تسجيل الدخول


الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي

الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي:
حفيد رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلّم، وابن ابنته فاطمة ـــ رضي الله عنها. قال أبو أحمد العسكري: سماه النبي صَلَّى الله عليه وسلم الحسن، وكناه أبا محمد، ولم يكن يُعرف هذا الاسم في الجاهلية، وروى ابن الأعرابي، عن المفضل قال: إن الله حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى بهما النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ابنيه الحسن والحسين، وروى هانئ بن هانئ، عن عليّ ـــ رضي الله عنه ـــ قال: لما وُلِد الحسن جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سمَّيْتُموهُ؟" قُلْتُ: سميّتُه حَرْبًا، قال: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ"، فلما ولِد الحسَين قالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قلت: سميته حَربًا، قال: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ"، فلما ولد الثّالث جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟"، قلت: حربًا، قال: "بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ"، زاد أسد ثم قال: "إِنِّي سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاء وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّر، وشَبِّير، ومُشَبّر"(*) أخرجه البخاري في الأدب المفرد 823، والبيهقي في السنن 6/166، 7/63، والحاكم في المستدرك 3/168، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال، حديث رقم 37692..
وذكر ابنُ سعد، وغير واحد أن الحسن وُلد في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: في شعبان منها، وقيل: وُلد سنة أربع، وقيل: سنة خمس؛ والأول أثبت، وروى قابوس بن المخارق قال: قالت أم الفضل: يا رسول الله، رأيت كأنَّ عضوًا من أعضائك في بيتي، قال: "خيرًا رأيت، تلد فاطمة غلامًا فترضعيه بلبن قُثَم"، فولدت الحسن، فأرضعته بلبن قُثَم(*).
وروى أبو الحَوْرَاء قال: قلت للحسن بن علي: مثل مَن كنت على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وماذا سمعت منه قال: سمعته يقول لرجل: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الشر ريبة، وإن الخير طمأنينة"(*)، قال: وعقلت منه: أني بينما أنا أمشي معه إلى جنب جرين الصدقة تناولت تمرة فألقيتها في فِيِّ؛ فأدخل أصبعه في فِيِّ فاستخرجها بلعابها وبزاقها فألقاها فيه، وقال: "إنا آل محمدٍ لا تحل لنا الصدقة"(*)، وعقلت عنه الصلوات الخمس فعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت"، قال أبو الحَوْرَاء: فذكرت ذلك لمحمد بن علي: يعني: ابن الحنفية، ونحن في الشِّعْب، فقال: إنهن لكلمات علمناهن، وأمرنا أن نقولهن في الوتر(*).
وروى عِكْرِمَة، عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل ستمائة رجل فسلكنا على الرَّبَذَة فنزلناها فقام إليه ابنه الحسن بن علي فبكى بين يديه وقال: ائذن لي فأتكلم فقال علي: تكلم ودع عنك أن تَخِنَّ خَنِين الجارية فقال الحسن: إني كنتُ أشرتُ عليك بالمقام، وأنا أشير به عليك الآن، إن للعرب جَولة ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها قد ضربوا إليك أباط الإبل حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جُحر الضَّب، فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظرًا كما تنتظر الضبع اللدم، وروى سالم بن أبي الجعد قال: لما نزل عليٌّ بذي قار بعث عمارَ بن ياسر، والحسنَ بن علي إلى أهل الكوفة فاستنفرهم إلى البصرة؛ فخرج منهم ثمانية آلاف على كل صَعب وذَلول، وروى أبو جعفر قال: قال علي: قُم فاخطب الناس يا حسن، قال: إني أهابك أن أخطب وأنا أراك، فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسَن فحمد الله، وأثنىَ عليه، وتكلّم، ثم نزل فقال عليّ: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:34]، وروى أبو إسحاق عن مَعْدِيكَرِب: أن عليًّا مرّ على قوم قد اجتمعوا على رجل فقال: من هذا؟ قالوا الحسن، قال: طحن إبل لم تَعَوّد طحنًا، إن لكل قوم صُدّادًا وإنَّ صُدَّادَنا الحسن، وروى حارثة، عن علي أنه خطب الناس ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالًا، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.
روى جعفر بن محمد، عن أبيه أن الحسن والحسين كانا يتختمان في يسارهما، وكان في خاتمهما ذكر الله، وروى هشام بن عروة، عن عروة، أن أبا بكر ـــ رضي الله عنه ـــ خطب يومًا فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال: انزل عن منبر أبي فقال علي: إن هذا لشيء عن غير مَلأ مِنّا.
وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَدْلَعُ لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حُمْرَة اللسان يهش إليه فقال عيينة: ألا أراك تصنع هذا إنه ليكون الرجل من ولدي قد خرج وجهه وأخذ بلحيته ما أقبّله، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَمْلِكُ أن ينزع الله منك الرحمة؟"(*)، وقال: محمد بن بشر في حديثه: "إنه من لا يَرْحَم لا يُرْحَم"(*)، وقال بعض الناس: "ما أصنع بك إن كان الله نزع منك الرحمة". وروى عِكْرِمَة، عن ابن عباس أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان حامِلَ الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "ونعم الراكب هو"(*)، وروى أبو هريرة قال: ما رأيت حسنًا قط إلا فاضت عيناي دموعًا؛ وذلك أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خرج يومًا فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي فانطلقت معه فلم يكلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف بها ونظر، ثم انصرف وأنا معه، حتى جئنا المسجد، فجلس واحتبى ثم قال: "أي لكاع ادع لي لُكَعا"، قال: فجاء الحسن يشتد فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يكفح فمه فَيُدْخِلُ فَاهُ في فيه ثم يقول: "اللهم إني أحبه فأحببه، وأحبب من يحبه"(*)، وفي رواية:: "من أحبني فليحبه، وليبلغ الشاهِدُ منكم الغائبَ". وروى أبو بكرة قال: لقد رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقبل على الناس مرة، وعلى الحسن مرة ويقول: "إن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"(*)، وفي زيادة: "على يده بين فئتين من المسلمين" وروى أبو بَكْرَة: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يصلي فإذا سجد وثب الحسن على ظهره، أو قال: على عنقه فيرفع رأسه رفعًا رفيقًا لئلا يصرع، فعل ذلك غير مرة.
وروى أبو هريرة أيضًا قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني"(*)، وروى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة؛ فلينظر إلى الحسن بن علي"(*)، وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ، عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؛ إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا"(*)، وروى مسلم بن يسار قال: أقبل الحسن والحسين فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذان سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما"(*).
روى علي بن زيد، أن فتية من قريش خطبوا ابنة سهيل بن عمرو، وخطبها الحسن فشاورت أبا هريرة ــ وكان لها صديقًا ــ فقال: إني رأيت النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يُقبّل فاه، فإن استطعتِ أن تقبّلي حيث قَبَّل فقبِّلي(*).
وروى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لأبي جُحَيْفَة رأيت النبي صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كان أشبَهَ الناس به الحسن بن علي(*)، وروى عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة النبي صَلَّى الله عليه وسلم بليالٍ، وعليٌّ يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي، وهو يلعب مع غلمان فاحتمله عَلَى رقبته وهو يقول:
وابِأبي شِبْهُ النبْي
ليس بشبهٍ بعليْ
وعلي يضحك، وروى هانئ بن هانئ، عن علي قال: الحسن أشبه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه النبي صَلَّى الله عليه وسلم؛ ما كان أسفل من ذلك(*)، وروى عاصم بن كليب، قال: حدثني أبي أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "من رآني في النوم فقد رآني فإن الشيطان لا يَنْتَحِلُني"، قال أبي: فحدثته ابن عباس، وأخبرته أني قد رأيته قال: رأيته؟ قلت: إي والله لقد رأيته، قال: فذكرت الحسن بن علي؟ قال: إي والله لقد ذكرته وتَفَيّئَه في مشيته(*)، قال ابن عباس: إنه كان يُشْبِهُهُ.
عَقَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن الحسن بكبشٍ، وحلق رأسه، وأَذَّنَ في أُذنه بالصلاة حين ولدته فاطمة وعَقَّ عن الحسين بكبش أيضًا، وروى جعفر بن محمد، عن أبيه قال: وزَنتْ بنتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم شعر حسن، وحسين، وزينب، وأم كلثوم فتصدّقت بزنته فضة، وروى علي بن حسين قال: لما ولدت فاطمة حسنًا قالت: يا رسول الله، أعقُّ عن ابني بدم؟ قال: "لا ولكن احلقي رأسه، وتصدقي بوزن شعره من الوَرِق على المساكين أو على كذا"، يعني: أهل الصُّفَّة، فلما ولدت حسينًا فعلت مثل ذلك(*).
روى عمير بن مأمون قال: سمعت الحسن بن علي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الغَدَاةِ فَجَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلَعُ الشَّمْسُ، كَانَ لَهُ حِجَابٌ مِنَ النَّارِ"، أو قال: "سِتَرٌ مِنَ النَّارِ" (*) أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 1187، وابن أبي حاتم في العلل حديث رقم 37، 237 وذكره الهيثمي في الزوائد 10/ 108، وروى أسامة بن زيد قال: طرقت النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا حسن، وحسين على وَرْكيه، فقال: "هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 614 كتاب المناقب (50) باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما (31) حديث رقم 3769 وقال أبو عيسى هذا حديث صحيح وابن حبان في صحيحه حديث رقم 2234 وابن أبي شيبة 12/ 98، والطبراني في الصغير 1/ 199، وذكره الهندي في الكنز حديث 24255.
روى عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: كان النبي صَلَّى الله عليه وسلم يخطبنا؛ إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، ووضعهما بين يديه، ثم قال: "صَدَقَ الله": {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] "نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَيّنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا"(*)، وروى أنس بن مالك قال: لم يكن أشبه برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الحسن بن علي.
روى عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية على النبي صَلَّى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] في بيت أم سلمة، فدعا النبي صَلَّى الله عليه وسلم فاطمة، وحسنًا، وحسينًا، فجللهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره، ثم قال: "هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا"، قَالَتْ أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: "أَنْتِ عَلَى مَكَانَكِ؛ أَنْتِ إِلَى خَيْرٍ"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 621 ـــ 622 كتاب المناقب (50) باب مناقب أهل بيت النبي صَلَّى الله عليه وسلم (32)حديث رقم 3787 وقال أبو عيسى هذا حديث غريب .
روى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنَ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا؛ أَحَدَهُمَا أَعْظَمَ مِنَ الآخَر: كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الحَوْضِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 622 كتاب المناقب (50) باب مناقب أهل بيت النبي صَلَّى الله عليه وسلم (32)حديث رقم 3788 وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ، وروى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ الله، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي" (*) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 622 كتاب المناقب (50) باب مناقب أهل بيت النبي صَلَّى الله عليه وسلم (32)حديث رقم 3789 وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب .
روى أبو هريرة قال: سَمَعت أُذناي هاتان، وأبصرت عيناي هاتان رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو آخِذ بكفيه جميعًا ـــ يعني: حسنًا أو حسينًا ـــ وقدَماه على قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو يقول: "حُزُقه حُزقّه تَرَق عَين بَقّة"، فيرقى الغلامُ حتى يضعَ قدميه على صَدْر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قال له: "افْتَحْ"، ثم قَبَّله ثم قال: "اللَّهُمَّ أحِبَّه فَإِني أُحِبُّهُ"(*)، وروى أبو هريرة، قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ومعه الحسن وحُسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يليم هذا مرة، وهذه مرة حتى انتهى إلينا، فقال: "مَنْ أحبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي أخرجه ابن عدي في الكامل 3/950 وَمَنْ أَبْغَضْهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي"(*) أخرجه أحمد في المسند0/288، 440، 531، عبد الرازق في المصنف حديث6369، الطبراني في الكبير 3/40، البيهقي في السنن الكبرى 4/29، الحاكم في المستدرك 3/166، الهيثمي في الزوائد 9/128، وروى عبد الله كان رسُول الله صَلَّى الله عليه وسلم يصلّي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دَعُوهما؛ فإذا قضى الصّلاة وضعهما في حجْره أخرجه أحمد في المسند 5/51، الهيثمي في الزوائد 9/178 فقال: "مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبّ هَذَيْنِ"(*) أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث 2233، ابن خزيمة في صحيحه حديث 887، البيهقي في السنن الكبرى 2/263، الهيثمي في الزوائد 9/182، أورده ابن حجر في المطالب العالية حديث 3992.
روت أم سلمة قالت: دخل عليٌّ وفاطمةُ على النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ومعهما الحسَنُ والحُسينُ فوضعهما في حجره فقبلهما، واعتنق عليًّا بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى، فجعل عليهم خَمِيصة سوداء فقال: "اللَّهُمَّ إلَِيْكَ لاَ إلى النَّارِ"(*) أخرجه أحمد في المسند 6/295، 269، الطبراني في الكبير 3/48، ابن أبي شيبة في المصنف 12/73، الهيثمي في الزوائد 9/169، كنز العمال 34187، 37628، 37630.
وروى عبد الله بن حسن قال: كان حسن بن علي قلما يفارقه أربع حرائر، فكان صاحب ضرائر، فكانت عنده ابنة منظور بن سَيَّار الفَزَارِيّ، وعنده امرأة من بني أسد من آل خُرَيْم فطلقهما، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم، وزِقاق من عَسْلٍ، مُتْعَةً، وقال لرسوله: يسار أَبِي سعيد بن يسار ـــ وهو مولاه ـــ احفظ ما تقولان لك، فقالت الفَزَارِية: بارك الله فيه وجزاه خيرًا، وقالت الأَسَدِيّة: متاع قليلٌ من حَبِيبٍ مفارقٍ، فرجع فأخبره فَرَاجَعَ الأَسَدِيَّة وتركَ الفَزَارِيَّة، وروى جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي: مازال الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عدواة في القبائل.
روى جعفر بن محمد أيضًا، عن أبيه قال: قال علي: يا أهل الكوفة: لا تزوجوا الحسن بن علي؛ فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنُزوجنّه فما رضي أمسك، وما كَره طلّق، وقال علي بن حُسَين: كان الحسنُ بن علي مِطلاقًا للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلّا وهي تحبّه، وروى ابن عون، عن محمد قال: خطب الحسن بن علي، فلما اجتمعوا للملاك، قال: إني لأزوجك وإني لأعلم أنك عَلِقٌ طلِقٌ مَلِقٌ؛ ولكنك خير العرب نفسًا، وأرفعها بيتًا فزوجه، قال محمد: وكان الحسن بن علي إذا أراد أن يطلق إحدى نسائه ـــ وكان مطلاقا ـــ قال: فيجلس إليها فيقول أيَسرّك أن أَهَبَ لكِ كذا وكذا؟ هُو لَكِ مِرارًا فيما وَصَفَ، ثم يَخْرُج فيُرْسِل إليها بطلاقها.
ولد الحسنُ بن علي: محمدًا الأصغر، وجعفرًا، وحمزة، وفاطمة ـــ ماتوا وليس لهم عقب ـــ وأمهم أم كلثوم بنت الفضل بن العباس الهاشمية، ومحمدًا الأكبر وبه كان يكنى، والحسن، وامرأتين ـــ هلكتا ولم تبرزا ـــ وأمهم خَوْلَة بنت منظور بن زَبَّان، ومن ولده أيضًا زيدٌ، وأمُّ الحسن، وأمُّ الخير، وأمُّهم أمُّ بَشِير بنت أبي مسعود عُقْبة بن عَمْرو بن ثَعْلَبة الخزرجي الأنصاري، وإسماعيلُ، ويعقوبُ، وجاريتان هلكتا؛ وأمهم جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندية، ومن ولده أيضًا: القاسمُ، وأبو بكر، وعبدُ الله قُتلوا مع الحسين بن علي بن أبي طالب ولا بقية لهم؛ وأمهم أم ولد تدعى "بُقَيْلَة"، وحسين الأثرَم، وعبدُ الرحمن، وأمُّ سلمة، وأمهم أم ولد تدعى "ظَمْيَاء"، وعمرُ لا بقية له، وأمه أم ولد، وأمُّ عبد الله وهي أم أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، وأمها أمُّ ولد تدعى "صافية"، وطلحةُ ولا بقية له؛ وأمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية، وعبدُ الله الأصغر؛ وأمه زينب بنت سُبيع بن عبد الله البَجَلي.
روى مُسْلِم بن أبي مريم قال: رأيت الحسن بن علي يخضب بالسواد، وروى عبيد الله بن أبي يزيد قال: رأيت الحسن بن علي قد خضب بالسواد، وَعَنْفَقَته غراء بيضاء.
وروى خالد بن مُضَرِّب قال: سمعت الحسن بن علي يقول: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم، قالوا: ماهو؟ قال: تسالمون من سالمتُ، وتحاربون من حاربتُ، وروى المغيرة بن زيد الجعفي قال: حدثتني جدتي أن الحسن بن علي دخل على جدتي عائشة بنت خليفة في يوم حار فقالت لجاريتها: خوضي له لبنا فأخذه فشربه، فقالت: تجرعه، فقال: إنما يتجرع أهل النار، وروى أبو السَّوَّار الضبعي، عن الحسن بن علي قال: رُفع الكتاب، وجفَّ القلم، وأمور تُقضى في كتاب قد خلا.
ولقد كان الحسن بن عليٍّ ـــ رضي الله عنهما ـــ كريمًا؛ فقد روى أبو هارون قال: انطلقنا حجّاجا فدخلنا المدينة فقلنا: لو دخلنا على ابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الحسن فسلمنا عليه، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربعمائة أربعمائة، فقلنا: إنا أغنياء، وليس بنا حاجة، فقال: لا تردوا عليه معروفه، فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا، فقال لا تردوا عليَّ معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيرا، أما إني مزوّدكم: إن الله تبارك وتعالى يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة يقول: عبادي جاءوني شُعثا يتعرضون لرحمتي، فأشهدكم أني قد غفرتُ لمحسنهم، وشفّعت مُحسنهم في مسيئهم، وإذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك.
روى شُرَحْبِيل أبو سعد قال: دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه فقال: يا بَنيّ وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلّموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه، أو يحفظه فليكتبه، وليضعه في بيته، وروى شُرَحْبِيل أبو سعد أيضًا قال: رأيت الحسن والحسين يصليان المكتوبة خلف مروان، وروى سلمان أبو شداد، قال: كنت أُلاعب الحسن والحسين بالمداحي، فكنت إذا أصبت مدحاته فكان يقول لي: يحل لك أن تركب بضعة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ وإذا أصاب مدحاتي قال: أما تحمد ربك أن يركبك بضعة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وروى حكيم بن جابر قال: حدثتني مولاة لنا أن أبي أرسلها إلى الحسن بن علي فكانت لها رقعة تمسح بها وجهه إذا توضأ قالت: فكأني مقته على ذلك فرأيت في المنام كأني أقيء كبدي، فقلت: ما هذا إلّا مما جعلت في نفسي للحسن بن علي.
روى زيد بن أرقم قال: خرج الحسن بن علي وعليه بُرْدَة، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يخطب فعثر الحسن فسقط، فنزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من المنبر وابتدره الناس فحملوه، وتلقاه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فحمله ووضعه في حجره، وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّ للولد لفتنة، ولقد نزلت إليه، وما أدري أين هو؟"(*)، وروى سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: تفاخر قوم من قريش فذكر كل رجل ما فيهم، فقال معاوية للحسن: يا أبا محمد ما يمنعك من القول، فما أنت بكليل اللسان، قال يا أمير المؤمنين: ما ذكروا مكرمة ولا فضيلة إلّا ولي مَحْضُها ولُبَابها، ثم قال:
فِيمَ الكَلَامُ وقد سَبَقْتُ مُبَرِّزًا سَبْقَ الجِيَاد مِنَ المَدَى المُتَنَفِّسِ
وروى أبو سعيد أن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش: أخبرني عن الحسن بن علي قال: يا أمير المؤمنين إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رجل له شرف إلا أتاه، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين، ثم نهض فيأتي أمهاتِ المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتْحفْنَه، ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك، فقال: ما نحن معه في شيء.
وروى المُسَيَّب بن نَجَبَة قال: سمعت عليًّا يقول: ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي، أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأما الحسن بن علي فصاحب جَفْنَة وَخِوَان، فتى من فتيان قريش لو قد التقت حَلْقتا البِطَان لم يُغْن في الحرب عنكم شيئا، وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا.
وروى الأسود بن قيس العبدي، قال: لقي الحسن بن علي يومًا حَبِيب بن مَسْلَمة فقال له: يا حبيب رُبَّ مسير لك في غير طاعة الله، فقال: أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال: بَلَى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، ولو كنت إذ فعلت شرًّا قلت خيرًّا كان ذاك كما قال الله تبارك وتعالى: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا} [التوبة:102] ولكنك كما قال جل ثناؤه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
وكان الحسن ـــ رضي الله عنه ـــ متنسكًا ورعًا؛ فقد روى علي بن زيد بن جُدْعَان قال: حجّ الحسن بن علي خمس عشرة حجّة ماشيًا وإنّ النجائب لتُقاد معه، وكان يقول: إني لأستحيي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، وخرج من ماله لله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى إنْ كان ليعطي نعلًا، ويمسك نعلًا، ويعطي خُفًّا، ويمسك خُفًّا، وروى أَبو رَزِين قال: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة، فقرأ سورة "إبراهيم" على المنبر حتى ختمها. وقال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "حَسَنٌ سِبْطٌ مِنَ الأسْبَاطِ"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5/ 617 كتاب المناقب (50) باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما حديث رقم 3775. وقد روى أبو جعفر محمد بن علي قال: كان الحسن والحسين لا يريان أمهاتِ المؤمنين، فقال ابن عباس: إن رؤيتهن لهما لحلال، وروى عُمَيْر بن إسحاق قال: ما تكلم عندي أحد كان أحب إليَّ إذا تكلم أَلّا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين حُسين بن علي، وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض، فعرض حُسَين أمرًا لم يرضه عمرو، فقال الحسن: فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، قال: فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
وروى ابن سيرين قال: قال الحسن: الطعام أدق من أن يُقْسَمَ عليه، وروى قرةُ قال: أكلت في بيت محمد طعامًا، فلما شبعت أخذت المنديل ورفعت يدي، فقال لي محمد: كان الحسن بن علي يقول: إن من الطعام أهون من أن يقسم عليه، وروى أشعث بن سَوَّار، عن رجل قال: جلس رجل إلى الحسن بن عليٍّ، فقال: إنك جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن؟.
روى جعفر بن محمد، عن أبيه أن الحسن والحسين كانا يقبلان جوائز معاوية، وروى شداد الجعفي، عن جدته أرجوانة قالت: أقبل الحسن بن علي، وبنو هاشم خلفه، وجليس لبني أمية من أهل الشام فقال: من هؤلاء المقبلون؟ ما أحسن هيئتهم!! فاستقبل الحسن فقال: أنت الحسن بن علي؟ قال: نعم، قال: أتحب أن يدخلك الله مدخل أبيك، فقال: ويحك، ومن أين؟ وقد كانت له من السوابق ما قد سبق، قال الرجل: أدخلك الله مدخله؛ فإنه كافر وأنت، فتناوله محمد بن على من خلف الحسن فلطمه لطمة لزم بالأرض، فنشر الحسن عليه ردءاه وقال: عزمة مني عليكم يا بني هاشم لتدخلن المسجد ولتصلن، وأخذ بيد الرجل فانطلق إلى منزله فكساهُ حلة وخلى عنه.
روى مسلم بن أبي مسلم قال: سمعت الحسن بن على يزيد في التلبية: "لبيك ياذا النعماء، والفضل الحسن"، وروى رُزَيْق بن سَوَّار قال: كان بين الحسن بن علي، وبين مروان كلام فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له وحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه فقال له الحسن: ويحك أما علمت أن اليمين للوجه، والشمال للفرج، أفٍّ لك، فسكتَ مروان.
وروى موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما دوَّن الديوان، وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ففرض لكل واحد خمسة آلاف درهم، وروى ابن عباس قال: اتخذ الحسن والحسين عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فجعل يقول: "هِي يا حسن، خُذْ يَاحَسَن"، فقالت عائشة ـــ رضي الله عنها: تعين الكبير على الصغير؟ فقال: "إن جبريل يقول: خذ يا حسين"(*)، وقال عليٌّ ـــ رضي الله عنه: إن ابني هذا الحسن سيخرج من هذا الأمر، وأشبه أهلي بي الحسين، وروى هشام بن عروة، عن أبيه، أن الحسن بن علي بن أبي طالب كان يقول إذا طلعت الشمس: "سمع سامع بحمد الله الأعظم لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على شيء قدير، سمع سامع بحمد الله الأمجد لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
وروى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: خطب الحسن بن علي امرأة من بني همام بن شيبان، فقيل له: إنها ترى رأي الخوارج، فقال: إني أكره أن أضم إلى صدري جمرة من جهنم، وروى ابن سِيرِينِ قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد الرحمن بن عَتَّاب بن أَسِيد، وكان أبا عُذْرَتِها، فطلقها فتزوجها عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، ثم طلقها، فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية، فلقيه الحسن بن علي فقال: أين تريد؟ قال: أخطب هند بنت سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية، قال: اذكرني لها، فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر فقالت: خِرْ لي، قال: أختار لك الحسن؛ فتزوجها، فقدم عبد الله بن عامر المدينة، فقال للحسن: إن لي عندها وديعة، فدخل إليها والحسن معه، وجلست بين يديه فَرَقّ ابن عامر فقال الحسن: ألا أنزل لك عنها فلا أراك تجد مُحَلِّلا خيرًا لكما مني فقال: وديعتي فأخرجت سفطين فيهما جواهر ففتحهما فأخذ من واحد قبضة وترك الباقي، ثم خلف عليها بعده حسين. فكانت تقول: سيدهم جميعًا الحسن، وأسخاهم ابن عامر، وأحبهم إليّ عبد الرحمن بن عتاب.
روى عيسى بن أبي هارون المُزني قال: تزوج الحسنُ بن علي حفصةَ بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان المنذر بن الزبير هَوِيَها، فأبلغ الحسن عنها شيئًا فطلقها الحسن، فخطبها المنذر فأبت أن تزوّجَهُ وقالت: شهرني، فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضًا شيئا فطلقها، ثم خطبها المنذر، فقيل لها: تزوجيه فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها، فقال الحسن لعاصم بن عمر: انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة فاستأذناه، فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال: دعهما يدخلان عليها، فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظرا منها إلى الحسن، وكانت إليه أبسط في الحديث، فقال الحسن للمنذر: خذ بيدها فأخذ بيدها، وقام الحسن وعاصم فخرجا، وكان الحسن يهواها، وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر، فقال الحسن يومًا لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وحفصة عمته: هل لك في العقيق؟ قال: نعم، فخرجا فمرا على منزل حفصة، فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلًا ثم خرج، ثم قال أيضًا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ قال: نعم، فخرجا فمرا بمنزل حفصة، فدخل الحسن فتحدثا طويلًا، ثم خرج، ثم قال أيضًا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ قال: نعم، فخرجنا فمرا بمنزل حفصة، فدخل الحسن فتحدثا طويلًا، ثم خرج، ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ فقال: ياابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.
وروى ابن أبي مُلَيْكَةَ قال: تزوج الحسنُ بن علي خولةَ بنت منظور فبات ليلة على سطح أَجْم فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوَسَنك فتسقط فأكون أشأم سَخْلَة على العرب، فأحبها، فأقام عندها سبعة أيام فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيئ لهم غدَاءً قال: نعم، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثًا ألهانا بالاستماع إعجابًا به حتى جاءنا الطعام، وقال علي بن محمد: وقال قوم: التي شَدّت خمارها برجله هند بنت سهيل بن عمرو، وكان الحسن أحصن تسعين امرأة.
وروى أبو رَزِين، قال: خطبنا الحسن بن علي وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وروى أبو العلاء قال: رأيت الحسن بن علي يصلي، وهو مقنع رأسه، وروى سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه أنه رأى أبا رافع مولى النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم مرَّ بحسن بن علي، وحسن يصلي قائمًا قد غرز ضفريه في قفاه، فحلّهما أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضبًا، فقال أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تَغضب فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "ذلك كِفْلُ الشيطان"، يعني: مقعد الشيطان، يعني مغرز ضفريه(*). وقال أبو رافع في رواية أخرى: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أو قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ـــ شك زهير، أحد الرواة: "لا يصلي الرجل عاقصًا رأسه".
روى مستقيم بن عبد الملك قال: رأيت الحسن والحسين شَابَا ولم يَخْضِبا، ورأيتهما يركبان البراذين، ورأيتهما يركبان السروح المُنَمَّرَة، وروى عمران بن عبد الله بن طلحة قال: رأى الحسنُ بن علي كأن بين عينيه مكتوب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فاستبشر به أهل بيته، فقصوها على سعيد بن المسّيب فقال: إن صَدَقت رؤياه فَقَلَّ ما بقي من أجله، فما بقي إلا أياما حتى مات.
روى عُمَير بن إسحاق قال: دخلتُ أنا وصاحب لي على الحسن بن عليّ نَعودُه، فقال لصاحبي: يا فلانُ! سَلْني، قال: ما أنابِسَائِلِك شيئًا، ثم قام من عندنا فدخل كَنِيفًا له، ثم خرج فقال: أي فلان سَلْنِي قبل أن لا تسألني، فإني والله لقد لَفظتُ طائفة من كَبِدِي قَبْلُ، قلبتها بعود كان معي، وإني قد سُقيت السم مرارًا فلم أُسقَ مثل هذا قط فَسَلْني، فقال: ما أنا بسائلك شيئًا، يعافيك الله إن شاء الله، ثم خرجنا فلما كان الغد أتيته وهو يَسُوق، فجاء الحسين فقعدَ عند رأسه فقال: أي أخي أنبئني مَن سَقاكَ؟ قال: لِمَ؟ أَتقتله؟ قال: نعم، قال: ما أنا بِمُحَدِّثِك شيئًا، إِنْ يَكُ صاحبي الذي أظن، فالله أشد نِقمةً، وإلا فوالله لاَ يُقْتَلُ بي بريءٌ.
ذكر أبو عمر أن الحسن بن علي ـــ رضي الله عنه ـــ حفظ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحاديثَ ورواها عنه. وروى عنه ابنه الحسن، وعائشة أم المؤمنين، وابن أخيه علي بن الحسين، وابناه عبد الله، والباقر؛ وعكرمة، وابن سيرين، وجُبير بن نُفَير، وأبو الْحَوْرَاء، واسمه ربيعة بن شيبان، وأبو مجْلَز، وهبيرة بن يَريم، وسفيان بن الليل، والشعبي، وسويد بن غفلة، وشقيق بن سلمة، والمسيب بن نجَبَة، والأصبعْ بن نُبَاتة، ومعاوية بن حُدَيج، وإسحاق بن بشار، وغيرهم.
وروى عَمرو بن الأصم قال: قلت للحسن بن علي: إن هذه الشيعة تزعم أن عليًّا مبعوث قبل يوم القيامة قال: كذبوا، والله ما هؤلاء بالشيعة لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله، وروى مَيْمُون بن مِهْرَان، قال: إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد عَلِيٍّ على بيعتين؛ بايعهم على الإمرة، وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه، ويرضوا بما رضي به.
وروى رِياح بن الحارث أن الحسن بن علي قام بعد وفاة عليٍّ ـــ رضي الله عنهما ـــ فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن كل ما هو آت قريب، وإن أمر الله واقع، وإن كره الناس، وإني والله ما أحببت أن أَلِيَ من أمر أمة محمد ما يزن مثقال حَبة من خَرْدل يُهراق فيه مِحْجَمة من دم، قد علمتُ ما يضرني مما ينفعني فالحقوا بِطِيَّتِكِم، وروى هلال بن يِسَاف قال: سمعت الحسن بن علي وهو يخطب وهو يقول: ياأهل الكوفة، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم، وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، قال: فما رأيت يومًا قط أكثر باكيًا من يومئذ.
وروى عبد الرحمن بن جُبير بن نُفير الخضرمي، عن أبيه قال: قلتُ للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون مَن سالَمت، ويحاربون مَن حارَبت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها بأتْيَاس أهل الحجاز.
وروى الشعبي، ويونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، وأبو السَّفَر، وغيرهم قالوا: بَايَعَ أَهْلُ العراق بعد عليِّ بن أبي طالب الحسنَ بن علي، ثم قالوا له: سِر إلى هؤلاء القوم الذين عَصوا الله ورسولَه، وارتكبوا العَظِيم وابتزوا الناس أمورَهُم، فإنا نرجوا أن يُمَكِّن الله منهم، فسار الحسنُ إلى أهل الشام وجعل على مُقَدِّمته قيسَ بن سَعْد بن عُبادة، في اثني عشر ألفًا، وكانوا يسمون شرطة الخميس، وقال غَيْرُهُ: وَجَّهَ إلى الشام عُبَيْدَ الله بن العباس، ومعه قيس بن سَعْد، فسار فيهم قيسٌ حتى نزل مَسْكِن والأَنْبار وناحيتها، وسار الحسن حتى نزل المدائن؛ وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر مَنْبِج فبينا الحسَن بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره ألا إن قَيْس بن سَعد قد قُتل، قال: فشدّ الناسُ على حُجْرة الحسن فانتهبوها حتى انتهِبَت بُسُطُه وجواريه، وأخذوا رداءه من ظهره، وطَعَنه رجل من بني أسد يقال له: ابن أُقَيْصر بخنجر مَسْمُوم في أَلْيَته، فتحوَّلَ من مكانه الذي انتهب فيه متاعُهُ، ونزل الأبيضَ قصرَ كِسرى، وقال عليكم لعنة الله من أهل قرية، فقد علمتُ أنْ لا خيرَ فيكِم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا؟! ثم دعا عَمرو بن سَلَمَة الأَرْحَبيّ، فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويُسَلِّم له الأمر على أن يُسَلِّم له ثلاث خصال: يُسَلِّم له بيت المال فيقضي منه دَيْنَه ومواعيدَه التي عليه، ويتحَمّل منه هو وَمَنْ معه مِنْ عيالِ أبيه وولده وأهل بيته، ولا يُسَبُّ علي وهو يَسْمَع، وأن يُحْمَلَ إليه خراج فَسَا، ودَرَابِجَرْد من أرض فارس كل عام إلى المدينة مابقي، فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ماسأل، ويقال: بل أرسل الحسن بن علي عبدَ الله بن الحارث بن نَوْفَل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، وعبد الرحمن بن سَمُرَة بن حَبيب فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد، ووثَّقا له، فكتب إليه الحسن أن أَقْبِل، فأقبلَ من جسر مَنْبِج إلى مَسْكِن في خمسة أيام وقد دخل يوم السادس، فسلّم إليه الحسن الأمر وبايعه ثم سارا جميعًا حتى قدما الكوفة، فنزل الحسن القَصْرَ، ونزل معاوية النُّخَيْلَة، فأتاه الحسن في عسكره غير مرة، ووفَّى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ ستة آلاف ألف درهم واحتملها الحسن وتجهَّز بها هو وأهل بيته إلى المدينة، وكفَّ معاوية عن سبّ علي والحسن يسمع، ودَسَّ معاويةُ إلى أهل البصرة فطردوا وكيلَ الحسن، وقالوا: لا يحمل فيئنا إلى غيرنا، يعنون: خَراج فَسَا، ودَرَابجرد، فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
وروى هلال بن خَبَّاب قال: جمع الحسن بن علي رءوس أصحابه في قصر المدائن، فقال: ياأهل العراق لو لم تَذْهَل نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذهَلَت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بغلتي، وانتهابكم ثقلي أو قال: ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالمون مَن سالَمت، وتحاربون مَن حاربت، وإني قد بايعتُ معاوية فاسمعوا له وأطيعوا قال: ثم نزل فدخل القصر.
وروى عوف، عن محمد قال: لما كان زمن وَرَدَ معاوية الكوفة، واجتمع الناس عليه، وبايعه الحسن بن علي، قال أصحاب معاوية لمعاوية ــ عَمرو بن العاص، والوليد بن عُقْبة وأمثالهما من أصحابه ــ: إن الحسَن بن عليّ مُرتفع في أنفس الناس لقَرابته من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإنه حديث السن عَيِيُّ، فَمُرْهُ فليخطب فإنه سَيَعْيَى في الخطبة فيسقط من أنفس الناس، فأبَى عليهم، فلم يزالوا به حتى أمره، فقام الحسن بن عَلِيّ على المنبر دون معاوية، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: والله لو ابتغيتم بين جَابَلْق، وجَابَرْس رجلا جَدُّه نبيّ غيري، وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بَيْعتنا معاوية، ورأينا أن ما حقن دماء المسلمين خير مما هَرَاقها، والله ما أدري: {لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} وأشار بيده إلى معاوية، قال: فغضب معاوية فخطب بعده خطبة عَيِيّة فاحشة ثم نزل، وقال له: ما أردتَ بقولك: {فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}، قال: أردتُ بها ما أراد الله بها، قال هَوذة: قال عوف: وحدثني غير محمد، أنه بعدما شهد شهادة الحق قال: أما بعد: فإن عليًا لم يسبقه أحدٌ من هذه الأمة من أولها بعد نبيها، ولن يلحق به أحد من الآخرين منهم، ثم وصله بقوله الأول.
وروى الشعبي قال: لما سَلَّم الحسن بن علي الأمر لمعاوية، قال له: اخطب الناس، قال: فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: إن أكيس الكيس التُّقى، وإن أحمق الحُمق الفُجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما حَقٌّ كان أحقَّ به مني، وإما حقّ كان لي فتركته التماس الصلاح لهذه الأمة: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111]، وروى هَزَّان قال: قيل للحَسن بن علي: تركتَ إِمارتك وسلّمتها إلى رُجل من الطُّلَقَاء وقدمتَ المدينة؟! فقال: إني اخترتُ العارَ على النارِ.
وروى عَمرو بن دينار أن معاوية كان يعلم أن الحسنَ كان أكره الناس للفتنة، فلما تُوفي عليٌّ بعث إلى الحسن فأصلحَ الذي بينه وبينه سرًّا، وأعطاه معاوية عهدًا إنْ حدث به حدث، والحسن حيٌّ ليسمينه، وليجعلن هذا الأمر إليه، فلما توثق منه الحسن، قال ابن جعفر: والله إني لجالسٌ عند الحسن إذ أخذت لأقُوم فجذَب بثوبي وقال: اقعد ياهناه اجلس، فجلست، قال: إني قد رأيتُ رأيًا وأحب أن تتابعني عليه قال: قلت: ما هو؟ قد رأيتُ أن أعمد إلى المدينة فأنزلها، وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة وسقطت فيها الدماء، وقطعت فيها الأرحام، وقطعت السُّبُل، وعُطِّلَت الفُروج ـــ يعني: الثغور ـــ فقال ابن جعفر: جزاك الله عن أمة محمد خيرًا فأنا معك على هذا الحديث فقال الحسن: ادعُ لي الحسين، فبعث إلى حسين فأتاه فقال: أي أخي إني قد رأيتُ رأيًا وإني أحبُ أن تتابعني عليه، قال: ما هو؟ قال: فقصَّ عليه الذي قال لابن جعفر، قال الحسين: أُعيذك بالله أن تُكَذِّبَ عليًّا في قبره، وتُصَدِّقَ معاوية، فقال الحسن: والله ما أردتُ أمرًا قط إلا خالَفتَني إلى غيره، والله لقد هممتُ أن أقذفك في بيت فأطيِّنه عليك حتى أقضيَ أمري قال: فلما رأى الحسين غَضَبه قال: أنت أكبر ولد علي، وأنت خليفتُه، وأمرُنا لأمرك تَبع؛ فافعل ما بَدَا لك، فقام الحسن فقال: يا أيها الناس! إني كنت أكرَهَ الناس لأول هذا الحديث، وأنا أصلحتُ آخره لذي حقّ أديتُ إليه حقه أحق به مني، أو حق جُدتُ به لصلاح أمة محمد، وإن الله قد ولاّك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندكَ، أو لشرٍّ يعلمه فيك: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[سورة الأنبياء: 111]، ثم نزل.
وروى زيد بن أسلم قال: دخل رجل على الحسن بالمدينة، وفي يده صحيفة فقال: ما هذه؟ قال: من معاوية يَعِدُ فيها ويتوعّدُ، قال: قد كنتَ على النَّصف منه، قال: أجل، ولكني خشيتُ أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفا، أو ثمانون ألفا، أو أكثر من ذلك وأقل كلهم تَنْضَح أوْدَاجهم دمًا كلهم يستعدي الله فيما هُرِيق دمه، وروى ثابت بن هُرَيْمز قال: لما أتى الحسن بن علي قصر المدائن قال المختار لعمه: هل لك في أمر تسود به العرب؟ قال: وما هو؟ قال: تدعني أضرب عنق هذا، وأذهب برأسه إلى معاوية، قال: ما ذاك بلاؤهم عندنا أهل البيت.
كان الحسن ـــ رضي الله عنه ـــ من المبادرين إلى نصرة عثمان بن عفان، وولي الخلافة بعد قتل أبيه علي ـــ رضي الله عنهما ـــ وكان قتلُ عليٍّ لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين، وبايعه أكثر من أربعين ألفًا، كانوا قد بايعوا أباه على الموت، وكانوا أطوع للحسن، وأحبّ له، وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق، وما وراءه من خراسان، والحجاز، واليمن، وغير ذلك، ثم سار معاوية إليه من الشام، وسار هو إلى معاوية، فلما تقاربا علم أنه لن تغلب إحدى الطائفتين حتى يقتل أكثر الأخرى، فأرسل إلى معاوية يبذل له تسليم الأمر إليه، على أن تكون له الخلافة بعده، وعلى أن لا يطلب أحدًا من أهل المدينة، والحجاز، والعراق بشيء مما كان أيام أبيه، وغير ذلك من القواعد؛ فأجابه معاوية إلى ما طلب، فظهرت المعجزة النبوية في قوله صَلَّى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين"(*) أخرجه أحمد في المسند 5/ 44 بلفظه،وذكره ابن حجر في المطالب العالية حديث رقم 4000. وذكره الهيثمي في الزوائد 7/ 250، 9/ 181، وأيُّ شرف أعظم من شرف من سماه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سيدًا؟!.
وروى أبو بكر بن دريد قال: قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله عز وجل: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فسلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره؛ فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر، ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نَصَفَة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عز وجل بِظُبَا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: البقيةَ البقيةَ، فلما أفردوه أمضى الصلح.
وروى يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية، فقال: سَوَّدْتَ وجوه المؤمنين، أو: يا مُسَوّد وجوه المؤمنين، فقال: لا تُؤَنِّبْنِي رحمك الله؛ فإن النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أُريَ بني أمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلِةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}: "تملكها بعدي بنو أمية"، وقد اختلف في الوقت الذي سلَّم فيه الحسن الأمر إلى معاوية؛ فقيل: في النصف من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وقيل: لخمس بقين من ربيع الأول منها، وقيل: في ربيع الآخر؛ فتكون خلافته على هذا ستةَ أشهر واثني عشر يومًا، وعلى قول من يقول: في ربيع الآخر تكون خلافته ستة أشهر وشيئًا، وعلى قول من يقول: في جمادى الأولى نحو ثمانية أشهر، والله أعلم، وقولُ من قال سَلَّّم الأمر سنة إحدى وأربعين، أصح ما قيل فيه، وأما من قال: سنة أربعين، فقد وَهِمَ.
ولما نظر الحسن إلى جيشه أمثالَ الجبال في الحديد؛ فقال: أضرِبُ هؤلاء بعضهم ببعض في ملك من ملك الدنيا، لا حاجةَ لي به، وروى عبد الله بن بُريدة قال: قدم الحسن بن عَليّ عَلَى معاوية، فقال: لأجيزنَّك بجائزة ما أجزت بها أحدًا قبلك، ولا أجيز بها أحدًا بعدك؛ فأعطاه أربعمائة ألف.
روى شرحبيل بن سَعْد قال: مكث الحسَنُ بن علي نحوًا من ثمانية أشهر لا يُسلّم الأمرَ إلى معاوية، وحجَّ بالناس تلك السنة سنة أربعين المغيرة بن شُعبة من غير أن يؤمّره أحد، وكان بالطّائف، قال: وسلَّم الأمرَ الحسنُ إلى معاوية في النّصف من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين، فبايع الناسُ معاوية حينئذ، ومعاوية يومئذ ابن ستّ وستين إِلّا شهرين، قال أبو عمر ـــ رضي الله عنه: هذا أصحُّ ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصّناعة من أهل السّير والعلم بالخبر، وكلُّ من قال: إنّ الجماعة كانت سنة أربعين فقد وَهِم، ولم يقلْ بعلم، والله أعلم.
وروى حرب بن خالد قال: مات الحسن بن علي لخمسِ ليالٍ خَلَونَ من شهر ربيع الأول سنة خمسين، وقال الْواقِدِيُّ: مات سنة تسع وأربعين، وقال المدائنيّ: مات سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وخمسين، وقال الهيثم بن عدي: سنة أربع وأربعين، وقال ابن منده: مات سنة تسع وأربعين، وقيل خمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين.
ومات الحسن بن عليّ ـــ رضي الله عنهما ـــ بالمدينة وكان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس سقته السم، فكانت توضع تحته طست، وترفع أخرى نحو أربعين يومًا، فمات منه، ولما اشتد مرضه قال لأخيه الحسين ـــ رضي الله عنهما: يا أخي سُقيت السم ثلاث مرات لم أسْقَ مثل هذه، إني لأضَع كبدي، قال الحسين: من سقاك يا أخي؟ قال: ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكِلُهم إلى الله عز وجل.
ولما حضرته الوفاة أرسل إلى عائشة يطلب منها أن يدفن مع النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فأجابته إلى ذلك، فقال لأخيه: إذا أنا مت فاطلب إلى عائشة أن أدفن مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فلقد كنت قد طلبت منها فأجابت إلى ذلك، فلعلها تستحي مني، فإن أذنَتْ فادفني في بيتها، وما أظن القوم، يعني: بني أمية، إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك، وادفني في بقيع الغرقد، فلما توفي جاء الحسين إلى عائشة في ذلك فقالت: نعم وكرامة.
فبلغ ذلك مروان وبني أمية فقالوا: والله لا يدفن هنالك أبدًا، فبلغ ذلك الحسين فلبس هو ومن معه السلاح، ولبسه مروان، فسمع أبو هريرة فقال: والله إنه لظلم؛ يمنع الحسن أن يدفن مع أبيه! والله إنه لابن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم أتى الحسين فكلمه وناشده الله؛ وقال: أليس قد قال أخوك: إن خفت فردني إلى مقبرة المسلمين، ففعل، فحمله إلى البقيع، ولم يشهده أحد من بني أمية إلا سعيد بن العاص، كان أميرًا على المدينة، فقدمه الحسين للصلاة عليه، وقال: لولا أنها السنة لما قدمتك، وقيل: حضر الجنازة أيضًا خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ سأل بني أمية فأذنوا له في ذلك.
ووصّى الحسن إلى أخيه الحسين، وقال له: لا أرى أن الله يجمع لنا النبوة والخلافة؛ فلا يَسْتَخِفَّنَّك أهلُ الكوفة ليُخْرِجُوك، وقال الفضل بن دكين: لما اشتد المرض بالحسن بن علي ـــ رضي الله عنهما ـــ جَزِع، فدخل عليه رجل فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجزع! ما هو إلا أن تفارق روحُك جسدَك فتقدم على أبويك: عليّ وفاطمة، وجديك النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وخديجة، وعلى أعمامك حمزة، وجعفر، وعلى أخوالك القاسم، والطيب، والطاهر، وإبراهيم، وعلى خالاتك: رقية، وأم كلثوم، وزينب، فَسُرِّيَ عنه.
روى بشير بن عبد الله قال: أولُّ من نعى الحسنَ بن علي بالبصرة عبدُ الله بن سلمة بن المُحَبَّق أخو سنان نعاه لزياد، فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه، وبكى الناس وأبو بكرة مريض فسمع الضجة، فقال: ما هذا؟ فقالت امرأته ميسة بنت سحام، من بني رُبيع: مات الحسن بن علي فاحْمِدِ الله الذي أراح الناس منه، فقال أبو بكرة: اسكتي، ويحك فقد أراحَه الله من شرٍّ كثير، وفَقَدَ الناسُ خيرًا كثيرًا.
وروى عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما جاء معاويةَ نَعْيُ الحسنِ بن علي، استأذن ابنُ عباس على معاوية، وكان ابن عباس قد ذهب بصره، فكان يقول لقائده: إذا دخلتَ بي على معاوية فلا تَقُدْني فإن معاوية يشمت بي، فلما جلس ابن عباس، قال لمعاوية: لأخبرنَّه بما هو أشد عليه من أن أشمت به فلما دخل قال: يا أبا العباس هلك الحسن بن علي، فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعرف ابن عباس أنه شامت به فقال: أما والله يا معاوية لَا يَسُدُّ حفرتَك، وَلَا تَخْلُدُ بعده، ولقد أُصبنا بأعظم منه فجبرنا الله بعده، ثم قام، فقال معاوية: لا والله ما كلمت أحدًا قط أعدّ جوابًا، ولا أعقل من ابن عباس، وروى حرب بن خالد قال: قال معاوية لابن عباس: يا عجبًا من وفاة الحسن شرب عسلة بماء رُومَة فقضى نحبه لا يحزنك الله ولا يسؤك في الحسن فقال: لا يسوءني ما أبقاك الله، فأمر له بمائة ألف وكسوة، ويقال إنّ معاوية قال لابن عباس يومًا: أصبحت سيد قومك قال: ما بقي أبو عبد الله فلا.
وروى جهم بن أبي جهم قال: لما مات الحسن بن علي، بعثت بنو هاشم إلى العوالي صائحًا يصيح في كل قرية من قرى الأنصار بموت حسن، فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه، وروى ثَعْلَبَة بن أبي مالك، قال: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البَقِيع ولو طُرِحَتْ إِبْرَةٌ ما وَقَعَت إلا على إنسان، وروى ابن أبي نجيح، عن أبيه قال: بُكِيَ على حسن بن عليّ بمكة والمدينة سبعًا، النساءُ، والرجالُ، والصبيانُ، وروى جعفر قال: مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعًا ماتقوم الأسواق.
وروت عائشة بنت سعد قالت: حَدّ نساء بني هاشم على حسن بن علي سَنَة، وروى عَمرو بن بعجة قال: أول ذُلٍّ دخلَ على العرب موت الحسن بن علي، وروت جُوَيرية بن أسماء قال: لما مات الحسن بن علي ـــ رضي الله عنه ـــ أخرجوا جنازته، فحمل مروان سريره فقال له الحسين: تَحْمِلُ سريره! أما والله لقد كنت تُجرّعه الغيظ، فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يُوازِن حلمُه الجبال.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال