1 من 2
عامر بن عبد الله: بن الجَراح بن هلال بن أهيب، ويقال وهيب، بن ضَبة بن الحارث ابن فِهْر القرشي الفهريّ؛ أبو عبيدة بن الجرَّاح، مشهور بكنيته، وبالنسبة إلى جَدِّه.
ومنهم من لم يذكر بين عامر والجراح عبد الله، وبذلك جزم مصعب الزبيري في نسب قريش. والأكثر على إثباته. وكان إسلامه هو وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد في ساعةٍ واحدة قَبل دخولِ النبي صَلَّى الله عليه وسلم دارَ الأرقم. ذكره ابن سعد من رواية يزيد بن رُومان، وأنكر الواقدي ذلك، وزعم أن أباه مات قبل الإسلام وأمه أميمة بنت غَنْم بن جابر بن عبد العزى بن عامر بن عميرة، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهِجْرَتين، وشهد بدرًا وما بعدها؛ وهو الذي انتزع الحلقتين من وجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فسقطت ثنيتا أبي عبيدة، وقال فيه النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ أمَّةٍ أمينٌ وأمِينُ هَذِهِ الأمَّةِ أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ".(*) أخرجه البخاري في صحيحه 5/32، ومسلم 4/1881 في كتاب فضائل الصحابة باب 7 حديث رقم 53، 54، وأحمد في المسند 3/189، 245، والبيهقي في السنن الكبرى 6/210، 371، وأبو نعيم في الحلية 1/101 أخرجاه في الصحيح مِِنْ طريق أبي قِلاَبة، عن أنس والبخاريّ نحوه من حديث حذيفة.
وقال أحْمَدُ: حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس أنَّ أهلَ اليمن لما قدموا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قالوا: ابعث معنا رجلًا يعلِّمنا السنة والإسلام، فأخذ بيدي أبي عُبيدة الجراح فقال: "هذا أمين هذه الأمة"، وسيَّره إلى الشام أميرًا، فكان فتح أكثر الشام على يده وقال: إنه قتل أباه يوم بَدْر، ونزلت فيه: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوِْم الآخِرِ يَوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ...} [المجادلة الآية: 22].
وهو فيما أخرجه الطَّبَرَانِيُّ بسندٍ جيد، عن عبد الله بن شَوْذَب، قال: جعل والدُ أبي عبيدة يتصدّى لأبي عبيدة يوم بَدْر، فيحيد عنه؛ فلما أكثر قَصَده فقتله، فنزلت.
وله عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أحاديث، وذكر عنه في الصحيح قوله للجيش الذين أكلوا من العنبر: نحن رسلُ رسولِ الله، وفي سبيل الله؛ فكلوا.
وروى عنه العِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ، وأبُو أمَامة، وأبو ثعلبة، وسمرة وغيرهم.
قال خَلِيفَةُ: وكانت أمه مِنْ بني الحارث بن فهر، أدركت الإسلام، وأسلمت.
وقال الواقدِيُّ: آخى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بينه وبين سَعْد بن معاذ، وهو الذي قال لعمر: أنفِرُّ من قَدَر الله؟ فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة. نعم نفرُّ من قَدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى. وذلك دالٌّ على جلالة أبي عبيدة عند عمر.
وذكره ابْنُ إسْحَاقَ في مهاجرة الحبشة، وأسند ابن سُعد مِنْ طريق مالك بن عامر أنه وصف أبا عبيدة، فقال: كان رجلًا نحيفًا معروقَ الوجْهِ، خفيف اللحية، طوالًا أجْنَأ أثرم.
وقال مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ في "المغازي": أمر النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عَمْرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، وهي مِنْ مشارف الشام في بلىّ ونحوهم من قضاعة، فخشي عمرو، فبعث يستمد، فندب النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الناسَ من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعُمر في آخرين، فأمر عليهم أبا عُبيدة بن الجراح مدَدا لعَمْرو بن العاص، فلما قدموا عليه قال: أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنتَ أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. فقال: إنما أنتم مدَدِي. فلما رأى ذلك أبو عبيدة ــــ وكان حسن الخلق متبعا لأمرِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وعهْده، فقال: تعلم يا عمرو أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لي: "إنْ قَدِمْتَ عَلَى صَاحبكَ فَتَطَاوَعا"، وإنك إن عصيتني أطعتك.
وفي فوائد ابن أخي سمي بسندٍ صحيح إلى الشعبي، قال: قال المغيرة بن شعبة لأبي عبيدة: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمَّرك علينا، وإن ابنَ النابغة ليس لك معه أمر ــــ يعني عَمرو بن العاص.
فقال أبُو عُبَيْدَةَ: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمرنا أن نتطاوع، وأنا أطيعه، لقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وقال أبُو يَعْلَى: حدثنا موسى بن محمد بن حبان، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا كهْمَس، حدثنا عبد الله بن شقيق، سألتُ عائشة: مَنْ كان أحب إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ قالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عُبيدة بن الجراح.
وقال أحْمَدُ: حدثنا إسماعيل ـــ هو ابن عُلَيْة ـــ ويزيد بن هارون، قالا: أنبأنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق: قلت لعائشة: أيُّ أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قالت: عُمر. قلت: ثم مَنْ؟ قالت: أبو عبيدة بن الجرَّاح.
وقال يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن ـــ أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ أحدٍ مِنْ أصْحَابِي إلاَّ لَوْ شِئْتُ لأخَذْتُ عَلَيْهِ في خُلُقِهِ، لَيْسَ أبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجْرَّاحِ". هذا مرسل، ورجاله ثقات.
وفي الطَّبَرَانِيِّ من طريق عبد الله بن عمرو، قال: ثلاثة من قريش أصْبَحُ الناس وجوها، وأحسنهم خلقًا، وأشدهم حياء: أبو بكر، وعثمان، وأبو عبيدة. في سنده ابن لهيعة.
وأخرج ابْنُ سَعْدٍ بسندٍ حسن أن معاذ بن جبل بلَغَهُ أنَّ بعضَ أهل الشام استعجز أبا عبيدة أيامَ حصار دمشق، ورجَّح خالد بن الوليد، فغضب معاذ، وقال: أبأبي عبيدة يظُن! والله إنه لمن خيرة مَنْ يمشي على الأرض.
وقال ابْنُ المُبَارَكِ، في كتاب الزهد: حدثنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه: قدم عمر الشام فتلقاه أمَراء الأجناد، فقال: أين أخي أبو عبيدة؟ فقالوا: يأتي الآن. فجاء على ناقةٍ مخطومة بحَبْلٍ، فسلم عليه وساء له حتى أتى منزله، فلم نر فيه شيئًا إلا سيفه وتُرْسَه ورَحْله. فقال له عمر: لو اتخذت متاعًا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن هذا يبلغنا المقيل.
وأخرج يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بسند مرسل أن أبا عبيدة كان يسير في الَعسْكَر، فيقول: ألا رب مبيِّضٍ لثيابه وهو مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مُهِين، غدًا ادفعوا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات.
وأخرج ابْنُ أبِي الدُّنْيَا بسند جيد، عن ثابت البُنَاني، قال: كان أبو عبيدة أميرًا على الشام فخطب فقال: والله ما منكم أحَد يفضلني بتقًى إلا وددت أني في سلامة.
وأخرج الحَاكِمُ في "المستدرك" مِنْ طريق عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن أبي سعيد المقبريّ، قال: [[لما]] طعن أبو عبيدة، قالوا: يا معاذ، صَلِّ بالناس. فصلى. ثم مات أبو عبيدة فخطب معاذ، فقال في خطبته: وإنكم فجعتم برجل، ما أزعم والله أني رأيتُ من عباد الله قط أقل حِقْدًا، ولا أبرَّ صدرًا، ولا أبعد غائلة، ولا أشد حياء للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه.
اتفقوا على أنه مات في طاعون عَمَواس بالشام سنة ثمان عشرة، وأرّخه بعضهم سنة سبع عشرة. وهو شاذّ.
وجزم ابْنُ مَنْدَه تبعًا للواقدي والفلاس أنه عاش ثمانيًا وخمسين سنة. وأما ابن إسحاق، فقال: عاش إحدى وأربعين سنة.
وقال ابْنُ عَائِذٍ: قال الوليد بن مسلم: حدثني مَنْ سمع عُرْوة بن رُوَيم، قال: انطلق أبو عبيدة يريد الصلاة ببيت المقدس، فأدركه أجَلهُ، فتوفي هناك، وأوصى أن يدفنّ حيث قضى؛ وذلك بفِحْل من أرْضِ الأردن، ويقال: إن قبره بِبَيْسان، وقالوا: إنه كان يخضَّب بالحناء والكَتَم.
(< جـ3/ص 475>)
2 من 2
أبو عُبيدة بن الجراح الفهري: أمين هذه الأمة، وأحد العشرة من السابقين. اسمه عامر ابن عبد الله الجراح. اشتهر بكنيته، والنسبةُ إلى جده. تقدم.
(< جـ7/ص 225>)