الرئيسية
الصحابة
فضائل
مواقف إيمانية
كرامات
الأوائل
الأنساب
الغزوات
فوائد
مسابقات
تسجيل الدخول
البريد الالكتروني :
كلمة المرور :
تسجيل
تسجيل مشترك جديد
المصادر
مختصر
موجز ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
تفصيل ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
ما ذكر عنه في الطبقات الكبير
ما ذكر عنه في الاستيعاب في معرفة الأصحاب
ما ذكر عنه في أسد الغابة
ما ذكر عنه في الإصابة في تميز الصحابة
مواقفه الإيمانية
التواضع
الانفاق في سبيل الله
التمسك بالاسلام
العبادة
التضحية
الورع
الحياء
الصبر
كان رضى الله عنه
أول من هاجر إلى أرض الحبشة
أول من هاجر إلى الله بعد لوط
مواقف أخرى
كراماته
قرآن نزل فيه
نسبه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي
1 من 1
عثمان بن عفان الأموي:
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصَيّ القرشيّ الأمويّ، يُكْنَى أبا عبد الله، وأبا عمرو، كُنيتان مشهورتان له. وأبو عمرو أشهرهما. قيل: إنه وَلَدت له رقيّة ابنة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ابنًا، فسماه عبد الله، واكتنى به، ومات ثم وُلد له عَمْرو، فاكْتني به إلى أن مات رحمه الله. وقد قيل: إنه كان يُكْنَى أبا ليلى.
وُلد في السّنة السّادسة بعد الفيل. أمه أرْوَى بنت كُريز بن ربيعة بن حَبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصَيّ، وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، هاجر إلى أرض الحبشة فارًّا بدينه مع زوجته رُقَية بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان أوّل خارج إليها، وتابعه سائرُ المهاجرين إلى أرض الحبشة، ثم هاجر الهِجْرَة الثّانية إلى المدينة، ولم يشهد بَدْرًا لتخلُّفه على تمريض زوجته رُقَية ـــ كانت عليلةً فأمره رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بالتخلّف عليها، هكذا ذكره ابن إسحاق.
وقال غيره: بل كان مريضًا به الجدريّ، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ارْجَع"
، وضرب له بسهمه وأَجْره
(*)
، فهو معدودٌ في البَدْرِيين لذلك، وماتت رُقيَّة في سنة اثنتين من الهجرة حين أتى خَبَر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بما فتح الله عليه يوم بَدْر.
وأما تخلّفه عن بيعة الرّضوان بالحديبية فلأنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم كان وجَّهه إلى مكّة في أمْرٍ لا يقوم به غيره من صُلح قريش، على أنْ يتركوا رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم والعُمْرة، فلما أتاه الخبر الكاذب بأن عثمان قد قُتل جمع أصحابه؛ فدعاهم إلى البيعة، فبايعوه على قتالِ أهل مكّة يومئذ، وبايع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن عثمان حينئذ بإحدى يديه الأخرى، ثم أتاه الخبر بأنَّ عثمان لم يُقتل، وما كان سبب بَيْعَةِ الرّضوان إلّا ما بلغه صَلَّى الله عليه وسلم من قَتْل عثمان.
(*)
ورَوَيْنا عن ابن عمر أنه قال: يَدُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعثمان خير من يد عثمان لنفسه. فهو أيضًا معدودٌ في أهل الحديبية من أجل ما ذكرناه.
زوَّجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ابنتيه: رقيّة ثم أم كلثوم، واحدةً بعد أخرى، وقال:
"إن كان عندي غيرهما لزوّجتكها"
.
(*)
وثبت عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال:
"سَأَلْتُ رَبيِّ عَزَّ وَجَلَّ أَلّا يُدْخِلَ النَّارَ أحَد صَاهَرَ إِلَيَّ أَوْ صَاهَرْتُ إِلَيْهِ"
.
(*)
وقال سهل بن سعد: ارتجّ أُحُد، وكان عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"اثْبُتْ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ"
(*)
أخرجه ابن ماجة في السنن حديث رقم 134، وأحمد في المسند 3/ 112، والبيهقي في الدلائل 6/ 350، 351، والخطيب في التاريخ 5/ 365، والطبراني في الكبير 11/ 259.
. وهو أحَد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستَّة الذين جعل عُمرُ فيهم الشّورى، وأخبر أَنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تُوفيِّ وهو عنهم رَاضٍ.
روى يحيى بن سعيد، وعُبيد الله بن عمر، وعبد العزيز بن أبي سلمة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنّا نقول على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم سكت؛ فقيل: هذا في التفّضيل. وقيل في الخلافة. وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذا النُّورَين؟ قال: لأنه لم يُعلم أنّ أحدًا أُرسل سترًا على ابنتي نبيّ غيره.
وقال ابن مسعود ـــ حين بويع بالخلافة: بايعنا خَيْرنا ولم نألُ. وقال عليّ بن أبي طالب:
كان عثمان أوْصلنا للرّحم، وكان من الذين آمنوا ثم اتَّقوا وأحسنوا والله يحبُّ المحسنين.
واشترى عُثمان رضي الله عنه بئر رُومة، وكانت رَكِيَّة ليهوديّ يبيع المسلمين ماءَها، فقال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"مَنْ يَشْتَرِي رُومَةَ فَيَجْعَلَهَا لِلْمُسْلِمينَ يَضْرِبُ بِدَلْوِهِ فِي دِلَائِهِمْ، وَلَهُ بِهَا مَشْرَبٌ فِي الْجَنَّةِ"
أخرجه الترمذي في السنن 3703، والنسائي في السنن 6/ 235، وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم 2492، والدارقطني في السنن 4/ 197، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم (36231).
. فأتى عثمانُ اليهوديَّ فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلَّها، فاشترى نصفَها باثني عشر ألف درهم. فجعله للمسلمين، فقال له عثمان رضي الله عنه: إن شئْتَ جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يوم ولك يوم. قال: بل لك يوم ولي يوم. فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين؛ فلما رأى ذلك اليهوديّ قال: أفسدتَ عليّ رَكِيَّتي، فاشتر النّصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم.
(*)
وقال: رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"مَنْ يَزِيدُ فِي مَسْجِدِنَا"
؛ فاشترى عُثمان رضي الله عنه موضع خمس سَوَارِ، فزاده في المَسجد.
(*)
وجَهَّزَ جيشَ العُسْرَة بتسعمائة وخمسين بعيرًا، وأتمّ الألف بخمسين فرسًا، وجيشُ العُسْرَة كان في غَزْوَةِ تَبُوك.
وذكر أسد بن موسى، قال: حدّثني أبو هلال الرّاسبي، قال: حدّثنا قتادة، قال: حَمل عثمان في جيش العُسرَةِ على ألف بعير وسبعين فرسًا.
قال: وحدّثنا أبو هلال، قال: حدّثنا محمد بن سيرين أنَّ عثمان رضي الله عنه كان يُحْيي الليل بركعة يقرأ القرآنَ فيها كلَّه.
قال: وأخبرنا سلام بن مسكين، قال: سمعْتُ محمد بن سيرين يقول: قالت امرأةُ عثمان ـــ حين أطافوا به يُريدون قَتْله: إنْ تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يُحْيي اللّيل بركعة وكان يَجْمَعُ فيها القرآن.
قال: وحدّثنا ضمرة، عن السّدّي، عن السّري بن يحيى، عن ابن سيرين؛ قال: كَثر المالُ في زمن عثمان حتى بيعت جاريةٌ بوَزْنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم.
قال: وحدّثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن سالم، عن ابن عمر، قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء، ولو فعلها عمر ما عتبوا عليه.
قال: وحدّثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جدّه علقمة بن وقّاص أنَّ عمرو بن العاص قام إلى عُثمان وهو يخطب النّاس فقال: يا عثمان، إنك قد ركبتَ بالنّاس المَهَامة وركبوها منك؛ فتبْ إلى الله عَزّ وجل ولْيَتُوبوا. قال: فالتفت إليه عثمان، فقال: وإنك لَهُناك يا ابن النّابغة! ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله، اللّهُمّ إِنِّي أول تَائِبٍ إليك.
وحدّثنا مبارك بن فضالة، قال: سمعْتُ الحسن يقول: سمعتُ عثمان يخطب وهو يقول: يأيها النّاس، ما تنقمون عليّ! وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرًا. قال الحسن: وشهدت مناديًا ينادي: يَا أَيُّها النّاس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون ويأخذونها وافية. يا أيها النّاس، اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافية، حتى والله سمعَتْهُ أذناي يقول: اغدُوا على كسواتكم فيأخذون الحلل. واغدوا على السّمن والعسل. قال الحسن: أرزاق دارَّةٌ وخير كثير، وذات بَيْن حسن، ما على الأرض مؤمن إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوَسِعَهُم ما كانوا فيه من العطاء والرّزق، ولكنهم لم يصبروا، وسلُّوا السّيفَ مع مَنْ سلَّ، فصار عن الكفار مُغْمَدًا، وعلى المسلمين مسلولًا إلى يوم القيامة.
وكان عثمان رضي الله عنه رجلًا رَبْعْةَ ليس بالطّويل ولا بالقصير، حسن الوجه، رقيق البشرة، كبير اللّحية عظيمها، أسمر اللون، كثير الشّعر، ضخم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، كان يُصفِّر لحيته ويشد أسنانَه بالذّهب.
وروى سفيان بن عُيينة، عن مسعر، عن عَبْد الملك بن عُمير، عن موسى بن طلحة، قال: أتينا عائشة رضي الله عنها نسألها عن عثمان؛ فقالت: اجلسوا أحدِّثْكم عما جئتم له: إنّا عَتَبْنا على عثمان رضي الله عنه في ثلاث خلال ـــ ولم تذكرهن ـــ فعمدوا إليه حتى إذا ماصُوه كما يُمَاص الثّوبُ بالصّابون اقتحموا عليه الفِقُرَ الثّلاثة: حُرمة البلد الحرام، والشّهر الحرام، وحرمة الخلافة، ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرّحم وأتقاهم لربه.
أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالا: حدّثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدّثنا نعيم بن حماد، وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد، حدّثنا محمد بن مسرور العسّال، حدّثنا أحمد بن معتب، حدّثنا الحسين بن الحسن، قالا: حدّثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدّثنا الزّبير بن عبد الله أنّ جدّته أخبرته ـــ وكانت خادمة لعثمان ـــ قالت: كان عثمان رضي الله عنه لا يقيم و لا يوقظ نائمًا من أهله إلا أَنْ يجدَه يقظانًا فيدعوهُ فيُنَاوِله وضوءه، وكان يصوم الدّهر.
وذكر أسد، أنبأنا عبدةُ بن سليمان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ادْعُوا لي بَعْضَ أَصْحَابِي"
. فقلت: أبو بكر؟ قال:
"لَا"
. فقلت: عمر؟ قال:
"لَا"
. فقلت: ابن عمك عليّ؟ قال:
"لا"
، فقلت: عثمان؟ قال:
"نَعَمْ"
. فلما جاء قال لي بيده، فتنحَّيت، فجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يسارّه، ولونُ عثمان رضي الله عنه يتغيَّرُ، فلما كان يوم الدّار وحُصِر قيل له: ألَا تقاتل؟ قال: لَا؛ إِنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عهد إليّ عَهْدًا، وأنا صابرٌ نفسي عليه.
(*)
وذكر المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: أشرف عليهم عثمان وهو محصور، فقال: السّلام عليكم. فما رَدَّ عليه أحَد. فقال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت بئر رُومة من مالي، وجعلت فيه رِشائي كرشاء رجُلٍ من المسلمين؟ فقيل: نعم. قال: فعلَامَ تمنعوني من مائها، وأفطر على الماء المالح، ثم قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت كذا وكذا من أرضٍ فزدتُه في المسجد، فهل علمتهم أن أحدًا مُنع أن يُصلّي فيه قبلي!
قال ابن عمر: أذنب عثمان ذنبًا عظيمًا يوم الْتَقَى الجمعان بأُحد، فعفا الله تعالى عنه عزّ وجل، وأذنب فيكم ذنبًا صغيرًا فقتلتموه. وسئل ابن عمر عن علي وعثمان رضي الله عنهما، فقال للسّائل: قبَّحك الله! تسألني عن رجلين كلاهما خير منّي، تريد أن أغضَّ من أحدهما وأرفع من الآخر.
وقال عليّ رضي الله عنه: من تبرَّأَ من دين عُثمان فقد تبرّأَ من الإيمان، والله ما أعنْتُ عَلَى قَتْله، ولا أمرت ولا رضيت.
وبُويع لعثمان رضي الله تعالى عنه بالخلافة يوم السّبت غرَّة المحرّم سنة أربع وعشرين بعد دَفْن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بثلاثة أيام باجتماع النّاس عليه. وقُتل بالمدينة يوم الجمعة لثمان عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكره المدائني، عن أبي معشر، عن نافع.
وقال المعتمر عن أبيه، عن أبي عثمان النّهديّ: قُتل عثمان رضي الله عنه في وسط أيام التّشريق. وقال ابن إسحاق: قُتل عثمان رضي الله عنه على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا واثنين وعشرين يومًا من مقتل عُمر بن الخطّاب، وعلى رأس خمس وعشرين سنة من متَوَفَّى رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وقال الواقديّ: قُتل عثمان يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلَتْ من ذي الحجّة يوم التلبية سنة خمس وثلاثين. وقد قيل: إنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجّة. وقد روي ذلك عن الواقديّ أيضًا.
وقال الواقديّ: وحاصروه تسعة وأربعين يومًا، وقال الزّبير: حاصروه شهرين وعشرين يومًا، وكان أول من دخل الدّار عليه محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، فقال له: دَعْها يا ابن أخي، والله لقد كان أبوك يُكْرِمها، فاستحيا وخرج، ثم دخل رُومان بن سرحان ـــ رجل أزرق قصير مَحدُود، عِداده في مراد، وهو من ذي أَصبح، معه خنجر فاستقبله به، وقال: على أيّ دين أنت يا نَعْثَل؟ فقال عثمان: لسْتُ بنَعْثَل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملّة إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما أنا من المشركين. قال: كذبْتَ، وضربه على صدغه الأيسر، فقتله فخرّ رضي الله عنه، وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة جسيمة، ودخل رجلٌ من أهل مصر معه السيّف مُصلتًا، فقال: والله لأقطعنّ أنفه، فعالج المرأة فكشفت عن ذراعيها، وقبضَ على السيّف، فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان ـــ يقال له رباح ومعه سيف عثمان: أعنِّي على هذا وأخْرِجْه عنّي. فضربه الغلام بالسيّف فقتله، وبقي عثمان رضي الله عنه يومه مطروحًا إلى اللّيل، فحمله رجالٌ على بابٍ ليدفنون، فعرض لهم ناس ليمنعوهم من دفنه، فوجدوا قبرًا قد كان حُفر لغيره، فدفنوه فيه، وصلّى عليه جُبَير بن مطعم.
واختلف فيمن باشر قَتْله بنفسه، فقيل: محمد بن أبي بكر ضربه بمِشْقص. وقيل: بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده غيره، وكان الذي قتله سُودان بن حُمْران. وقيل: بل وَلِيَ قَتله رُومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة. وقيل: بل إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزَّها، وقال: ما أَغْنَى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغْنَى عنك ابن عامر. فقال: يا بْنَ أخي أَرْسِلْ لحيتي، فوالله إنك لتجبذُ لحيةً كانت تعزُّ على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منّي. فيقال: إنه حينئذٍ تركه وخرج عنه. ويقال: إنه حينئذ أشار إلى مَنْ كان معه، فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.
وأكثرهم يروي أنّ قطرة أو قطرات من دمه سقطت على المصحف على قوله جلَّ وعلا:
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[البقرة 137].
وقال أسد: حدّثنا محمّد بن طلحة، قال: حدّثنا كنانة مولى صَفِية بنت حُيي بن أخطب، قال: شهدْتُ مَقْتل عثمان، فأخرج من الدَّار أمامي أربعة من شبان قريش مضرجين بالدّم محمولين، كانوا يدرءون عن عثمان الحسن بن عليّ، وعبد الله بن الزّبير، ومحمّد بن حاطب، ومروان بن الحكم. وقال محمد بن طلحة: فقلت له: هل ندى محمد ابن أبي بكر بشيء من دمه؟ قال: معاذ الله! دخل عليه، فقال له عثمان: يا بن أخي، لست بصاحبي. وكلّمه بكلام؛ فخرج ولم يند بشيء من دمه، قال: فقلت لكنانة: مَنْ قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصر، يقال له جبلة بن الأيهم. ثم طاف بالمدينة ثلاثًا يقول: أنا قاتل نَعْثَل.
وروى سعيد المَقْبُريّ، عن أبي هريرة، قال: إني لمحصور مع عثمان رضي الله عنه في الدّار. قال: فرُمِي رجل منَّا، فقلت: يا أمير المؤمنين، الآن طاب الضرّاب، قَتلوا منا رجلًا، قال: عزمْتُ عليك يا أبا هريرة إلّا رميت سيفك، فإنما تُرادُ نفسي، وسَأَقِي المؤمنين بنفسي. قال أبو هريرة: فرميت سيفي، لا أدري أين هو حتى السّاعة. وكان معه في الدّار من يريد الدفع عنه: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن سلّام، وعبد الله بن الزّبير، والحسن بن علي، وأبو هريرة، ومحمد بن حاطب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، ومروان بن الحكم في طائفة من النّاس، منهم المغيرةَ بن الأخنس فيومئذ قُتل المغيرة بن الأخنس.قُتل قبل قتل عثمان رضي الله عنه.
وذكر ابن السّراج، قال: حدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن ثابت بن عُبيد، عن أبي جعفر الأنصاريّ، قال: دخلت مع المصريين على عثمان، فلما ضربوه خرجت أَشتدّ حتى ملأت فُرُوجي عَدْوًا، حتى دخلت المسجد، فإذا رجل جالس في نحو عشرةٍ، عليه عمامةٌ سوداء؛ فقال: ويحك! ما وراءك! قلت: قد فُرِغ واللَّهِ من الرجل، فقال: تَبًّا لكم آخرَ الدهر! فنظرت فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
أخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدّثنا أحمد بن مطرف، حدّثنا الأعناقي، حدّثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدّثنا عبد الملك بن الماجشون، عن مالك، قال: لما قُتل عثمان رضي الله عنه ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلًا، فيهم حَويطب بن عبد العزّى، وحكيم بن حزام. وعبد الله بن الزّبير، فاحتملوه، فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قومٌ من بني مازن: والله لئن دفنتموه هنا لنخبرنَّ الناس غدًا، فاحتملوه، وكان على بابٍ، وإن رأسه على الباب ليقول: طق طق، حتى صاروا به إلى حَشّ كوْكَب، فاحتفروا له، وكانت عائشة بنت عثمان رضي الله عنهما معها مصباح في جرة، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحَتْ، فقالَ لها ابن الزّبير: والله لئن لم تسكتي لأضربَنَّ الذي فيه عيناك، قال: فسكتت فدُفن، قال مالك: وكان عثمان رضي الله عنه يمر بحشِّ كوكب فيقول: سيدفن ها هنا رجلٌ صالح.
أخبرني خلف بن قاسم، حدّثنا ابن المفسَّر بمصر، حدّثنا أحمد بن علي، حدّثنا يحيى بن معين، حدّثنا حفص بن غياث، قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أرادوا أن يُصلوا على عثمان رضي الله عنه فمُنِعوا، فقال رجل من قريش ـــ أبو جهم بن حذيفة: دعوه، وقد صلَّى الله عزَّ وجل عليه، وصلَّى رسوله صَلَّى الله عليه وسلم.
واختلف في سنّه حين قتلوه؛ فقال ابنُ إسحاق: قُتل وهو ابن ثمانين سنة. وقال غيرهُ: قُتل وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: ابن تسعين سنةً، وقال قتادة: قُتل عثمان رضي الله عنه وهو ابنُ ستّ وثمانين سنة. وقال الواقديّ: لا خلاف عندنا أنه قُتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو قول أبي اليقظان. ودُفن ليلًا بموضعٍ يقال له حَشّ كوكب، وكوكب: رجل من الأنصار، والحشّ: البستان. وكان عثمان رضي الله عنه قد اشتراه وزاده في البقيع، فكان أوّل مَنْ دفن فيه، وحمل على لوح سِرًّا.
وقد قيل: إنه صلّى عليه عمرو بن عُثمان ابنه وقيل: بل صلّى عليه حكيم بن حزام. وقيل: المسور بن مَخرمة. وقيل: كانوا خمسة أو ستة، وهم جُبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهنم بن حذيفة، وتِيَار بن مُكْرم، وزوجتاه: نائلة، وأم البنين بنت عُيينة، ونزل في القبر أبو جهم وجُبير، وكان حكيم وزوجتاه أم البنين ونائلة يُدْلونه، فلمَّا دفنوه، غيَّبُوا قبره، رضي الله تعالى عنه.
قال ابن إسحاق: كانت ولايتُه اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يومًا. وقال غيره: كانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا وأربعة عشر يومًا. وقيل: ثمانية عشر يومًا. قال حسّان بن ثابت الأنصاريّ: [البسيط]
مَنْ سَرَّهُ المَوْتُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ فَلْيَأْتِ مَأْدُبَةً فِي دَارِ عُثْمَـانَ
وفيها: [البسيط]
ضَحَّوْا بِأَشمَطَ عُنْوَانُ السُّجُوَدِ بِهِ يُقطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيـحًا وقُـرْآنَا
وهذا البيت يختلف فيه، يُنسب إلى غيره، وقال بعضهم: هو لعمران بن حطان، وفيها: [البسيط]
صَبْرًا فِدًى لَكُم وأُمِّي وَمَا وَلَدَتْ قَدْ يَنْفَعُ الصَّبْرُ فِي المَكْرُوهِ أَحْيَانَا
لَتَسْمَعُنَّ
وَشِيكًا
فِـي دِيَارِكُـمُ اللَّهُ
أَكْبـَرُ
يـَا ثَـارَاتِ
عُثْمَانَـا
وزاد فيه أهل الشّام أبياتًا لم أرَ لذكرها وجهًا.
وقال حسّان بن ثابت رضي الله عنه أيضًا شعرًا: [البسيط]
إِنْ تُمْسِ دَارُ بَنِي عَفَّانَ مُوْحِشَةً بَابٌ صَرِيعٌ وَبَابٌ مُخْرَقٌ خَرِبُ
فَقَدْ يُصَادِفُ بَاغِي الخَيْر حَاجَتَهُ فِيهَا وَيَأْوِي إِلَيْهَا الجُودُ وَالحَسَبُ
وله أيضًا:
قَتَلْتُمْ وَلِيَّ اللَّهِ فِي جَوْفِ دَارِهِ وَجْئتُمْ بِأَمْرٍ جَائِرٍ غَيْرِ مُهْتَدِي
فَلَا ظَفِرَتْ أَيْمَانُ قَوْمٍ تَعَاوَنُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ الرَّشِيدِ المُسَدَّدِ
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: [البسيط]
يَا للرِّجَالِ لأَمْرٍ هَاجَ لِي حَزَنَـا لَقَدْ عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى الدِّمَـنِ
إِنِّي رَأَيْتُ قَتِيلََ الدَّارِ مُضْطَهَـدًا عُثْمَان يُهْدَى إِلَى الأَجْدَاثِ فِي كَفَنِ
يَا قَاتَلَ اللَّهِ قَوْمًا كَـانَ أَمْرُهُـمُ قَتْلَ الإِمَامِ الزَّكِيِّ الطَّيِّـبِ
الـرَّدنِ
مَا قَاتَلُوهُ عَلَى ذَنْـبٍ أَلـمَّ بِـهِ إِلَّا الَّذِي نَطَقُـوا زُورًا وَلـَمْ يَكُـنِ
ومما ينسب لكعب بن مالك.
وقال مصعب: هي لحسان، وقال عمر بن شبة: هي للوليد بن عقبة بن أبي معيط
[الطويل]
فَكَفَّ يَـدَيهِ ثُـمَّ
أَغْلَـقَ بَابَـهُ وَأَيْقَـنَ
أَنَّ
اللَّهَ
لَيْـسَ
بِغَافِـلِ
وَقَالَ لأَهْلِ الـدَّارِ لَا تَقْتُلُوهُـمُ عَفَا اللَّهُ عَنْ ذَنْبِ امْرِئٍ لَمْ يُقاتِلِ
فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيهِمُ الـْ ـعَدَاوَةَ
وَالبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُـلِ
وَكَيْفَ رَأَيْتَ الخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْـدَهُ عَلَى النَّاسِ إِدْبَارَ السَّحَابِ الحَوَافِلِ
وقال حميد بن ثور الهلالي شعرًا: [البسيط]
إِنَّ الخِلَافَةَ لَمَّا أَظْعَنَتْ ظَعَنَـتْ مِنْ يَثْرِبٍ إِذْ غَيْرُ الهُدَى سَلَكُـوا
صَارَتْ إِلَى أَهْلِهَا مِنْهُمْ وَوَارَثَهَا لَمَّا رَأَى اللَّهُ فِي عُثْمَانَ مَا انْتَهَكُوا
وقال القاسم بن أمية بن أبي الصلت: [الطويل]
لَعَمْرِي لَبِئْسِ الذِّبْحُ ضَحَّيْتُمُ بِـهِ وَخُنْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ فِي قَتْلِ صَاحِبِـهْ
وقالت زينب بنت العوام: [الطويل]
وعَطَّشْتُمُ عُثْمَانَ فِي جَوْفِ دَارِهِ شَرِبْتُمْ كَشُرْبِ الهِيمِ شُرْبَ حَمِيمِ
فَكَيْفَ بِنَا أَمْ كَيْفَ بِالنَّومِ بَعْدَمَـا أُصِيبَ ابْنُ أَرْوَى وَابْنُ أُمِّ حَكِيم
وقالت ليلى الأخيلية شعرًا: [مجزوء الكامل]
قُتِـلَ ابْنُ
عَفَّانَ
الإِمَا مُ وَضَاعَ أَمْرُ المُسْلِمِينَا
وَتَشَتَّتَتْ سُبُلُ
الرَّشَا دِ لِصَادِرِينَ
وَوَارِدِينَا
فَانْهَضْ مُعاوِيُ
نَهْضَةً تَشْفِي بِهَا الدَّاءَ الدَّفِينَا
أَنْتَ الَّذِي مِنْ
بَعْدِهِ نَدْعوُ
أَمْيرَ
المُؤْمِنينَا
وقال أيمن بن خزيمة شعرًا: [البسيط]
ضَحُّوا بِعُثْمَانَ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ ضُحًى وَأَيُّ
ذِبْحٍ
حَرَامٍ
وَيْلَهُمْ
ذَبَحُوا
وَأَيُّ
سُنَّةِ
كُفْرٍ
سَنَّ
أَوَّلُهُمْ وَبَابِ شَرٍّ
عَلَى
سُلْطَانِهِمْ فَتَحُوا
مَاذَا
أَرَادُوا
أَضَلَّ
اللَّهُ
سَعْيَهُمُ بِسَفْكِ ذَاكَ الدَّمِ الزَّاكِي الَّذِي سَفَحُوا
والأشعار في ذلك كثيرة جدًّا يطول بها الكتاب.
وكان عثمان رضي الله عنه شيخًا جميلًا رقيق البشرة أسمر اللون، كبير الكراديس، واسع ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، أصلع طويل اللّحية، حسن الوجه. وقال سعيد ابن زيد: لو أن أحدًا انقضّ لما فُعل بعثمان كان حقيقًا أن ينقضّ.
وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: لو اجتمع الناسُ على قَتْل عثمان لرموا بالحجارة كما رُمي قومُ لوط.
وقال عبد الله بن سلام: لقد فتح النّاس على أنفسهم بقتل عثمان بابَ فتنة لا ينغلق عنهم إلى قيام السّاعة.
وقال بعض بني نهشل أو مجاشع: [المتقارب]
لعَمْرُ أَبِيكَ
فَلَا تَكْذِبَنَّ لَقَدْ ذَهَبَ الخَيْرُ
إِلَّا قَلِيلَا
لَقَدْ سَفِهَ النَّاسُ فِي ديِنِهِمْ وَخَلَّى ابْنُ عَفَّانَ شَرًّا طَوِيلَا
حدّثنا عبد الرّحمن بن يحيى، حدّثنا أحمد بن سعيد، حدّثنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن النعمان، حدّثنا محمد بن علي بن مروان، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حماد بن سلمة، حدّثنا علي بن زيد بن جدعان، قال لي سعيد بن المسيّب: انظر إلى وَجْه هذا الرّجل؛ فنظرتُ فإذا هو مسوَدّ الوجه، فقال: سَلْه عن أمره.فقلت: حسبي أنت، حَدّثني. قال: إن هذا كان يسبُّ عليًا وعَثمان رضي الله عنهما، فكنت أنهاه فلا ينتهي؛ وقلت: اللّهُم هَذا يسبُّ رجلين قد سبق لهما ما تعلم. اللّهم إنْ كان يُسْخِطك ما يقول فيهما فأرني به آية، فاسودَّ وَجْههُ كما ترى.
أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن محمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق. قال: حدّثنا علي بن المدِيني، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعتُ حُميدًا الطّويل قال: قيل لأنس بن مالك: إنّ حُبّ علي وعثمان رضي الله عنهما لا يجتمعان في قلبٍ أحدٍ. فقال أنس رضي الله عنه: كَذَبوا والله، لقد اجتمع حُبّهما في قلوبنا.
(< جـ3/ص 155>)
الصفحة الأم
|
مساعدة
|
المراجع
|
بحث
|
المسابقات
الاسم :
البريد الالكتروني :
*
عنوان الرسالة :
*
نص الرسالة :
*
ارسال