فقال النّاس: إنّ عامرًا لا يأكل اللّحم ولا السمن ولا يصلّي في المساجد ولا يتزوّج النساء ولا تمسّ بشرته بشرة أحدٍ ويقول: إني مثل إبراهيم، فأتيتُه فدخلتُ عليه وعليه برنس فقلت: إنّ النّاس يزعمون أو يقولون إنـّك لا تأكل اللّحم قال: أما إنا إذا اشتهينا أمرنا بالشاة فذُبحت فأكلنا من لحمها أحدث هؤلاء شيئًا لا أدري ما هو، وأمّا السمن فإني آكل ما جاء من هاهنا، وضرب ابن عون يده نحو البادية وقال: لا آكل ما جاء من هاهنا، يعني الجبل، وأمّا قولهم إني لا أصلّي في المساجد فإنيّ إذا كان يوم الجمعة صليت مع النـّاس، ثمّ أختار الصلاة بعد هاهنا، وأمّا قولهم إني لا أتزوّج النساء فإنّما لي نفس واحدة فقد خشيتُ أن تغلبني، وأمّا قولهم إني زعمتُ أني مثل إبراهيم فليس هكذا قلتُ، إنّما قلتُ: إني لأرجو أن يجعلني الله مع النبيّين والصدّيقين والشّهداء والصّالحين وحَسُنَ أولئك رَفِيقًا. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال: حدّثني جدّي الصبّاح بن أبي عبدة العنبريّ قال: حدّثني رجل من الحيّ كان صدوقًا فأُْنـْسيتُ أنا اسمه قال: صحبتُ عامرًا في غزاة فنزلنا بحضرة غَيْضَة فجمع متاعه وطوّل لفرسه وطرح له، قال: ثمّ دخل الغيضة فقلت: لأنظرنّ ما يصنع الليلة، قال: فانتهى إلى رابية فجعل يصلّي حتّى إذا كان في وجه الصبح أقبل في الدّعاء، فكان فيما يدعو به: اللّهمّ سألتك ثلاثًا فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحدةً، اللّهمّ فَأَعْطِنيها حتّى أعبدك كما أحبّ وكما أريد، وانفجر الصبح، قال: فرآني فقال: ألا أراك كنت تراعيني منذ الليلة لهممتُ بك، ورفع صوته عليّ، ولهممتُ وفعلتُ، قلتُ: دع هذا عنك والله لتُحدّثني بهذه الثلاث التي سألتها ربـّك أو لأخبرنّ بما تكره ممّا كنتَ فيه الليلة، قال: ويـْلك لا تفعل! قال: قلت: هو ما أقول لك، فلمّا رآني أني غير مُنتهٍ قال: فلا تحدّث به ما دمتُ حيّا، قال: قلتُ لك الله عليّ بذلك، قال: إني سألتُ ربي أن يذهب عني حبّ النساء، ولم يكن شيء أخْوف عليّ في ديني منهنّ، فوالله ما أُبالي امرأة رأيت أم جدارًا، وسألتُ ربي أن لا أخاف أحدًا غيره فوالله ما أخاف أحدًا غيره، وسألتُ ربي أن يـُذهب عني النوم حتّى أعبده بالليل والنهار كما أريد فمنعني. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: حدّثنا همّام عن قتادة قال: سأل عامر بن عبد الله ربّه أن يهوّن عليه الطّهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار، وسأل ربّه أن ينزع شهوة النساء من قلبه فكان لا يبالي أذَكرًا لقي أم أنثى، وسأل ربّه أن يحول بين الشيطان وبين قلبه وهو في الصلاة فلم يقدر على ذلك، قال: وكان إذا غزا فيقال: إنّ هذه الأجَمَة نخاف عليك فيها الأسد، قال: إني لأستحي من ربي أن أخشى غيره. قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: حدّثنا همّام قال: قال قتادة: قال عامر: لَحَرفٌ في كتاب الله أُعطاه أحبّ اليّ من الدنيا جميعًا، فقيل له: وما ذاك يا أبا عمرو؟ قال: أن يجعلني الله من المتّقين فإنـّه قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سورة المائدة:27]. قال: أخبرنا كثير بن هشام قال: حدّثنا جعفر بن بُرْقان قال: حدّثني مُحَدّث عن الحسن أنّ عامر بن عبد قيس قال: والله لئن استطعت لأجعلنّ الهمّ همًّا واحدًا، قال الحسن: ففعل والله. قال: أخبرنا عُبيد الله بن محمّد القرشيّ قال: حدّثنا عبد الجبّار بن النَّضر السُّلَميّ يحدّث عن شيخ له قال: قيل لعامر بن عبد الله: أضررتَ بنفسك، قال: فأخذ بجلدة ذراعه فقال: والله لئن استطعتُ لا تَنال الأرض من زُهْمه إلاّ اليسيرَ. يعني من وَدَكه. قال: أخبرنا عُبيد الله بن محمّد القرشي قال: حدّثنا عقبة بن فَضالة عن شيخ أحسبه سُكين الهَجَريّ قال: كان عامر بن عبد الله إذا مرّ بالفاكهة قال: مقطوعة ممنوعة.))((قال: أخبرنا عفّان بن مسلم وعمرو بن عاصم قالا: قال حمّاد بن سَلَمَة عن ثابت البُنَانيّ قال: قال عامر بن عبد الله قال عفّان لابني عمّ له قال عمرو لابني أخٍ له: فَوِّضا أمركما إلى الله تستريحا.))
((روى عن عمر. قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا عُبيد الله بن عمرو عن محمّد بن واسع عن عامر بن عبد قيس أنـّه كان يأخذ عطاءه من عمر ألفين فلا يمرّ بسائل إلاّ أعطاه، ثمّ يأتي أهلَه فيُلقيه إليهم فيعدّونه فيجدونه سواء لم ينقص منه شيء.))
((قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدّثنا بشير بن عمر الزّهْرانيّ قال: حدّثنا همّام عن قتادة أنّ عامر بن عبد الله لمّا حُضِر جعل يبكي فقيل له: ما يُبْكيك؟ فقال: ما أبكي جَزَعًا من الموت ولا حِرْصًا على الدنيا ولكن أبكي على ظَمَأ الهواجر وعلى قيام ليل الشتاء.)) الطبقات الكبير.