1 من 1
مروان بن الحكم الأموي:
مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ. يُكْنَى أبا عبد الملك. وُلد على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سنة اثنتين من الهجرة. وقيل: عام الخندق. وقال مالك: وُلد مروان بن الحكم يوم أُحد. وقال غيره: وُلد مروان بمكّة. ويقال: وُلد بالطّائف، فعلى قول مالك تُوفِّي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثمان سنين أو نحوها، ولم يره لأنه خرج إلى الطّائف طفلًا لا يعقل، وذلك أنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان قد نفى أباه الحكم إليها، فلم يزل بها حتى ولي عثمان بن عفان، فردّه عثمان، فقدم المدينة هو وولده في خلافة عثمان، وتُوفِّي أبوه فاستكتبه عثمان، وكتب له، فاستولى عليه إلى أَنْ قُتل عثمان، ونظر إليه عليّ يومًا. فقال له: ويلك وويل أمّة محمد منك، ومن بَنِيك إذا ساءت درعك! وكان مروان يقال له خيط باطل، وضرب به يوم الدّار على قَفاه، فجرى لقبه، فلما بويع له بالإمارة قال فيه أخوه عبد الرّحمن بن الحكم ـــ وكان ماجنا شاعرًا محسنًا، وكان لا يرى رأي مروان: [الطويل]
فَوَاللَّهِ
مَا أَدْرِي
وَأَنِّي لَسائِلٌ حَلِيلَةَ مَضْرُوبِ القَفَا كَيْفَ يَصْنَعُ
لَحَا اللَّهُ قَومًا أَمَّروُا خَيطَ بَاطِلٍ عَلَى النَّاسِ يُعْطِي مَا يَشَاءُ وَيَمْنَعُ
وقيل: إنما قال له أخوه عبد الرّحمن ذلك حين ولاه معاوية أمر المدينة، وكان كثيرًا ما يهجوه. ومن قوله فيه: [الطويل]
وَهَبْتُ نَصِيبِي فِيكَ يَا مَرْوُ كُلَّهُ لِعَمْروٍ وَمَرْوانَ الطَّوِيلِ وَخَالِدِ
فَكُلُّ ابْنِ
أمٍّ زَائِدٌ غَيْرُ نَاقِصِ وَأَنْتَ ابْنُ أُمٍّ نَاقِصٌ غَيْرُ زَائِدِ
وقال مالك بن الريب يهجو مروان: [الطويل]
لَعَمْرُكَ مَا مَرْوَانُ يَقْضِي أُمُورَنَا وَلَكِنَّمَا تَقْضِي لَنَا بِنْتُ جَعْفَرِ
فَيَا لَيْتَهَا
كَانَتْ عَلَيْنَا أَمِيرَةً وَلَيْتَكَ يَا مَرْوَانُ أَمْسَيْتَ آخِرِ
وكان معاويةُ لَمّا صار الأمر إليه ولّاه المدينة، ثم جمع له إلى مكة والطّائف، ثم عزله عن المدينة سنة ثمانٍ وأربعين، وولّاها سعيد بن أبي العاص، فأقام عليها أميرًا إلى سنة أربع وخمسين، ثم عزله، وولَّى مروان، ثم عزله، وولّى الوليد بن عتبة، فلم يزل واليًا على المدينة حتى مات معاوية وولي يزيد، فلما كف الوليد بن عتبة بن الحسين وابن الزّبير في شأن البيعة ليزيد، وكان الوليد رحيمًا حليمًا سريًّا، عزله وولَّى يزيد عمرو بن سعيد الأشدق، ثم عزله وصرف الوليد بن عتبة، ثم عزله، وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وعليه قامت الحرّة، ثم لما مات يزيد، ولي ابنه أبو ليلى معاوية بن يزيد، وذلك سنة أربع وستين، وعاش بعد أبيه يزيد أربعين ليلة، ومات وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وكان مَوْتُه من قرحة يقال لها السكتة، وكانت أمّه أم خالد بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة، وقالت له: اجعل الخلافة من بعدك لأخيك، فأبى، وقال: لا يكون لي مُرُّها ولكم حُلْوُها، فوثب مروان حينئذ عليها وأنشد: [البسيط]
إِنِّي أَرَى فِتْنَةً تَغْلِي مَرَاجِلُها وَالمُلْكُ بَعْدَ أَبِي لَيْلَى لِمَنْ غَلَبَا
ثم التقى هو والضّحاك بن قيس بِمَرْجِ راهط على أميال من دمشق، فقتل الضّحاك، وكان مروان قد تزوَّج أم خالد بن يزيد ليضَعَ منه، فوقع بينه وبين خالد يومًا كلام، فقال له مروان ـــ وأغلظ له في القول: اسكت يابن الرّطبة. فقال له خالد: مؤتمن خائن. فندم مروان، وقال: ما أدى الأمانة إذا أؤتمن، ثم دخل خالد على أمّه فقال لها: هكذا أردت، يقول لي مروان على رؤُوس النّاس كذا وكذا! فقالت له: اسكت، لا ترى بَعْد منه شيئًا تكرهه، وسأقُرِّبُ عليك ما بَعدُ، فسمَّتْه، ثم قامت إليه مع جواريها فغممته حتى مات، فكانت خلافته تسعة أشهر وقيل عشرة أشهر. ومات في صَدر رمضان سنة خمس وستين، وهو ابنُ ثلاث وستين. وقيل: ابن ثمانية وستين، وقيل ابن أربع وستين، وهو معدودٌ فيمن قتله النّساء. روى عنه من الصّحابة سَهْل بن سعد فيما ذكر صالح بن كيسان. وعبد الرّحمن بن إسحاق، عن ابن شهاب، بن سهل بن سعد، عن مروان، عن زيد بن ثابت في قول الله عز وجل: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ...} [[النساء 95]].
ورواه معمر، عن الزّهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت. وممن روى عنه من التّابعين عروة بن الزّبير، وعلي بن الحسين. وقال عروة: كان مروان لا يتّهم في الحديث، ومن شعر عبد الرّحمن فيه: [الوافر]
أَلَا مَنْ
مُبْلِغٌ
مَرْوَانَ
عَنِّي رَسُولًا
والرَّسُولُ
مِنَ البَيَانِ
بِأَنَّكَ
لَنْ
تَرَى
طَرْدًا لِحُـرٍّ كَإِلْصَاقٍ
بِهِ
بَعْضَ
الهَوَانِ
وَهَلْ
حُدِّثْتَ قَبْلِي عَنْ كَرِيمٍ مُعِينٍ فِي
الحَوادِثِ أَوْ مُعَانِ
يُقِيمُ
بِدَارِ مَضيَفَةٍ إِذَا
لَمْ يَكْنُ
حَيْرَانَ أَوْ خَفِقَ الجَنَانِ
فَلَا
تَقْذِفْ
بِي الرَّجَوَيْنِ إِنِّي أَقَلُّ
القَوْمِ
مَنْ يُغْنِي مَكَانِي
سَأَكْفِيكِ الَّذِي اسْتَكْفَيْتَ منِّي بِأْمْرٍ
لَا
تُخَالِجُهُ
يَدَانِ
وَلَوْ
أَنَّا
بِمَنْزِلَةٍ
جَمِيعًا جَرَيْتَ وَأَنْتَ مُضْطَرِبُ العِنَانِ
وَلَوْلا
أَنَّ
أُمَّ
أَبِيكَ
أُمِّي وَأَنْ مَنْ قَدْ هَجَاكَ فَقَدْ هَجَانِي
لَقَدْ
جَاهَرتَ
بِالبَغْضَاءِ إِنِّي إِلَى
أَمْرِ
الجِهَارَةِ
وَالعَلَانِ
(< جـ3/ص 444>)