أم ذر امرأة أبي ذر الغفاري
امرأة أبي ذر الغفاريّ. روت أم ذر، أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكي أنه لا بد لي من تكفينك، وليس عندي ثوب يسع لك كفنًا، فقال: لا تبكي؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر يقول: "لَيَمُوتَنَّ رَجُلُ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ، تَشْهَدُهُ عِصَابَةُ مِنَ المُؤْمِنِينَ" ، فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول لك، وإني والله ما كَذبت ولا كُذِّبْتُ، قالت: وأنى ذلك، وقد انقطع الحاج! قال: راقبي الطريق؛ فبينما هي كذلك إذ هي بقوم تَخِبّ بهم رواحلهم كأنهم الرَّخَم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: ما لك؟ فقالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، قال: ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، فقال لهم أبو ذر: أبشروا؛ فأنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:...، ثم قال: أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوبًا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم بالله لا يكفنني رجل كان أميرًا، أو عريفًا، أو بريدًا، فكل القوم كان نال من ذلك شيئًا إلا فتى من الأنصار كان مع القوم، قال: أنا صاحبه؛ الثوبان في عيْبَتِي من غزل أمي، وأحد ثوبيَّ هذين اللذين عليَّ، قال: أنت صاحبي فكفني.
وكان النّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا أراد أن يبتسم قال لأبي ذر: "يا أبا ذر، حدِّثني ببدء إسلامك"، قال: كان لنا صنم يقال له: نُهْم فأتيته، فصببتُ له لبنًا ووليتُ، فحانت مني التفاتة، فإذا كلب يشرب ذلك اللبن، فلما فرغ رفع رجلُه فبال على الصَّنم، فأنشأتُ أقول:
أَلَا يَا نُهْمُ إِنِّي قَدْ بَدَا لِي مَدَى شَرَفٍ يَبْعُد مِنْكَ قُرْبَا
رَأَيْتُ الكَلْبَ سَامَكَ خَطّ خَسْفٍ فَلَمْ يَمْنَعْ قَفَاكَ اليَوْمَ كَلْبا
فسمعتني أم ذَرّ، فقالت:
لَقَدْ أَتَيْتَ جُرْمًا وَأَصَبْتَ عُظْمَا حِينَ هَجَوْتَ نُهْما فخبرتها الخبر، فقالت:
أَلَا فَابْقنَا رَبًّا كَرِيمًا جَوَادًا في الفَضَائِلِ يَا ابْنَ وَهْبِ
فَمَا مَنْ سَامَهُ كَلْبٌ حَقِيرٌ فَلَمْ تَمْنَعْ يَداهُ لَنَا بِرَبِّ
فَمَا عَبْدُ الحِجَارَةِ غَيْرُ غَاوٍ رَكِيكُ العَقْلِ لَيْسَ بِذِيِّ لُبِّ
قال: فقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "صَدَقت أُمُّ ذَرِّ، فما عَبْدُ الْحِجَارَةِ غَيْرُ غَاو".