1 من 1
الهُرْمُزَان
وكان من أهل فارس، فلمّا انقضى أمر جَلولاء خرج يَزْدَجِرْد من حُلْوان إلى أصبهان ثمّ أتى إصْطَخْر ووجّه الهرمزان إلى تُسْتَر فضبطها وتحصّن في القلعة ومعه الأساورة وجمع كثير من أهل تُسْتَر، وهي في أقصى المدينة ممّا يلي الجبل، والماء محيطٌ بها ومادّة تأتيهم من أصبهان. فمكثوا كذلك ما شاء الله، وحاصرهم أبو موسى سنتين، ويقال ثمانية عشر شهرًا.
ثمّ نزل أهل القلعة على حكم عمر فبعث أبو موسى بالهرمزان إليه ومعه اثنا عشر أسيرًا من العجم عليهم الديباج ومناطق الذهب وأسْوِرة الذهب، فقدموا بهم المدينة في زيّهم ذلك، فجعل الناس يعجبون، فأتوا بهم منزل عمر فلم يصادفوه وجعلوا يطلبونه، فقال الهرمزان بالفارسيّة قد ضَلّ مَلِككم، فقيل لهم هو في المسجد، فدخلوا فوجدوه نائمًا متوسّدًا رداءه. فقال الهرمزان: هذا ملككم؟ قالوا: هذا الخليفة، قال: أما له حاجب ولا حارس؟ قالوا: الله حارسه حتى يأتي عليه أجله. فقال الهرمزان هذا المُلْك الهنئ.
ونظر عمر إلى الهرمزان فقال: أعوذ بالله من النار. ثمّ قال: الحمد لله الذي أذلّ هذا وشيعته بالإسلام. وقال عمر للوفد: تكلّموا وإيّايَ وتشقيقَ الكلام والإكثار. فقال أنس ابن مالك الحمد لله الذي أنجز وعده وأعزّ دينه وخذل مَنْ حادّه وأورثنا أرضهم وديارهم وأفاء علينا أموالهم وأبنائهم وسلّطنا عليهم نقتل من شِئْنا ونستحيي من شئنا. فبكى عمر ثمّ قال للهرمزان: ما مالك؟ قال: أما ميراثي عن آبائي فعندي، وأما ما كان في يدي من مال المُلك وبيوت الأموال فأخذه عاملك.
قال: يا هرمزان كيف رأيت الذي صنع الله بكم؟ فلم يجبه، قال: مالك لا تَكلّم؟ قال: كلامَ حيٍّ أكلمك أم كلام ميّتٍ؟ قال: أو لست حيًّا؟ فاستسقى الهرمزان ماء فقال عمر: لا نجمع عليك القتل والعطش. فدعا له بماء فأتوه بماء في قدح خشب فأمسكه بيده، فقال عمر اشْرَبْ لا بأسَ عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه.
فرمى بالإناء من يده وقال: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نتعبّدكم ونقضيكم ونقتلكم وكنتم أسْوَأ الأمم عندنا حالًا وأخسّها منزلةً، فلمّا كان الله معكم لم يكن لأحدٍ بالله طاقة فأمر عمر بقتله فقال: أو لم تُؤمنّي؟ قال وكيف؟ قال: قلتَ لي تكلّم لا بأسَ عليك، وقلتَ اشْرَبْ لا بأس عليك لا أقتلك حتى تشربه. فقال الزّبير بن العوام وأنس بن مالك وأبو سعيد الخُدْري صدق فقال عمر: قاتله الله! أخذ أمانًا ولا أشعر. وأمَر فنُزع ما كان على الهرمزان من حُليّة وديباجه وقال لسُراقة بن مالك بن جُعْشُم، وكان نحيفًا أسود دقيق الذراعين كأنّهما محترقان: الْبَسْ سواري الهرمزان فلبسهما ولبس كسوته فقال عمر: الحمد لله الذي سلب كِسْرى وقومه حُلِيّهم وكسوتهم وألبسها سُراقة بن مالك بن جُعْشُم.
ودعا عمر الهرمزان وأصحابه إلى الإسلام فأبوا، فقال عليّ: يا أمير المؤمنين فرّق بينهم وبين إخوانهم. فحمل عمر الهرمزان وجُفينة وغيرهما في البحر وقال: اللهمّ اكسْر بهم. وأراد أن يسيّرهم إلى الشأم فكُسر بهم ولم يغرقوا، فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر في ألفين وسُمّي الهرمزان عُرْفُطة.
قال المِسْوَر بن مَخْرَمة: رأيت الهرمزان بالرّوْحاء مُهِلًّا بالحجّ مع عمر عليه حلّة حبرة.
أخبرنا الوليد بن عطاء بن الأغرّ المكّي قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه سعد، عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن قال: رأيتُ الهرمزان مهلًّا بالحجّ بالروحاء مع عمر بن الخطّاب وعليه حلّة حبرة.
أخبرنا عفّان بن مسلم قال: حدّثنا سليمان بن المُغيرة عن عليّ بن زيد قال: قال أنس ابن مالك: ما رأيتُ رجلًا أخمص بطنًا ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان.
(< جـ7/ص 90>)