تسجيل الدخول


أبو عيسى المغيرة بن شعبة الثقفي

المُغِيرَةُ بن شعبة بن أَبي عامر الثقفي:
أَخرجه أَبو نعيم، وقال ابْنُ سَعْدٍ: كان يقال له مغيرة الرأي، ويكنى أبا عيسى، وقيل: يكنى أبا محمد، وقال الطبري: يُكَنّى أبا عبد الله، وذكر البَغَوِيُّ، مِنْ طريق زيد بن أسلم: أن المغيرة استأذن على عمر، فقال: أبو عيسى، قال: مَنْ أبو عيسى؟ قال: المغيرة بن شعبة، قال: فهل لعيسى من أبٍ؟ فشهد له بعضُ الصَّحابة أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم كان يكنيه بها، فقال: إن النبيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم غَفَر له، وإنا لا ندري ما يُفْعَل بنا، وكناه أبا عبد الله، وأمّه أسماء بنت الأفقم بن أبي عَمْرو، وقيل: أمه أُمامة بنت الأَفقم أَبي عمر، من بني نصر بن معاوية.
وروى بكر بن عبد الله المزني، عن المغيرة بن شعبة، أنه خطب امرأة، فقال له النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يُؤدم بينكما"(*). وكان المغيرة أصهبَ الشعر، جَعدًا، أكشف، يَفرِق رأسه فُروقا أربعة، أقلصَ الشفتين، مهتومًا، ضخم القامة، عَبْل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، وكان رجلًا طوالًا أَعور، أُصيبت عينه يوم اليرموك، قال عبد الملك بن عُمَير: رأيتُ المغيرةَ بن شعبة يخطب في العيد عَلَى بَعِير، ورأيته يخضب بالصفرة.
وقال عباس بن عبد الله بن معبد: إن أول مَن خضب بالسواد المغيرةُ بن شعبة، خرج على الناس وكان عَهدُهم أَنَّه أبيضُ الشّعر فَعَجِبَ الناسُ منه، وقال المغيرة بن شُعبة: كنّا قومًا من العرب متمسّكين بديننا ونحن سَدَنة اللاَّت، فأُراني لو رأيتُ قومَنا قد أسلموا ما تبعتُهم، فأجمعَ نفر من بني مالك الوفودَ على المُقَوْقِس، وأهدوا له هَدايا، فأجمعتُ الخروج معهم، فاستشرتُ عمِّي عُرْوَة بن مسعود فنهاني، وقال: ليسَ معكَ مِنْ بني أبيك أحد، فأبيتُ إلاّ الخروج، فخرجتُ معهم وليس معهم من الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندريّة، فإذا المقوقسُ في مجلس مُطِلٍّ على البحر، فركبتُ زَوْرَقًا حتى حاذيتُ مجلسَه، فنظر إليّ فأنكرني، وأمر مَن يسألني مَنْ أنا وما أريد، فسألني المأمور فأخبرتُه بأمرنا وقدومنا عليه، فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثمّ دعا بنا فدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه إليه، وأجلسه معه، ثمّ سأله: أكُلّ القوم من بني مالك؟ فقال: نعم إلاّ رجل واحد من الأحلاف، فعرّفه إيّاي فكنتُ أهونَ القومِ عليه، ووضعوا هداياهم بين يديه، فسُرّ بها وأمر بقبضها وأمر لهم بجوائز، وفضّل بعضهم على بعض، وقصّر بي فأعطاني شيئًا قليلًا لا ذِكرَ له، وخرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهليهم وهم مسرورون، ولم يَعْرِض عليّ رجل منهم مواساةً، وخرجوا وحملوا معهم الخمر فكانوا يشربون وأشرب معهم، وتأبَى نفسي تَدَعُني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم الملكُ، ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إيّاي، فأجمعتُ على قتلهم، فلمّا كنّا ببُساق تمارضتُ وعصّبتُ رأسي فقالوا لي: ما لك؟ قلتُ: أُصَدَّعُ، فوضعوا شرابهم وَدَعَوْني، فقلتُ: رأسي يُصَدَّعُ ولكني أجلس فأسقيكم، فلم ينكروا شيئًا فجلستُ أسقيهم وأُشْرِبُ القدح بعد القدح، فلمّا دَبّتِ الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فجعلتُ أَصْرِفُ لهم وأَتْرَعُ الكأسَ فيشربون ولا يدرون، فأهْمَدَتْهُم الكأسُ حتى ناموا ما يعقلون، فوثبتُ إليهم فقتلتُهم جميعًا وأخذتُ جميع ما كان معهم، فقدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فأجده جالسًا في المسجد مع أصحابه، وَعَليَّ ثَيابٌ سَفَرِي، فسلّمتُ بسلام الإسلام، فنظر إليَّ أبو بكر بن أبي قحافة، وكان بي عارفًا، فقال: ابن أخي عروة! قال: قلتُ: نعم، جئتُ أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمدًا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي هداك للإسلام". فقال أبو بكر: أمِنْ مصر أقبلتم؟ قلتُ: نعم، قال: فما فعل المالكيّون الذين كانوا معك؟ قلتُ: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذتُ أسلابهم، وجئتُ بها إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ليخَمِّسَها أو يرى فيها رأيه، فإنّما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدّق بمحمّد صَلَّى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أمّا إسلامك فقبلتُه ولا آخذُ من أموالهم شيئًا ولا أُخَمِّسه لأنّ هذا غَدْرٌ، والغدر لا خير فيه". قال: فأخذني مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وقلتُ: يا رسول الله إنّما قتلتُهم وأنا على دين قومي ثمّ أسلمتُ حيثُ دخلتُ عليك الساعة، قال: "فإنّ الإسلامَ يَجُبُّ ما كان قبله"(*). قال: وكان قتل منهم‏ ثلاثة عشر انسانًا، فبلغ ذلك ثقيفًا بالطائف فتداعَوْا للقتال، ثم اصطلحوا علي أن تَحمّل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية، وقال المغيرة بن شعبة يوم القادسية لصاحب فارس: كنا نعبد الحجارة والأوثان إذَا رَأينا حجرًا أَحْسَنَ مِنْ حَجَرٍ ألقيناه وأخذنا غيره لا نعرف رَبًّا، حتى بعث الله فينا نبيا مِنْ أَنْفُسِنَا، قَدْ دَعانا إلى الإسلام فأجبناه. ويقال: أسلم المغيرة قبل عمرة الحديبية، وقيل: أسلم عام الخندق، وقدم مهاجرًا.
قال المغيرة: وأقمتُ مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم، حتى اعتمر عُمْرَة الحُدَيْبية في ذي العقدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سَفْرَة خرجتُ معه فيها، وكنتُ أكونُ مع أبي بكر الصديق وألزمُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فيمن يلزمه، وبعثَتْ قريشٌ عامَ الحديبية عروةَ بنَ مسعود إلي النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ليكلّمَه، فأتاه، وكلّمه، وجعل يَمَسُّ لحيةَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، والمغيرةُ قائم على رأس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مُقَنَّعٌ في الحديد، فقال لعروة وهو يمس لحية رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: كُفَّ يدَك قبل ألا تصلَ إليك، فقال، عروة: يا محمد، من هذا؟ ما أفَظَّه وأَغْلَظه! فقال: "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة". فقال عروة: يا غُدَر، والله ما غسلتُ عني سَوْءَتَك إلا بالأمس، وانصرف عروة إلي قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم(*). وشهد المغيرةُ المشاهدَ بعد ذلك مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وقدم وفْدُ ثَقِيف فأنزلهم عليه، وأكرمهم، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مع أبي سفيان بن حرب إلي الطائف فهدموا الرَّبَّة. قال المغيرة: وكنتُ أحمل وَضُوءَ، رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فرأيته يوما من ذلك، توضأ ومسح على خُفَّيْه، وكنتُ معه في حجة الوداع(*). ويقال: شهد المغيرة اليمامة، وفتوحَ الشام والعراق.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: كان المغيرة من دهاة العرب، وكذا ذكره الزهري، وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يُخرَجُ من باب منها إلا بالمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها، وروى مجالد، عن الشّعبي، قال:‏ دُهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد؛ فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصّغير والكبير، وحكى الرّياشي، عن الأصمعيّ، قال‏:‏ كان معاوية يقول: أنا للأناءة، وعمرو للبديهة، وزياد للصّغير والكبير، والمغيرة للأمر العظيم، قال أبو عمر:‏ يقولون:‏ إن قيس بن سعد بن عبادة لم يكن في الدّهاء بدون هؤلاء، مع كَرمٍ كان فيه وفَضْل‏، وقال الطَّبْرِيُّ: كان المغيرة لا يقعُ في أمر إلا وجد له مخرجًا، ولا يلتبس عليه أمران إلا ظهر الرأيُ في أحدهما، وقال الطَّبريّ أيضًا: كان مع أبي سفيان في هَدْم طاغية ثقيف بالطَّائف.
روى دويد، عن المطّلب بن حَنْطب؛ قال: قال المغيرة: أنا أول مَنْ رشا في الإسلام، جئتُ إلى يَرْفأ حاجب عمر، وكنْتُ أجالسه، فقلت له: خُذْ هذه العمامة فالبسها؛ فإن عندي أختها؛ فكان يأنس بي ويأذن لي أن أجلس من داخل الباب، فكنْتُ آتي فأجلس في القائلة فيمرّ المار فيقول: إن للمغيرة عند عمر منزلةً، إنه ليدخل عليه في ساعةٍ لا يدخل فيها أحد، وروى مجالد، عن عامر، قال: قال المغيرة بن شعبة: إني لآخر الناس عهدًا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إنا حفرنا له ولحدنا له لحدًا، فلما خرج القوم ألقيت الفأس في القبر وقلت: الفأسَ الفأسَ! فنزلت فأخذت الفأسَ ومسحتُ بيدي على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكنت آخر الناس عهدًا به. وروى حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، أنه قال لَمّا وُضِعَ رسول الله في لحدِه ألقى المغيرةُ بن شعبة خاتَمَه في القبر ثم قال: خَاتَمِي خَاتَمِي! فقالوا: ادخل فخذه، قال: فدخل ثم قال: أَهِيلُو عَلَيَّ الترابَ، فأهالوا عليه الترابَ حتى بلغ أنصافَ ساقيه، فخرج، فلما سُوِّي على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: اخرجوا حتى أغلق البابَ فإني أحدَثُكم عهدًا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقالوا لَعمرِي لئن كنتَ أرَدتَها لقد أصبتَها، وشهد بذلك أبو عَسِيم، وقال: لما وُضِع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في لحده قال المغيرة بن شعبة: إنه قد بَقي من قِبَل رجليه شيءٌ لَمْ تُصلحوه، قالوا: فادخل فَأَصْلِحه، فدخل فَمَسَّ قَدَميه ثم قال: أَهِيلُوا عَلَيَّ الترابَ، فَأَهَالُوا عليه الترابَ حتى بلغ أنصاف ساقيه، فخرج فجعل يقول: أنا أَحْدَثُكُم عهدًا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وروى عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب: لاَ يَتَحَدَّث الناسُ أنكَ نزلتَ في قَبْرِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وَلاَ تُحَدِّث أنت الناسَ أنَّ خاتَمك في قبره، فنزل عَليُّ وقد رأى موقعه فتناوله فدفعه إليه، وروى زيد بن أسلم، عن أبيه؛ قال: استعمل عمر المغيرة على البَحْرين، فكرهوه وشكَوْا منه، فعزله فخافوا أن يُعيده عليهم، فجمعوا مائة ألف، فأحضرها الدّهْقَان إلى عُمر، فقال: إن المغيرة اخْتَانَ هذه فَأوْدَعها عندي، فدعاه فسأله، فقال: كذب، إنما كانت مائتي ألف؛ فقال: وما حملك على ذلك؟ قال: كثْرَةُ العيال. فسقُط في يد الدهقان، فحلف وأكَّّد الأيمان أنه لم يودع عنده قليلًا ولا كثيرًا. فقال عمر للمغيرة: ما حملك على هذا؟ قال: إنه افترى عليّ، فأردْتُ أن أخزيَهُ، وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن المغيرة بن شعبة أحصن مائة امرأة من بين قرشية وثقفية، وقال ابن نافع: أحصن المغيرة بن شعبة ثلاثمائة امرأة في الإسلام، قال ابن وضاح‏:‏ غير ابن نافع يقول:‏ ألف امرأة، وروى قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال: كنت جالسا عند أبي بكر الصديق إِذْ عُرِض عليه فَرَسٌ له فقال له رجل من الأنصار: احْمِلْنِي عليها. فقال أبو بكر: لأَن أحملَ غلامًا قد ركب الخيلَ على غُرْلَتِهِ ــ يعني الأَقْلَف ــ أحبُّ إليَّ من أن أَحْمِلَكَ عليها. فقال له الأنصاري: أنا خيرٌ منك ومن أبيك، قال المغيرة: فغضِبْتُ لِمَا قال لأبي بكر! فقمتُ إليه فأخذت ُبرأسه فرَكَبْتُه على أنفه، فكأنما كان عَزْلاَءَ مَزَادَةٍ، فتواعَدَني الأنصارُ أن يَستقِيدوا مني، فبلغ ذلك أبا بكر، فقام فقال: إنه بلغني عن رجال زعموا أنِّي مُقِيدُهم مِن المغيرة، ووالله لَأَن أُخرجَهم مِن دارِهم أقربُ إليهم من أن أُقِيدَهُمْ مِنْ وَزَعَةَ الله الذين يَزَعُون عنه، وروى زكريّا، عن الشّعبي: انكسفت الشمس في زمن المغيرة بن شعبة يوم الأربعاء في رجب سنة تسع وخمسين، فقام المغيرة وأنا شاهد... فذكر القصَّة. كذا قال: والصَّواب سنة تسع وأربعين، وروى الزهري، عن سعيد بن المُسَيِّب، قال: شهد أبو بكرة، وَشِبلُ بن معبد، ونافعُ بن الحارث، وزيادٌ عَلَى المغيرة بن شعبة بالحدث الذي كان منه بالبصرة عند عمر بن الخطاب، فضربهم عمرُ الحَدَّ غير زيادٍ لأنه لم يُتم الشهادةَ عليه، وقال محمد بن عمر: وكان ذلك في سنة سبع عشرة، ثم ولاّه عُمر بعد ذلك الكوفة، وقال ابن حبان: كان أول من سلم عليه بالإمرة.
روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عنه أولاده؛ عروة، وعقار، وحمزة، ومولاه وَرَّاد، وابن عم أبيه حسن بن حبة، ومن الصحابة أَبو أمامة الباهلي، المِسْوَر بن مخرمة؛ ومن المخضرمين فمن بعدهم؛ قيس بن أبي حازم، ومسروق، وقبيصة بن ذؤيب، ونافع بن جبير، وبكر بن عبد الله المزني، والأسود بن هلال، وزياد بن علاقة، وآخرون، وروى سور بن يزيد، عن رجاء بن حَيْوَة، عن كاتب المغيرة. وهو وَرَّاد ــ عن المغيرة بن شعبة: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم مسح أَعلى الخف وأَسفله(*) أخرجه أبو داود 1/ 42 في الطهارة باب كيف المسح (165) وقال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع سور هذا الحديث من رجاء وأخرجه الترمذي 1/ 162 في أبواب الطهارة (97) وقال: هذا حديث معلول لم يسنده عن مسور بن يزيد غير الوليد بن مسلم قال: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل البخاري، فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن سور عن رجاء بن حيوة قال: حدثت عن كاتب المغيرة، مرسل عن النبي، ولم يذكر فيه المغيرة وأخرجه ابن ماجة 1/ 183 في الطهارة باب في مسح أعلى الخف وأسفله (55)..
اعتزل الفتنة بعد قتل عثمان، وشهد الحَكَمين، ولما سلم الحسن الأمر إِلى معاوية، استعمل عبد اللّه بن عمرو بن العاص على الكوفة، فقال المغيرة لمعاوية: تجعل عَمرًا على مصر والمغرب، وابنه على الكوفة، فتكون بين فكي أَسد! فعزل عبد اللّه عن الكوفة، واستعمل عليها المغيرة، فلم يزل عليها إِلى أَن مات سنة خمسين.
قال المغيرة: لما توفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعثني أبو بكر الصديق إلى أهل النُّجَيْر، ثم شهدتُ اليمامةَ، ثم شهدتُ فتوحَ الشام مع المسلمين، ثم شهدتُ اليرموك وأُصيبت عيني يوم اليَرْمُوك، وشهدتُ القادسيةَ، وكنتُ رسولَ سَعد إلى رُستم، ووليت لعمر بن الخطاب فتوحًا. وولي المغيرة لعمر بن الخطاب البصرةَ ففتح مَيْسَان، ودَسْتُمِيسَان، وابن قباذ، ولقي العجم بالمَرْغَاب فهزمهم، وفتح سوقَ الأهواز، وغزا نَهْرَ تِيرَى، ومَنَاذِر الكبرى، فهرب من فيها من الأساورة إلى تستر، وفتح هَمَذَان، وشهد نهاوند، وكان على ميسرة النُّعمان بن مُقَرِّن، وكان عُمر قد كتب: إن هَلَكَ النعمان فالأمير حُذيفة، فإن هلك فالأمير المغيرة. وكان المغيرة أول من وضع ديوان البصرة وجَمَعَ الناسَ ليُعطَوا وَولي الكوفة لعمر بن الخطاب، فَقُتل عمر وهو عليها، ثم وليها بعد ذلك لمعاوية بن أبي سفيان، فمات بها وهو وال عليها، وروى إسماعيل بن إبراهيم بن المُهَاجر، عن عبد الملك بن عُمَير قال: انبثَقَ بَثْقٌ في مسهراة، فركب عَمّار بن ياسر في أناس من أهل الكوفة، قال: نُدخل دَوَابَّنَا مَرَابطكم فقالوا: لا، وأبَوا عليه، فبلغ ذلك عمَر بن الخطاب فقال: لأبعثن عليهم رجلا لا يمنعونه أن يُدخل الدوابَّ مَرَابِطَهُم. فبعث المغيرة بن شعبة فقال: جَلَدَةُ المسلمين.
مات المغيرة بن شعبة بالكوفة في شعبان سنة خمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان وهو ابن سبعين سنة، وقيل: مات قبلها بسنةً، وقيل: بعدها بسنة، وقال ابن حجر العسقلاني: مات سنة خمسين عند الأكثر، وروى زياد بن عِلاَقة، عن جرير بن عبد الله، أنه خَطَبَ لما مات المغيرة بن شعبة فقال: استغفروا لأميركم فإنه كان يُحبُّ العافيةَ، ولما توفي المغيرة وقف مَصْقَلة بن هُبَيرة الشيباني على قبره فقال:
إِنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْمًا وَجُودًا وَخَصِيمًا
أَلَدَّ
ذَا
مِعْلَاقِ
حَيَّةٌ
فِي
الوِجَارِ
أَرْبَدُ،
لَا يَنْـ فَعُ مِنْه السَّلِيمَ
نَفْثُ الْرَّاقِي
ثم قال: أَما والله لقد كنتَ شديد العَداوة لمن عاديت، شديد الأُخوة لمن آخيت.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال