تسجيل الدخول


زيد بن أرقم الخزرجي

زيد بن أرْقم بن زيد الأنصاري الخزرجي:
كنيته أبو عمر، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو سعد، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو أنيسة، وقال محمد بن سعد: ولم تُسَمَّ لنا أُمّهُ. ومات كل ولد قيس بن النعمان ولم ينسلوا؛ فلم يبق لهم عَقِبٌ، وولد زيدُ بن أرقم: قيسًا، وسويدًا؛ وأمهما هند بنت يزيد بن عَمْرو. وقال أبو إسحاق: خرج الناس يستسقون وزيدُ بن أرقم فيهم ما بيني وبينهُ إلاّ رَجُلٌ، قال: قلتُ: كم غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة، قال: قلتُ: كم غزوتَ معه؟ قال: سبعَ عشرةَ. قال: قلتُ: ما أول ما غزا؟ قال: ذو العشيرا ــ أو ذو العشير ــ قال: فصلّى عبد الله بن يزيد بالناس ركعتين(*). قال: قال محمد بن عمر: حدثتُ عبد الله بن جعفر الزُّهْرِيّ فقال: أول غزوة غزاها زيد بن أرقم حين بلغ الحلم مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم غزوة المُرَيْسِيع، فَحَضَرَ كلامَ عبد الله بن أُبَيّ بن سلول حين غضب من دعاء جَهْجَاه بن سعيد: يا آل قريش! فذكر المهاجرين فقال: قَدْ نَافَرُونا وكَاثَرونا في بلدنا، وأنكروا مِنَّتَنَا، ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، فنزلوا منازلكم، وآسيتموهم في أموالكم، وجعلتم أنفسكم أغراضًا للمنايا، فَقُتِلْتُم دونهُ، فَأَيْتَمْتُم أولادَكم، وقللتم وكثروا. والله، لقد ظننتُ أَني سأموت قبل أَن أَسمع جهجاه يهتف بما هتف به، أَمَا والله، لئن رجعنا إلى المدينة لَيُخْرِجَنّ الأَعَزُّ منها الأذَلّ! في كلامٍ له يومئذٍ كثير، فقام زيد بن أرقم بهذا الحديث كلّه إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأخبره به، فكَرِهَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خبرهُ وتغيرَ وجهَهُ، وقال: "ياغلام لعلك غضبتَ عليه!" قال: لا والله؛ لقد سمعتُهُ منهُ، قال: "لعلَّه أَخطأ سمعك!" قال: لا والله يا نبي الله! قال: "فَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عليك!" قال: لا والله لقد سمعته منه يا رسول الله! وشاع الحديث في العسكر، فأقبل رَهْطٌ مِن الأنصار يُؤنِّبُونَ زيدًا ويلومونهُ ويقولون: عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل، وقد ظلمتَ وقطعت الرحم! فقال زيدٌ: والله لقد سمعتهُ منهُ! ووالله ما كان في الخزرج رجلٌ أحبّ إِلى أَبِي من عبد الله بن أُبَيّ، ووالله لو سمعتُ هذه المقالة من أَبِي لنقلتها إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وإني لأرجوا أن يُنْزل الله على نبيه تصديق قولي،وجعل زيدٌ يقول: الّلهُم، أَنزل على نبيّك ما يُصدق حديثي! ومشى ابنُ أُبَيّ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فجعل يحلف بالله ما قلتُ ما قال زيد ولا تكلمتُ به. وكان في القومِ شريفًا؛ فَظَانٌّ يظنُّ أنه قد صدق، وَظَانٌّ يظنُّ بهِ أسوأ الظن، لما كانوا يعرفون من رأيه ونفاقه، وسار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من ساعتهِ راجعًا إلى المدينة، وجعل زيدٌ يعارض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في المسيرَ يُريهُ وجههُ، إذ نزل على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الوحيُ فَسُرِّي عنه، فأخذ بأُذن زيد بن أرقم وهو على راحلته حتى ارتفع من مقعدهِ ويرفع أذنهُ إلى السماء وهو يقول: وَفَتْ أُذُنُك يا غلام، وصدّق الله حَدِيثَك ونزلت في ابن أُبَيّ السورة: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى آخِرها(*). وروى أبو سعيد الأَزْدِي قال: حدّثنا زَيْد بن أَرْقَم قال: غزونا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان معنا أناسٌ من الأَعْراب، قال: فكُنّا نبتدر الماء، وكان الأعرابُ يسبقوننا، فَيَسبقُ الأَعرابيُّ أصحابَهُ فَيَمْلأُ الحوضَ، ويجعل حولَهُ حجارةً، ويجعل النِّطَع عليه حتى يجيء أصحابهُ قال: فأتى رجلٌ من الأنصار أعرابيًا فَأَرْخَى زِمَام ناقتهِ أن تشرب، فأبى أن يَدَعَه، فانتزع حجرًا ففاض الماء، فرفع الأعرابي خَشَبةً فضرب بها رأس الأنصاري فشجَّهُ، فَأَتَى عبدَ الله بن أُبَيّ رأسَ المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أُبَيّ ثم قال: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [سورة المنافقون: 7] يعني الأعرابَ. وكانوا يَحضُرون رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عند الطعام، فقال عبد الله لأصحابه: إذا أنْفَضُّوا مِن عند محمدٍ فَأْتوا محمدًا بالطعام، فليأكل هو ومن عِنْدَه، ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فَلْيُخْرِج الأَعَزُّ منكم الأذَلّ، قال زيدٌ: كنتُ رِدْفَ عَمِّي قال: فسمعت عبد الله، وكنا أخوالَهُ فأخبرتُ عَمِّي، فانطلق فأخبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحلف وجَحَد، قال: فَصَدَّقهُ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكَذَّبَنِي، قال: فجاء إِلَيَّ عَمِّي فقال: ما أردتَ إلى أَنْ مقتكَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وَكَذَّبَكَ المسلمون، قال: فوقع عَلَيَّ من الهَمِّ ما لم يقع عَلَى أَحَدٍ قَطّ، قال: فبينا أنا أسير مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في سفرٍ قد خَفَقْتُ بِرَأْسي من الهَمِّ، إذ أتاني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فَحَرك أذني وضحك في وجهي، فما يسرني بها الخُلد ــ أو قال: الدنيا: ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقلت ما قال لي شيئًا إلا أن عَرك أذني وضحِك في وجهي فقال: أبشر ثم لحقني عُمَر فقلت له مثل قولي لأبي بكر،فلما أصبحنا قرأ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سورة المنافقين(*).
وقال أَبُو المِنْهَالِ: سألت البراءَ عن الصّرف فقال: سَلْ زَيد بن أرقم؛ فإنه خير مني وأعلم(*). ويُعَدُّ زيد في الكوفيين؛ نزل الكوفة وسكنها، وابتنى بها دارًا في كِندَة‏. وذكر ابنُ إسحاق‏: أن زيد بن أَرقم كان يتيمًا في حِجْرِ عبد الله بن رَواحة، فخرج به معه إلى مؤتة يحمله على حقيبة رَحْله، فسمعه زيدُ بن أَرقم من اللّيل وهو يتمثّلُ أَبياته التي يقول فيها:
إِذَا أَدْنَيْتَنِي وَحَمَلتَ رَحلِي مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الحِسَاءِ
فشَأْنُك فَانْعَمِي وَخَلَاكَ ذَمٌّ وَلَا أَرْجِعْ إِلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَجَاءَ المُؤْمِنُون
وَغَادَرُونِي بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْْتَهِىَ الثَّوَاءِ
فبكى زيد بن أرقم، فخَفَقَه عبدُ الله بن رَواحة بالدّرة، وقال:‏ ما عليك يا لكع أنْ يرزقني الله الشّهادة وترجع بين شعبتي الرحل.‏ ولزيد بن أَرقم يقول عبد الله بن رواحة:
يَا زَيْدَ زَيْدَ الْيَعْمَلاتِ الذبَّلِ تَطَاوَلَ اللَّيْلُ هَدْبتَ فَانْزِل
قيل:‏ بل قال‏ ذلك في غَزْوَةِ مُؤتة لزيد بن حارثة. وروى جابر بن حَنْتَمَةَ قال: اشتكى زيدٌ بن أرقم عينَهُ أَوْ عَيْنَيْه فأتاهُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم؛ يعوده فقال: "أرأيت لو ذهب بَصَرُكَ ما كنت صانعًا؟" قال: كنت أصبر وأحتسب، قال: "إذًا لَلَقِيتَ الله تعالى ولا ذنب لك"(*). وقال أنس: دخلت مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم على زيد بن أرقم وهو يشتكي بصرَهُ، فقال: "كيفَ أنت يا زيد إن كان بَصَرُك لِمَا به؟" قال: إذًا أصبر وأحتسب، قال: "لئن صبرت وأحتسبت لَتَلْقَنَّ الله ليس لك ذنبٌ"(*).
ولزيد حديث كثير ورِوَاية أيضًا عن عليّ، وروى عنه ابن عباس، وأَنَسٌ بن مالك، وأبو الطّفيل، وأبو عثمان النهديّ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعَبْد خَيْر، وطاوس، وأَبو إسحاق السّبيعيّ، ويزيد بن حَيّان، ومحمد بن كعب القرظيَّ، وأَبو حمزة مَوْلَى الأنصار، وقال طاوس: قدم زيد بن أرقم فقال له ابن عباس يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم أهْدِي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو حرام؟ قال: نعم، أهدى له رجلٌ عُضْوًا من لحم صَيْدٍ، فرَدَّه، وقال: "إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ؛ إِنَّا حُرُمٌ".(*). وقال عبد الرحمن بن أَبِي لَيْلَى: كنا إِذَا قُلنا لزيد بن أَرْقَم: حَدِّثْنا، قال: كبرنا ونَسِينا.
وشهد زَيْدُ بن الأرقم مع علي رضي الله عنه صِفْين، وهو معدود في خاصة أَصحابه، ومات بالكوفة أيام المختار سنة ست وستين، وقيل: سنة ثمان وستين، وقيل: مات بعد قتل الحسين رضي الله عنه بقليل.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال