تسجيل الدخول


أمية بن أبي الصلت الثقفي

1 من 1
ز ـــ أمية بن أبي الصّلت الثقفي المشهور ذكره ابن السكن في الصحابة، وقال: لم يدركه الإسلام، وقد صدّقه النبي صَلَّى الله عليه وسلم في بَعْضِ شِعْره، وقال: "قد كاد أمية أنْ يسلم"؛ ثم قصَّ قصةَ مَوْته من طريق محمد بن إسماعيل بن طريح بن إسماعيل الثقفي، عن أبيه عن جده، ثم أخرج حديث عِكرمة عن ابن عبّاس أنّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم أنشد قول أمية:

زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ وَالنِّسْرُ لِلأخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصِدُ

[الكامل]

فقال: صدق، هكذا صِفَة حمَلَة العرش.

قلت: وصحّ عن الشريد بن عمرو أن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم استنشده من شعر فقال: "كاد أن يسلم".(*)

وفي البُخَاريِّ عن أبي هريرة ـــ مرفوعًا ـــ في حديث: "وكاد أميةُ بن أبي الصلت أن يسلم".

وأم أمية رُقَيَّة بنت عبد شمس بن عباد بن عبد مناف؛ فذلك رثى أمية بن أبي الصلت قَتْلى بَدْر بقصيدته المشهورة؛ لأنه كان من رؤوس مَنْ قتل بها عُتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس؛ وهما ابنا خاله.

وكان أبو الصّلت والد أميّة شاعرًا، وكذا ابنه القاسم بن أمية، وسيأتي أنّ له صحبة.

وقال أَبُو عُبَيْدَة: اتَّفقت العربُ على أنَّ أميةَ أشعْرُ ثقيف.

وقال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حدّثني عمي، قال: كان أمية في الجاهلية نظر الكتبَ وقرأها، ولَبِس المسوح وتعبّد أوّلًا بِذِكْرِ إبراهيم وإسماعيل والحنيفية، وحرّم الخمر، وتجنَّب الأوثان، وطمع في النبوة؛ لأنه قرأ في الكتب أنَّ نبيًا يُبْعَث بالحجاز، فرجا أن يكون هو؛ فلما بُعث النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم حسده فلم يسلم، وهو الذي رثى قَتْلَى بَدْرِ بالقصيدة التي أولها:

مَاذَا يُبَدَّرُ والعَقَنْـ ــقِلُ مِنْ مَرَازِبَةٍ
جَحَاجِح

وذكر صَاحِبُ المِرْآةِ في ترجمته عن ابن هشام، قال: كان أميةُ آمنَ بالنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم. فقدم الجحاز ليأخذ ماله من الطّائف ويُهاجر؛ فلما نزل بَدْرًا قيل له: إلى أَيْنَ يا أبا عثمان؟ قال: أريد أن أتبع محمّدًا، فقيل له: هل تدري ما في هذا القَلِيب؟ قال: لا، قيل فيه شيبة وعُتبة ابنا خالك وفلان وفلان؛ فجدع أنْفَ ناقَتِه وشقّ ثوبه، وبكى، وذهب إلى الطائف فمات بها، ذكر ذلك في حوادث السنة الثانية.

والمعروف أنه مات في التاسعة. ولم يختلف أصحابُ الأخبار أنه مات كافرًا، وصَحَّ أنه عاش حتى رثى أهل بدر، وقيل: إنّه الذي نزل فيه قوله تعالى: {الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175] وقيل: إنه مات سنة تسع من الهجرة بالطائف كافرًا قبل أن يسلم الثقفيون.

وقال المَرْزَبَانِيُّ: اسمُ أبي الصلت عبد الله بن ربيعة بن عَوْف بن عُقدة بن غِيرة بن عوف بن ثَقيف، ويقال: هو أبو الصلت بن وهب بن عِلاَج بن أبي سلمة، يكنى أبا عثمان، ويقال أبا القاسم.

مات أيام حصار الطائف بعد حُنَين.

وفي الطَّبَرَانِيِّ الكَبِيرِ، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت تاجرًا في رُفْقَة فيهم أميّة بن أبي الصّلت. فذكر قصة فيها أن أمية قال: إن نبيًا يُبْعث بالحجاز من قريش. وأنه كان يظنُّ أنه هو إلى أن تبيَّن له أنه من قريش، وأنه يبعث على رأس الأربعين، وأنه سأله عُتْبة بن ربيعة، فقال: إنه جاوزها. قال: فلما رجعت إلى مكة وجدتُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قد بُعث، فلقيت أميّة فقال لي: اتبعه فإنّه على الحق. قلت: فأنتَ؟ قال: لولا الاستحياء مِن صبيات ثقيف، إني كنْتُ أحدّثهن أني هو ثم يرَينني تابعًا لغلام من بني عبد مناف.

ومن شعر أميّة من قصيدة:

كُلُّ دِينٍ
يَومَ
القِيامةِ عِنْدَ الـــ له إِلاَّ
دِينَ
الحَنِيْفَةِ
زُورُ

[الخفيف]

ومن قصيدة أخرى:

يَا رَبِّ
لاَ تَجْعَلَنِّي كَافِرًا
أَبَدًا وَاجْعَلْ سَرِيرَةَ قَلْبِي الدَّهْرَ إيمَانا
[البسيط]

ومثلُ هذا في شعره كثير؛ ولذلك قال صَلَّى الله عليه وسلم: "آمنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ".(*)

وذكر ابْنُ الأَعْرَابِيِّ في "النَّوَادِرِ" أنَّ أمية خرج في سفرته، فذكر قصة أنه رأى شيخًا من الجن، فقال: إنكَ متبوع، فمن أين يأتيك صاحبُك؟ قال: مِنْ قبل أذني اليسرى، قال: فما يأمرك أنْ تلبس؟ قال: السواد، قال: هذا خطيب الجنّ، كِدْت أن تكون نبيًّا، فلم تكنْ؛ إن النبيّ يأتيه صاحبُه من قبل الأذن اليمنى، ويأمره بلبس البياض.

وذكر عُمرُ بْنُ شَبَّةَ بسنَدٍ له عن الزُّهرِيِّ، قال: دخل أمية على أخته فنام على سرير لها فإذا طائران، فوفع أحدهما على صدره فشقّه فأخرج قلبه، فقال له الآخر: أوَعَى؟ قال: نعم قال: فقَبِل؟ قال: أتى. فردَّ قلبه مكانه ثم نهض فأتبعه أمية طرفه. فقال:

لَبَّيْكُمَا لبَّيْكُما هَأَنـْذَا لَدَيْكُمَا

[الرجز]

فعادا ففعلا مِثْلَ ذلك ثلاث مرات. ثم ذهبا وزاد في الثّالثة:

إِنْ
تَغْفِرِ
اللَّهُمَّ
تَغْفِرْ
جَمَّا وَأَيُّ
عَبْدٍ
لَـكَ
لاَ
أَلَمَّا
[الرجز]

ثم انطبق السقف، وقام أمية يمسحُ صدره، فقالت له: يا أخي، ماذا تجد؟ قال: لا شيء، إلا أني أجد حرارةً في صدري.

وعن الزُّبَيْرِ، عن عمه مصعب بن عثمان، عن ثابت بن الزبير، قال: لما مرض أمية مرضَ الموت جعل يقول: قد دَنَا أجَلي، وأنا أعلم أن الحنيفية حقّ، ولكن الشّك يداخلني في محمد. قال: ولما دنت وفاتُه أُغمي عليه قليلًا ثم أفاق وهو يقول: لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُما... فذكر نحو ما تقدم وفيه: ثم قضى نَحْبَه، ولم يؤمن بالنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.
(< جـ1/ص 384>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال