الرئيسية
الصحابة
فضائل
مواقف إيمانية
كرامات
الأوائل
الأنساب
الغزوات
فوائد
مسابقات
تسجيل الدخول
البريد الالكتروني :
كلمة المرور :
تسجيل
تسجيل مشترك جديد
المصادر
مختصر
موجز ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
تفصيل ما ذكر عنه في الكتب الأربعة
ما ذكر عنه في الطبقات الكبير
ما ذكر عنه في الاستيعاب في معرفة الأصحاب
ما ذكر عنه في أسد الغابة
ما ذكر عنه في الإصابة في تميز الصحابة
مواقفه الإيمانية
التواضع
الانفاق في سبيل الله
التمسك بالاسلام
العبادة
التضحية
الورع
الحياء
الصبر
كان رضى الله عنه
أول من هاجر إلى أرض الحبشة
أول من هاجر إلى الله بعد لوط
مواقف أخرى
كراماته
قرآن نزل فيه
نسبه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي
عُثْمَانُ بنُ عَفَّان بنِ أَبي العَاصِ بنِ أُمَيَّة بن عَبْدِ شَمْس بن عبد مَنَاف القرشي الأُمَوِي، يجتمع هو ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في "عبد مناف".
لُقب بذي النّورين، والمشهور أن ذلك لكونه تزوَّج ببنتي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واحدة بعد أخرى، وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذا النُّورَين؟ قال: لأنه لم يُعلم أنّ أحدًا أُرسل سترًا على ابنتي نبيّ غيره، وروى أبو سَعْد الماليني ــ بإسنادٍ فيه ضعف ــ عن سهل بن سعد، قال: قيل لعثمان ذو النورَيْن؛ لأنه يتنقل من منزل إلى منزل في الجنّة فتبرق له برقتان، فلذلك قيل له ذلك، وخاطبه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم باسم عُثَيم، بالتصغير، في حديثٍ رواه أَحْمَدُ في أواخر مسند عائشة بسنده، عن فاطمة بنت عبد الرحمن قالت: حدثتني أمي أنها سألت عائشةَ وأرسلها عَمُّها، فقالت: إن أحدَ بنيك يقرئك السلام، ويسألك عن عثمان، فإن الناس قد شتموه، فقالت: لعن الله مَنْ لعنه، فوَالله لقد كان قاعدًا عند رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم وجبرائيل يُوحي إليه، وهو يقول له:
"أكتب يا عثيم"
(*)
.
يُكْنَى أبا عبد الله، وأبا عمرو، كُنيتان مشهورتان له، وأشهرهما أبو عمرو؛ قيل: إنه وَلَدت له رقيّةُ ابنةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ابنًا، فسماه عبد الله، واكتنى به، ومات ثم وُلد له عَمْرو، فاكْتني به إلى أن مات رحمه الله، وقد قيل: إنه كان يُكْنَى أبا ليلى، وقيل: كان يكنى أبا عمر.
وُلِدَ بَعْدَ الفيل بست سنين على الصحيح. وأمّه أرْوَى بنت كُرَيْز بن ربيعة أسلمت، وأمّها أمّ حَكِيم، وهي البيضاء بنت عبد المطّلب بن هاشم، وهو ابن عمة عبد اللّه بن عامر، ولمّا كان الإسلام وُلد له من رُقيّة بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، غلامٌ سمّاه عبد الله، واكتنى به فكنّاه المسلمون أبا عبد الله، فبلغ عبد الله ستّ سنين فنقره ديكٌ على عينيه؛ فمرض فمات في جمادى الأولى سنةَ أربع من الهجرة، فصلّى عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ونزل في حُفرته عثمان بن عفّان، وكان لعثمان رضي الله عنه من الولد سِوى عبد الله بن رُقيّة، عبدُ الله الأصغرُ دَرَجَ ــ أي: مات ولم يُخَلِّف نسلًا، وأمّهُ فاختةُ بنت غَزْوان بن جابر، من قيس بن عيلان، وعمرٌو، وخالدٌ، وأبان، وعمر، ومريم، وأمّهم أمّ عمرو بنت جُنْدب بن عمرو، من الأزْد، والوليدُ بن عثمانَ، وسعيدُ، وأمُّ سعيد، وأمّهم فاطمة بنت الوَليد بن عبد شمس المخزومية، وعبدُ الملك بن عثمان دَرَجَ ــ أي: مات ولم يُخَلِّف نسلًا، وأمّه أمُّ البنين بنت عُيينةَ بن حِصْن الفَزاريّ، وعائشةُ بنت عثمان، وأمّ أبان، وأمّ عمرو، وأمُّهنَّ رَمْلَةُ بنت شَيْبَة بن ربيعة، ومريمُ بنت عثمان، وأمّها نائلة بنت الفُرَافِصَة بن الأحْوَص، من كلب، وأمّ البنين بنت عثمان، وأمّها أمّ ولد، وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان.
روى محمّد بن عمر قال: وقال غيرُ ابن أبي سَبرة: وَزَوّجَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عثمان بن عفّان بعد رُقَيّة أم كلثوم بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فماتت عنده، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"لو كان عندي ثالثةٌ زَوّجتُها عثمانَ"
(*)
، وروى علي بن أَبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:
"لو أَن لي أَربعين بنتًا زَوَّجت عثمان واحدة بعد واحدة، حتى لا يبقى منهن واحدة"
(*)
.
روت أُمّ غُراب، عن بُنانة قالت: كان عثمان يَتَنَشّفُ بعد الوضوء، وروت أيضًا أنّ عثمان كان يَتَمَطّر، وروت أيضًا قالت: كان عثمان إذا اغتسل جئته بثيابه فيقول لي: لا تنظري إلي فإنّه لا يحلّ لك، قالت: وكنتُ امرأته، وروى عمر بن سعيد قال: كان عثمان بن عفّان إذا وُلد له ولدٌ دعا به وهو في خِرْقَة فيَشَمُّه، فقيل له: لِمَ تَفْعَلُ هذا؟ فقال: إنّي أُحِبّ إنْ أصابه شيءٌ أنْ يكون قد وقع له في قلبي شيءٌ، يعني: الحُبّ.
روت أُم موسى قالت: كان عثمان من أَجمل الناس، وروت بُنانة أن عثمان كان أبيض اللّحية، وروى جعفر بن محمّد، عن أبيه أن عثمان تَخَتّّمَ في اليسار، وروى محمود بن لَبيد: أنّه رأى عثمان بن عفّان على بغلة له، عليه ثوبان أصفران، له غديرتان، وروى عبد الرّحمن بن سعد ــ مولى الأسود بن سفيان ــ قال: رأيتُ عثمان بن عفّان وهو يبني الزّوْراء، على بغلة شهباءَ مُصَفِّرًا لحيته، وروى الحكم بن الصّلْت قال: حدّثني أبي قال: رأيت عثمان بن عفّان يخطب وعليه خميصة سوداء وهو مخضوب بحنّاء، وروى شريك بن عبد الله قال: حدّثني شيخ من الحاطبيّين، عن أبيه قال: رأيتُ على عثمان قميصًا قوهيًّا على المنبر، وروى الأحنف بن قيس قال: رأيتُ على عثمان بن عفّان مُلاءَة صَفْراء، وروى موسى بن طلحة قال: رأيتُ عثمان بن عفّان وعليه ثوبان مُمَصّرَان، وروى سليم أبو عامر قال: رأيتُ على عثمان بن عفّان بردًا يمانيًّا ثمنَ مائة درهم، وروى محمّد بن ربيعة بن الحارث قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يُوسعون على نسائهم في اللّباس الذي يُصانُ ويُتَجَمّلُ به، ثمّ يقول: رأيتُ على عثمان مطْرَفَ خَزٍّ ثمنَ مائتي درهم، فقال هذا لنائلة كَسَوْتُها إيّاهُ فأنا ألبَسُه أَسُرُّها به، وروى محمّد بن عمر قال: سألت عمرو بن عبد الله بن عنبسة، وعروَةَ بن خالد بن عبد الله، وعبد الرّحمن بن أبي الزناد، عن صفَة عثمان فلم أرَ بينهم اختلافًا قالوا: كان رجلًا ليس بالقصير ولا بالطويل، حَسَنَ الوجه، رقيقَ البَشَرَة، كبير اللّحية عظيمها، أسمَرَ اللّون، عظيمَ الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، يُصَفِّرُ لحيَتَه، وروى واقد بن أبي ياسر أنّ عثمان كان يَشُدّ أسنانَهُ بالذّهب، وروى أبو المقدام مولى عثمان قال: بَعث النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم مع رجُلٍ بِلَطَفٍ إلى عثمان، فاحتبس الرجل، فقال له النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم:
"مَا حَبَسَكَ؟ ألَا كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى عُثْمانَ، وَرُقَيَّةَ تَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِمَا"
!
(*)
.
روى يزيد بن رومان قال: خرج عثمان بن عفّان، وطلحة بن عُبيد الله على أثر الزّبير بن العوّام فدخلا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فعَرَض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن، وأنبأهما بحقوق الإسلام، ووعدهما الكرامة من الله، فآمنَا وصدّقا فقال عثمان: يا رسول الله قدمتُ حديثًا من الشأم فلمّا كنّا بين مُعانَ والزّرقاء فنحن كالنيام؛ إذا منادٍ ينادينا أيّها النيام: هبّوا فإنّ أحمد قد خرج بمكّة، فقدمنا فسمعنا بك، وكان إسلام عثمان قديمًا قبل دخول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم دار الأرقم
(*)
، وروى موسى بن محمّد بن إبراهيم بن حارث التيميّ، عن أبيه قال: لمّا أسلم عثمان بن عفّان أخذه عمّه الحكَم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه رباطًا وقال: أتَرْغَبُ عن ملّة آبائك إلى دينٍ مُحْدَثٍ؟ والله لا أحُلُّكَ أبدًا حتى تَدَعَ ما أنت عليه من هذا الدّين، فقال عثمان: والله لا أدَعُهُ أبدًا ولا أُفارقُه، فلمّا رأى الحكَمُ صَلابته في دينه تركه، وأَسلم عثمان رضي الله عنه في أَول الإِسلام، دعاه أَبو بكر إِلى الإِسلام فأَسلم، وكان يقول: إِني لرابع أَربعة في الإِسلام، وروى ابن إِسحاق قال: فلما أَسلم أَبو بكر وأَظهر إِسلامه دعا إِلى الله عز وجل، ورسوله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان أَبو بكر رجلًا مَأْلَفًا لقومه، محببًا سهلًا، وكان أَنسب قريش لقريش، وأَعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجال قريش يأْتونه ويألفونه لغير واحد من الأَمر، لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إِلى الإِسلام مَنْ وثق به من قومه، مِمَّن يغشاه ويجلس إِليه، فأَسلم على يديه ــ فيما بلغني ــ الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عُبَيد اللّه ــ وذكر غيرهم ــ فانطلقوا ومعهم أَبو بكر حتى أَتوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فعرض عليهم الإِسلام، وقرأَ عليهم القرآن، وأَنبأَهم بحق الإِسلام، فآمنوا، فأَصبحوا مقرين بحق الإِسلام، فكان هؤلاءِ الثمانية الذين سبقوا إِلى الإِسلام، فصلَّوا وصَدَّقوا، وذكر أَبُو سَعْدٍ النَّيْسَابُورِيُّ في كتاب "شَرَفِ المُصْطَفَى"، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو الملقب بالديباج، عن أبيه، عن جده؛ قال: كان إسلامُ عثمان أنه قال: كنتُ بفناء الكعبة إذ أتينا فقيل لنا: إن محمدًا قد أنكح عتبة بن أبي لهب رقية ابنته، وكانت ذات جمال بارع، وكان عثمان مشتهرًا بالنساء، وكان وضيئًا حسنًا جميلًا أبيض مُشربًا صفرة جَعْد الشعر له جُمَّة أسفل من أُذنيه، جَذْل الساقين، طويل الذراعين، أقنى بَيِّن القنا؛ قال عثمان: فلما سمعتُ ذلك دخلتني حسرةٌ ألَّا أكونَ سبقت إليها، فلم ألبث أَن انصرفتُ إلى منزلي، فأصبتُ خالتي قاعدةً مع أهلي؛ وهي سُعدى بنت كرز، وكانت قد طرقت وتكهنت لقومها قال: فلما رأتني قالت:
أَبْشِرْ وَحُيِّيتُ ثَلَاثًا وِتْرَا ثُمَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا
أُخْرَى
ثُمَّ بِأُخْرَى كَي تُتِمَّ عَشْرًا لقِيتَ خَيْرًا وَوُقِيتَ شَرَّا
نَكَحْتَ وَاللهِ حَصَانًا زَهْرَا وَأَنْتَ بِكْرٌ وَلِقَيتَ بِكْرَا
قال: فعجبتُ من قولها، وقلت: يا خالة ما تقولين؟ فقالت:
عُثْمَانُ يَا عُثْمَانُ يَا عُثْمَانُ لَكَ الجَمَالُ وَلَكَ الشَّان
هَذَا نَبِيٌّ مَعَهُ
البُرْهَانُ أَرْسَلَهُ
بِحَقِّهِ
الدَّيَّانُ
وَجَاءَهُ
التَّنْزِيلُ وَالفُرْقَانُ فاتبعه لَا تَغْيا بِكَ الأَوْثَانُ
فقالت: إن محمد بن عبد الله رسول الله جاء إليه جبريل يدعوه إلى الله، مصباحه مصباح، وقوله صلاح، ودينه فَلَاح، وأَمْرُه نجاح، لِقرْنه نطاح، ذلّت له البطاح، ما ينفع الصياح، لو وقع الرماح، وسلت الصفاح، ومُدَّت الرماح، ثم انصرفت، ووقع كلامها في قلبي، وبقيت مفكّرًا فيه، وكان لي مجلس من أبي بكر الصديق، فأتيتُه بعد يوم الاثنين، فأصبْتُه في مجلسه، ولا أحد عنده، فجلست إليه، فرآني متفكرًا، فسألني عن أمري ــ وكان رجلًا رقيقًا ــ فأخبرته بما سمعت من خالتي، فقال لي: ويحك يا عثمان! والله إنكَ لرجل حازم ما يَخْفَى عليك الحقُّ من الباطل؛ هذه الأوثان التي يعبدها قَوْمُك أليست حجارة صُمًّا لا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع؟ قلت: بلى، والله؛ إنها لكذلك، قال: والله لقد صدقتكَ خالتك؛ هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللهُ برسالته إلى جميع خَلْقه، فهل لكَ أن تأتيه وتسمع معه؟ فقلت: نعم، فو الله ما كان بأَسرع من أَنْ مَرَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومعه علي بن أبي طالب يحمل ثوبًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما رآه أبو بكر قام إليه فسارَّه في أُذنه، فجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقعد ثم أقبل عليّ فقال:
"يَا عُثْمَانُ، أَجِبْ اللهَ إِلَى جَنَّتِه،ِ فَإِنّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ وَإِلَى جَمِيع خَلْقِهِ"
؛ قال: فو الله ما تمالكت حين سمعت قوله أن أَسلمت وشهدتُ أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم لم ألبث أن تزوّجت رقية، وكان يقال: أَحسن زوجين رآهما إنسان: رُقَية وزوجها عثمان، وفي إسلام عثمان تقول خالته سعدى:
هَدَى اللهُ عُثْمَانَ الصَّفِىَّ بِقَوْلِهِ فَأَرْشَدَهُ
وَاللهُ يَهْدِي
إِلَى الحَقِّ
فَتَابَعَ بِالرَّأْيِ السَدِيدِ مُحَمَّدًا وَكَانَ ابْن أَرْوَى لَا يَصُدُّ عَنِ الحَقِّ
وَأَنْكَحَهُ المَبْعُوثُ إِحْدَى بَنَاتِهِ فَكَانَ كَبَدْرٍ مَازَجَ الشَّمْسَ فِي الأُفْقِ
فِدَاؤُكَ يا ابْنَ الهَاشِميينَ مُهْجَتِي فَأَنْتَ أَمِينُ اللهِ أُرْسِلْتَ فِي الخَلْقِ
قالوا: فكان عثمان ممّن هاجر من مكّة إلى أرض الحبشة الهجرةَ الأولى، والهجرة الثانية، ومعه فيهما جميعًا امرأته رُقيّة بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوط"
(*)
، روى عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، ومحمّد بن جعفر بن الزّبير قالا: لمّا هاجر عثمان من مكّة إلى المدينة نزل على أوْس بن ثابت أخي حَسّان بن ثابت في بني النجّار.
ذكر ابن إسحاق أنه لم يشهد بَدْرًا لتخلُّفه على تمريض زوجته رُقَية ــ وكانت عليلةً ــ فأمره رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بالتخلّف عليها، وقال غيره: بل كان مريضًا به الجدريّ فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"ارْجَع"
، وضرب له بسهمه وأَجْره
(*)
، فهو معدودٌ في البَدْرِيين لذلك، وماتت رُقيَّة في سنة اثنتين من الهجرة حين أتى خَبَر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بما فتح الله عليه يوم بَدْر.
روى يحيَى بن عبد الرّحمن بن حاطب، عن أبيه قال سمعته يقول: ما رأيت أحدًا من أصحاب رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، كان إذا حدّث أتَمّ حديثًا ولا أحسنَ من عثمان بن عفّان، إلاّ أنّه كان رجلًا يهاب الحديث، وروى موسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يخرج يومَ الجمعة عليه ثوبان أصفران، فيجلس على المنبر، فيؤذّّنُ المؤذّنُ وهو يتحدّث يسأل الناسَ عن أسعارهم وعن قُدّامهم وعن مَرْضاهم، ثمّ إذا سكت المؤذن قام يتوكأ على عَصًا عَقْفاء فيخطبُ وهي في يده، ثم يجلس جلسة فيبتدئ كلام النّاس فيسألهم كمسألته الأولى، ثم يقوم فيخطب، ثمّ ينزل ويقيم المؤذّنُ، وروى عُبيد الله بن دارة أن عثمان كان قد سَلِسَ بَوْلُه عليه فداواه ثمّ أرسله، فكان يتوضأ لكلّ صلاة، وروى محمّد بن سيرين أنّ عثمان كان يُحْيِي الليل فيَخْتِمُ القرآن في ركعة، وروى عبد الرّحمن بن عثمان قال: قُمْتُ خَلْفَ المقام وأنا أريد أن لا يَغْلِبَني عليه أحَدٌ تلك الليلةَ، فإذا رجلٌ يَغْمِزُني فلم ألتفت، ثمّ غَمَزَني فنظرت فإذا عثمان بن عفّان فتنحّيْتُ فتقدّم فقرأ القُرآنَ في ركعةٍ ثمّ انصرف، وروى ابن سيرين قال: قالت امرأة عثمان حين قُتل عثمان: لقد قتلتموه وإنّه ليُحْيِي الليلَ كلّه بالقُرآن في ركعة، وروى أبو إسحاق، عن رجل قد سمّاه قال: رأيتُ رجلًا طيّب الريح نظيف الثوب قائمًا إلى دُبُرِ الكعبة يصلّي وغلامٌ خلفَه، كلّما تَعايا فَتَحَ عليه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: عثمان، وروى عطاء بن أبي رَباح أنّ عثمان بن عفّان صلّى بالنّاس ثمّ قام خلف المقام فجمع كتابَ الله في ركعة كانت وِتْرَةً فسُمّيت البُتَيْرَاءَ، وروى أَبو موسى الأَشعري قال: كنت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، إِذ استفتح رجل فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
"يا عبد اللّه بن قيس، قم فافتح له الباب، وبشره بالجنة"
، فقمت ففتحت الباب، فإِذا أَنا بأَبي بكر الصديق، فأَخبرته بما قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فحمد الله، ودخل، فسلم وقعد، ثمّ أَغلقت الباب فجعل النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يَنْكُت بِعُود في الأَرض، فاستفتح آخر، فقال:
"يا عبد اللّه بن قَيْس، قم فافتح له الباب وبَشِّرْه بالجنة"
، فقمت ففتحت، فإِذا أَنا بعمر بن الخطاب، فأَخبرته بما قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فحَمِد الله، ودخل، فسلم وقعد، وأَغلقت الباب فجعل النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ينكُت بذلك العودِ في الأَرض إِذا استفتح الثالثُ البابَ، فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
"يَا عَبْدُ الْلَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُمْ، فَافْتَحِ الْبَابَ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُوْنُ"
، فقمت ففتحت الباب، فإِذا أَنا بعثمان بن عفَّان، فأَخبرته بما قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: الله المُسْتَعان وعليه التكْلاَن، ثمّ دخل فسلَّم وقعد
(*)
أخرجه البخاري في الصحيح 9/ 69 كتاب الفتن، 5/ 10، 11 كتاب فضائل الصحابة وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1866 كتاب فضائل الصحابة (44) باب (3) حديث رقم (28/ 2403) وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 589 كتاب المناقب (50) باب (19) حديث رقم 3710وأحمد في المسند 3/ 393، 406.
، وروى عبيد اللّه بن الأَخنس قال: قدم سعيد بن زيد ــ هو ابن عمرو بن نفيل ــ فقال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"أَبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة"
، والآخر لو شئت سميته، ثمّ سمى نفسه"
(*)
، وقال سهل بن سعد: ارتجّ أُحُد، وكان عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"اثْبُتْ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ"
(*)
أخرجه ابن ماجة في السنن حديث رقم 134، وأحمد في المسند 3/ 112، والبيهقي في الدلائل 6/ 350، 351، والخطيب في التاريخ 5/ 365، والطبراني في الكبير 11/ 259.
. وعثمان رضي الله عنه أحَد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستَّة الذين جعل عُمرُ فيهم الشّورى، وأخبر أَنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تُوفيِّ وهو عنهم رَاضٍ، روى نافع، عن ابن عمر قال: كنّا نقول على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم سكت؛ فقيل: هذا في التفّضيل، وقيل في الخلافة، وقال ابن مسعود ــ حين بويع بالخلافة: بايعنا خَيْرنا ولم نألُ، وقال عليّ بن أبي طالب: كان عثمان أوْصلنا للرّحم، وكان من الذين آمنوا ثم اتَّقوا وأحسنوا والله يحبُّ المحسنين، واشترى عُثمان رضي الله عنه بئر رُومة، وكانت رَكِيَّة ليهوديّ يبيع المسلمين ماءَها، فقال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"مَنْ يَشْتَرِي رُومَةَ فَيَجْعَلَهَا لِلْمُسْلِمينَ يَضْرِبُ بِدَلْوِهِ فِي دِلَائِهِمْ، وَلَهُ بِهَا مَشْرَبٌ فِي الْجَنَّةِ"
أخرجه الترمذي في السنن 3703، والنسائي في السنن 6/ 235، وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم 2492، والدارقطني في السنن 4/ 197، وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم (36231).
، فأتى عثمانُ اليهوديَّ فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلَّها، فاشترى نصفَها باثني عشر ألف درهم، فجعله للمسلمين، فقال له عثمان رضي الله عنه: إن شئْتَ جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يوم ولك يوم، قال: بل لك يوم ولي يوم، فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين؛ فلما رأى ذلك اليهوديّ قال: أفسدتَ عليّ رَكِيَّتي، فاشتر النّصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم
(*)
، وقال: رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"مَنْ يَزِيدُ فِي مَسْجِدِنَا"
؛ فاشترى عُثمان رضي الله عنه موضع خمس سَوَارِ، فزاده في المَسجد
(*)
، وجَهَّزَ جيشَ العُسْرَة في غَزْوَةِ تَبُوك بتسعمائة وخمسين بعيرًا، وأتمّ الألف بخمسين فرسًا، وروى قتادة، قال: حَمل عثمان في جيش العُسرَةِ على ألف بعير وسبعين فرسًا، وروى موسى بن طلحة، قال: أتينا عائشة رضي الله عنها نسألها عن عثمان؛ فقالت: اجلسوا أحدِّثْكم عما جئتم له: إنّا عَتَبْنا على عثمان رضي الله عنه في ثلاث خلال ــ ولم تذكرهن ــ فعمدوا إليه حتى إذا ماصُوه كما يُمَاص الثّوبُ بالصّابون اقتحموا عليه الفِقُرَ الثّلاثة: حُرمة البلد الحرام، والشّهر الحرام، وحرمة الخلافة، ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرّحم وأتقاهم لربه، وروى ابن سيرين قال: كَثر المالُ في زمن عثمان حتى بيعت جاريةٌ بوَزْنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم، وروى سالم، عن ابن عمر قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء، ولو فعلها عمر ما عتبوا عليه، وروى علقمة بن وقّاص أنَّ عمرو بن العاص قام إلى عُثمان وهو يخطب النّاس فقال: يا عثمان، إنك قد ركبتَ بالنّاس المَهَامة وركبوها منك؛ فتبْ إلى الله عَزّ وجل ولْيَتُوبوا، قال: فالتفت إليه عثمان، فقال: وإنك لَهُناك يا ابن النّابغة! ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله، اللّهُمّ إِنِّي أول تَائِبٍ إليك، وروى الحسن قال: سمعتُ عثمان يخطب وهو يقول: يأيها النّاس، ما تنقمون عليّ! وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرًا، قال الحسن: وشهدت مناديًا ينادي: يَا أَيُّها النّاس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون ويأخذونها وافية، يا أيها النّاس: اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافية، حتى والله سمعَتْهُ أذناي يقول: اغدُوا على كسواتكم فيأخذون الحلل، واغدوا على السّمن والعسل، قال الحسن: أرزاق دارَّةٌ وخير كثير، وذات بَيْن حسن، ما على الأرض مؤمن إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوَسِعَهُم ما كانوا فيه من العطاء والرّزق، ولكنهم لم يصبروا، وسلُّوا السّيفَ مع مَنْ سلَّ، فصار عن الكفار مُغْمَدًا، وعلى المسلمين مسلولًا إلى يوم القيامة.
كان عثمان رضي الله عنه يصوم الدّهر، وروى عُبيد الله بن عبد الله بن عتْبة قال: لمّا أقطع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الدّورَ بالمدينة خَطّ لعثمان بن عفّان دارَه اليومَ، ويقال: إنّ الخوخة التي في دار عثمان اليوم وجَاهَ باب النّبيّ الذي كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يخرج منه إذا دخل بيت عثمان
(*)
، وروى موسى بن محمّد بن إبراهيم، عن أبيه قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين عثمان بن عفّان، وعبد الرّحمن بن عوف، وآخى بين عثمان، وأوْس بن ثابت ــ والد شدّاد بن أوْس ــ ويُقال: أبي عُبادة سعد بن عثمان الزُّرَقيّ
(*)
، وروى علي بن زيد بن جدعان، قال لي سعيد بن المسيّب: انظر إلى وَجْه هذا الرّجل؛ فنظرتُ فإذا هو مسوَدّ الوجه، فقال: سَلْه عن أمره، فقلت: حسبي أنت، حَدّثني، قال: إن هذا كان يسبُّ عليًا وعَثمان رضي الله عنهما، فكنت أنهاه فلا ينتهي؛ وقلت: اللّهُم هَذا يسبُّ رجلين قد سبق لهما ما تعلم، اللّهم إنْ كان يُسْخِطك ما يقول فيهما فأرني به آية، فاسودَّ وَجْههُ كما ترى، وروى حُميد الطّويل قال: قيل لأنس بن مالك: إنّ حُبّ علي وعثمان رضي الله عنهما لا يجتمعان في قلبٍ أحدٍ، فقال أنس رضي الله عنه: كَذَبوا والله، لقد اجتمع حُبّهما في قلوبنا، وروى حسان بن عَطِيَّة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"غَفَرَ الله لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا قَدَّمْتَ وَمَا أَخَّرْتَ، وَمَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"
(*)
، وروى أَبو صالح، عن ابن عباس في هذه الآية:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}
، قال: نزلت في عشرة: أَبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزُّبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وعبد اللّه بن مسعود
(*)
، وروى قيس بن أَبي حازم قال: حدثنا أَبو سهلة ــ مولى عثمان ــ قال: قلت لعثمان يوم الدار: قَاتِلْ يا أَمير المؤمنين! وقال عبد اللّه: قَاتِلْ يا أَمير المؤمنين! قال: لا، والله لا أُقاتل، وعدني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَمرًا، فأَنا صائر إِليه
أخرجه ابن ماجة في السنن 1/ 42 في المقدمة باب فضل عثمان رضي الله عنه حديث رقم 113.
، وروى النَّزَّال بن سَبْرَة الهِلاَلي قال: قلنا لعلي: يا أَمير المؤْمنين، فحدثنا عن عثمان بن عفَّان، فقال: ذاك امرؤُ يُدعى في الملأَ الأَعلى ذا النورين، كان خَتَنَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على ابنتيه، ضَمِنَ له بيْتًا في الجنة، وروى طلحة بن عُبَيْدِ اللّه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيْقٌ، وَرَفِيْقِي
ــ يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ ــ
عُثْمَانُ"
(*)
أخرجه الترمذي في السنن 5/ 583 كتاب المناقب (50) باب (19) حديث رقم 3698 وأخرجه أحمد في المسند 1/ 74 وابن ماجة في السنن 1/ 40 من المقدمة حديث رقم 109 عن أبي هريرة.
، وروى أَنس بن مالك قال: "لمّا أُمِرَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان، كان عثمان بنُ عفَّان رسولَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى أَهل مكة قال: فبايع الناس، قال فقال رَسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ الله وَحَاجَةِ رَسُوْلِهِ"
، فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَكَانَتْ يَدُ رَسُوْلِ الله صَلَّى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيْهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ"
أخرجه الترمذي في السنن 5/ 585 كتاب المناقب (50) باب (19) حديث رقم 3702 وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب.
، وروى أَبو الأَشْعَث الصنانعي أَنَّ خُطَبَاءَ قامت في الشام، فيهم رجال من أَصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقام آخِرَهم رجُلٌ يقال له: مُرَّة بن كعب، فقال: لو لا حديث سمعته من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما قُمْت، وذكر الفِتَنَ فقَرَّبَها، فَمَرَّ رجل مُقَنَّعٌ في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إِليه، فإِذا هو عثمان بن عفَّان، فأَقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال: نعم
أخرجه أحمد في المسند 4/ 235، 236، 242، 243 وابن ماجة في السنن 1/ 41، في المقدمة فضل عثمان رضي الله عنه حديث رقم (111).
، ورُوِي نحو هذا عن ابن عمر، وروى عبد الله الرومي قال: كان عثمان يَلي وضوءَ اللّيل بنفسه، قال فقيل له: لو أمَرْتَ بعضَ الخَدَم فَكَفَوْكَ، فقال: لا، اللّيلُ لهم يستريحون فيه، وروى أنس بن مالك، عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال:
"أصْدَقُ أُمّتي حَياءً عثمانُ"
(*)
، وروى ابن عون، عن محمّد قال: كان أعلمهم بالمناسك ابن عفّان، وبعده ابن عمر، وروى عكرمة عن ابن عبّاس في قوله:
{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
[النحل: 76]، قال: عثمان بن عفّان، وروى الحسن قال: رأيت عثمان ينام في المسجد متوسّدًا رداءَه، وروى هشام بن عروة، عن أبيه أنّ عثمان بن عفّان لم يَتَشَهّد في وصيّته، وروى عُبيد الله بن دارة قال: كان عثمان رجلًا تاجرًا في الجاهليّة والإسلام، وكان يدفع ماله قراضًا، وروى العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه أن عثمان دفع إليه مالًا مضاربةً على النصف.
روى عثمان عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعُمر، وروى عنه أولاده: عمرو، وأَبان، وسعيد؛ وابن عمه مروان بن الحكم بن أبي العاص؛ وروى عنه من الصحابة ابْنُ مسعود، وابْنُ عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وزيد بن ثابت، وعمران بن حُصَين، وأبو هريرة، وغيرهم، وروى عنه من التابعين: الأحنف، وعبد الرحمن بن أبي ضمرة، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن المسَيّب، وأبو وائل، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومحمد بن الحنفية، وآخرون، فقد روى أَبو سلمة بن عبد الرحمن قال: "أَشرف عثمان من القصر وهو محصور، فقال: أَنْشُدُ بالله من سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم حراء إِذ اهتز الجبل فركله برجله، ثم قال:
"اسكن حراءُ، ليس عليك إِلا نبي أَو صديق أَو شهيد"
، وأَنا معه، فانتشد له رجال، ثم قال: أَنشد بالله من شهد رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إِذ بعثني إِلى المشركين إِلى أَهل مكة، قال:
"هذه يدي وهذه يد عثمان"
، فبايع لي، فانتشد له رجال، قال: أَنْشُدُ بالله من شهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال:
"من يوسع لنا هذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة؟"
فابتعته من مالي فوسعت به في المسجد، فانتشد له رجال، ثم قال: وأَنشد بالله من شهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم جيش العُسْرة، قال:
"من ينفق اليوم نفقه متقبلة؟"
فجهزت نصف الجيش من مالي، فانتشد له رجال، قال: وأَنشد بالله من شهد "رُومَة" يباع، ماؤُها من ابن السبيل، فابتعتها من مالي فأَبحتها ابنَ السبيل، فانتشد له رجال"
أخرجه أحمد في المسند 1/ 59.
، وروى سالم بن أَبي الجَعْد قال: دعا عثمان ناسًا من أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيهم عمَّار بن ياسر، فقال: إِني سائلكم، وإِني أُحب أَن تَصْدُقُونِي، نَشَدْتُكم بالله أَتعلمون أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يُؤثِر قريشًا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم، فقال عثمان: لو أَن بيدي مفاتيحَ الجنة لأَعطيتها بني أُمية حتى يدخلوا من عند آخرهم، فبعث إِلى طلحة والزبير، فقال عثمان: أَلا أُحدثكما عنه ــ يعني عمارًا ــ أَقبلت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيدي، نتمشى في البَطْحَاءِ، حتى أَتى على أَبيه وأُمه يعذبون، فقال أَبو عمار: يا رسول الله، الدَّهْرَ هكذا؟ فقال له النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
"اصْبُرْ
، ثُمَّ قَالَ:
الْلَّهُمَّ اغْفِرْ لِآلِ يَاسِرٍ، وَقَدْ فَعَلْتَ"
(*)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 62.
، وروى سعيد بن العاص أَن عائشةَ زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه: أَن أَبا بكر استأْذن على النبي صَلَّى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه، لابسٌ مِرْطَ عائشة، فأَذن له وهو كذلك، فقضى إِليه حاجته ثم انصرف، ثم استأْذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إِليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأْذنتُ عليه فجلس وقال لعائشة:
"اجمعي عليك ثيابك"
، فقضيت إِليه حاجتي ثم انصرفت ــ قالت عائشة: يا رسول الله، لم أَرك فزعت لأَبي بكر ولا عمر كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
"إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيْتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَى حَاجَتِهِ"
ــ وقال الليث: قال جماعة الناس:
"أَلاَ أَسْتَحِيي مِمَّنْ تَسْتَحِيَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةِ"
(*)
أخرجه أحمد في المسند 1/71، 6/155.
.
روى عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله أنّ المصريّين لمّا أقبلوا من مصر يريدون عثمان، ونزلوا بذي خُشُب، دعا عثمانُ محمّدَ بن مسلمة فقال: اذْهَبْ إليهم فارْدُدْهُمْ عني وأعطِهم الرضى وأخبرهم أني فاعلٌ بالأمور التي طلبوا، ونازعٌ عن كذا بالأمور التي تكلّموا فيها، فركب محمّد بن مَسْلَمَة إليهم إلى ذي خُشُب، قال جابر وأرسل معه عثمان خمسين راكبًا من الأنصار أنا فيهم، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرّحمن بن عُدَيس البَلَويّ، وسودان بن حُمْران المرادي، وابن البَيّاع، وعمرو بن الحَمِق الخُزاعي، لقد كان الاسم غلب حتى يقال: جيش عمرو بن الحمق، فأتاهم محمّد بن مسلمة فقال: إنّ أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا، وأخْبرهم بقوله فلم يزل بهم حتّى رجعوا، فلمّا كانوا بالبُويب رَأوا جملًا عليه ميسمُ الصدقة فأخذوه فإذا غلامٌ لعثمان فأخذوا متاعَه ففتشوه، فوجدوا فيه قَصَبَةً من رَصاص فيها كتاب في جوف الإدَاوَة في الماء: إلى عبد الله بن سعد أن افْعَلْ بفُلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في عثمان، فَرَجَعَ القومُ ثانيةً حتى نزلوا بذي خُشُب، فأرسل عثمان إلى محمّد بن مسلمة فقال: اخْرجْ فارْدُدْهم عني، فقال: لا أفعلُ، قال فقدموا فحصروا عثمان، وروى سفيان بن أبي العوجاء قال: أنكر عثمان أنْ يكون كتَبَ الكتاب، أو أرسل ذلك الرسولَ، وقال: فُعِلَ ذلك دوني، وروى ابن لبيبة أنّ عثمان بن عفّان لمّا حُصِرَ أشرفَ عليهم من كُوّةٍ في الطَّمار فقال: أفيكم طَلحة؟ قالوا: نعم، قال: أَنْشُدك الله هل تعلم أنّه لمّا آخى رسولُ الله بين المهاجرين والأنصار، آخى بيني وبين نفسه؟ فقال طلحة: اللّهمّ نعم، فقيل لطلحة في ذلك فقال: نَشَدَني، وأمْرٌ رأيْتُهُ ألا أشْهَدُ به؟
(*)
، وروى راشد بن كَيْسان أبو فَزارة العبْسيّ أنّ عثمان بعث إلى عليّ وهو محصور في الدار أن ائْتِني، فقام عليّ ليأتِيَه، فقام بعض أهل عليّ حتّى حبسه، وقال: ألا ترى إلى ما بين يديك من الكتائب؟ لا تَخْلُصُ إليه، وعلى عليّ عمامةٌ سوداءُ فنَقَضَها على رأسه، ثمّ رمى بها إلى رسول عثمان وقال: أخْبِرْهُ بالذي قد رأيت، ثمّ خرج عليٌّ من المسجد حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة فأتاه قتله فقال: اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من دَمِه أن أكون قتلتُ أو مالأتُ على قتله، وروى ميمون بن مِهران قال: لمّا حوصر عثمان بن عفّان في الدّار بعث رجلًا فقال: سَلْ وانْظر ما يقول النّاس، قال: سمعتُ بعضهم يقول قد حَلّ دَمُه، فقال عثمان: ما يحلّ دمُ امرئٍ مسلم إلا رجل كَفَرَ بعد إيمانه، أو زَنَى بعد إحْصَانه، أَو قَتَلَ رجلًا فقُتلَ به، قال وأحْسَبُه قال هو أو غيره: "أو سَعَى في الأرض فسادًا"، وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه قال: سمعتُ عثمان بن عفّان يقول: إنْ وَجَدْتُم في كتاب الله أن تضعوا رجْلَيّ في قيود فضعوهما.
روى محمّد بن سيرين قال: جاء زيدُ بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب يقولون إنْ شِئْتَ كنّا أنصارًا لله مرّتين، قال فقال عثمان: أمّا القتال فلا، وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال عثمان يوم الدّار: إنّ أعْظَمَكُمْ عَنّي غَناءً رجلٌ كَفّ يَدَه وسلاحه، وروى أبو هُريرة قال: دخلتُ على عثمان يوم الدّار فقلتُ يا أمير المؤمنين طَابَ الضَّرْبُ! فقال: يا أبا هُريرة أيَسُرُّكَ أنْ تَقْتُلَ النّاسَ جميعًا وإيّايَ؟ قال: قلت لا، قال: فإنّك والله إن قتلتَ رجلًا واحدًا فكأنمّا قَتَلْتَ النّاسَ جميعًا، قال: فرجعتُ ولم أُقاتل، وروى عبد الله بن الزّبير قال: قلت لعثمان يوم الدّار: قاتلهم فوالله لقد أحلّ الله لك قتالهم، فقال: لا والله لا أقاتلهم أبدًا، قال فدخلوا عليه وهو صائم، قال وقد كان عثمان أمّرَ عبدَ الله بنَ الزّبير على الدّار، وقال عثمان: مَنْ كانت لي عليه طاعَةٌ فَلْيُطِعْ عبد الله بن الزّبير، وروى أيضًا عبد الله بن الزّبير قال: قلت لعثمان: يا أمير المؤمنين إنّ معك في الدّار عصابة مستنصرةً بنصر الله بأقَلّ منهم لعثمان فأذَنْ لي فَلأقاتلُ، فقال: أَنْشُدُ الله رَجُلًا، أو قال: أذَكّرُ بالله رَجُلًا أهْراق في دمَه، أو قال: أهراق فيّ دمًا، وروى ابن سيرين قال: كان مع عثمان يومئذ في الدّار سبعُمائة، لَوْ يَدَعُهُم لضربوهم إن شاء الله حتّى يخُرْجوهم من أقطارها، منهم ابن عمر والحسن بن عليّ، وعبد الله بن الزّبير، وروى أبو ليلى الكِنْدي قال: شَهِدْتُ عثمان وهو محصور فاطّلع من كُوٍّ وهو يقول: يا أيّها النّاس لا تقتلوني وَاسْتَتِيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلّون جميعًا أبدًا، ولا تجاهدون عَدوًّا جميعًا أبدًا، ولَتَخْتَلِفُنّ حتّى تصيروا هكذا، وشَبّك بين أصابعه، ثمّ قال:
{وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}
[سورة هود:89]، وأرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكفّ الكفّ فإنهّ أبلغ لك في الحجّة.
روى أبو جعفر القارئ المخزوميّ ــ مولى ابن عبّاس ــ قال: كان المصريوّن الذين حصروا عثمان ستّمائة، رأسهم عبد الرّحمن بن عديس البَلَويّ، وكنانة بن بِشْر بن عَتّاب الكنديّ، وعمرو بن الحَمِق الخزاعيّ، والذين قدموا من الكوفة مائتين رأسُهم مالك الأشتر النّخَعيّ، والّذين قدموا من البصرة مائة رجل رأسهم حُكَيم بن جَبَلَة العبدي، وكانوا يدًا واحدةً في الشرّ، وكان حُثالة من النّاس قد ضَوَوْا إليهم قد مَرِجَتْ عهودهم وأماناتهم، مفتونون، وكان أصحاب النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنّوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فَنَدموا على ما صنعوا في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوههم التراب لانصرفوا خاسرين، وروى أبو عون ــ مولى المِسْوَر بن مخرمة ــ قال: ما زال المصريّون كافّين عن دمه، وعن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من الكوفة، ومن البصرة، ومن الشأم، فلمّا جاءوا وشَجُعَ القومُ حين بلغهم أن البعوث قد فَصَلَتْ من العراق من عند ابن عامر، ومن مصر من عند عبد الله بن سعد، فقالوا نُعاجلُه قبل أنْ تَقْدَمَ الأمْدَادُ، وروى مالك بن أبي عامر قال: خرج سعد بن أبي وقّاص حتّى دخل على عثمان، رحمة الله عليه، وهو محصور، ثمّ خرج من عنده فرأى عبد الرّحمن بن عُديس، ومالكًا الأشتر، وحُكيم بن جَبَلَةَ، فَصَفَّق بيديه إحداهما على الأخرى، ثمّ استرجع، ثمّ أظهر الكلام فقال: والله إنّ أمْرًا هؤلاء رُؤساؤهُ لأمْرُ سَوءٍ، وروى الحسن قال: أنبأني وثّاب، وكان فيمن أدركَهُ عِتْق أمير المؤمنين عمر، وكان بين يدي عثمان ورأيت بحلْقه أثر طعنتين كأنـّهما كَيـّتان، طُعِنَهما يومئذ يومَ الدّار دار عثمان، قال: بعثني عثمان فدعوتُ له الأشتر فجاء، قال ابن عون: أظنه قال: فطرحتُ لأمير المؤمنين وسادةً وله وسادة فقال: يا أشتر ما يريد النّاس مني؟ قال: ثلاثٌ ليس لك من إحداهنّ بدّ قال: ما هنّ؟ قال: يُخَيّرُونك بين أن تَخْلَعَ لهم أمرهم فتقول هذا أمركم فاختاروا له مَن شئتم، وبين أن تُقِصّ من نفسك، فإن أبيت هاتين فإنّ القوم قاتِلوك، قال: أما من إحْداهنّ بُدّ؟ قال: لا ما من إِحداهنّ بُدّ قال: أمّا أن أخلَعَ لهم أمرهم فما كنتُ لأخْلَعَ سرْبالًا سَرْبَلَنِيه الله، قال وقال غيره: والله لأنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقي أحَبّ إليّ من أن أخْلَعَ أمّةَ مُحَمّدٍ بعضَها على بعض، قالوا هذا أشبهُ بكلام عثمان، وأمّا أن أقِصّ من نفسي فو الله لقد علمتُ أن صاحبيّ بين يديّ قد كانا يعاقبان وما يقومُ بَدَنِي للقصاص، وأمّا أن يقتلوني فو الله لئِنْ قتلوني لا يتحابون بعدي أبدًا، ولا يصلّون بعدي جميعًا أبدًا، ولا يقاتلون بعدي عدوًّا جميعًا أبدًا، وروى عبد الله بن عمر قال: قال لي عثمان وهو محصور في الدار: ما ترى فيما أشار به عليّ المغيرة بن الأخنس؟ قال قلت: ما أشار به عليك؟ قال: إنّ هؤلاء القوم يريدون خلعي، فإنْ خَلَعْتُ تَرَكوني، وإن لم أخْلَعْ قَتَلوني، قال قلت: أرَأيْتَ إنْ خَلَعْتَ تُتْرَك مُخَلَّدًا في الدنيا؟ قال: لا، قال: فهل يَمْلِكُونَ الجنّة والنّار؟ قال: لا، قال فقلت: أرأيتَ إن لم تَخْلَعْ هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا، قلتُ: فلا أرى أن تَسُنَّ هذه السُّنَّةَ في الإسلام كُلّما سَخطَ قومٌ على أميرهم خلعوه، لا تَخْلَعْ قَميصًا قَمّصَكَهُ الله، وروت أُم يوسف بن ماهَكَ، عن أمّها قالت: كانوا يدخلون على عثمان وهو محصور فيقولون:اعْتَزِلْنَا، فيقول: لا أنزعُ سِرْبالًا سَرْبَلَنِيه الله ولكن أنْزع عمّا تكرهون، وروى عبد الرّحمن بن جُبير قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعثمان:
"إنّ الله كَساك يومًا سربالًا، فإن أرادكَ المنافقون على خلعه؛ فلا تَخْلَعْه لظالم"
(*)
.
روى أبو سَهْلَة ــ مولى عثمان ــ قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في مرضه:
"وَددْتُ أنّ عندي بعضَ أصحابي"
، فقالت عائشة: فقلتُ يا رسول الله أدْعو لك أبا بكر، فأسكت فعرفتُ أنّه لا يريده، قلت: أدعو لك عُمَرَ، فأسكت فعرفتُ أنه لا يريده، قلت: أدعو لك عليًّا، فأسكت فعرفت أنّه لا يريده، فقلت: فأدعو لك ابن عفّان قال:
"نعم"
، فلمّا جاء أشار إليَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن تباعدي، فجاء عثمان فجلس إلى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول له، ولون عثمان يتغيّر، قال قيس: فأخبرني أبو سَهْلَة قال: لمّا كان يوم الدار قيل لعثمان ألا تقاتلُ؟ فقال: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَهِدَ إليّ عَهْدًا وإني صابرٌ عليه، قال أبو سهلة: فَيَرَوْنَ أنّه ذلك اليوم
(*)
، وروى أبو أُمامة بن سهل قال: كنتُ مع عثمان في الدار وهو محصور، قال وكنّا ندخل مدخلًا إذا دخلناه سمعنا كلامَ من على البلاط، قال فدخل عثمان يومًا لحاجةٍ فخرج مُنْتَقِعًا لونُه فقال: إنّهم لَيَتَوَعّدُونَني بالقتل آنفًا، قال قلنا: يَكْفيكَهُمُ الله يا أمير المؤمنين، قال: وَلِمَ يقتلونني وقد سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:
"لا يَحِلّ دَمُ امرئ مُسلم إلاّ في إحدى ثلاث: رجلٍ كَفَرَ بعد إيمانه أو زَنَى بعد إحصانه أو قتل نفسًا بغير نفس"
، فو الله ما زنيت في جاهليّة ولا في إسلام قطّ، ولا تَمَنّيْتُ أنّ لي بديني بَدَلًا منذ هَداني الله، ولا قتلتُ نفسًا، ففيمَ يقتلونني؟
(*)
، وروى مجاهد قال: أشْرَفَ عثمانُ على الذين حاصروه فقال: يا قوم لا تقتلوني فإني والٍ وأخٌ مسلمٌ، فوالله إنْ أرَدْتُ إلاّ الإصْلاح ما استطعتُ، أصَبْتُ أو أخْطَأتُ، وإنكم إنْ تقتلوني لا تصَلّون جميعًا أبدًا، ولا تغزون جميعًا أبدًا، ولا يُقسَمُ فَيْؤكُمْ بينكم، قال: فلمّا أبَوْا قال: أنْشِدُكم الله هل دَعَوْتُم عند وفاة أمير المؤمنين بما دعوتُم به، وأمْرُكُمْ جَميعًا لم يَتَفَرّقْ وأنتم أهل دينه وحقّه فتقولون إنّ الله لم يُجِبْ دَعْوَتَكُمْ أم تقولون هان الدّين على الله، أم تقولون إني أخذتُ هذا الأمرَ بالسيف والغلبة ولم آخُذْه عن مَشْوَرَةٍ من المسلمين، أم تقولون إنّ الله لم يَعْلَمْ من أوّل أمري شيئًا لم يعلم من آخره؟ فلمّا أبوا قال: "اللّهمّ أحصهم عَدَدًا، واقْتلهم بَدَدًا، ولا تُبْق منهم أحَدًا"، وروى أبو سعيد ــ مولى أبي أسيد ــ قال: أشرف عليهم عثمان وهو محصور، فقال: السّلام عليكم، فما رَدَّ عليه أحَد، فقال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت بئر رُومة من مالي، وجعلت فيه رِشائي كرشاء رجُلٍ من المسلمين؟ فقيل: نعم، قال: فعلَامَ تمنعوني من مائها، وأفطر على الماء المالح، ثم قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت كذا وكذا من أرضٍ فزدتُه في المسجد، فهل علمتهم أن أحدًا مُنع أن يُصلّي فيه قبلي! قال ابن عمر: أذنب عثمان ذنبًا عظيمًا يوم الْتَقَى الجمعان بأُحد، فعفا الله تعالى عنه عزّ وجل، وأذنب فيكم ذنبًا صغيرًا فقتلتموه، وسُئِل ابن عمر عن علي وعثمان رضي الله عنهما، فقال للسّائل: قبَّحك الله! تسألني عن رجلين كلاهما خير منّي، تريد أن أغضَّ من أحدهما وأرفع من الآخر، وقال عليّ رضي الله عنه: من تبرَّأَ من دين عُثمان فقد تبرّأَ من الإيمان، والله ما أعنْتُ عَلَى قَتْله، ولا أمرت ولا رضيت.
روى أبو الحُويرث قال: استخلف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع عثمان بن عفّان، واستخلفه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أيضًا على المدينة في غزوته إلى غَطَفان بذي أمَرّ بنجد
(*)
، وروى المِسْوَر بن مَخْرَمَة قال: كان عمر بن الخطّاب وهو صحيح يُسْألُ أن يَسْتَخْلفَ فَيَأبَى، فصعِدَ يوْمًا المنبر فتكلّم بكلماتٍ وقال: إنْ مِتّ فأمْرُكُمْ إلى هؤلاء الستّة الذين فارقوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ: عليّ بن أبي طالب، ونظيره الزّبير بن العوّام، وعبد الرّحمن بن عوف، ونظيره عثمان بن عفّان، وطلحة بن عُبيد الله، ونظيره سعد بن مالك، ألاَ وإنّي أوصيكم بتَقْوَى الله في الحُكْم والعدل في القَسْم، وروى زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر قال: وإن اجتمع رَأيُ ثلاثةٍ وثلاثة فاتبعوا صنْفَ عبد الرّحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا، وروى أنس بن مالك قال: أرسل عمر بن الخطّاب إلى أبي طلحة قبل أن يموت بساعةٍ فقال: يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم، فقم على ذلك الباب بأصحابك؛ فلا تترك أحدًا يدخل عليهم ولا تَتْرُكْهُمْ يَمْضي اليوم الثالث حتى يُؤمّروا أحَدَهم، اللّهمّ أنت خليفتي عليهم، وروى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: وافى أبو طلحة في أصحابه ساعة قَبْر عُمَرَ فَلَزمَ أصحابَ الشورى، فلمّا جعلوا أمرهم إلى عبد الرّحمن بن عوف يختار لهم منهم لَزمَ أبو طلحة بابَ عبد الرّحمن بن عوف بأصحابه حتى بايع عثمان، وروى سَلَمَةَ بن أبي سلَمَةَ بن عبد الرّحمن، عن أبيه قال: أوّلُ من بايع لعثمان عبدُ الرّحمن، ثمّ عليّ بن أبي طالب، وروى عمر بن عَميرة بن هُنَيٍّ ــ مولى عمر بن الخطّاب، عن أبيه، عن جدّه قال: أنا رأيتُ عليًّا بايع عثمان أوّلَ النّاس ثم تَتَابَعَ النّاسُ فبايعوا، وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرّحمن المخزومي، عن أبيه أن عثمان لمّا بويع خَرَجَ إلى النّاس فخَطَبهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاسُ: إنّ أوّلَ مَرْكَبٍ صَعْبٌ، وإنّ بعدَ اليوم أيّامًا، وإنْ أعِشْ تَأتِكُمُ الخطبةُ على وَجْهِها، وما كُنّا خُطباء وسَيُعَلّمُنا الله، وروى النزّال بن سَبْرَة قال: شهدتُ عبدَ الله بن مسعود في هذا المسجد ما خَطَبَ خُطْبَةً إلا قال: أمّرْنا خَيْرَ مَنْ بَقيَ ولم نألُ، وروى أبو وائل أنّ عبد الله بن مسعود سار من المدينة إلى الكوفة ثمانيًا حين استُخلف عثمان بن عفّان فحمد الله وأثنَى عليه ثمّ قال: أما بعد فإنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ماتَ فلم نرَ يومًا أكثر نشِيجًا من يومئذ، وإنّا اجتمعنا أصحابَ محمّد فلم نَألُ عن خيرنا ذي فُوقٍ، فبايعنا أميرَ المؤمنين عثمان فبايعوه، وروى يعقوب بن زيد، عن أبيه قال: بُويع عثمان بن عفّان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحِجّة سنة ثلاثٍ وعشرين، فاستقبل بخلافته المحرّم سنة أربع وعشرين، وقال أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة في حديثه: فَوَجّهَ عثمانُ على الحجّ تلك السنةَ عبد الرّحمن بن عَوف فحجّ بالنّاس سنة أربعٍ وعشرين، ثمّ حَجّ عثمان في خلافته كلّها بالنّاس عشر سنين ولاءً إلاّ السنةَ التي حوصرَ فيها فوجّهَ عبدَ الله بن عبّاس على الحجّ بالنّاس، وهي سنة خمسٍ وثلاثين، فقد روى عكرمة، عن ابن عبّاس أنّ عثمان بن عفّان استعمله على الحجّ في السنة التي قُتل فيها سنة خمسٍ وثلاثين، فخرج فحجّ بالنّاس بأمر عثمان، وروى الزّهريّ قال: لمّا وُلِيَ عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميرًا يَعْمَلُ ستّ سنين، لا ينْقمُ النّاس عليه شيئًا، وإنّه لأحبّ إلى قريش من عمر بن الخطّاب لأن عمر كان شديدًا عليهم، فلمّا وليَهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثمّ توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الستّ الأواخر، وكتب لمَرْوَانَ بخُمْس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأوّلَ في ذلك الصّلَة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال وقال: إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما وإني أخذتُه فقسمتُه في أقربائي، فأنكر النّاسُ عليه ذلك، وروت أمّ بكر بنت المِسْوَر، عن أبيها قال: سمعتُ عثمان يقول: أيّها النّاسُ إن أبا بكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظَلْفَ أنفسهما وذوي أرحامهما وأني تأوّلْتُ فيه صلَةَ رَحمي، وروى عمرو بن ميمون قال: رأَيت عمر قبل أَن يُصَاب بأَيام بالمدينة، ووقف على حُذَيْفَة بن اليمان، وعثمان بن حُنَيْف فقال: كيف فعلتما؟ أَتخافان أَن تكونا حَمَّلْتُما الأَرْض ما لا تُطِيق؟ قالا: حَمَّلناها أَمرًا وهي له مُطِيقة ــ وذكر قصة قتل عمر رضي الله عنه ــ قال: فقالوا له: أَوص يا أَمير المؤمنين؛ استخلف، قال: ما أَجد أَحق بهذا الأَمر من هؤلاءِ النفر ــ أَو: الرَّهْط ــ الذين تُوفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عَليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبد الرحمن ــ وقال: يَشْهَدُكم عبدُ اللّه بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له، فإِن أَصابت الإِمْرَةُ سعدًا فهو ذاك، وإِلا فليستعن به أَيكم ما أُمِّر، فإِني لم أَعْزِله من عجز ولا خيانة، وقال: أُوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأَولين، أَن يعرف لهم حَقَّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأُوصيه بالأَنصار خيرًا الذين تبوأوا الدار والإِيمان من قبلهم، أَن يقبل من محسـنهم، وأَن يغضي عن مسيئهم، وأُوصيه بأهل الأَمصار خيرًا، فإِنهم ردْءُ الإِسلام، وجُبَاة المال، وغيظُ العدو، وأَن لا يُؤخذ منهم إِلا فضلهم عن رضاهم، وأُوصيه بالأَعراب خيرًا، فإِنهم أَصل العرب، ومادة الإِسلام، أَنْ يأْخذ من حواشي أَموالهم، ويُرَدَّ على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله، أَنْ يوفي لهم بعهدهم، وأَن يقاتل مِنْ وَرَائهم، ولا يُكَلَّفُوا إِلا طاقتهم، فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي، فسلم عبد اللّه بن عُمَر، وقال يستأْذن عمر بن الخطاب، فقالت ــ يعني عائشة ــ: أَدخلوه، فأُدخل فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاءِ الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أَمركم إِلى ثلاثة منكم، قال الزبير: قد جعلت أَمري إِلى علي، وقال طلحة: قد جعلت أَمري إِلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أَمري إِلى عبد الرحمن، فقال عبد الرحمـن: أَيكما تَبَرَّأَ من هذا الأَمر فنجعله إِليه، واللّهُ عليه والإِسلام، لينظرن أَفضلهم في نفسه، فَأُسْكِتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: أَفتجعلونه إِليّ، والله عَلَيَّ أَن لا آلوَ عن أَفضلكم؟ قالا: نعم، وأَخذ بيد أَحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم والقِدَمُ في الإِسلام ما قد علمت، فاللّهُ عليك لئن أَمَّرْتك لتعدلن، ولئن أَمَّرتُ عثمان لتَسْمَعَن ولتُطيعَنَّ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أَخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه وبايع له عَليٌّ، وولج أَهلُ الدارِ فبايعوه
أخرجه البخاري في الصحيح 5/19 ـــ 22 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان رضي الله عنه.
، قال ابن إسحاق: كانت ولايتُه اثنتي عشرة سنة، إلا اثني عشر يومًا، وقال غيره: كانت خلافته إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرًا، وأربعة عشر يومًا، وقيل: ثمانية عشر يومًا.
كان سبب قَتْله أنَّ أمراءَ الأمصار كانوا من أقاربه، فكان بالشام كلّها معاوية، وبالبصرة سَعِيد بن العاص، وبمصر عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وبخراسان عبد الله بن عامر؛ وكان مَنْ حَجَّ منهم يشكو من أميره؛ وكان عثمان لَيِّن العَرِيكة، كثير الإحسان والحلم، وكان يستبدل ببعض أمرائه فيُرضيهم، ثم يعيده بَعْدُ إلى أَنْ رحل أهلُ مصر يشكون من ابن أبي سَرْح، فعزله، وكتب له كتابًا بتولية محمد بن أبي بكر الصديق، فرضوا بذلك؛ فلما كانوا في أثناء الطريق رأوْا راكِبًا على راحلة، فاستخبروه؛ فأخبرهم أنه من عند عثمان باستقرار ابْنِ أبي سرح ومعاقبةِ جماعة من أعيانهم؛ فأخذوا الكتابَ ورجعوا وواجهوه به؛ فحلف أنه ما كتب ولا أذِن، فقالوا: سَلِّمْنا كاتبكَ، فخشى عليه منهم القَتْل، وكان كاتبه مروان بن الحكم؛ وهو ابن عمه؛ فغضبوا وحصروه في دارِه، واجتمع جماعةٌ يحمونه منهم، فكان ينهاهم عن القتال إلى أن تسوُّرُوا عليه من دار إلى دار، فدخلوا عليه فقتلوه، فعظم ذلك على أهْلِ الخير من الصحابة وغيرهم، وانفتح بابُ الفتنة، فكان ما كان، والله المستعان، قال نافع: وقُتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة يوم الجمعة لثمان عشرة ــ أَو: سبع عشرة ــ خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وقال أَبو عثمان النهدي: قُتل في وسط أَيام التشريق، وقال ابن إِسحاق: قُتل عثمان على رأْس إِحدى عشرة سنة، وأَحد عشر شهرًا، واثنين وعشرين يومًا من مقتل عمر بن الخطاب، وعلى رأْس خمس وعشرين من مُتَوَفى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقال الواقدي: قُتل يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين، وقد قيل: إِنه قُتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة، وقال الواقدي: حصروه تسعة وأَربعين يومًا، وقال الزبير: حصروه شهرين وعشرين يومًا، وروى عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: كان لعثمان بن عفّان عند خازنه يومَ قُتِلَ ثلاثون ألفَ ألف درهم، وخمسمائة ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار فانْتُهبت وذهبت، وترك ألف بعير بالرّبذَة، وترك صدقاتٍ كان تَصَدّق بها بِبئر أَرِيس، وخَيبر، ووادي القرى قيمةَ مائتي ألف دينار، وروى الرّبيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه قال: كان النّاسُ يتوقون أن يَدْفنوا موتاهم في حُشِّ كوكب فكان عثمان بن عفّان يقول: يوشِكُ أنْ يَهْلِكَ رجلٌ صالح فيُدْفَنَ هناك فيأتَسىَ النّاسُ به، قال مالك بن أبي عامر: فكان عثمان بن عفّان أوّلَ مَنْ دُفن هناك، وروى عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: بُويع عثمان بن عفّان بالخلافة أوّلَ يوم من المحرّم سنة أربعٍ وعشرين وقُتل ــ يرحمه الله ــ يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين بعد العصر، وكان يومئذٍ صائمًا، ودُفن ليلة السّبْت بين المغربِ والعشاء في حُشّ كَوْكَب بالبقيع، فهي مقبرة بني أُميّة اليوم، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة غيرَ اثني عشر يومًا، وقُتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وكان أبو معشر يقول: قُتل وهو ابن خمس وسبعين سنة.
روى عبد الله بن نِيار الأسلمي، عن أبيه قال: لما حجّ معاوية نظر إلى بيوت أسْلَمَ شوارع في السوق فقال: أظْلِموا عليهم بيوتهم ــ أظْلَمَ الله عليهم قبورهم ــ قتلةَ عثمان، قال نِيار بن مُكْرَم: فخرجت إليه فقلت له إنّ بيتي يُظْلَمُ عَلَيّ وأنا رابِعُ أربعة حَمَلنا أميرَ المؤمنين وقبرناه وصلّينا عليه، فعرفه معاوية فقال: اقْطَعوا البناءَ لا تبنوا على وجه داره، قال ثمّ دعاني خاليًا فقال: متى حملتموه ومتى قبرتموه ومَنْ صلّى عليه؟ قلت: حملناه ــ رحمه الله ــ ليلة السّبْت بين المغربِ والعشاء، فكنتُ أنا، وجُبير بن مُطْعِم، وحَكيم بن حزام، وأبو جهم بن حُذيفة العَدَويّ، وتَقَدّم جُبير بن مُطعِم فصلّى عليه، فصَدّقَه معاوية، وكانوا هم الذين نزلوا في حُفرته، وروى محمّد بن يوسف قال: خرجت نائلة بنت الفرافصة تلك الليلة، وقد شَقّتْ جَيْبَها قُبُلًا ودُبُرًا ومعها سراج وهي تصيح: وا أمير المؤمنيناه!، فقال لها جُبير بن مُطعم: أطْفِئي السّراج لا يُفْطَن بنا فقد رأيتِ الغُواةَ الذين على الباب، قال فأطْفَأت السراج، وانتَهوا إلى البقيع فصلّى عليه جُبير بن مُطعم، وخلفه حكيم بن حزام، وأبو جهم بن حُذيفة، ونيار بن مُكْرَم الأسلمي، ونائلة بنت الفرافصة، وأمّ البنين بنت عُيينة امرأتاه، ونزل في حفرته نيار بن مُكرم، وأبو جهم بن حذيفة، وجُبير بن مطعم، وكان حكيم بن حزام، وأُمّ البنين، ونائلة يُدَلّونه على الرجال حتّى لحدوا له، وبُنيَ عليه، وغَبّوْا قبره، وتفرّقوا، وروى عبد الله البهيّ أنّ جُبير بن مُطعم صلّى على عثمان في ستّة عشر رجلًا بجُبَير سبعة عشر، قال ابن سعد: الحديث الأوّل صلّى عليه أربعة، أثْبَتُ، وروى الربيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه قال: كنتُ أحَدَ حَمَلَة عثمان بن عفّان حين تُوفّي، حملناه على بابٍ، وإنّ رأسه ليَقْرَعُ البَابَ لإسراعنا به، وإنّ بنا من الخوف لأمْرًا عظيمًا، حتى واريناه في قبره حُشّ كوكب.
روى سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل قال: لقد رأيتني وإنّ عُمَرَ موثقي وأخته على الإسلام، ولو ارْفَضّ أُحُدٌ فيما صنعتم بابن عفّان كان حقيقًا، وروى عبد الله بن عُكَيْم قال: لا أعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان، قال فيقال له: يا أبا معبد أوَ أعَنْتَ على دمه؟ فقال: إني لأعُدُّ ذكرَ مساويه عونًا على دمه، وروى ابن عبّاس قال: لو أجْمَعَ النّاس على قتل عثمان لرُموا بالحجارة كما رمي قوم لوط، وروى زَهْدَم الجَرْميّ قال: خطب ابن عبّاس فقال لو لم يطلب النّاس بدم عثمان لرُموا بالحجارة من السماء، وروى ميمون بن مهران قال: لمّا قُتل عثمان، قال حُذيفة هكذا: وحَلّق بيده يعني: عَقَدَ عَشَرَة، فُتِقَ في الإسلام فَتْقٌ لا يرتُقُه جَبَلٌ، وروى أبو قلابة قال: لمّا بلغ ثُمامةَ بن عديّ قتلُ عثمان ــ وكان أميرًا على صنعاء، وكانت له صحبة ــ بكى فطال بكاؤه، ثمّ قال هذا حينُ أُنْزعَتْ خلافة النبوّة من أمّة محمّد وصار مُلكًا وجَبْريّةً، من غَلَبَ على شيءٍ أكَله، وقال أبو حميد الساعديّ ــ وكان ممّن شهد بدرًا ــ لمّا قُتل عثمان: اللّهمّ إنّ لك عليّ ألاّ أفعل كذا، ولا أفعل كذا، ولا أضحك حتى ألقاك، وروى أبو صالح قال: كان أبو هُريرة إذا ذُكر ما صُنع بعثمان بكى، قال فكأني أسمعه يقول هاه هاه ينتحب، وروى زيد بن عليّ أنّ زيد بن ثابت كان يبكي على عثمان يوم الدار، وروى إسحاق بن سويد قال: حدّثني من سمع حسّان بن ثابت يقول:
وكَأنّ أصْحابَ النّبيّ عَشِيّةً بُدنٌ تُنَحَّرُ عنْدَ بابِ المَسجدِ
أبْكي أبا عَمروٍ لحُسْنِ بَلائهِ أمْسَى رَهِينًا في بَقِيعِ الغَرْقَدِ
روى مالك بن دينار قال: أخبرني من سمع عبد الله بن سلام يقول يوم قُتل عثمان: اليومَ هَلَكَتِ العربُ، وروى أبو صالح قال: سمعت عبد الله بن سلام يوم قُتل عثمان يقول: والله لا تُهَرِقونَ مِحْجمًا من دم إلا ازددتم به من الله بُعْدًا، وروى طاوس قال: سُئل عبد الله بن سلام حين قُتل عثمان: كيف يجدون صفةَ عثمان في كُتُبهم؟ قال: نجده أميرًا يوم القيامة على القاتل والخاذل، وروى أبو قلابة قال: بلغني أنّ عثمان بن عفّان يُحَكَّمُ في قتَلَتِهِ يوم القيامة، وروى ابن عبّاس قال: سمعتُ عليًّا يقول حين قُتل عثمان: والله ما قتلتُ ولا أمَرْتُ، ولكن غُلِبْتُ، يقول ذلك ثلاث مرّات، وروى عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: رأيت عليًّا عند أحجار الزيت رافعًا ضَبْعَيْه يقول: اللّهمّ إني أبرَأُ إليكَ من أمر عثمان، وروى خالد الرّبَعي قال: إنّ في كتاب الله المُنْزل أنّ عثمان بن عفّان رافعُ يديه إلى الله يقول: ياربّ قتلني عبادك المؤمنون، وقالت عائشة حين قُتل عثمان: تركتموه كالثّوب النقيّ من الدّنَس، ثمّ قَرّبْتموه تذبحونه كما يُذْبَحُ الكبشُ، هَلا كان هذا قَبْل هذا؟ فقال لها مسروق: هذا عَمَلُكِ أنْتِ، كتبتِ إلى النّاسِ تأمرينهم بالخروج إليه، قال فقالت عائشة: لا والّذي آمن به المؤمنون، وكفر به الكافرون ما كتبتُ إليهم بسوداءَ في بيضاء حتّى جلستُ مجلسي هذا، قال الأعمش: فكانوا يرون أنّه كُتبَ على لسانها.
روى كثير بن الصلت الكندي قال: نام عثمان في اليوم الذي قُتل فيه، وذلك يومُ الجمعة، فلمّا استيقظ قال: لولا أن يقولَ النّاسُ تَمَنّى عثمان أُمْنِيّةً لحدّثْتُكُمْ حديثًا، قال: قلنا حدّثْنا أصْلَحَكَ الله فلَسنا على ما يقول النّاس، قال إني رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في منامي هذا فقال: إنّك شاهدٌ فينا الجمعة، وروت أُمّ هلال بنت وكيع، عن امرأة عثمان قالت: أغْفى عثمان فلمّا استيقظ قال: إنّ القوم يقتلونني، فقلت: كلّا يا أمير المؤمنين، قال: إنّي رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر فقالوا: أفْطِرْ عندنا الليلة، أو قالوا: إنّك تُفْطِرُ عندنا الليلة.
لما قُتِل عثمان دُفن ليلًا، وصلى عليه جُبَيْر بن مُطْعِم، وقيل: حكيم بن حِزام، وقيل: المِسوّر بن مَخْرَمة، وقيل: لم يصل عليه أَحد، مُنعوا من ذلك، ودفن في حَشِّ كَوْكَب بالبقيع، وكان عثمان قد اشتراه، وزاده في البقيع، وحضره عبد اللّه بن الزبير، وامرأَتاه: أَم البنين بنت عُيَيْنَة بن حصْن الفَزاريَّة، ونائِلة بنت الفَرافِصَة الكلبية، فلما دَّلوهْ في القبر صاحت ابنته عائشة، فقال لها ابن الزبير: اسكتِي وإِلا قتلتك، فلما دفنوه قال لها: صيحي الآن ما بدا لك أَن تصيحي، قال حسّان بن ثابت الأنصاريّ:
مَنْ سَرَّهُ المَوْتُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ فَلْيَأْتِ مَأْدُبَةً فِي دَارِ عُثْمَـانَ
وفيها:
ضَحَّوْا بِأَشمَطَ عُنْوَانُ السُّجُوَدِ بِه يُقطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيـحًا وقُـرْآنَا
وهذا البيت يختلف فيه، يُنسب إلى غيره، وقال بعضهم: هو لعمران بن حطان، وفيها:
صَبْرًا فِدًى لَكُم وأُمِّي وَمَا وَلَدَت قَدْ يَنْفَعُ الصَّبْرُ فِي المَكْرُوهِ أَحْيَانَا
لَتَسْمَعُنَّ
وَشِيكًا فِي
دِيَارِكُمُ اللَّهُ
أَكْبَرُ
يَا ثَارَاتِ
عُثْمَانَا
وزاد فيه أهل الشّام أبياتًا لم أرَ لذكرها وجهًا، وقال حسّان بن ثابت رضي الله عنه أيضًا شعرًا:
إِنْ تُمْسِ دَارُ بَنِي عَفَّانَ مُوْحِشَةً بَابٌ صَرِيعٌ وَبَابٌ مُخْرَقٌ خَرِبُ
فَقَدْ يُصَادِفُ بَاغِي الخَيْر حَاجَتَهُ فِيهَا وَيَأْوِي إِلَيْهَا الجُودُ وَالحَسَبُ
وله أيضًا:
قَتَلْتُمْ وَلِيَّ اللَّهِ فِي جَوْفِ دَارِهِ وَجْئتُمْ بِأَمْرٍ جَائِرٍ غَيْرِ مُهْتَدِي
فَلَا ظَفِرَتْ أَيْمَانُ قَوْمٍ تَعَاوَنُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ الرَّشِيدِ المُسَدَّدِ
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه:
يَا للرِّجَالِ لأَمْرٍ هَاجَ لِي حَزَنَـا لَقَدْ عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى الدِّمَـنِ
إِنِّي رَأَيْتُ قَتِيلََ الدَّارِ مُضْطَهَـدًا عُثْمَان يُهْدَى إِلَى الأَجْدَاثِ فِي كَفَنِ
يَا قَاتَلَ اللَّهِ قَوْمًا كَـانَ أَمْرُهُـمُ قَتْلَ الإِمَامِ الزَّكِيِّ الطَّيِّـبِ
الـرَّدنِ
مَا قَاتَلُوهُ عَلَى ذَنْـبٍ أَلـمَّ بِـهِ إِلَّا الَّذِي نَطَقُـوا زُورًا وَلـَمْ يَكُـنِ
ومما يُنسب لكعب بن مالك، وقال مصعب: هي لحسان، وقال عمر بن شبة: هي للوليد بن عقبة بن أبي معيط:
فَكَفَّ يَـدَيهِ ثُـمَّ
أَغْلَـقَ بَابَـهُ وَأَيْقَـنَ
أَنَّ
اللَّهَ
لَيْـسَ
بِغَافِـلِ
وَقَالَ لأَهْلِ الـدَّارِ لَا تَقْتُلُوهُـمُ عَفَا اللَّهُ عَنْ ذَنْبِ امْرِئٍ لَمْ يُقاتِلِ
فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيهِمُ الـْ ـعَدَاوَةَ
وَالبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُـلِ
وَكَيْفَ رَأَيْتَ الخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْـدَهُ عَلَى النَّاسِ إِدْبَارَ السَّحَابِ الحَوَافِلِ
وقال حميد بن ثور الهلالي شعرًا:
إِنَّ الخِلَافَةَ لَمَّا أَظْعَنَتْ ظَعَنَـتْ مِنْ يَثْرِبٍ إِذْ غَيْرُ الهُدَى سَلَكُـوا
صَارَتْ إِلَى أَهْلِهَا مِنْهُمْ وَوَارَثَهَا لَمَّا رَأَى اللَّهُ فِي عُثْمَانَ مَا انْتَهَكُوا
وقال القاسم بن أمية بن أبي الصلت:
لَعَمْرِي لَبِئْسِ الذِّبْحُ ضَحَّيْتُمُ بِـهِ وَخُنْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ فِي قَتْلِ صَاحِبِـهْ
وقالت زينب بنت العوام:
وعَطَّشْتُمُ عُثْمَانَ فِي جَوْفِ دَارِهِ شَرِبْتُمْ كَشُرْبِ الهِيمِ شُرْبَ حَمِيمِ
فَكَيْفَ بِنَا أَمْ كَيْفَ بِالنَّومِ بَعْدَمَـا أُصِيبَ ابْنُ أَرْوَى وَابْنُ أُمِّ حَكِيم
وقالت ليلى الأخيلية شعرًا:
قُتِـلَ ابْنُ
عَفَّانَ
الإِمَا مُ وَضَاعَ أَمْرُ المُسْلِمِينَا
وَتَشَتَّتَتْ سُبُلُ
الرَّشَا دِ لِصَادِرِينَ
وَوَارِدِينَا
فَانْهَضْ مُعاوِيُ
نَهْضَةً تَشْفِي بِهَا الدَّاءَ الدَّفِينَا
أَنْتَ الَّذِي مِنْ
بَعْدِهِ نَدْعوُ
أَمْيرَ
المُؤْمِنينَا
وقال أيمن بن خزيمة شعرًا:
ضَحُّوا بِعُثْمَانَ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ ضُحًى وَأَيُّ
ذِبْحٍ
حَرَامٍ
وَيْلَهُمْ ذَبَحُوا
وَأَيُّ
سُنَّةِ
كُفْرٍ
سَنَّ
أَوَّلُهُمْ وَبَابِ
شَرٍّ عَلَى سُلْطَانِهِمْ
فَتَحُوا
مَاذَا
أَرَادُوا أَضَلَّ
اللَّهُ
سَعْيَهُمُ بِسَفْكِ ذَاكَ الدَّمِ الزَّاكِي الَّذِي سَفَحُوا
والأشعار في ذلك كثيرة جدًّا يطول بها الكتاب.
الصفحة الأم
|
مساعدة
|
المراجع
|
بحث
|
المسابقات
الاسم :
البريد الالكتروني :
*
عنوان الرسالة :
*
نص الرسالة :
*
ارسال