1 من 4
ذو النّورين: عثمان بن عفان: مشهور بها، والمشهور أن ذلك لكونه تزوَّج ببنتي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واحدة بعد أخرى.
وروى أبو سَعْد الماليني بإسنادٍ فيه ضعف عن سهل بن سعد، قال: قيل لعثمان ذو النورَيْن لأنه يتنقل من منزل إلى منزل في الجنّة فتبرق له برقتان، فلذلك قيل له ذلك.
(< جـ2/ص 349>)
2 من 4
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس القُرشي الأموي، أمير المؤمنين، أبو عبد الله، وأبو عمر.
وأمه أَرْوَى بنت كُرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عَبْد شمس، أسلمت، وأمُّها البيضاء بنت عبد المطلب عَمّة رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم.
ولد بَعْدَ الفيل بست سنين على الصحيح. وكان رَبْعة، حسنَ الوجه، رَقِيق البشرة، عظيم اللحية، بعيد ما بَيْنَ المنكبين. وقد وصف بأَتمّ من هذا في ترجمة خالته سُعْدي. وكذا صفة إسلام عثمان [[ذكر أَبُو سَعْدٍ النَّيْسَابُورِيُّ في كتاب "شَرَفِ المُصْطَفَى"، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو الملقب بالديباج، عن أبيه، عن جده؛ قال: كان إسلامُ عثمان أنه قال: كنتُ بفناء الكعبة إذ أتينا، فقيل لنا: إن محمدًا قد أنكح عتبة بن أبي لهب رقية ابنته، وكانت ذات جمال بارع، وكان عثمان مشتهرًا بالنساء، وكان وضيئًا حسنًا جميلًا أبيض مُشربًا صفرة جَعْد الشعر له جُمَّة أسفل من أُذنيه، جَذْل الساقين، طويل الذراعين، أقنى بَيِّن القنا؛ قال عثمان: فلما سمعتُ ذلك دخلتني حسرةٌ ألَّا أكونَ سبقت إليها، فلم ألبث أَن انصرفتُ إلى منزلي، فأصبتُ خالتي قاعدةً مع أهلي؛ قال: وأُمُّه أروى بنت كريز، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب، وخالته التي أصابها عند أهله سُعدى بنت كرز، وكانت قد طرقت وتكهنت لقومها؛ قال: فلما رأتني قالت:
أَبْشِرْ وَحُيِّيتُ ثَلَاثًا وِتْرَا ثُمَّ
ثَلَاثًا وَثَلَاثًا أُخْرَى
ثُمَّ بِأُخْرَى كَي تُتِمَّ عَشْرًا لقِيتَ خَيْرًا وَوُقِيتَ شَرَّا
نَكَحْتَ وَاللهِ حَصَانًا زَهْرَا وَأَنْتَ بِكْرٌ وَلِقَيتَ بِكْرَا
[الرجز]
قال: فعجبتُ من قولها، وقلت: يا خالة ما تقولين؟ فقالت:
عُثْمَانُ يَا عُثْمَانُ يَا عُثْمَانُ لَكَ الجَمَالُ وَلَكَ الشَّان
هَذَا نَبِيٌّ مَعَهُ
البُرْهَانُ أَرْسَلَهُ
بِحَقِّهِ
الدَّيَّانُ
وَجَاءَهُ التَّنْزِيلُ
وَالفُرْقَانُ فاتبعه لَا تَغْيا بِكَ الأَوْثَانُ
[الزجر]
فقالت: إن محمد بن عبد الله رسول الله جاء إليه جبريل يدعوه إلى الله، مصباحه مصباح، وقوله صلاح، ودينه فَلَاح، وأَمْرُه نجاح، لِقرْنه نطاح، ذلّت له البطاح، ما ينفع الصياح، لو وقع الرماح، وسلت الصفاح، ومُدَّت الرماح.
ثم انصرفت، ووقع كلامها في قلبي، وبقيت مفكّرًا فيه، وكان لي مجلس من أبي بكر الصديق، فأتيتُه بعد يوم الاثنين، فأصبْتُه في مجلسه، ولا أحد عنده، فجلست إليه، فرآني متفكرًا، فسألني عن أمري ــ وكان رجلًا رقيقًا، فأخبرته بما سمعت من خالتي، فقال لي: ويحك يا عثمان! والله إنكَ لرجل حازم ما يَخْفَى عليك الحقُّ من الباطل؛ هذه الأوثان التي يعبدها قَوْمُك أليست حجارة صُمًّا لا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع؟ قلت: بلى، والله؛ إنها لكذلك، قال: والله لقد صدقتكَ خالتك؛ هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللهُ برسالته إلى جميع خَلْقه، فهل لكَ أن تأتيه وتسمع معه؟ فقلت: نعم، فو الله ما كان بأَسرع من أَنْ مَرَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومعه علي بن أبي طالب يحمل ثوبًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما رآه أبو بكر قام إليه فسارَّه في أُذنه، فجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقعد ثم أقبل عليّ فقال: "يَا عُثْمَانُ، أَجِبْ اللهَ إِلَى جَنَّتِه،ِ فَإِنّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ وَإِلَى جَمِيع خَلْقِهِ"؛ قال: فو الله ما تمالكت حين سمعت قوله أن أَسلمت وشهدتُ أن لا إله إلا الله وَحْدَه لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم لم ألبث أن تزوّجت رقية، وكان يقال: أَحسن زوجين رآهما إنسان: رُقَية وزوجها عثمان. وفي إسلام عثمان تقول خالته سعدى:
هَدَى اللهُ عُثْمَانَ الصَّفِىَّ بِقَوْلِهِ فَأَرْشَدَهُ
وَاللهُ
يَهْدِي
إِلَى
الحَقِّ
فَتَابَعَ بِالرَّأْيِ السَدِيدِ مُحَمَّدًا وَكَانَ ابْن أَرْوَى لَا يَصُدُّ عَنِ الحَقِّ
وَأَنْكَحَهُ المَبْعُوثُ إِحْدَى بَنَاتِهِ فَكَانَ كَبَدْرٍ مَازَجَ الشَّمْسَ فِي الأُفْقِ
فِدَاؤُكَ يا ابْنَ الهَاشِميينَ مُهْجَتِي فَأَنْتَ أَمِينُ اللهِ أُرْسِلْتَ فِي الخَلْقِ
[الطويل]]] <<من ترجمة سعدى بنت كرز بن ربيعة "الإصابة في تمييز الصحابة".>>.
أسلم قديمًا؛ قال ابن إسحاق: كان أبو بكر مؤلّفًا لقومه، فجعل يدعو إلى الإسلام مَنْ يَثِقُ به، فأسلم على يده فيما بلغني: الزّبير، وطلحة، وعثمان. وزوّج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ابنته رقية من عثمان، وماتت عنده في أيام بَدْر، فزوَّجه بعدها أختها أم كلثوم؛ فلذلك كان يلقّب ذا النُّورَيْن.
قال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حدثني محمد بن سلام الجمحي، قال: حدثني أبو المقدام مولى عثمان، قال: بَعث النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم مع رجُلٍ بِلَطَفٍ إلى عثمان، فاحتبس الرجل، فقال له النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا حَبَسَكَ؟ ألَا كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى عُثْمانَ وَرُقَيَّةَ تَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِمَا"!(*)
وجاء مِنْ أوجه متواترة أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم بشَّره بالجنة، وعَدّه من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة.(*)
وروى أَبُو خَيْثَمَةً في "فضائل الصحابة"، مِنْ طريق الضحاك، عن النزال بن سَبْرَة: قلنا لعليّ: حدّثنا عن عثمان. قال: ذاك امرُؤٌ يُدْعَى في الملأ الأعلى ذا النُّورَين.
وروى التِّرْمِذِيُّ، مِن طريق الحارث بن عبد الرحمن، عن طلحة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ نَبيٍّ رَفِيقٌ، وَرَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ عُثْمانُ"أخرجه الترمذي في السنن 5 / 583 كتاب المناقب 50 حديث رقم 3698 وابن ماجه في السنن 1 / 40 حديث رقم 109 وأورده التبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم 6061، 6062 والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32808.
وجاء مِنْ طرق كثيرة شهيرة صحيحةٍ عن عثمان لما أَنْ حصروه انتشد الصحابةَ في أشياء؛ منها: تجهيزه جَيْشَ العُسْرة، ومنها مبايعةُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم عنه تحتَ الشجرة لما أرسله إلى مكّة. ومنها شراؤه بئر رُومَة وغير ذلك.
وروى عثمان عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعُمر.
روى عنه أولاده: عمرو، وأَبان، وسعيد؛ وابن عمه مروان بن الحكم بن أبي العاص؛ ومن الصحابة ابْنُ مسعود، وابْنُ عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وزيد بن ثابت، وعمران ابن حُصَين، وأبو هريرة، وغيرهم. ومن التابعين: الأحنف، و عبد الرحمن بن أبي ضمرة، و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن المسَيّب، وأبو وائل، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومحمد بن الحنفية، وآخرون.
وهو أَوَّل مَنْ هاجر إلى الحبشة ومعه زَوْجَتُه رُقَية، وتخلَّفَ عن بَدْر لتمريضها، فكتب له النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بسَهْمِه وأَجْرِه؛ وتخَلَّف عن بيعة الرضوان؛ لأن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان بعثه إلى مكة، فأشيع أَنهم قتلوه؛ فكان ذلك سبب البيعة، فضرب إحدى يديه على الأخرى، وقال: "هذه عن عثمان".
وقال ابْنُ مَسْعُودٍ لما بويع: بايعنا خَيْرَنا، ولم نَألُ.
وقال عَلِيٌّ: كان عثمان أَوْصلَنا للرحم. وكذا قالت عائشة لما بلغها قَتْله: قتلوه، وإنه لأوْصَلهم للرحم، وأتقاهم للرب.
وقال ابْنُ المُبَارَكُ فِي الزُّهْد: أنبأنا الزبير بن عبد الله أّنَّ جدته أخبرته ــ وكانت خادمًا لعثمان ــ وقالت: كان عثمان لا يوقِظ نائمًا من أهله إلا أن يَجده يقظان فيدعوه فيناوِله وضوءه، وكان يصوم الدهر.
وكان سبب قَتْله أنَّ أمراءَ الأمصار كانوا من أقاربه، كان بالشام كلّها معاوية، وبالبصرة سَعِيد بن العاص، وبمصر عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وبخراسان عبد الله ابن عامر؛ وكان مَنْ حَجَّ منهم يشكو من أميره؛ وكان عثمان لَيِّن العَرِيكة، كثير الإحسان والحلم، وكان يستبدل ببعض أمرائه فيُرضيهم، ثم يعيده بَعْدُ إلى أَنْ رحل أهلُ مصر يشكون من ابن أبي سَرْح، فعزله، وكتب له كتابًا بتولية محمد بن أبي بكر الصديق، فرضوا بذلك؛ فلما كانوا في أثناء الطريق رأوْا راكِبًا على راحلة، فاستخبروه؛ فأخبرهم أنه من عند عثمان باستقرار ابْنِ أبي سرح ومعاقبةِ جماعة من أعيانهم؛ فأخذوا الكتابَ ورجعوا وواجهوه به؛ فحلف أنه ما كتب ولا أذِن، فقالوا: سَلِّمْنا كاتبكَ، فخشى عليه منهم القَتْل، وكان كاتبه مروان بن الحكم؛ وهو ابن عمه؛ فغضبوا وحصروه في دارِه. واجتمع جماعةٌ يحمونه منهم، فكان ينهاهم عن القتال إلى أن تسوُّرُوا عليه من دار إلى دار، فدخلوا عليه فقتلوه، فعظم ذلك على أهْلِ الخير من الصحابة وغيرهم، وانفتح بابُ الفتنة، فكان ما كان، والله المستعان.
وروى البُخَارِيُّ في قصة قَتْل عمر أنه عهد إلى ستةٍ، وأمرهم أن يختاروا رجلًا، فجعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عَوْف، فاختار عثمان فبايعوه.
ويقال: كان ذلك يوم السبت غرّة المحرم سنة أربع وعشرين.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: قُتل عَلَى رأس إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرًا، وإثنين وعشرين يومًا من خلافته، فيكون ذلك في ثاني وعشرين ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
وقال غيره: قُتل لسبع عشرة. وقيل لثمان عشرة. رواه أحمد عن إسحاق بن الطباع، عن أبي معشر.
وقال الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: بُويع يوم الاثنين لليلةٍ بقيَتْ من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
وقُتل يوم الجمعة لثمان عشرة خَلَتْ من ذي الحجة بعد العَصْر، ودُفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حَشّ كَوْكَب كان عثمان اشتراه فوسَّع به البقيع. وقُتل وهو ابنُ اثنتين وثمانين سنة وأشْهر على الصحيح المشهور. وقيل دون ذلك. وزعم أبو محمد بن حَزْم أنه لم يبلغ الثمانين.
(< جـ4/ص 377>)
3 من 4
ز ــ عُثيم: بالتصغير.
خاطب بها النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عثمان بن عفان في حديثٍ لعائشة، مِنْ طريق أم كلثوم الحنظلية عنها.
قال أَحْمَدُ في أواخر مسند عائشة: حدثنا عبد الصمد، حدثتني فاطمة بنت عبد الرحمن، حدثتني أمي أنها سألت عائشةَ وأرسلها عَمُّها، فقالت: إن أحدَ بنيك يقرئك السلام، ويسألك عن عثمان، فإن الناس قد شتموه. فقالت: لعن الله مَنْ لعنه، فوَالله لقد كان قاعدًا عند رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم وجبرائيل يُوحي إليه، وهو يقول له: "أكتب يا عثيم".(*)
(< جـ4/ص 383>)
4 من 4
أبو ليلى، كنى بها بعضُهم عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقيل: إنه المراد بقول الشاعر:
إِنِّي أَرَى فِتْنَةً تَغْلِي مَرَاجِلُهَا وَالمُلْكُ بَعْدَ أَبِي لَيْلَى لِمَنْ غَلَبَا
[البسيط]
(< جـ7/ص 293>)